مادة العروض
الدرس التاسع عشر
الضرورات الشعرية: مفهومها وصورها في الشعر، وموقف الدارسين منها، وأنواع النظم
مدخل:
الحمد لله والصّلاة والسّلام على رسول اللّه وعلى آله وصحبه ومن والاه، أمّا بعد أخي الطَّالب، سلامُ الله عليكَ ورحمته وبركاته، ومرحبًا بك في الدرس التاسع عشر من سلسلة الدُّروس المقرَّرة عليك في إطار مادَّة العروض، لهذا الفصل الدِّراسيّ، آملينَ أن تجدَ فيها كلّ المُتعة والفائدة، وكنا قد تناولنا معًا في الدرس السابق الكلام عن (أسماء حركات حروف القافية، ونوعية القافية وألقابها وحدودها، ومحاذير القافية وعيوبها الموسيقية منها واللغوية)، وإليك هذا الدرس الذي تتعرف فيه على (الضرورات الشعرية: مفهومها وصورها في الشعر، وموقف الدارسين منها، وأنواع النظم)، فأهلًا وسهلًا بك.
ثمرات الدّرس:
عند نهاية هذا الدرس تستطيع بإذن الله أن:
أولًا: تلم بالضرورات الشعرية، ومفهومها، وصورها في الشعر.
ثانيًا: تستكنه تقسيمًا آخر للضرورة الشعرية، وأنواع النظم الأربعة.
عناصر الدّرس:
19.1 الضرورات الشعرية، ومفهومها، وصورها في الشعر.
19.2 تقسيم آخر للضرورة الشعرية، وأنواع النظم الأربعة.
التّعريفات:
1    الوغَى:     الصَّوْتُ، وقيل: الوَغَى: الأَصوات في الحرب، ثم كثر ذلك حتى سَمَّوُا الحَرب وَغى، والوَغَى: غَمْغَمةُ الأَبطال في حَوْمةِ الحَرْب، والوَغى الحَرْبُ نَفْسُها.
2    الإِثْمدُ:      شَبِيهٌ بحجَرِ الكُحْلِ. وأَثْمَدَ عَيْنَه: كَحَلهَا بالإِثْمِد, وهو الذي يؤتى به من جبال أصفهان.
19.1 الضرورات الشعرية، ومفهومها، وصورها في الشعر:
- الضرورة في الشعر:
يحكم الشاعرَ في فنه ميزانٌ يلتزم التقيد به، دونما إخلال له أو خروج عنه، وفي سبيل الحفاظ على استقامة الوزن وجمال الصورة الشعرية قد يحيد الشاعر عن مقاييس، وينحرف عن ضوابط استقرت في اللغة أو قواعدها، وهذا ما يعني بالضرورة الشعرية.
يقول ابن جني: (الشعر موضع اضطرار، وموقف اعتذار، وكثيرًا ما يُحرَّف فيه الكلم عن أبنيته، وتحال فيه المثل عن أوضاع صيغها لأجله)؛ ويقول الأصمعي: (كلام العرب إنما هو مثال.... لا سيما الشعر؛ لأنه موضع اضطرار، إذ كان على روي واحد ووزن لا بد منه، وكانت حروف بعضه أقل من حروف بعض عددًا، وأقل وزنًا، فإذا لم يستقم للشاعر أن يضع الحرف موضعه لاختلال الوزن وضع مكانه ما يدل عليه مما يسلم به بناؤه الذي ذهب إليه).
فالضرورة: ما يرتكبه الشاعر في شعره من مخالفات تحظر في الكلام المنثور، وليست الضرورات الشعرية إلا رُخَصًا منحت للشعراء حين ينظمون، فأبيح لهم الخروج عن بعض قواعد اللغة، لا قواعد الوزن والقافية.
وقد اختلف الدارسون في تحديد هذه الضرورة؛ فذهب الجمهور إلى أنها ما وقع في الشعر مما لا يقع في النثر، سواء أكان للشاعر عنه مندوحة (متسع) أم لا، ومنهم من قال: إنها ما ليس للشاعر عنه مندوحة، وإليه ذهب ابن مالك.
