النظام الإقطاعى فى العصور الوسطى
نظام الإقطاع
النظام الاقطاعي في العصور الوسطى
نظام الاقطاع الحربي في الدولة العثمانية
الإقطاع في الإسلام
الاقطاع فى مصر
خصائص النظام الاقطاعي
انهيار النظام الاقطاعي
النظام الاقطاعي في مصر
بحث عن نظام الاقطاع في اوروبا

نظام الإقطاع
فى وقت من الأوقات كان الإقطاع هو السائد فى أوروبا .. وكان يستعبد الناس للأرض عبودية حقيقية. بمعنى أن الإنسان لا يحق له أن يغادر الأرض إلى أرض أخرى، وإلا اعتبر آبقاً. ورده ((القانون)) بالقوة إلى الأرض التى أبق منها، موسوماً مكوياً بالنار، لأنه تجرأ فخرج على ((الإله)) الصغير صاحب الإقطاعية الذى يستعبده لنفسه ويربطه كذلك بالعبودية للأرض. وكان صاحب الإقطاع هذا هو الذى يحدد للعبد الذى يزرع الأرض المقدار الذى ((يحوزه)) من الأرض ليعيش عليه. ولكنها حيازة غير كاملة . فهى أشبه بالأرض المحددة للبهيمة ترعى فيها الحشائش لتعيش، وتدر اللبن والسمن، وليس لها أن تتجاوزها، لأنها مربوطة فيها بالقيد0
((ونظام الإقطاع عبارة عن أسلوب من الإنتاج الصفة المميزة له هى التبعية الدائمة Sdrfdom . ويعرفونه بأنه نظام فى ظله يلتزم المنتج المباشر نحو سيده أو مولاه بأداء مطالب اقتصادية معينة، سواء أكانت تلك المطالب تؤدى على هيئة خدمات يقوم بها، أم على شكل مدفوعات (أو استحقاقات) يؤديها نقداً أو عيناً 0
((ولتوضيح ذلك نقول إن المجتمع الإقطاعى كان ينقسم إلى طبقتين:
((الأولى وتشمل ملاك الأبعاديات الإقطاعية))0
والثانية وتتكون من المزارعين على اختلاف مراتبهم. فمنهم الفلاحون والعمال الزراعيون والعبيد، وإن كان عدد الآخرين ظل يتناقص باطراد وسرعة. فهؤلاء الفلاحون، أى المنتجون المباشرون، لهم الحق فى حيازة مساحة من الأرض يعتمدون عليها بوسائلهم فى كسب معاشهم وإنتاج ما  يلزمهم من أسباب العيش، كما يمارسون فى بيوتهم الصناعات البسيطة التى تتصل بالزراعة. ولكنهم مقابل ذلك يلزمون بأمور عدة مثل الخدمة الأسبوعية فى أرض الشريف مع آلاتهم وماشيتهم، والخدمة الإضافية فى المواسم الزراعية، وتقديم الهدايا فى الأعياد والمناسبات الخاصة، وعليهم كذلك أن يطحنوا غلالهم فى المطاحن التى يقيمها الشريف وأن يعصروا كرومهم فى معصرته0
((وكان الشريف يمارس أمور الحكم والقضاء . أى أنه يشرف على تنظيم الحياة الاجتماعية والسياسية بالنسبة لأهل منطقته0
((000 غير أن هذا المنتج المباشر فى ظل النظام الإقطاعى لم يكن حراً بالمعنى الذى نعرفه فيما بعد، فهو لا يملك الأرض ملكية كاملة، ولا يستطيع التصرف فيها بالبيع والتورث والهبة0 وكان يؤدى أعمال السخرة فى أرض الشريف الخاصة رغماً عنه وضد مصلحته0 وعليه أن يؤدى ضريبة- غير محدودة المقدار- اعترافاً بعلاقة التبعية، وهو ينتقل مع الأرض إذا ما انتقلت هذه من يد إلى أخرى0 وليست له الحرية المطلقة فى مغادرة مكان العمل أو الالتحاق بخدمة سيد آخر0 فهو إذن يمثل حلقة متوسطة بين العبد فى العصور القديمة والمزارع الحر فى العصر الحديث))([1])0 
تلك هى الصورة البشعة التى كانت تعيشها أوروبا فى جاهلية العصور الوسطى، بحراسة الكنيسة الأوروبية لهذه الأوضاع! وهى الصورة التى لم يعرفها العالم الإسلامى- قط- وهو مسلم! رغم كل ما أصابه من انحراف جزئى فى سياسة الحكم والمال! فقد كانت شريعة الله النافذة- ولو جزئيا!- فى واقع الأرض، تحول دون هذا الظلم الكافر الذى لا يحكم بما أنزل الله، وإنما يحكم((بعدالة)) القانون الرومانى الشهير00! 
