الإجماع بتعريف بعض الأصوليين هو : ( اتفاقُ المجتهدينَ من أمَّةِ محمدٍ صلى الله عليه وسلم بعدَ وفاتِهِ ، في عصرٍ من العصورِ ، على حُكْمٍ شرعيٍّ ) . وعرَّفه آخرون بأنه : (اتفاقُ المُكَلَّفينَ من أمَّةِ محمدٍ صلى الله عليه وسلم ، في عصرٍ من العصورِ ، على حُكْمِ واقِعَةٍ من الوقائِعِ) . وقال آخرون هو : ( اتفاقُ أمَّةِ محمدٍ صلى الله عليه وسلم خاصَّةً على أمْرٍ من الأمورِ الدِّينيَّةِ ) . وذهب الإمام الطبري إلى أن ( قول الجمهور هو إجماع صحيح ) .
ويلاحظ أن هذه التعريفات غير متفقة على تحديد من هم أهل الإجماع : هل هم المجتهدون من أمة محمد ؟ المكلفون من أمة محمد ؟ أمة محمد ؟ جمهور العلماء من أمة محمد ؟ كما أن هذه التعريفات لا تربط الإجماع بعصر معين ، ولا تربطه صراحة بأي من المصدرين الأساسيين للتشريع ( الكتاب والسنة ) وإن كان هذا معلوماً ضمناً ، ولهذا ذهب فقهاء آخرون إلى تعريف مختلف للإجماع ، منهم الفقيه ابن حزم في كتابه ( الإحكام في أصول الأحكام ) الذي قال : ( وأمَّا شَيْءٌ نَقَلَهُ الثِّقَةُ عَنْ ثِقَةٍ كذلكَ ، مُبَلَّغاً إلى رسولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ ، فَمِنْهُ ما أُجْمِعَ على القَوْلِ بِهِ ، وَمِنْهُ ما اخْتُلِفَ فيهِ ، فهذا معنى الإجماعِ الذي لا إجماعَ في الدِّيانَةِ غيرُهُ البَتَّةَ ، وَمَنِ ادَّعَى غيرَ هذا فإنَّما يَخْبِطُ فيما لا يَدْري ، ويقولُ ما لا عِلْمَ لَهُ ، ويقولُ بما لا يفهمُ ، ويدينُ بما لا يعرفُ حقيقَتَهُ ، وقد علَّق أحمد شاكر في حاشية الكتاب مؤيداً ما ذهب إليه ابن حزم ، فقال : هذا هو الحق في معنى الإجماع والاحتجاج به ، وهو بعينه المعلوم من الدين بالضرورة ، وأما الإجماع الذي يدَّعيه الأصوليون فلا يُتَصَوَّر وقوعُه ، ولا يكون أبداً ، وما هو إلا خيال ) .
إلا أن هذا الخلاف بين الأصوليين والفقهاء على تعريف الإجماع لا ينفي أنهم أجمعوا على كثير من الأحكام ، وبخاصة منها الأحكام المتعلقة بالعقيدة والعبادات والأخلاق ، وهذا ما أشار إليه الإمام الشافعي رحمه الله تعالى الذي قال رداً على من سأله : ( هل مِنْ إجماعٍ ؟ فأجابَ : نَعَمْ بحمدِ اللهِ كثيرٌ في جملةِ الفرائضِ التي لا يَسَعُ أحداً جَهْلُها ، فذلكَ الإجماعُ الذي لو قلتَ أجْمَعَ النَّاسُ لم تَجِدْ حَوْلَكَ أحداً يعرفُ شيئاً يقولُ ليسَ هذا بإجماعٍ ، فهذا الطريقُ يَصْدُقُ فيها من ادَّعَى الإجماعَ) .
