دهشة الفلسفة
للدهشة علاقة بأكثر من مفهوم مثل
العزلة والغربة والانفصال والانفصام
والذهول بل وحتى القطيعة.
إلا أن الدهشة الفلسفية غير الدهشة العلمية
أو العامية ذلك لأن العالم والعامي معا لا
يندهشان إلا أمام الظواهر الغريبة النادرة
بغية فهمها ومعرفة أسبابها كما قالت العرب
« إذا عرف السبب زال العجب» أما الفيلسوف
فيتجاوزهما ليندهش أمام كل الظواهر بل و
حتى أمام أكثر الأشياء والوقائع ألفة واعتيادا
مستهدفا تأمل ذاته وعالمه لتكوين صورة و
اضحة المعالم عنهما.
وقد ظهر التفكير الفلسفي كنمط جديد
في مناخ نظري ثقافي تميز بهيمنة
نوعين من التفكير: أولهما الأسطورة
وثانيهما السفسطة.
فأما الأسطورة (الميثوسMythos) فكانت
تنتصب كقول ديني مقدس يعرض للخوارق
وبطولات الآلهة وصراعاتهم وخلقهم لمختلف
الكائنات وتدبيرهم لشؤونها وسهرهم على نظام
الكون… إلخ.
وأما السفسطة فكانت تعتمد على أصناف الكلام
المجازي والمحسنات البديعية والتلاعب بالألفاظ
أو بكلمة واحدة على البلاغة لتمرير خطابها
المؤسس على مركزية الإنسان في الكون هذا
الإنسان الذي قال عنه أحد أقطابها وهو
بروتاغوراسProtagoras (481-411ق.م)
«الإنسان مقياس كل شيء»
ويمكن القول تجاوزا بأن كلا من الخطابين
الأسطوري والسفسطائي كان موجها الى
المشاعر والوجدان مدغدغا إياها ومخاطبا
عواطف الإنسان مكتسبا قوته إما من قداسة
الدين كما هو حال الأسطورة أو من سلطة
اللغة كما هو حال السفسطة.
وهكذا وجدت الفلسفة نفسها منذ بداية
عهدها بالحياة مطالبة بإثبات مشروعيتها
والدفاع عن كينونتها وانتزاع أحقيتها في
الوجود داخل الساحة الفكرية ليونان القرن
السادس قبل الميلاد.
فكان تسلحها بالمنطق (اللوغوسLogos)
ومخاطبتها لأنبل ما في الإنسان ألا وهو
العقل (نوسNous)
وفي هذا يقول هيرقليطس Héraclite
(544-483ق.م « دعونا نصغي لحكمة
اللوغوس» ويضيف أفلاطون «علينا أن
نساير العقل الى حيث يذهب بنا »
وبعد صراع مرير بين الفلسفة(اللوغوسOR)
والأسطورة (الميتوس) من جهة وبينها وبين
السفسطة من جهة ثانية استطاعت الفلسفة
باعتمادها الحوار التوليدي كمنهج والاستدلال
العقلي لإقحام الخصم والبرهنة على أطروحاتها
أقول استطاعت الفلسفة- أن تشق لنفسها طريقا
أوصلها إلينا اليوم ولكن ثمنها كان غاليا إذ مات
سقراط من اجل أن تحيا الفلسفة.
إرسال تعليق