نظرية الظروف الطارئة
مقتضى نظرية الظروف الطارئة إنه إذا طرأ " خلال تنفيذ العقد الإداري حوادث أو ظروف طبيعية كانت أو اقتصادية أو من عمل جهة إدارية غير الجهة الإدارية المتعاقدة أو من عمل إنسان أخر، لم تكن في حسبان المتعاقد عند إبرام العقد ولا يملك لها دفعاً، ومن شأنها أن تنزل به خسائر فادحة تختل معها اقتصاديات العقد اختلالاً جسيماً فإن جهة الإدارة المتعاقدة ملزمة بمشاركة المتعاقد معها في احتمال نصيب من الخسارة التي أحاقت به طوال فترة الظرف الطارئ وذلك ضماناً لتنفيذ العقد الإداري واستدامة لسير المرفق العام الذي يخدمه، ويقتصر دور القاضي الإداري على الحكم بالتعويض المناسب دون أن يكون له تعديل الالتزامات العقدية".
وأساس نظرية الظروف الطارئة هو اعتبارات العدالة المجردة، وهدفها الأعلى هو تحقيق المصلحة العامة بناء على فهم صحيح لطبيعة العلاقة بين الإدارة ومن يتعاقد معها – من الهيئات والأفراد – في شأن من شئون المرافق العامة.
فمن ناحية الأولى: ليس من العدل والإنصاف وحسن النية في المعاملات أن يترك المتعاقد فريسة لظروف سيئة لا دخل له فيها وبدون أي تعويض استناداً إلى نصوص العقد الحرفية، ولمجرد الحرص على تحقيق الوفرة المالية، والرغبة الملحة في الحصول على المهمات والأدوات أو إنجاز الأعمال المطلوبة بأرخص الأسعار، لأن معنى ذلك استباحة الإضرار به.
ومن الناحية الثانية : إن عدم تعويض المتعاقد – في حالة الظروف الطارئة – لا يتفق مع المصلحة العامة، إذ ينتهي الأمر إلى إحدى نتيجتين: أما إلى خروج المقاولين أو متعهدي التوريد الأمناء الأكفاء من سوق التعامل مع الدولة، أو انصرافهم عن الاشتراك في المناقصات مستقبلاً، فيتلقف الزمام غير الأكفاء وغير الأمناء وتقع المنازعات والإشكالات التي تنتهي إلى تعطيل المرافق العامة.
وإما أن يعمد هؤلاء إلى تأمين أنفسهم، بأن يحتسبوا من ضمن أسعار عطاءاتهم مبلغاً للاحتياط ضد تلك المضار والأخطار المحتملة، وتكون النتيجة زيادة في الأسعار (أي ارتفاع أسعار المعطاءات المقدمة) مما يفوت على الإدارة غرضها في الحصول على أصلح الأيدي العاملة وبأفضل وأقل الأسعار وأنسبها، وهذه كلها نتائج يجب تفادي الأسباب المؤدية إليها، لأنها لا تتفق والمصلحة العامة.
ولتطبيق نظرية الظروف الطارئة شروط ثلاثة وهي كالتالي:
(1) أن يكون هناك حوادث استثنائية عامة ليس في الوسع توقعها، وهو ما يعني ضرورة التمييز بين المخاطر العادية والمخاطر غير العادية أي تلك المخاطر التي ليس بوسع المتعاقدين – عادة – توقعها عند إبرام العقد.
(2) وثاني هذه الشروط أن تكون الحوادث أجنبية عن العقد، أي ليست ناتجة عن عمل أو أخلال الإدارة بالتزاماتها، لأنها في الحالة الأولى تدخل في معنى عمل الأمير، بينما تقود – في الحالة الثانية- إلى تقرير مسئولية الإدارة التعاقدية بناء على فكرة الخطأ العقدي.
(3) وثالث هذه الشروط وأخرها أن يكون من شأن هذه الحوادث الإخلال الجسيم بالتوازن المالي للعقد، فلا يكفي – في هذا الصدد – أن يترتب عليها مجرد نقص في الربح، أو فوات مكسب، إنما يجب أن تصيب المتعاقد خسارة، علماً بأن الخسارة البسيطة غير كافية – وكذلك الخسارة الوقتية العارضة التي لا تسبب إخلالاً في التوازن المالي للعقد- لتطبيق نظرية الظروف الطارئة.
وتطبيقاً لذلك، يعتبر قيام الحرب من الحوادث الاستثنائية العامة الخارجية- التي لم يكن في الوسع توقعها- والتي يترتب عليها أنه إذا أصبح تنفيذ الالتزام أشد وطأة وإرهاقاً وأكبر كلفة، كان للمتعاقد مع الإدارة المطالبة بتطبيق نظرية الظروف الطارئة.
ويلاحظ أنه إذا وافقت السلطة الإدارية المتعاقدة على مد الفترة المحددة في العقد للتنفيذ، ووقع الحادث الطارئ خلال الامتداد – الذي سبق أن وافقت عليه الإدارة – فإن حكمه هو حكم المدة في العقد، أي أن نظرية الظروف الطارئة تنطبق في هذا الصدد.
والآثار تتلخص في إلزام جهة الإدارة المتعاقدة بمشاركة المتعاقد معها في الخسارة التي أصابته، ضماناً لتنفيذ العقد الإداري تنفيذاً سليماً، ويستوي – في هذا الصدد – أن يحصل التنفيذ من المتعاقد ، أو تقوم به الإدارة نيابة عنه وعلى حسابه.
فالتعويض الذي يحصل عليه المتعاقد مع الإدارة هو تعويض جزئي عن الخسارة المحققة التي لحقت به، ولذلك ليس له أي للمتعاقد مع الإدارة – أن يطالب بالتعويض بدعوى أن أرباحه قد نقصت أو لفوات كسب ضاع عليه، وعلى ذلك يجب – لتقدير انقلاب اقتصاديات العقد – أن يدخل في الحساب جميع عناصر العقد التي تؤثر في اقتصادياته، واعتبار العقد في ذلك وحدة واحدة، ويفحص في مجموعه لا أن ينظر إلى أحد عناصره فقط، بل يكون ذلك بمراعاة جميع العناصر التي يتألف منها، إذ قد يكون بعض هذه العناصر مجزياً ومعوضاً عن العناصر الأخرى التي أدت إلى الخسارة.