وقد مرَّ مفهوم ( الإجماع ) بمراحل عديدة قبل أن يتبلور ويصبح مصدراً من مصادر التشريع المعتمدة عند الأصوليين والفقهاء ، فبعد انتقال النبي صلى الله عليه وسلم إلى الرفيق الأعلى كان الخلفاء الراشدون رضوان الله تعالى عليهم إذا عرضت لأحدهم قضية جمع حوله كبار الصحابة ممن عُرفوا بالفقه ، فيعرضها عليهم ويستشيرهم فيها ، فإذا أجمعوا على رأي أمضاه ، فكان هذا إجماعاً من الصحابة رضوان الله تعالى عليهم ، وقد ظل إجماعهم على مرِّ العصور محلَّ اعتبار وتقدير من عامة الفقهاء الذين ظلوا حريصين على معرفة مواضع إجماع الصحابة ليتبعوه ، وحتى في حال اختلاف الصحابة حول مسألة ما من المسائل ظل الفقهاء حريصين أن يدور اجتهادهم في دائرة اجتهاد الصحابة ، كما ظل كلُّ فقيه حريصاً أن لا يَشُذَّ بأقوال يخالف بها ما عليه فقهاء عصره ، وعلى هذا المنوال من الاتِّباع جرى العُرف في تاريخ الفقه الإسلامي ، وأصبح الإجماع حجة ومصدراً من مصادر التشريع يأتي مباشرة بعد الكتاب والسنة .
وقد أحصى الإمام ابن المنذر عدد المسائل المجمع عليها في نحو ( 700 مسألة ) ، وأوصلها الإمام أبو إسحاق الأسفراييني إلى أكثر من عشرين ألف مسألة ، ( والحقيقة أنه لا تُعتمد هذه الإجماعات الفقهية إلا بعد التثبُّت والتحرِّي ، فلربَّما يراد بها اتفاق الأكثر لا الجميع ، ولربَّما قصد بها اتفاق أئمة المذاهب الأربعة دون غيرهم ، أو مجرد اتفاق علماء المذاهب دون غيرهم ، أو لعدم العلم بالمخالف ، والغالب أنه يراد به الاتفاق المذهبي ) .
وبسبب هذه الاختلافات حول ( الإجماع ) والمسائل التي أجمعوا عليها فقد شكك بعض العلماء بانعقاد الإجماع أصلاً وقالوا باستحالة وقوعه ، وبخاصة منه الإجماع الذي ينسب إلى عصر ما بعد الشيخين أبي بكر وعمر رضي الله تعالى عنهما ( لأن المجتهدين من الصحابة قد انتشروا في الآفاق وتفرَّقوا في الأمصار ، وغاية ما يستطيع الفقيه أن يقول : لا أعلم في هذه المسألة خلافاً ) .
وفي المقابل ، ذهب كثير من العلماء إلى أن الإجماع بمعنى اتفاق المجتهدين في كل عصر من العصور على حكم واحد هو أمر غير ممكن ، لأسباب عديدة ، منها تفاوت قدرات العلماء على الاجتهاد والاستنباط ، ومنها اختلافهم في طرائق الاستدلال ، ومنها اعتماد بعضهم على أدلة يعدُّها آخرون ضعيفة أو غير معتبرة ، إلى غير ذلك من العوامل المختلفة التي تجعل الإجماع أمراً عسيراً ، ناهيك عن الخلاف بين الفقهاء حول من هم الذين ينعقد بهم الإجماع ؟ وما حدود المجتهدين الذي ينعقد بهم الإجماع ؟
ومع أن الإمام الشافعي كما أسلفنا أشار إلى إجماع الأمة على كثير من الأحكام المتعلقة بالفرائض فإنه في كتابه ( جماع العلم ) شكَّك بحصول الإجماع في بقية المسائل ، حين سأل مُناظِرَهُ : ( مَنْ هُمْ أهْلُ العِلْمِ الذين إذا أجمعوا قامَتْ بإجماعِهِمُ الحُجَّةُ ؟ فقال مُناظِرُهُ : هُمْ مَنْ نَصَّبَهُ أهْلُ بَلَدٍ من البلدانِ فيها وَرَضُوا قَوْلَهُ وَقَبِلوا حُكْمَهُ . فأجابَ الشَّافعي : ليسَ مِنْ بلدٍ إلا وفيهِ مِنْ أهلِهِ الذينَ هُمْ بمثلِ صِفَتِهِ مَنْ يَدْفَعونَهُ عَنِ الفقهِ ، ويَنْسِبونَهُ إلى الجَهْلِ ، أو إلى أنَّهُ لا يَحِلُّ لَهُ أنْ يُفْتيَ ، ولا يَحِلُّ لأحَدٍ أن يَقْبَلَ قولَهُ ، وعلمتَ تفرُّق أهلِ كلِّ بلدٍ فيما بينَهُمْ ، ثمَّ علمتَ تَفَرُّقَ كلِّ بلدٍ مع غيرِهِمْ .. فأينَ اجتمعَ هؤلاءِ على تَفَقُّهٍ واحدٍ ؟! ) . وقد بين فضيلة الشيخ يوسف القرضاوي ( أن كثيراً مما ادعي فيه الإجماع من مسائل الفقه قد ثبت فيه الخلاف ، وقد لمست هذا بنفسي ، وأنا أبحث في " فقه الزكاة " في عدد من المسائل ، وهذا ما جعل الإمام أحمد يقول كلمته المشهورة : من ادعى الإجماع فقد كذب ، وما يدريه ، لعل الناس اختلفوا وهو لا يدري ) .
ولا نريد الوقوف طويلاً عند هذه الخلافات حول تعريف الإجماع وكيفية انعقاده ، بل نمضي مع القائلين به فنعده حجة في التشريع كما عدوه حجة ، إلا أننا لابد أن نلاحظ في مسائل الإجماع ما لاحظناه عند الحديث عن السنة التي قلنا بضرورة التفريق بين ما جاء فيها من أحكام مطلقة لا تتعلق بزمان ولا مكان ولا أحوال ( مثل أصول العقيدة والعبادات والأخلاق ) وبين الأحكام العملية التي تتعلق بأفعال العباد ، وتؤثر فيها ظروف الزمان والمكان والأحوال ، فكذلك إجماع الفقهاء في مصر من الأمصار ، وفي عصر من العصور ، على حكم من الأحكام العملية ، فهو لا يجعل هذا الحكم ملزماً بالضرورة لبقية الأمصار والعصور ، وذلك بسبب اختلاف العادات والظروف والأحوال ، ما بين مصر ومصر ، وعصر وعصر .
ومما يلفت النظر في هذا المقام أن الفقهاء إذا كانوا قد أجمعوا على عدد من الأحكام المتعلقة بالعقيدة والفرائض والأخلاق فإنهم قلما أجمعوا على حكم من الأحكام العملية ، وهذا ما نلمسه بوضوح في مختلف الأحكام التي تفيض بها كتب الفقه ، فهذه الكتب في جملتها كتب خلاف لا كتب إجماع .
ومع تسليمنا بأن الإجماع في ( المسائل العملية ) التي تتعلق بأفعال العباد قد وقع فعلاً في عصر الصحابة الأول ، لأنهم كانوا في مبدأ الأمر مجتمعين في مصر واحد ، فإننا نرى أن إجماعهم في هذه المسائل العملية ليس ملزماً بالضرورة لغير عصرهم ، ومن ثم يمكن لفقهاء كل عصر أن يكون لهم إجماعهم الذي قد يوافق إجماع من سبقوهم أو يخالفه ، لأن الأحكام العملية قابلة للتغير بتغير الأحوال والأزمان والبيئات كما تقضي القاعدة الأصولية المعروفة ، وهذا ما ذهب إليه بعض الأصوليين فقالوا : ( يجوز حصول إجماع آخر ، إذ قد يظهر للمتأخرين دليل يوجب حُكماً بخلاف الحكم السابق ، ويكون الإجماع الأول حُجَّة لا يقتضي امتناع حصول إجماع آخر مخالف له ، إذ يمكن أن يتصور كون الإجماع حجة إلى غاية معينة هي حصول إجماع آخر ، فلا يلزم تصادم الإجماعين . وقد رجَّح هذا الرأي بعض أساتذتي الأجلاء ، لأن غاية ما هنالك أنه نَسَخَ إجماعاً سابقاً ، والنسخ بعد انقطاع الوحي جائز فيما يثبت بالاجتهاد ، أي فيما لم يُعلم حكمُه من الدِّين بالضرورة ) . وقد أكد فقيه آخر هذا الرأي