هل المكره مكلف
ج-----  لا بد أن نحرر محل النزاع بين الجمهور والحنفية بالنظر لهذين التقسيمين:
1/  نبدأ بالإكراه الملجئ عند الجمهور والشافعية ومن تبعهم : المُكرَه كالآلة عند يد المُكرِه وليس للمكره قدرة ولا اختيار فهذا لا شك أن المكره فيه غير مكلف لأن المكلف في هذه الحالة لا ينسب إليه شيء من العمل بل هو كالآلة في يد المُكرِه (غير مكلف باتفاق).
أمَّــا الحنفية  : فلا يسمون هذا إكراها بل يقولوا إن الفعل هنا غير منسوب إلى الإنسان أصلا فلا يقال إن هذا الشخص مكره.
فلو قلنا في المثال السابق الملقى من مكان عالي فالقاتل ليس هو الملقى به بل القاتل هو الملقي فكأن الشخص الملقى كالسيف في يد القاتل فلا يكون مكلفا ولا يكون إكراها فليس عندنا هنا فعل ينسب إلى الشخص الملقى.

2/ الإكراه غير الملجئ عند الحنفية :
وهو الذي يكون فيه التهديد بأمر أقل من القتل أو قطع عضو من  أعضاءه أو طرف من جسم الإنسان لا يمنع التكليف بالاتفاق بل المكره في هذه الحالة مكلف.
مثال1/ لو هدد شخص بأخذ ماله أو حبس ولده أو حبسه هو مدة قصيرة فإنه في هذه الحالة يكون مكرها لكنه لا يرفع التكليف بل يبقى المكره مكلفاً.
مثال2/ لو قيل له اترك الصلاة وإلا سنأخذ مالك فإنه لا يجوز له ترك الصلاة على أن يؤخذ ماله بل يبقى مكلفا وعليه أن يؤدي الصلاة لأن الإكراه هنا غير ملجئ ولأنه يبقى له القدرة والاختيار والضرر عليه يسير فإقبال المكره هنا على الفعل يكون باختياره لأنه متمكن من الصبر على الأذى الذي هدد به.

õ يبقى عندنا الإكراه غير الملجئ عند الجمهور والإكراه الملجئ عند الحنفية:
الإكراه غير الملجئ عند الجمهور الذي يكون فيه التهديد بقتل أو غيره وكذلك هو عند الحنفية ( لكن الجمهور يسمونه غير ملجئ والحنفية يسمونه ملجئ وينبغي أن ننتبه للاصطلاح.
فالجمهور يسمونه غير ملجئ لأنه أقل درجات الإكراه عندهم.
والحنفية يسمونه ملجئا لأنه أعلى درجات الإكراه عندهم.

فهنا من هدد بقتل أو قطع طرف من أطرافه أو بحبسه مدة طويلة أو ضربه ضربا شديدا على أن يفعل محرما أو يترك مأمورا به فهل يكون الإكراه هنا عذرا بحيث يكون المكره فيه غير مكلف أو نقول هو مكلف ولو أنه ترك مأمورا به فانه يستحق العقاب أو فعل محرما فإنه يستحق العقاب هذا حقيقة محل الخلاف في المسالة الإكراه غير الملجئ عند الجمهور والإكراه الملجئ عند الحنفية هل يعد إكراها عذرا رافعا للتكليف أو مسقطا للتكليف أو لا يكون كذلك.


القول الأول/
أن الإكراه لا يمنع التكليف ولا يعد مسقطا للتكليف ولا يعد عذرا في رفع التكليف.
المقصود بالإكراه هنا (غير الملجئ عند الجمهور والملجئ عند الحنفية).
وهذا هو مذهب الشافعية والحنفية وجمهور الأصوليين ولكن الحنفية يعبرون بعبارة أخرى وهي قولهم (إن الإكراه لا يؤثر في أهلية الوجوب ولا في أهلية الأداء) فالحنفية يعبرون عن التكليف بالأهلية.

القول الثاني /
أن الإكراه في هذه الحالة يمنع التكليف فيكون عذرا مسقطا للتكليف في هذه الحالة وهذا مذهب أكثر المعتزلة.
ومعناه عندهم أن من أكره على فعل مراد للشارع ففعله لأجل الإكراه لا يعد مكلفا فلا يثاب على هذا الفعل وإن امتنع يعد مكلفا معاقبا على الترك وإن أكره على فعل مخالف لمراد الشارع كالزنا وسب الرسول صلى الله عليه وسلم  فإن امتنع فهو مكلف ومثاب وإن فعل فليس بمكلف فلا يعاقب.
×  والسبب في هذا القول عند المعتزلة ينبغي التنبه له هو:   أنهم يربطون بين التكليف والثواب والعقاب ، فيقولون حيث وجد التكليف فلا بد من الثواب والعقاب وحيث عدم التكليف فلا ثواب ولا عقاب.
والجمهور مع قولهم إن الإكراه لا يمنع التكليف ولا يرفع التكليف ولا يكون عذرا مسقطا للتكليف لا يقولون إن المكره يؤاخذ على كل ما يقوله ويفعله ؛ لأن التكليف عندهم الخطاب بأمر أو نهي والمكره مخاطب وكونه مخاطب لا يلزم منه حصول الثواب أو العقاب ولا يلزم منه صحة جميع تصرفاته لكن الجمهور عندهم تفصيل فقهي في حكم المكره في هذه الحالة على النحو التالي:

1)  الإكراه بحق على بيع ماله لسداد مال الغرماء أو غير الغرماء أو على عتق عبده أو نحو ذلك وهذا ينفذ ويصح.
2) الإكراه بغير حق وهذا يختلف حكمه باختلاف الفعل المكره عليه.

فالفعل المكره عليه إما أن يكون قولاً أو فعلاً.  إن كان قولاً/ فلا يخلو من عدة أحوال:-
õ الحالة الأولى:  العقود المالية كالبيع والإجارة ونحو ذلك إذا أكره على شيء من ذلك فهذه لا تصح ولا تنعقد عند الجمهور ومذهب الحنفية إلا إنها فاسدة وليست باطلة ويمكن تصحيحها برضا العاقدين بعد ارتفاع التهديد والإكراه.
õ الحالة الثانية: العتق والنكاح والطلاق وهي عقود لا تقبل الفسخ وهذه لا تقع مع الإكراه عند الجهور وعند الحنفية تقع لأنها تقع مع الهزل ومع عدم الرضا كذلك ولكن يرجع على من أكرهه لضمان ما لحقه من الخسارة.
õالحالة الثالثة: الأقوال المحرمة كالنطق بكلمة الكفر وسب الرسول عليه الصلاة والسلام  يعد الإكراه فيها عذرا مسقطا لعقوبتها إن نطق بها وقلبه مطمئن بالإيمان والدليل قوله تعالى:+إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان ولكن من شرح بالكفر صدرا" والنطق بها يعد رخصة فإن صبر على الأداء وامتنع أثيب على ذلك وأما القذف ونحو ذلك من الألفاظ فالإكراه يسقط العقوبة والإثم المترتب عليه هذا ما يتعلق إذا كان الإكراه على الأقوال.
أحدث أقدم