وجاء الوقت الذى آذن فيه الإقطاع بالإنهيار0 لا لأن ضمير أوروبا أوجعها! فضمير الجاهلية لا يوجعها قط! ولكن- حسب التفسير المادى للتاريخ- وهو صادق أشد الصدق فى تفسير جاهلية البشر عبر التاريخ- انهار الإقطاع لأن((طوراً)) اقتصاديا جديداً نشأ على مولد الآلة0
الطبقة الصاعدة- بحكم التحول المادى- تهدم الطبقة التى أدت دورها- بحكم الظروف المادية- وأصبحت (واجبة) التحطيم، ومن ثم ((حتمية)) الانهيار!
وهذا التحول المادى – الطبقى، لا مكان فيه للحق والباطل فى رأى زبانية التفسير المادى للتاريخ!
إن الإقطاع لا ينهار – أو لا ينبغى أن ينهار – لأنه ظالم. وإنما لأنه أدى دوره المادى – الطبقى. والنظام الجديد – أى نظام جديد – لا يقوم – أو ينبغى أن يقوم – لأنه يمحو الظلم الماثل، ولكن لأن دوره المادى – الطبقى قد حل. أى أنه حلت ((حتميته التاريخية))!
ولا تفرق المادية التاريخية بين ((الطور)) الاقتصادى الناشئ من تعديل أساليب الإنتاج. وبين ((الطبقية)) التى تحكمه، وتستغله، وتكون هى سيدته. لأنه فى الجاهلية – الواقعية والتفسيرية معاً- لا يحكم الناس بما أنزل الله، وإنما يحكمون بأهوائهم، ومن ثم تكون ((الطبقية)) المالكة هى الحاكمة المسيطرة المستغلة. ويتبادل الناس الظلم على مدار ((الأطوار))!
ولا تستطيع الجاهلية – الواقعية أو التفسيرية – أن تتصور حالة ينتقل فيها الاقتصاد من طور إلى طور – انتقالاً طبيعياً بحكم ما يطرأ على أساليب الإنتاج من تغير علمى – دون أن يكون فيه استغلال من طبقة لطبقة. لأنهم – فى جاهليتهم الطويلة المستمرة – لم يذوقوا قط كيف يكون الحكم بما أنزل الله، وكيف يصرف هذا الحكم الأمور بالحق والعدل. بصرف النظر عن الطور الاقتصادى، لأنه ليس مقصوراً على طور دون طور. وليس مفصلاً على قد حالة اقتصادية أو اجتماعية أو سياسية معينة. وإنما هو مفصل على قد ((الإنسان)) أيا كان طور ((النمو)) الذى يصل إليه الإنسان0
* * *
أياً كان الأمر فقد انهار الإقطاع الأوروبى على مولد الآلة. وبدأ تحول جديد فى المجتمع0
احتاجت المصانع إلى عمال. ولا مورد لهم إلا من الريف. فلزم إذن تحطيم الإقطاع الذين يربط الفلاحين بالأرض. ليتمكنوا من ((التحور)) من ربقة الأرض، والانتقال من الريف إلى المدينة حيث العمل الجديد([2])0
وتحرر الناس فعلاً من عبودية الأرض، وانتقلوا من عبودية الريف إلى ((حرية)) المدينة0
هكذا خيل إليهم فى بادئ الأمر !