فقال : ( إن من الإجماع ما يقبل الإبطال بإجماع جديد . وذلك فيما بني الإجماع فيه على عرف تبدل ، أو مصلحة زمنية تغيرت ، لأن المصلحة المذكورة هي علة الحكم ، والمعلول يدور مع علته وجوداً وعدماً . صحيح أن الجمهور منعوا ذلك ، لأن كون الإجماع حجة يقتضي امتناع حصول إجماع آخر مخالف له ، وجوَّزه أبو عبد الله البصري ، وقال : إنه لا يقتضي ذلك ، لإمكان تصور كونه حجة إلى غاية ، هي حصول إجماع آخر ، قال الصَّفِيُّ الهندي : ومأخذ أبي عبد الله قوي ، وقال الرازي : وهو الأولى . وكذلك ذكر العلامة البزدوي : أن الإجماع الاجتهادي يجوز أن ينسخ بمثله . وينبغي حمل كلام الجمهور في عدم الجواز على الإجماع النقلي ، أي المبني على دليل نقلي من كتاب أو سنة ، فإن الإجماع الثاني لا يتصور إلا بحدوث دليل جديد من كتاب أو سنة ، وهو غير ممكن بعد انقطاع الوحي ) ثم يستدرك هو نفسه حتى على الإجماع المبني على النقل فيقول : ( إن بعض مواضع الإجماع النقلي ذاته قابلة للاجتهاد إذا كان النص مبنياً على رعاية عُرف معين أو مصلحة معينة ، فتبدل العرف أو تغيرت المصلحة ) ويضرب على ذلك مثالاً من إجماعهم على نصابين للزكاة : أحدهما من الذهب والآخر من الفضة ، بناء على ما صح من أحاديث ، وما ورد من آثار ، فيقول ( إن هذا الإجماع مبني على عرف قائم في عصر النبوة ، وهو وجود عملتين متداولتين في المجتمع ، إحداهما من الدراهم الفضية القادمة من فارس والأخرى من الدنانير الذهبية الواردة من دولة الروم ، وكان الدينار حينئذ يصرف بعشرة دراهم ، فقدر النِّصاب بمبلغين متساويين في القيمة وقتها . ولكن الوضع تغير ، وخاصة في عصرنا ، فأصبحت قيمة النِّصاب إذا قدر بالفضة دون نصاب الذهب بمراحل . فاقتضى الاجتهاد الصحيح توحيد النصاب ، واعتباره بالذهب ، لأنه وحدة التقدير التي احتفظت بثباتها النسبي على مر العصور ) .
إن هذه الاستدراكات كلها على مبدأ الإجماع ـ من اختلاف الأصوليين على تعريفه ، واختلافهم على حجيته ، وإمكانية نسخ إجماع سابق بإجماع لاحق ـ تفتح الباب أمام المجتهدين لجملة من الأحكام غير التي بنيت قديماً على الإجماع ، كما أن هذه الاستدراكات يمكن أن تحرِّر جملة من نصوص التنزيل الحكيم من القيود التي لحقت بها من جراء بعض الإجماعات القديمة ، ولاسيما في ( المسائل العملية ) التي انتهينا إلى ضرورة مراعاة تغير الأحوال والأزمان والبيئات عند الاجتهاد فيها ، وإذا كان ثمة إجماع سابق بشأنها فلا بأس أن نستأنس به ، ولكن دون أن يكون ذلك الإجماع ملزماً لنا بالضرورة ، وحجتنا في هذه الرؤية ما يأتي :
1. لقد أقام بعض الأصوليين حجية الإجماع على أساس أن الأمة لا تجتمع على ضلالة ، كما ورد في بعض الأحاديث والآثار ، ويمكن اليوم بالمنطق نفسه نسخ إجماع قديم بإجماع جديد تُجمع عليه الأمة ، فكما أن الأمة لم تجتمع في الماضي على ضلالة فإنها اليوم لا تجتمع على ضلالة ، وكما اجتمعت في الماضي على رأي معين فإنها يمكن أن تجتمع اليوم على رأي آخر مختلف عنه .
