صراع حتمى بين العمال ورأس المال
       لا باسم الحق  والعدل الأزليين – اللذين يسخر منهما فردريك إنجلز – ولكن باسم حتمية صراع المتناقضات !
       تحاول الرأسمالية أن تسحق طبقة العمال بكل وسائل السحق، التشريعية والقضائية والتنفذية00 ولكن الحتمية لابد أن تقع فى النهاية، ويتغلب العمال، ويستولوا على السلطة، ويقيموا دكتاتورية البروليتاريا، التى تلغى الملكية الفردية لأدوات الإنتاج، وتحل محلها الملكية الجماعية، وتمحق الطبقات التى- كانت- مستغلة، وتقيم حكمها لصالح البروليتاريا(لا لأن ذلك هو الحق والعدل! ولكن لأنها أصبحت هى الطبقة الحاكمة!!) فتأخذ من كل بقدر طاقته وتعطى كلا بقد حاجته00 ثم00 فى النهاية تذوب الدولة ذاتها وتصبح غير ذات موضع، ويتحقق عندئذ النعيم الموعود00 على دخان الحشيش والأفيون!
       وبصرف النظر عن مجموعة((الأساطير)) التى يحملها التفسير الجاهلى للتاريخ فى هذا الموضوع00 إذ تنبأ ماركس بقيام الشيوعية فى انجلترا أول ما تقوم لأنها كانت- فى نظره- أعلى دولة مصنعة فى أوروبا، حيث((يتحتم))فى نظره أن يقوم الصراع الذى يؤدى إلى تسلم العمال السلطة وسحق الرأسمالية، بينما قامت الشيوعية فى الواقع فى أكثر مناطق العالم تأخراً من الناحية الصناعية، روسيا ثم الصين!- وبقيت انجلترا رأسمالية إلى هذه اللحظة فى القرن العشرين بعد تنبؤات ماركس بثمانين سنة! بالإضافة إلى((تخريفات)) التنبؤ بالمستقبل البعيد الذى تمحى فيه الدولة وينعدم السلطان، وينقلب الناس إلى ملائكة مطهرين لا يثور فى قلوبهم غل ولا مطامع ولا شهوات!! وبالإضافة إلى أن التجربة العلمية فى الشيوعية قد ارتدت فى أربعين عاماً فقط من حكمها عن كثير من مبادئ اللينينية الاستالينية، إذ أباحت قسطاً من الملكية الفردية- فى حدود- وأباحت التفاوت فى الأجور، وصارت تندد بضعف الإنتاج فى المزارع الجماعية مما يوحى بعزمها على إرجاع الملكية الفردية للأرض0
       بصرف النظر عن هذه الأساطير كلها، فإننا هنا نتحدث عن الجانب السياسى وحده من الموضوع0 نتحدث عن((دكتاتورية)) البروليتاريا0
       لا نحتاج نحن أن نتكلم!
       يقول خروشوف فى تقرير اللجنة المركزية أمام المؤتمر الثانى والعشرين للحزب الشيوعى:
       ((فيما مضى، فى عهد الفرد[أى فى عهد ستالين] انتشرت سمات فاسدة فى قيادة الحزب والدولة والاقتصاد0 هى القيام بإصدار الأوامر، وطمس النقائص، والعمل بحذر، والخوف من الجديد وفى تلك الظروف ظهر عدد غير قليل من المتملقين والمهللين والمموهين))0
       وليس ببعيد عن ذاكرة الناس ما وصفت به الصحف الروسية ستالين- بعد أن مات!- من أنه- سفاح0 قاتل0 مجرم0 خائن للمبادئ الإشتراكية00 الخ0
       إن الدكتاتورية- فى دكتاتورية البروليتاريا- تصل فى عنفها وقساوتها ووحشيتها إلى أقصى ما يصل إليه خيال الإنسان00
       الاعتقال- إلى غير مدى محدد- والتعذيب الوحشى الذى تنفر مشاعر((الإنسان)) حتى من تصوره0 والمحاكمات الصورية التى تنتهى بالإعدام أو السجن مدى الحياة00 كلها إجراءات((عادية)) تمارس على نطاق واسع مع كل من تحدثه نفسه بالخروج على((الزعيم المقدس)) وسلطانه الذى يجرى بلا حدود0
       والحكم البوليسى، الذى يقوم على الجاسوسية والإرهاب، هو الوسيلة((العادية)) لحكم الدولة0
       والرعب الدائم، المذل لكرامة الإنسان، هو الوضع((العادى)) للفرد0
       وذلك كله، تحت ستار مظهرى، من((الانتخابات)) والمجالس النيابية، والتمثيل الشعبى، ومجالس السوفييتات00 وما لا أول له ولا آخر من العنوانات!