وقد رد الرأي الثاني، فقال أبو حيان: (إنما يعنون بالضرورة أن ذلك من تراكيبهم الواقعة في الشعر المختصة به، ولا يقع في الكلام المنثور، وإنما يستعملون ذلك في الشعر خاصة دون الكلام، ولا يعني النحويون بالضرورة أنه لا مندوحة عن النطق بهذا اللفظ، وإنما يعنون ما ذكرناه، وإلا كان لا يوجد ضرورة؛ لأنه ما من لفظ إلا ويمكن للشاعر أن يغيره). ويشير إلى ذلك القاضي الجرجاني بقوله: (قد يجوز للشاعر من الكلام ما لا يجوز لغيره، لا للاضطرار إليه، ولكن للاتساع فيه واتفاق أهله عليه، فيحذفون ويزيدون).
فتلك الرخص إنما هي سمات خاصة بلغة الشعر، وليس لازمًا أن يكون اللجوء إليها عن اضطرار ألبتة. وقد فهم من كلامهم أن للشاعر استغلال هذه الظواهر دون أن يكون محتاجًا إليها، (إما لأن الشعر موضع ألفت فيه الضرائر... وإما لأن العرب قد تأبى الكلام القياسي لعارض... فترتكب الضرورة لذلك، أو لأنه قد يكون للمعنى عبارتان أو أكثر... واحدة يلزم فيها ضرورة، إلا أنها مطابقة لمقتضى الحال، فهم في هذه الحال يرجعون إلى الضرورة؛ لأن اعتناءهم بالمعاني أشد من اعتنائهم بالألفاظ، وهذا ما ذهب إليه الشاطبي في رده على ابن مالك؛ فالضرورة -إذن- ليست على اضطرار دائما، وإنما قد يكون ارتكابها عن عمد، واختيار لفضيلة يتبينها الشاعر في استخدام دون آخر).
بيد أن الشاعر ينبغي أن يترفع عن الإكثار من اللجوء إلى الضرورات، وإلا قبُح شعره, يقول أبو هلال العسكري: (وينبغي أن تجتنب ارتكاب الضرورات، وإن جاءت فيها رخصة من أهل العربية، فإنها قبيحة تشين الكلام وتذهب بمائه، وإنما استعملها القدماء في أشعارهم لعدم علمهم كان بقباحتها، ولأن بعضهم كان صاحب بداية، والبداية مزلة، وما كان أيضًا تُنتَقد عليهم أشعارهم).
وصورة هذه الرخص، أو الضرائر في الشعر كثيرة متنوعة، ويرجعها الدارسون إلى سبعة أوجه هي: الزيادة، والنقصان، والحذف، والتقديم والتأخير، والإبدال، وتغيير وجه من وجوه الإعراب إلى وجه آخر على طريق التشبيه، وتأنيث المذكر وتذكير المؤنث.
والعروضيون يقسمونها ثلاثة أقسام: ضرورات زيادة، وضرورات حذف، وضرورات تغيير، وسنقف على صورٍ من كلٍّ.
القسم الأول: ما كانت بزيادة، ومنها:
1- مد المقصور؛ كقوله:
سيغنيك الذي أغناك عني ... فلا فقر يدوم، ولا غناء
فقد مد (غنى) وهو مقصور ضرورة؛ والكوفيون يجوِّزونه في الشعر، ومنعه البصريون واعتسفوا في تخريجه، فقالوا: هو مصدر (غانى)؛ إذا فاخر بالغنى، لا مصدر (غنى)، وهو تعمل لا يشايع، وقرنه بالفقر ردّ له.
2- تنوين ما لا ينصرف؛ كقول أبي كبير الهذلي يصف تأبط شرًّا:
ممن حملنَ به، وهنّ عواقدٌ ... حبك النطاق فشب غير مهبّل
فنوّن (عواقد)، وهي ممنوعة من الصرف لصيغة منتهى الجموع.
ومنه قول امرئ القيس:
ويوم دخلت الخدر خدر عنيزةٍ ... فقالت: لكَ الويلاتُ؛ إنك مرجلي
3- تنوين المنادى المفرد العلم؛ كقول الأحوص الأنصاري:
سلام الله يا مطرٌ عليها ... وليس عليك يا مطرُ السلام
حيث نون (مطر) الأول، وحكمه البناء على الضم دون تنوين.