خيل إليهم أنهم قد حطموا القيود كلها التى كانت تكتفهم. وأنهم اليوم طلقاء. يصنعون ما يشاءون! ذلك أنهم – وهم ينتقلون من طور جاهلى إلى طور جاهلى آخر – لم يكونوا بعد قد رأوا قيود العبودية الجديدة التى تتربص بهم، وتنتظرهم حتى يصلوا بأرجلهم – إليها!
يقول التفسير المادى للتاريخ إن ((الطبعة)) الجديدة التى خلقتها الآلة، وانتقال عملية الإنتاج من صورته الإقطاعية إلى صورته الرأسمالية. هما اللذان أحدثا العبودية الجديدة التى أخذت تضيق حلقاتها رويداً رويداً حتى أطبقت على أنفاس الناس0
ولكن الأمر أعمق من هذا الوجه الظاهر الذى يقرؤه التفسير المادى للتاريخ، ويزعم أنه قد وصل به إلى اللباب. وأنه وصل به إلى الإعجاز فى التفسير!
إن حقيقة الأمر أن الجاهلية الجديدة – التى لا تحكم بما أنزل الله فى ظل الرأسمالية – هى مجرد امتداد للجاهلية القديمة التى لم تكن تحكم بما أنزل الله فى ظل الإقطاع0
إنها شهوة واحدة ((متطورة)) وهوى واحد يتتبع المنفعة على حساب ((الكادحين)) 0
لا يحكمون بما أنزل الله !
ولقد وجد هذا الطاغوت فى العالم الإسلامى ولا شك.. بمقدار ما انحرف الناس عن منهج الله. ولكنه لم يستطع، والناس يحكمون بشرع الله – ولو على فساد! – أن يستشرى كما استشرى فى أوروبا حتى يقلب حياة الناس إلى جحيم0
لم يحدث فى الإسلام الإقطاع الذى حدث بصورته البشعة فى أوروبا. وكان الإسلام حرياً كذلك أن يحد من طاغوت الرأسمالية كما حد من طاغوت الإقطاع من قبل. ما دام الناس يحكمون بشرع الله. ولو على فساد جزئى!([3])0
ولكن .. فلنعد إلى أوروبا . إلى الجاهلية المتصلة الحلقات0
لم يكن الذى حدث ((تطوراً اقتصادياً حتمياً)) – كما تتصوره الجاهلية المراكسية. وإنما كان الطاغوت ينقل خطاه عبر التاريخ. فيستغل التطور الجديد فى أساليب الإنتاج ليواصل طغيانه، واستعباده للناس0
ولم يكن ذلك حتماً.. إنما كان فقط نتيجة طبيعية للظروف القائمة .. أو أنه كان حتماً من وجهة واحدة : فما دام الناس لا يحكمون بما أنزل الله، فالبديل الوحيد هو أن يحكمهم الطاغوت، ويذيقهم العبودية والهوان0
وليس يمنع أن الطبقة الرأسمالية الصاعدة قد تصارعت مع الطبقة الإقطاعية المنحدرة لتأخذ منها السلطان .. ليس يمنع ذلك أن يكون الطاغوت هو الحاكم فى الحالين! فالطاغوت ليس شخصاً معيناً بذاته، أو طبقة معينة. إنما الطاغوت سلطان غاشم، يتلقفه من يتلقفه من الناس فيستعبدون به سائر الناس.. وقد يصطرعون فيما بينهم عليه حتى يخلص فى يد الفئة التى تخدمها الظروف الاقتصادية. كما اصطدمت قريش مع غيرها من القبائل – الضالة مثلها – فى الجزيرة حتى خلص لها وحدها سلطان الطاغوت وصارت – بظروفها الاقتصادية – هى التى تملك وتحكم0 وتستعبد الناس بشتى فنون الاستعباد !