       والصحافة- الحرة!- تقوم بتمجيد الزعيم((الأوحد))- فى حياته!- ثم تقوم بلعنه والبصق على وجه- بعد موته!- بأمر الزعيم الأوحد الجديد0
       تلك صورة الحياة- السياسية- فى ظل دكتاتورية البروليتاريا00 تنتقل بحذافيرها إلى كل منطقة تسود فيها، لأنها الصورة((العادية)) لهذا النوع من الحكم، الذى لا يمكن أن توجد له صورة سواها فى أى مكان!
* * *
       والطيبون00 أو السذج البسطاء00 الذين يأخذون الأمور من سطوحها، والذين هم- قبل ذلك- يعيشون فى جاهلية فكرية تمنعهم من رؤية الحقيقة ورؤية العلاج00
       هؤلاء يظنون00 ويتمنون على الله(!)00 أن فى الإمكان إصلاح هذه الأنظمة الفاسدة من الحكم، سواء دكتاتورية رأس مال أو دكتاتورية البروليتاريا،- بـ((رش)) قليل من((الحرية)) و((الديمقراطية)) فوق كل منهما، فإذا هى غاية المرام ونوال المأمول!
       أولئك يعيشون فى الجاهلية الفكرية- بعيداً عن منهج الله وهداه- فلا يرون آثام الجاهلية المفسدة فى هذه الأنظمة كلها؛ وأنها لابد أن تقوم على الطاغوت، لأنها لا تقوم على منهج الله، ولا تحكم بما أنزل الله0
       إن المشكلة فى هذه الطواغيت ليست مشكلة سطحية قابلة للعلاج برش قليل من الحرية والديمقراطية عليها! إنها أعمق من ذلك كثيراً فى بنية النظام ذاته00
       إن الرأسمالية لا يمكن أن تكون دكتاتورية00 الشيوعية لا يمكن أن تكون دكتاتورية! وكل حكم غير حكم الله لابد أن يكون طاغوتاً00 ليس هناك وسيلة- ما- لمزج الحرية والديمقراطية بأى منها بحيث تبقى على((فضائلها)) وتقضى على مفاسدها!
       الفساد فى بنية النظام ذاته00 فى أعماقه00 لا فى الأداة المنفذة له ولا فى وسائل التنفيذ0
       والعلاج((الأوحد)) ليس فى مزجه بالحرية والديمقراطية- وهو أمر فى ذاته غير ممكن- وإنما هو تغييره من أساسه وبالرجوع إلى منهج الله دون سواه، والحكم بما أنزل الله0
* * *
       تقول كلتا الدكتاتورية إنها تلجأ إلى خنق الحرية والتضييق على الناس00 لأنها فى حرب((مقدسة))!!
       فأما الدكتاتورية رأس المال فإنها لا تعرف بأنها دكتاتورية! وتزعم أنها((ديمقراطية)) مائة فى المائة! وأنها خلاصة إرادة الشعب ورغباته! ولكنها حين تسأل عن قبائحها فى إرهاب العمل، أفراداً ونقابات، وفى إقصاء كل من يشتم منه الدفاع عن الحريات الحقيقية- التى تمس مصالحهم الخاصة- إقصائه عن الحكم، أو عن مراكز التوجيه، أو إقصائه عن الحياة ذاتها بالاغتيال(!)00 حين تسأل عن ذلك كله تقول: إنها مضطرة إلى ذلك اضطراراً، لأنها تحارب((المبادئ الهدامة))00 أى مبادئ الشيوعية!
       وأما دكتاتورية البروليتاريا، فتزعم بطبيعة الحال أنها((ديمقراطية))! وإن كان الاسم((المذهبى)) ((العلمى)) لها يصمها بالدكتاتورية00 ولكنها حين تسأل عن قبائحها فى إرهاب مجموع الشعب، والفتك بالمعارضين وإزالتهم من الوجود00 تعتذر بأنها مضطرة إلى ذلك اضطراراً، لأنها تحارب((الرجعية))00 أى الرأسمالية!
       وهكذا يحتج كل من المعسكرين بأنه فى حرب((مقدسة)) ضد المعسكر الآخر0 وأن((الأعداء)) يتربصون بالنظام ويتمنون تقويضه، ويعملون على ذلك إن استطاعوا فلابد من أخذهم بالشدة والعنف، محافظة- أى والله- على مصالح الجماهير! ومكاسب الجماهير! ووجود الجماهير!
       وهى حجة واهية زائفة لا تثبت للتمحيص00!
       فليست هذه أول مرة فى التاريخ يواجه فيها النظام القائم أعداء من الداخل أو الخارج، يتربصون به، ويعملون على تقويضه، ويتصلون بالمعسكرات المعادية لتمدهم بالعون وتساعدهم على التقويض!

Previous Post Next Post