وقول المهلهل:
ضربت صدرها إليّ وقالت: ... يا عديًّا لقد وقتْك الأواقي
4- إثبات حرف العلة في الموضع الذي يجب فيه حذفه، نحو قول الفرزدق:
فلو كان عبد الله مولًى هجوتُهُ ... ولكن عبد الله مولى موالِيا
يريد: مولى موالٍ.
ونحو قول قيس بن زهير:
ألم يأتيكَ، والأنباء تنمي ... بما لاقت لبونُ بني زياد
يريد: يَأْتِكَ.
5- الجمع بين العِوَض والمعوَّض منه، نحو قول أبي خراش الهذلي:
إني إذا ما حدثٌ ألما ... أقول: يا اللهم، يا اللهم
حيث جمع بين أداة النداء «يا»، والميم المشددة في «اللهم» التي هي بدل من النداء.
6- إنشاء الألف من الفتحة إشباعًا، كقول إبراهيم بن هرمة:
وأنت من الغوائل حين تدعى ... ومن ذم الرجال بمنتزَاح
ومنه:
أعوذ بالله من العقرَاب ... أراد من العقرب
فأشبع مدة الراء.
7- إنشاء الياء من الكسرة إشباعًا، كقول الفرزدق:
تنفي يداها الحصى في كل هاجرة ... نفي الدراهيمِ تنقاد الصياريفِ
وأصله: (الدراهِم، والصيارِف) فأشبع الكسرة فكانت الياء، وإن كانت الضرورة للوزن متحققة في قول الفرزدق، وقد يكون الإشباع عند الآخرين للمشاكلة.
8- إنشاء الواو من الضمة؛ كقول إبراهيم بن هرمة:
وإنني حيثما يثني الهوى بصري ... من حيثما سلكوا أدنو فأنظُورُ
أصله: (فأنظُرُ) فأشبع الضمة، فنشأت الواو ضرورة.
9- زيادة اللام في المضارع، كقول الفرزدق:
ما أنت بالحكم التُرضَى حكومتُهُ ... ولا الأصيل، ولا ذي الرأي والجدل
حيث وصل (أل) بالفعل المضارع ضرورة، وهي لا تقترن إلا بالأسماء، وهي كثيرة تقف عليها في علم النحو.
القسم الثاني: ما كانت بحذف، ومنها:
1- قصر الممدود؛ كقول الشاعر:
لا بد من صَنْعَا، وإن طال السفرْ ... وإن تحنَّى كل عَوْد ودَبَرْ
وكقول أبي ماضي:
قال: السماء كئيبة، ونجومها ... قلت: ابتسم، يكفي التجهّم في السَّمَا
2- تخفيف المشدّد، كقول الشاعر:
لم يطل ليلي، ولكن لم أنم ... ونفى عني الكَرَى طيفٌ أَلَمْ
ومنه قول الآخر:
فلا وأبيك، ابنةَ العامري ... لا يدعي القومُ أني أَفِرْ
3- حذف التنوين من المنصرف، كقول النابغة:
نبئت أنا أبا قابوس أوعدني ... ولا قرار على زأر من الأسد
فـ (قابوس) مصروف ينوّن، ومنعه الصرف وحذف تنوينه ضرورة.
وكقول ابن مرادس:
فما كان حصن، ولا حابس ... يفوقان مرداسَ في المجمع
فـ (مرداس) منصرف وقياسه: (مرداسًا)، ولكنه حذف التنوين ضرورة.
ومنه قول دوسر بن دهبل: 
وقائلة: ما بالُ دوسَرَ بعدنا ... صحا قلبه عن آل ليلى، وعن هند
والأصل: ما بالُ دوسرٍ.
4- ترخيم غير المنادى مما يصلح للنداء، كقول الأسود بن يعفر:
ألا ما لهذا الدهر من متعلل ... على الناس مهما شاء بالناس يفعل
وهذا ردائي عنده يستعيره ... ليسلبني نفسي أمال بن حنظل
فرخّم (حنظلة) في غير نداء، أما (مال) فهو مرخم نداء؛ إذ الهمزة للنداء، والأصل: (أمالك بن حنظلة).
ومنه قول الشاعر:
لينعم الفتى تعشو إلى ضوء ناره ... طريف بن مالٍ ليلة الجوع والخصر
أراد: ابن مالك، فحذف الكاف.