والتفسير المادى للتاريخ لا يفسر إلا ظروف انتقال السلطة من الطاغوت إلى الطاغوت! ولكنه لا يتعمق فى التفسير ليعلم أسباب وجود الطاغوت ذاته، ويعلم أنه ليس حتمى الوجود فى الأرض.. إذ أراد الناس !
إنه تفسير جاهلى 00 يفسر الجاهليات!
لم تكن العبودية الجديدة واضحة السمات فى مبدإ الأمر .. إنما كان الوجه الظاه هو التحرر0
تحرر العمال من ربقة الأرض00
وتحرر الشعب من ربقة الإقطاع00
وحدثت تحولات سياسية واجتماعية تتسم بطابع التحرر 00 تحولات اسمها: الديمقراطية!
والواقع أن الجاهلية الجديدة قد أتاحت قدراً من التحرر النسبى، وقدراً من الخير النسبى، ضلل الناس كثيرا عن العبودية الحائقة بهم بالفعل، التى كانت تستعبدهم – رويداً رويداً – للطاغوت الجديد0
حين تأخذ شخصاً لم يكن يملك أن يغادر أرضه بصورة قانونية، وتشده القيود المادية والمعوية إلى الأرض.. وحين تأخذ شخصاً يفرض عليه المجتمع الذى يعيش فيه قيوداً أخلاقية معينة (سواء كانت صالحة أو فاسدة) لا يملك أن يخرج عليها وإلا قوبل بالاستنكار من الجميع (ولو كانوا لا يؤمنون فى دخيلة أنفسهم بقيمة هذه القيود!))00 وحين تأخذ شخصاً يركبه سلطان الكنيسة الطبق فلا يملك الخروج عليه وإلا عد مارقاً من الدين ، وحقت عليه لعنة اللاعنين00
حين تأخذ هذا الشخص وتقذف به إلى المدينة، يتجول حرا فى طرقاتها بلا رقيب00 ويعيث فهيا فساداً خلقيا – أو تحرراً – دون رقيب .. وينخلع من سلطان الكنيسة دون أن يحفل الاتهام بالمروق00
حينئذ لابد أن يشعر أنه تحرر !
على أن الأمر كان يشتمل على حريات حقيقية لم يكن لها وجود من قبل0
حرية التنقل . حرية العمل. حرية الاجتماع. حرية الكلام. حرية الصحافة.. وضمانات لم يكن لها وجود من قبل..
ضمانات الاتهام. وضمانات التحقيق. وضمانات القضاء0
حريات وضمانات حقيقية.. لابد أن يشعر معها المرء أنه تحرر!
ثم 00 البرلمان 00
انتخابات ((حرة)) .. تمثيل شعبى .. حكومة تمثل ((الشعب)) .. تحكم بإرادة الشعب!
لابد أن ((الإنسان)) كله قد تحرر !
* * *
كانت تلك هى ((الأوهام)) المعسولة التى عاشت فيها الجاهلية الجديدة فى عصر الرأسمالية!
ظاهرها كله جميل .. جميل إلى حد لا يوصف !
ويجئ العلم والتقدم المادى فيكمل الصورة .. إن ((الإنسان)) لم يتحرر من عبودية الأرض فحسب. ولا من قيود الأخلاق فحسب. ولا من سلطة الكنيسة فحسب. ولا أصبح له سلطان نيابى وتشريعى فحسب.. وإنما هو بتحرر كذلك من ((الجهد))… فالعلم والتقدم المادى يطلقان الطاقة البشرية المكبلة بالعمل، ويحملان الآلة كثيراً من الجهد الذى يقوم به الإنسان.. لينطلق هذا الأخير خفيفاً، ناشطاً، متطلعاً بطاقته المذخورة إلى الحياة!