2. اعتبر القائلون بحجية الإجماع أن الخروج على الإجماع هو اتباع لغير سبيل المؤمنين ، وأنه حرام يسري عليه قوله تعالى : ( وَمَنْ يُشاقِقِ الرَّسولَ مِنْ بَعْدِ ما تبيَّنَ لهُ الهُدَى وَيَتَّبِعْ غيرَ سبيلِ المؤمنينَ نُوَلِّهِ ما تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جهنَّمَ وساءَتْ مَصيراً ) ، وهذا احتجاج غير دقيق ، فكما أجمع المؤمنون في الماضي على بعض الآراء فإن المؤمنين في كل عصر يمكن أن يجمعوا على آراء مغايرة ، وليس في هذا مخالفة للرسول صلى الله عليه وسلم ولا للمؤمنين ، بل الكل يصح وصفهم بالمؤمنين ، ماداموا يعتمدون الدليل المعتبر شرعاً .
3. عارض بعض الأصوليين الإجماع ولم يعتدوا به لأن سنده ظني الثبوت ، فَرَدَّ عليهم القائلون بالإجماع بأن ( الإجماع يَرْفَعُ السَّنَدَ مِنْ مَرْتَبَةِ الظنيَّة إلى مَرْتَبَةِ القَطْعِيَّةِ ) ، ونحن نقول إن تقوية السَّند لا يجعل من الإجماع حجة نهائية ، لأن الإجماع قد يتعلق بظروف وأحوال قابلة للتغير كما أشرنا مراراً ، ومن ثم فإن الإجماع في الأمور العملية ليس ملزماً بالضرورة لغير عصر القائلين به .
وخلاصة القول : إننا لا ننفي إمكانية وقوع الإجماع في الماضي ، ولكننا نضعه في إطاره الزمني وظروفه التي ينبغي للمجتهد أن يأخذها بعين الاعتبار في سياق اجتهاده ، وهذا يعني إمكانية حصول اجتهاد جديد ينسخ إجماعاً قديماً ، لاسيما بعد هاتيك العصور المتطاولة التي مضت على إجماع السابقين ، وبعد التغيرات العميقة الواسعة التي طرأت على حياة الناس اليوم ولم يكن للسابقين عهد بها .
أضف إلى هذا ما توافر اليوم للمجتهدين المعاصرين من وسائل اتصال جعلت تبادل الرأي فيما بينهم أمراً ميسوراً مهما تباعدت ديارهم ، ما يجعل إجماعهم اليوم أمراً ممكناً أكثر مما كان في الماضي ، إلى جانب ما توافر لهم كذلك من كتب السنة وكتب الفقه وغيرها من المراجع المحقَّقة التي لم تتوافر للذين سبقوهم ، فهذه العوامل كلها تفتح الباب واسعاً للاجتهاد الذي لا يبعد أن ينتهي إلى إجماعات جديدة غير التي أجمع عليها الفقهاء في الماضي ، وبهذا يمكن إعادة ترتيب العلاقة ما بين القرآن الكريم وبعض الإجماعات القديمة التي قد تكون قيَّدت بعض نصوص القرآن الكريم فأفقدتها سمة الطلاقة عن ظروف الزمان والمكان والأحوال ـ التي هي من أخصِّ خصائص هذا الكتاب العظيم ـ وأعاقتها عن الاستجابة لمتغيرات الأحوال ، ولاسيما في عصرنا الراهن الذي راحت فيه التغيرات تتسارع بوتيرة مذهلة جعلت الهوة ما بين كثير من الاجتهادات المعتمَدة في كتب الفقه وبين واقع العصر تزداد اتساعاً بصورة باتت تهدد بانفصال تراثنا الفقهي عن واقع عصرنا .