5- حذف الياء اجتزاءً عنها بالكسرة، كقول خفاف بن ندبة:
كنواحِ ريش حمامة نجدية ... ولثمت باللثتين عصف الإثمد
وأصله: (كنواحي)، فحذف الياء ضرورة.
6- حذف الواو اجتزاءً عنها بالضمة، كقول العجير السلولي:
فبيناهُ يُشرِي رحله قال قائل ... لمن جمل رخو الملاط ذلول؟
أصله: (فبينا هو)، فحذف الواو ضرورة.
7- حذف الهمزة المتحركة المتحرك ما قبلها، كقول الفرزدق:
راحت بمسلمةَ البغالُ عشيةً ... فارعَيْ فزارةُ لا هناكِ المرتع
أصله: (لا هنأك)، فخفف بحذف الهمزة ضرورة.
8- حذف النون من الاسم الموصول المثنى والجمع، فالأول كقول الأخطل:
أبني كليب، إن عمّيّ اللذا ... قتلا الملوك، وفككا الأغلالا
أصله: (اللذان)، فحذف النون مضطرًّا.
والثاني كقول الأشهب بن رميلة:
وإن الذي حانت بفلج دماؤهم ... همُ القوم، كل القوم يا أم خالد
أصله: (الذين)، فحذف النون ضرورة.
9- إضمار (أن) الناصبة وإبقاء عملها من غير أن يُعوَّض منها بشيء، نحو قول طرفة:
أيّهذا الزاجري أحْضُرَ الوَغَى ... وَأَنْ أَشْهَدَ اللَّذاتِ، هل أنتَ مُخلدِي؟!
وصور الحذف للضرورة في الشعر متعددة كثيرة، تقف عليها في النحو وغيره.
القسم الثالث: ما كانت بالتغيير:
أ- قطع همزة الوصل، مثل:
إذا جاوز الإثنين سرٌّ، فإنه ... بنث، وتكثير الحديث قمينُ
ومنه قول أنس بن عباس بن مرداس:
لا نسب اليوم، ولا خُلَّة ... إتسع الخرق على الراقع
ب- وصل همزة القطع، مثل قول حاتم:
أبوه أبي، والأمهات امهاتنا ... فأنعِمْ، فداك اليوم أهلي ومعشري
فكلمة "أمهاتنا" حذفت همزتها، مع أنها قطع.
ومثل:
ومن يصنع المعروف في غير أهله ... يلاقي الذي لاقى مجير ام عامر
فهمزة "أم" وُصِلت، مع أنها قطع.
ج- فك المدغم، كقول أبي النجم:
الحمد لله العلي الأَجْلَلِ
أنت مليك الناس ربًّا فاقبلِ
د- إدغام المفكوك، مثل:
وكأنها بين النساء سبيكة ... تمشي بسدة بيتها فَتُعيّ
الأصل "فتُعْيِي" فأدغم على خلاف الأصل.
هـ- تقديم المعطوف على المعطوف عليه، مثل:
ألا يا نخلةً من ذات عرق ... عليكِ، ورحمة الله السلام
و- تحريك المضارع المجزوم، أو الأمر المبني على السكون بالكسر؛ لأجل الروي، مثل:
ومثلك من كان الوسيطَ فؤادُهُ
فكلمَه عني ولم أتكلّمِ
لو كنت أدري كم حياتي قسمتها
وصيرتُ ثلثيها انتظارك فاعْلمِ
ومنه:
أشارت بطرف العين خيفةَ أهلها ... إشارة محزون، ولم تتكلمِ
وقول الآخر في الأمر المبني على السكون:
وخالف النفس والشيطان واعصِهما ... وإن هما محضاك النصح فاتهمِ
ز- الفصل بالأجنبي بين التابع والمتبوع، نحو قول الشاعر:
وما مثله في الناس إلا مملّكًا ... أبو أمه حيٌّ أبوه يقاربه
ولا نستطيع هنا أن نستقرئ جميع أمثلة الضرورة الشعرية؛ لأنها كثيرة موزَّعة في كتب الشعر وغيرها.
نشاط 19.1:
لكي تعمّق فهمك لهذا الدرس، قم بهذا النّشاط، ثمّ قارن ما تتوصل إليه بالإجابات النموذجية أدناه.