ولسنا هنا نتكلم عن أى من الانحرافات الاجتماعية أو الاقتصادية أو الخلقية أو الفكرية التى صاحبت هذه الجاهلية الجديدة، إنما نحن الآن نتحدث عن ((السياسية)) وحدها (وإن كانت الحياة فى واقع الأمر متشابكة مترابطة، لا توجد فيها السياسة منفصلة عن الاجتماع والاقتصاد والأخلاق والتفكير .. الخ، لأن النفس البشرية والحياة لا تتجزأ ولا تنفصل.. ولكننا نقوم بهذا الفصل لضرورة البحث فقط.. من أجل التوضيح ) 0
فى السياسة لم تصخ الجاهلية الجديدة – المنفلتة من سلطان الكنيسة (وسلطان الله) – إلى أنها وهى تحكم ((بإرادة الشعب!)) إنما تحكم بوهم لا وجود له فى الواقع! وأنها – وهى لا تحكم ((بما أنزل الله)) – فليس أمامها إلا طريق واحد .. هو أن تحكم بإرادة الطاغوت!
((إرادة الشعب)) كانت الوجه الظاهر المزيف للجاهلية الجديدة 00
و ((إرادة الطاغوت)) كانت الوجه الحقيقى لهذه الجاهلية النكراء !
وصدق التفسير الجاهلى للتاريخ، وهو يفسر تاريخ الجاهليات: الطبقة التى تملك هى التى تحكم . وهى تحكم لصالحها على حساب بقية ((الطبقات))!
فمن وراء هذه التشكيلات كلها .. الانتخاب والبرلمان والحكومة البرلمانية والدستور.. إلخ، كان يحكم الطاغوت!
ولم تكن الأمور واضحة فى مبدأ الأمر كل الوضوح0
كان ((الطيبون)) المخدوعون فى الجاهلية الجديدة يحسبون أنهم يبنون الحياة على نسق فاضل، صاعد ، رفيع .. جدير بكرامة ((الإنسان)) !
وكانت ((المظاهر)) تملى لهم فى هذا الظن 00
أو ليسوا هم – الشعب – هم الذين ينتخبون ممثليهم؛ وممثلوهم هؤلاء لابد أن يشرعوا بإرادتهم ، ولصالحهم؟
ولكن الحقيقة أن الذى كان يحكم هو طاغوت رأس المال00
ولقد أصبحت القضية اليوم معروفة بصورة لا تحتاج إلى كثير بيان .. فقد قيل عن الرأسمالية فى السنوات الأخيرة فى كل بقاع الأرض – وبجميع وسائل الإعلام – ما يكفى لبيان شرورها وطغيانها وفسادها . وبيان مندى استغلالها لسلطان الحكم فى تنفيذ مآربها الخاصة، وامتصاص دماء ((الكادحين)) .. وتحولها فى نهاية الأمر إلى الإرهاب السافر .. ضد المطالبين بالحرية الحقيقية، والعدالة الحقيقية، وانتزاع السلطان من الطاغوت00
وتلك أمثلة ((خفيفة)) .. تكفى !
