تعريف الفيلسوف
ولإعطاء صورة ولو موجزة عنه يقول
نيتشه «(الفيلسوف هو) ذلك الكائن الذي
يتصارع فيه لأول مرة… الميل الى الحقيقة مu
الأخطاء»
ويضيف ميرلوبونتيMerleau-ponty-Maurice
(1908-1961)« إن الفيلسوف هو الإنسان
الذي يستيقظ ويتكلم»
ومعنى هذا أن الفيلسوف شخص ينفرد عن
غيره بيقظة وعيه واتقاد حسه النقدي المتمثل
في استهدافه للحقيقة وإيمانه بأن الخطأ لحظة
من لحظات اكتشافها، والتزامه بها، وسعيه
الحثيث من أجل تبليغها ولو كره الكارهون.
ومن هنا كانت معاناة الفلاسفة ومحنهم العديدة
ولهذا ذاته يقال «الفلسفة معاناة» فهي معاناة
لإلحاحية القضايا وامتهان لحرقة السؤال.
ولقد كانت الفلسفة –كما أشرنا الى ذلك من قبل- مع اليونان
والى حدود القرن 18 «أم العلوم» إذ كانت تنتظم داخلها
مجموعة من المعارف والعلوم، فكانت بهذا
معرفة موسوعية بشتى الميادين وإحاطة شاملة
بالعديد من المواضيع والمباحث التي كانت
تندرج كلها تحت ثلاثة محاور رئيسية وهي:
مبحث الوجود أو الأنطولوجيا Ontologie
ومبحث المعرفة أو الإبستيمولوجياEpistémologie
ثم مبحث القيم أو الأكسيولوجيا Axiologie.
إلا أن مختلف العلوم، التي شكلت في
الماضي جزءا لا يتجزأ من الفلسفة
سرعان ما أخذت في الانفصال عن
الفلسفة-الأم.
وهكذا انفصلت تدريجيا كل من الرياضيات
والفيزياء وعلم الفلك والبيولوجيا و
السوسيولوجيا والسيكولوجيا وبهذا
تقلصت دائرة الفلسفة، فما الذي تبقى لها ؟.
جوابا على هذا السؤال يمكن القول بأنه إذا
كانت هذه العلوم وغيرها قد استقلت بذاتها
عن الفلسفة فكونت لنفسها موضوعات خاصة
بها وضبطت مناهجها وحددت مفاهيمها وتحلق
حولها رجالاتها وأعطت نتائجها سواء على
المستوى النظري أو العملي فإن الفلسفة لم
تتخل عنها بل سرعان ما عكفت على تفحص
هذه الموضوعات والمناهج والمفاهيم والنتائج
وانعكاسات كل هذا على الإنسان، وهذه هي
فلسفة العلوم أو الابستيمولوجيا.
ثم لا ننسى بأن مختلف هذه العلوم قد حققت
نتاجات تكنولوجية عالية خلقت بدورها نوعا
من الانبهار بها لدى الإنسان،ولكن الفلسفة
عادت مرة أخرى لدراسة مخلفات وعواقب
ومضاعفات هذه النتائج التكنولوجية على مستوى
الإنسان وبيئته، وهذا بهدف خلق نوع من التوازن
والانسجام بين الطبيعة والعلم وقيم الإنسان.
وهنا تكمن القيمة الأخلاقية للتصور الفلسفي
المعاصر، إذ أن الفلسفة التزام بقضايا الإنسان
ودفاع عن قيم الإنسانية الخالدة من حرية
وكرامة وعدالة وسعادة…
في سبيل بناء غد أفضل للإنسانية جمعاء.
فالفلسفة كما قال سقراط « درس في
تطهير العقل » ولكن التفلسف كما قال
إيمانويل كانط Emmanuel KANT
(1724-1804) « درس لا يتعلم »
إرسال تعليق