ضع علامة (√) أمام العبارة الصحيحة وعلامة (×) أمام العبارة الخاطئة:
1- الضرورة هي: ما يرتكبه الشاعر في شعره من مخالفات تحظر في الكلام المنثور.
2- العروضيون يقسمون الضرورات إلى ثلاثة أقسام: ضرورات زيادة، وضرورات حذف، وضرورات تغيير.
3- من ضرورات الزيادة قصر الممدود.
4- من ضرورات التغيير الجمع بين العوض والمعوض منه.
الإجابات النموذجية:
1- (√)، 2- (√)، 3- (×)، 4- (×).
19.2 تقسيم آخر للضرورة الشعرية، وأنواع النظم الأربعة:
لقد أفرد بعض الدارسين تصانيف للضرورة الشعرية، كابن عصفور، والقزاز، والألوسي،
ولكننا نذكر أنها تنقسم انقسامًا آخر من حيث القبح والقبول إلى: قبيحة ومقبولة.
فالقبيحة: ما كانت غير مألوفة الوقوع؛ كمد المقصور، ومنع المصروف، وقطع همزة الوصل، وفك الإدغام وعكسه، وتقديم المعطوف، وغير ذلك.
والمقبولة: ما كانت مألوفة الوقوع؛ كقصر الممدود، وتخفيف المشدد وعكسه، وإشباع الحركة حتى يتولد منها مد، وتحريك المضارع المجزوم أو الأمر المبني على السكون بالكسر، ووصل همزة القطع بشرط أن يليها ساكن كبيت حاتم المتقدم.
وقد ذكروا أن الضرورة بأقسامها كلها جائزة للعربي والمولّد. قال ابن جني في الخصائص: سألت أبا علي: هل يجوز لنا في الشعر ضرورة ما جاز للعرب؟ فقال: كما جاز لنا أن نقيس منثورنا على منثورهم، فكذلك يجوز لنا أن نقيس شعرنا على شعرهم، فما أجازته الضرورة لهم أجازته لنا، وما حظَرته عليهم حظَرته علينا، وإذا كان كذلك فما كان من أحسن ضروراتهم يكون من أحسن ضروراتنا، وما كان من أقبحها عندهم يكون من أقبحها عندنا، وما بين ذلك يكون بين ذلك.
والضرورة، وإن كانت واردة وصُرِّح بها، فالشاعر المتمكن من أداته يتحرج مما يلجئ إليها، فهي على كلٍّ تمس فنه، وتخدش رهافة ذوق قارئه، إلا ما لم يكن منه بدٌّ، فيغتفر له، يقول ابن رشيق: (على أنه لا خير في الضرورة، على أن بعضها أسهل من بعض، ومنها ما يسمع عن العرب ولا يُعمَل به؛ لأنهم أتوا به على جِبِلّتهم، والمولد المحدث قد عرف أنه عيب، ودخوله في العيب يلزمه إياه).
(أنواع النظم):
1- نظم خالٍ من العيب والضرورة. 2- نظم فيه ضرورة مقبولة.
3- نظم فيه ضرورة قبيحة.  4- نظم فيه عيب.
النظم أربعة أنواع:
1- ما خلا من العيب والضرورة، وهو ما كان مطابقًا لقواعد اللغة العربية من نحو وصرف ونحوهما، كقوله (من البسيط):
بشرى، فقد أنجز الإقبال ما وعدا ... وكوكب المجد في أفق العلا صعدا
2- ما فيه ضرورة مقبولة.
3- ما فيه ضرورة قبيحة، وقد تقدمت أمثلتهما.
4- ما فيه عيب، وهو ما خالف قواعد اللغة العربية من نحو وصرف ونحوهما، كقوله (من الكامل):
لَمْ أَعْطنا شيئًا يُدومُ أدعيهْ ... والعاقلُو بالمال يشترِ مجدهُ
فكتبْ عليه البخل ذمًّا يكثرُو ... فالآن لا ينفعْه شيء عندهُ
فقد أدخل (لم) على الماضي وهي لا تدخل إلا على المضارع، وحذف ألف (أعطى) بلا علة صرفية للوزن، وهي ضرورة قبيحة جدًّا. واستعمل (يُدومُ) في المعنى الذي أراده، ولا وجود له في اللغة وصوابه: (يُدِيم)، ووقف على كلمة (أدعيهْ) بالسكون وليس العروض محلًّا للوقف، ومد لام (العاقل) للوزن وهو لا يستحق المد وذلك من أقبح الضرورات، وحذف ياء (يشتري) للوزن وهي لا تحذف إلا للجازم ولا جازم، وسكن آخر (كتب) الماضي بدون داعٍ للسكون وهي ضرورة قبيحة، ومد راء (يكثر) وهو قبيح، وجزم (ينفعه) بدون جازم وحقّه الرفع.