((وإنا لذاكرون ما حدث فى الإضراب العام بانجلترا عام 1926 إذ سيرت الحكومة كل قواها لقمعة. وأعلن قانون الرأسماليين أن الإضراب غير درستوى، وزحفت فصائل الشرطة وكتائب الجيش لقمعه، تحميها الدبابات وسخرت شتى وسائل النقل لكسر الإضراب، ودعى الشبان من طلبة الجامعات لقيادة مركبات النقل العامة، واستخدمت الإذاعة والصحف، وجعلت الحكومة من نفسها خادماً لأصحاب الأعمال، وتهددت النقابات باستصفاء أموالها وسجن زعمائها00))
ذلك فى إنجلترا .. أم الديمقراطية .. والكلام على لسان رجل إنجليزى.. لا رجل من أعداء الإنجليز([4])0
أما فى أمريكا فالأمر أبشع.. فهناك عصابات من ((البلطجية)) المحترفين تعمل فى خدمة ((الديمقراطية)) لتأديب الخارجين على سلطان رأس المال، وسجنهم وتعذيبهم، وقتلهم أحياناً إذا لزم الأمر :
يقول هارولد لاسكى فى كتاب ((تأملات فى ثورات العصر)) :
((ومن الضرورى أن يقرأ المرء تفاصيل وثيقة مثل تقرير لجنة ((لافلوت)) التى عينها مجلس الشيوخ الأمريكى لبحث موضوع التدخل فى الحريات المدنية ليصل إلى وجهة نظر صحيحة عن مدى ما بلغه هذا التدخل0
((وإن الرشوة والجاسوسية والتهديد و((البلطجية)) وسوء الاستغلال المتعمد للقضاء فى أعلى مراتبه ، وفى المحاكم الاتحادية الثانوية .. هذه كلها ليست سوى أشكال وفئات من التصرفات التى تعودها زعماء رجال الأعمال فى أمريكا0
((وإن أكثر الاتحادات الصناعية الكبرى هناك، لتملك جيوشها الخاصة المسلحة بالبنادق السريعة الطلقات، وقنابل الغازات المسيلة للدموع، لتمنع النقابيين من غزو مصانعها!
((وبالإضافة إلى ذلك كانت هناك مناطق فى الولايات المتحدة مثل ((لويزيانا)) فى عهد سناتور ((لونج)) ومثل ((جيرسى)) فى عهد العمدة ((هاج)) ومثل الوادى الإمبراطورى فى ((كاليفورنيا)) .. كل هذه البقاع – وهذه أمثلة منها – لم يكن فيها الإعلان الحقوق الأمريكى سلطة إزاء إصرار رجال الأعمال على جمع كل الامتيازات فى أيديهم بواسطة حيازتهم المطلقة لقوى الاقتصاد0
((وفى اعتقادى أننا لا نغالى فى حكمنا إذا قلنا إنه حتى سنة 1940 كانت الفكرة الفاشية قد توغلت عميقاً فى أذهان رجال الأعمال الأمريكيين تحت ستار قبولهم الظاهرى للمبادئ الديمقراطية00))()0
على أن الأمر – فى أمريكا – لا يحتاج إلى شهادة الكتاب والمؤلفين.. فقد وصلت روح ((البلطجة)) بالرأسمالية الأمريكية إلى حد أن ترتكب جرائمها عياناً فى وضح النهار، فى أغرب قضية اغتيال فى التاريخ : حيث قتل الرئيس الأمريكى كنيدى إرضاء للرأسمالية الوالغة فى الدماء، وبالتالى إلى تحويل الصناعة عن الإنتاج الحربى إلى الإنتاج المدنى، الذى لا يحقق الأرباح البشعة التى يحققها الرأسماليون من صناعة الحرب ! – ومن ثم  قتلت كنيدى فى وضح النهار، ثم عبثت بقضية اغتياله عبثاً شائناً لا يحدث فى أمة بدائية! وعملت بكل الوسائل على تلهية الناس عن القضية والتحقيق!!
وهذا كله غير جرائم الرأسمالية الأخرى، فى إفساد الأخلاق، وفى التحكم فى أرزاق الناس، وفى التوسع الاستعمارى لاستعباد شعوب الأرض و .. و زز
إنها حقيقة واحدة بارزة. هى أن ((الديمقراطية)) المزعومة قد تحولت إلى ((دكتاتورية)) رأس المال. تحولت إلى طاغوت يستعبد الناس ويذل له الرقاب !
