إن من اللازم علينا أن نعطي موضوع التفرقة بين القرار الإداري والعقد الإداري ما تستحقه من عناية، خصوصاً وأن الفقه قد أختلف في شأن القرار الإداري والعقد الإداري، ذلك أن البعض يؤيد الأخذ بمعيار عضوي لإجرائها، في حين أن البعض الأخر ينادي بتطبيق معيار موضوعي. ومن أجل ذلك، ورغبة في التبسيط، تحسن التفرقة بين حالتين :

أولاً : صدور العمل عن إرادة منفردة:
قد يكون من المتفق عليه في مصر وفرنسا، أنه إذا صدر العمل القانوني من جانب واحد – هو جانب السلطة الإدارية- فإنه يكون قراراً إدارياً وليس عقداً إدارياً. لكن الصعوبة تدور وتثور عندما نحاول الإجابة على هذا السؤال وهو، (متى يعتبر العمل صادراً من جانب سلطة إدارية ومعبراً عن إرادتها وحدها؟).

لا شك أننا نكون أمام قرار إداري إذا كان مصدر العمل أو الإجراء فرداً واحداً فقط، أتخذه بناءً على سلطته المخولة له بمقتضى القانون، فرئيس الجمهورية مثلاً عندما يقرر، بالتطبيق للمادة الأولى من القانون رقم 61 لسنة 1963 بشأن الهيئات العامة، إنشاء هيئة عامة، إنما يصدر قراراً إدارياً يعبر فيه عن إرادة الدولة الشخص المعنوي العام الذي يعتبر رئيس الدولة ممثلاً له.

ولكن هل تعدد مصدر الإجراء أو العمل القانوني ، يتنافى مع كونه صادراً من جانب واحد؟، يبدو لنا أن الإجابة التي تفرض نفسها هي " لا " أي بالنفي ذلك أن اشتراك أكثر من فرد في تكوين إجراء معين، لا يتنافى بالضرورة مع كونه صادراً من جانب واحد وهو ما يسمح باعتباره قراراً إدارياً. فمن ناحية ، قد يكون تعدد مصدر القرار صورياً أو ظاهرياً، ويتحقق ذلك عندما ينسب القانون الإجراء إلى عضو واحد فقط من بين الذين شاركوا في تكوينه.

ومن ناحية أخرى، فإن التعدد الحقيقي لا ينفي – بصفة قاطعة – وجود قرار إداري ويتحقق التعدد الحقيقي لمصدر الإجراء حينما يشارك في تكوينه أكثر من جهة إدارية من نفس المستوى، فكثيراً ما يتطلب القانون في مصر وفي فرنسا، اشتراك أثنين من الوزراء مثلاً في إصدار عمل قانوني معين إذا كان هذا العمل يهم كليهما، كما هو الشأن بالنسبة لتحديد سعر السماد مثلاً.

فتعدد مصدر الإجراء هنا هو تعدد حقيقي وفعلي، ومع ذلك فإن الإجراء يعتبر قراراً إدارياً ذلك أن الوزيرين يتصرفان باسم شخص معنوي واحد، هو الدولة، والقرار الصادر منهما إنما يعبر عن إرادة هذه الدولة وليس عن إرادتهما كوزيرين.

الخلاصة من كل ذلك .. إلى أنه إذا صدر الإجراء سواءً من عضو واحد أو من أعضاء عديدين، معبراً عن إرادة شخص إداري واحد، فإنه يكون قراراً إدارياً. 

ثانياً: تعاون أكثر من إرادة في إصدار الإجراء:
في البداية يجب أن نحدد بالضبط نقطة موضوع البحث والإجابة على السؤال التالي وهو ( ما معنى أن تتعاون أكثر من إرادة في إصدار إجراء معين؟).

المقصود من ذلك هو أن يشترك في إصدار العمل القانوني إرادات مختلفة لأشخاص قانونية مختلفة، بمعنى أن يكون نتيجة مساهمة شخصين من أشخاص القانون العام، أو شخص من أشخاص القانون العام وشخص من أشخاص القانون الخاص. فما هو طبيعة هذا العمل .. هل هو قرار إداري أم عقد إداري؟

يجمع الفقه المصري على تبني معيار عضوي أو كمي لحسم هذه المسألة.. فطالما أن العمل القانوني صدور نتيجة تقابل إرادتين مختلفتين كان عقداً بغض النظر عن أية اعتبارات موضوعية تمس فحوى العقد وموضوعه. فكل عمل يتم باشتراك طرفين يعمل كل منهما لحسابه الخاص سواءً كان لكل منهما سلطة إدارية أو كان أحدهما سلطة إدارية وكان الثاني فرداً أو هيئة خاصة أعتبر عقداً وإتفاقاً.

أما الفقه الفرنسي، فقد تقاسمه في هذا الموضوع أو هذا الشأن اتجاهان متضادان : فالبعض يرى كما هو الحال في الفقه المصري أي الاعتماد على المعيار العضوي أو الكمي للتفرقة بين القرار الإداري ،والعقد الإداري، وبناءً على ذلك فالعمل الصادر عن إرادة واحدة فردية كانت أم جماعية، فيكون قرار إداري، أما العمل الذي يشارك في تكوينه إرادتان أو أكثر فهو بالضرورة، عقد إداري.

أما غالبية الفقه الفرنسي، فترى الاستناد إلى معيار موضوعي للتفرقة بين القرار الإداري بصفته عملاً صادراً من جانب واحد وبين العقد الإداري.

فعندما نكون إزاء أو أمام عمل قانوني شارك في إصداره أكثر من شخص قانوني، فإننا لا نستطيع بالنظر إلى تعدد مصدر الإجراء. أن نقرر أنه عقد، فالعامل الحاسم بهذا الصدد هو محتوى هذا العمل. والأمر لا يخرج والحالة مثل هذه عن فرضين هما:

الفرض الأول : وهو كون العمل موجهاً إلى تنظيم العلاقات المتبادلة لمن يشارك في إصداره، فنصوصه تنشئ حقوقاً والتزامات لبعضهم في مواجهة البعض الأخر، فهو حينئذٍ يأخذ صفة العقد.

والفرض الثاني: هو كون العمل يحكم سلوك أشخاص لم يشاركوا في تكوينه، أي أنهم يعتبرون غرباً بالنسبة له، فهذا العمل يعتبر لذلك صادراً من جانبٍ واحد ويأخذ صفة القرار فالخلاف الحقيقي بين العقد باعتباره عملاً ينشأ نتيجة تقابل إرادتين أو أكثر، والقرار بوصفه عملاً صادراً من جانبٍ واحد يكمن في أن الأحكام التي يقررها العقد تنظم سلوك أشخاص أعطوا موافقتهم على أحكامه، في حين أن أحكام القرار – بصفته صادراً من جانب واحد. تفرض نفسها استقلالا عن إرادة من تخاطبهم، بل ورغم معارضتهم له.

وعلى كل حال، يبدو أن مجلس الدولة الفرنسي يأخذ بعكس المحكمة الإدارية العليا المصرية أي بالمعيار الموضوعي للتمييز بين القرار الإداري والعقد الإداري، فهو بصدد اتفاق تم بين السلطة العامة والنقابة الوطنية لتجارة الأحذية بشأن تحديد سعر الأحذية يقرر أنه أمام قرار لائحي صادر من جانب واحد هو جانب السلطة الإدارية وأن كان إعداده قد خضع للتفاوض بينها وبين النقابة المعنية على أساس أن القرار الوزاري الذي وافق على هذا الاتفاق قد أعتبر أحكامه جزءاً منه أي أحكام الاتفاق.
أحدث أقدم