ففي هذين البيتين مخالفة للقواعد العربية، ومن أراد تصحيحهما فليقل بدلهما:
لم يعطنا ما نستديم به الثنا ... ذو العقل يشري بالدراهم مجدهُ
فقضى عليه البخل بالذم الطويـ ... ـل، وليس ينفعه ادخار عندهُ
نشاط 19.2:
لكي تعمّق فهمك لهذا الدرس، قم بهذا النّشاط، ثمّ قارن ما تتوصل إليه بالإجابات النموذجية أدناه.
أكمل ما يأتي:
1- من أنواع النظم ما خلا من....... والضرورة، وهو ما كان....... لقواعد اللغة العربية من نحو و...... ونحوهما.
2- لَمْ أَعْطنا شيئًا يُدومُ أدعيهْ ... والعاقلُو بالمال يشترِ مجدهُ
فكتبْ عليه البخل ذمًّا يكثرُو ... فالآن لا ينفعْه شيء عندهُ
في هذين البيتين مخالفة للقواعد العربية، ومن أراد تصحيحهما فليقل بدلهما: ...................................................................
...................................................................
3- أفرد بعض الدارسين تصانيف للضرورة الشعرية؛ كابن عصفور، و......، و.......
4- الضرورة القبيحة: ما كانت غير....... الوقوع؛ كمد المقصور، ومنع....، وقطع همزة الوصل، وفك....... وعكسه، وتقديم المعطوف، وغير ذلك.
الإجابات النموذجية:
1- العيب، مطابقًا، صرف.
2- لم يعطنا ما نستديم به الثنا ... ذو العقل يشري بالدراهم مجدهُ
فقضى عليه البخل بالذم الطويـ ... ـل، وليس ينفعه ادخار عندهُ
3- القزاز، الألوسي.
4- مألوفة، المصروف، الإدغام.
ملخّص الدّرس:
يحكم الشاعرَ في فنه ميزانٌ يلتزم التقيد به، دونما إخلال له أو خروج عنه، وفي سبيل الحفاظ على استقامة الوزن وجمال الصورة الشعرية قد يحيد الشاعر عن مقاييس، وينحرف عن ضوابط استقرت في اللغة أو قواعدها.
والضرورة: ما يرتكبه الشاعر في شعره من مخالفات تحظر في الكلام المنثور، وليست الضرورات الشعرية إلا رُخَصًا منحت للشعراء حين ينظمون، فأبيح لهم الخروج عن بعض قواعد اللغة، لا قواعد الوزن والقافية، وقد اختلف الدارسون في تحديد هذه الضرورة.
وصورة هذه الرخص، أو الضرائر في الشعر كثيرة متنوعة، ويرجعها الدارسون إلى سبعة أوجه هي: الزيادة، والنقصان، والحذف، والتقديم والتأخير، والإبدال، وتغيير وجه من وجوه الإعراب إلى وجه آخر على طريق التشبيه، وتأنيث المذكر وتذكير المؤنث. والعروضيون يقسمونها ثلاثة أقسام: ضرورات زيادة، وضرورات حذف، وضرورات تغيير.
وقد أفرد بعض الدارسين تصانيف للضرورة الشعرية، كابن عصفور، والقزاز، والألوسي. وهي تنقسم انقسامًا آخر من حيث القبح والقبول إلى: قبيحة ومقبولة، فالقبيحة: ما كانت غير مألوفة الوقوع؛ كمد المقصور، ومنع المصروف، وقطع همزة الوصل، وفك الإدغام وعكسه، وتقديم المعطوف، وغير ذلك.
والمقبولة: ما كانت مألوفة الوقوع؛ كقصر الممدود، وتخفيف المشدد وعكسه، وإشباع الحركة حتى يتولد منها مد، وتحريك المضارع المجزوم أو الأمر المبني على السكون بالكسر، ووصل همزة القطع بشرط أن يليها ساكن. وقد ذكروا أن الضرورة بأقسامها كلها جائزة للعربي والمولد.