* * *
        ولا تصدق الجاهلية أن هذا وقع بسبب الانحراف عن منهج الله! فهى من الأصل لا تعرف منهج الله ولا تعترف به، وتعيش حياتها منقطعة عن الله ووحيه، ولا ترى الأمور إلا فى نطاقها الضيق المحصور فى صراع الأرض، وصراع المصالح، وصراع الطبقات00
        لا تصدق الجاهلية أن الله – سبحانه وتعالى – حين حرم – فى منهجه الربانى – الربا والاحتكار .. كان يعلم من أمور الناس ما لا يعلم الناس. وكان يريد لهم من الخير ما لا يعرفون هم أنه الخير .. وكان يضع لهم المنهج الذى تتوازن فيه المصالح ، ويقوم فيه العدل، ويمتنع الطغيان0
        وهنا – فى باب السياسة – لا نتحدث عن الربا بالتفصيل، فمكان ذلك هو الحديث عن الاقتصاد. ولكنا نقول فقط : إن دكتاتورية رأس المال الطاغية، التى أذاقت البشرية ويلاتها،              لم تكن لتقوم أصلاً لولا الربا والاحتكار، عمادا الرأسمالية وسنادتاها. وهما هما المحرمان فى منهج الله! فالحكم بما أنزل الله إذن كان هو السبيل إلى الحيلولة بين الطاغوت ورقاب الناس، فى عالم السياسة والاقتصاد سواء0
* * *
        ثم نمضى خطوات أخرى مع التاريخ 00
        فحين اشتد طغيان رأس المال . فزع الناس 00 وقاموا يصارعون 0
        ولكنهم – وهم يصارعون – كانوا ما يزالون فى الجاهلية، بعيداً عن منهج الله. ومن ثم فإنهم وهم يتفلتون من قبضة الطاغوت فى عسر شديد وحرج بالغ، لم يفيئوا إلى الظلال الندية والظلة المريحة بعد طول العذاب 00 وإنما تلقفهم – على مقربة منهم – طاغوت آخر، لا يخفى وجهه بالديمقراطية هذه المرة، وإنما يسفر عن وجهه واضحاً، فيسمى نفسه منذ البدء ((دكتاتورية)) البروليتاريا0
        من دكتاتورية رأس المال، إلى دكتاتورية البروليتاريا !
        من الطاغوت 00 إلى الطاغوت ! بعيداً عن منهج الله!
        والتفسير الجاهلى للتاريخ يدور دورة واسعة مع الأسباب والنتائج، وصراع المتناقضات الحتمى، ليصل إلى تفسير الشيوعية وحتميتها التاريخية فى هذه اللحظة 00 ثم يحلم – وهو التفسير ((الواقعى!)) – على دخان لا يفترق كثيراً عن دخان الحشيش والأفيون – باليوتوبيا المقبلة فى ظل ((دكتاتورية البروليتاريا)) ، وبالنعيم الأرضى الموعد، بعد تذبيح جميع الطبقات ليخلو الجو ((الطبقة)) البروليتاريا !
* * *

[1] عن كتاب((النظام الاشتراكى)) تأليف راشد البراوى0 
[2] هكذا يقول التفسير المادى للتاريخ. ويغفل أن الفلاحيين قد بدأوا يثورون فى أوروبا فى القرن الثالث عشر على هذه العبودية الظالمة بحكم ((الفطرة)) التى قد تصبر طويلاً على الظلم ولكنها تلفظه ذات يوم بالضرورة ، ولو لم يكن هناك أى تحول فى أساليب الإنتاج0 فعندما بدأت حركة ((فرار الفلاحيين)) فى القرن الثالث عشر لم يكن((الطور)) المادى الجديد قد ولد بعد 0
[3] راجع فى كتاب ((الشبهات)) فصل ((الإسلام والرأسمالية))0
[4] هنرى نويل برايلز فورد . ترجمة عصام الدين حفنى ناصف0

Previous Post Next Post