والنظم أربعة أنواع:
1- ما خلا من العيب والضرورة، وهو ما كان مطابقًا لقواعد اللغة العربية من نحو وصرف ونحوهما.
2- ما فيه ضرورة مقبولة.
3- ما فيه ضرورة قبيحة.
4- ما فيه عيب، وهو ما خالف قواعد اللغة العربية من نحو وصرف ونحوهما.
تمارين الدّرس:
لكي تعمّق فهمك لهذا الدرس، قم بهذا النّشاط، ثمّ قارن ما تتوصل إليه بالإجابات النموذجية أدناه.
أولًا: أكمل ما يأتي:
1- ليست الضرورات الشعرية إلا..... منحت للشعراء حين ينظمون، فأبيح لهم الخروج عن..... قواعد اللغة، لا قواعد.... والقافية, وقد اختلف الدارسون في تحديد هذه الضرورة.
2- يرجع الدارسون الضرائر الشعرية إلى...... أوجه، منها...... والنقصان، والحذف، والتقديم و......، والإبدال، وتأنيث المذكر وتذكير المؤنث.
3- الضرورة....... ما كانت مألوفة الوقوع؛ كقصر....... وتخفيف المشدد وعكسه، وإشباع.... حتى يتولد منها مد، وتحريك المضارع........ أو الأمر المبني على السكون.
4- الضرورة وإن كانت واردة وصُرِّح بها، فالشاعر المتمكن من أداته........ مما يلجئ إليها، فهي على كل تمس.....، وتخدش رهافة ذوق قارئه، إلا ما لم يكن منه بد،........ له.
ثانيًا: ضع علامة (√) أمام العبارة الصحيحة وعلامة (×) أمام العبارة الخاطئة:
1- الضرورة بأقسامها كلها جائزة للعربي والمولد.
2- النظم له خمسة أنواع.
الإجابات النموذجية:
أولًا: 1- رخصًا، بعض، الوزن.
2- سبعة، الزيادة، التأخير.
3- المقبولة، الممدود، الحركة، المجزوم.
4- يتحرج، فنه، فيغتفر.
ثانيًا: 1- (√). 2- (×).
مراجع الدّرس: 
1- الكافي في العروض والقوافي، الخطيب التبريزي، دار الكتب العلمية - بيروت 2002م.
2- الشافي في العروض والقوافي، هاشم صالح مناع، دار الفكر العربي - بيروت 1993م.
3- ميزان الذهب في صناعة شعر العرب، السيد أحمد الهاشمي، دار الكتب العربية - بيروت 1990م.
4- الرِّياض الوافية في علمي العروض والقافية، يوسف الضبع، دار الحديث - القاهرة 1998م.
5- ضرائر الشعر، ابن عصفور، تحقيق: السيد إبراهيم محمد، دار الأندلس - بيروت 1980م.
6- ضرورة الشعر، السيرافي، تحقيق: رمضان عبد التواب، دار النهضة 1985م.
7- عروض الشعر العربي بين التقليد والتجديد، أمين عبد الله سالم 1985م.
8- القوافي، المبرد، تحقيق: رمضان عبد التواب، مطبعة جامعة عين شمس - القاهرة 1972م.
9- العروض الواضح وعلم القافية، محمد علي الهاشمي، دار القلم، 1991م.
10- العروض وإيقاع الشعر العربي، عبد الرحمن تبر ماسين، دار الفجر للنشر والتوزيع، 2002م.
11- أهدى سبيل إلى علمي الخليل (العروض والقافية)، محمود مصطفى، المكتبة التجارية، 1997م.
12- معالم العروض والقافية، عمر الأسعد، الوكالة العربية للتوزيع، 1984م.
خاتمة:
بهذا نكون قد وصلنا أخي الدارس إلى ختام الدرس التاسع عشر، وهو ختام مادة العروض، والتي نرجو من الله أن يتحقق منها كل النفع والفائدة.
هذا، والله وليُّ التَّوفيق. وصلى الله على سيِّدنا محمد، وعلى آله وأصحابه أجمعين. والسَّلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
Previous Post Next Post