مادة أدب ونصوص العصر العباسي والأندلسي
الدرس التاسع عشر
الفنون المستحدثة في الشعر الأندلسي
مدخل:
الحمد لله والصّلاة والسّلام على رسول اللّه وعلى آله وصحبه ومن والاه، أمّا بعد أخي الطَّالب، سلامُ الله عليكَ ورحمته وبركاته، ومرحبًا بك في الدرس التاسع عشر من سلسلة الدُّروس المقرَّرة عليك في إطار مادَّة أدب ونصوص العصر العباسي والأندلسي، لهذا الفصل الدِّراسيّ، آملينَ أن تجدَ فيها كلّ المُتعة والفائدة، وكنا قد تناولنا معًا في الدرس السابق الكلام عن (من أعلام الشعر الأندلسي (ابن عبد ربه، ابن زيدون، ابن خفاجة، أبو البقاء الرندي))، وإليك هذا الدرس الذي تتعرف فيه على (الفنون المستحدثة في الشعر الأندلسي)، فأهلًا وسهلًا بك.
ثمرات الدّرس:
عند نهاية هذا الدرس تستطيع بإذن الله أن:
أولًا: تتعرف على الموشحات، وأصل تسميتها، ونشأتها، والبناء الفني لها، وموضوعاتها.
ثانيًا: تتعرف على نشأة الزجل، وطبيعته، وموضوعاته، ورائده.
عناصر الدّرس:
19.1 الموشحات، وأصل تسميتها، ونشأتها، والبناء الفني لها، وموضوعاتها.
19.2 نشأة الزجل، وطبيعته، وموضوعاته، ورائده.
التّعريفات:
1 بنت الدنان كناية عن الخمر.
2 الكرى النوم.
19.1 الموشحات، وأصل تسميتها، ونشأتها، والبناء الفني لها، وموضوعاتها:
الموشحة: منظومة غنائية لا تسير في موسيقاها على المنهج التقليدي للقصيدة العربية الملتزم بالوزن الواحد والقافية الواحدة، وإنما تعتمد على منهج متحرر من هذا الالتزام، بحيث يمكن أن يتغير الوزن، وتتعدد القوافي مع التزام التماثل في الأجزاء المتقابلة.
وقد نشأت الموشحة في سياق التطور الذي لحق بالبناء الموسيقي للقصيدة العربية في المشرق العربي في العصر العباسي، ثم استمر هذا التطور ليبلغ ذروته في هذا الفن الذي برع فيه الأندلسيون ووضعوا مصطلحاته، ويبدو أن هذا الفن (التوشيح) نشأ لإشباع حاجة فنية تتمثل في أنه أطوع للغناء وأصلح للتلحين والترجيع.
وبعض الدارسين يذهبون إلى أن الموشح أسباني النشأة، وأن الأندلسيين أخذوه عن الأسبان السكان الأصليين للأندلس، ويتزعم هذا الرأي المستشرقون وبعض من اتبعهم من العرب، ولكن الذي يرجّحه أكثر الدارسين والباحثين أن هذا الفن أندلسي، وأنه جاء في سياق التطور الموسيقي للشعر العربي الذي كان من حلقاته أبو العتاهية وغيره من شعراء العرب.
ويوصف الموشح بأنه فن شعبي لقربه من لغة الشعب، ولأن الموشحين كانوا يستخدمون أحيانًا اللغة العامية في بعض الفقرات.
والمصطلحات الخاصة بالموشح تختلف عن المصطلحات الخاصة بالقصيدة؛ فالموشح يتكون من عدة أجزاء هي:
1- المطلع أو المذهب.
2- الدور.
3- السمط.
4- القفل.
5- البيت.
6- الغصن.
7- الخرجة.
فالمطلع هو الجزء الأول من الموشحة، ويتكون من غصنين مثل:
النهر سل حسامًا
على قدود الغصونِ
أو من أربعة أغصان مثل:
جادك الغيث إذا الغيث همى
يا زمان الوصل بالأندلس
لم يكن وصلك إلا حلمًا
في الكرى أو خلسة المختلس
والسموط هي التي تمثل الجزء الذي يلي المطلع، وهي في الموشح الأول الذي مطلعه:
النهر سل حساما
على قدود الغصونِ:
وللنسيم مجال
والروض فيه اختيال
مُدَّت عليه ظلال
وتسمى السموط (الدور).
والقفل غصنان يليان الدور، وهما في هذا الموشح:
والزهر شق كمامًا
وجدأ بتلك اللحون
والبيت في هذا الموشح هو الدور مضافًا إليه القفل الذي يليه، والخرجة هي آخر قفل في الموشح.
والموشح الذي تتحقق فيه هذه الأجزاء جميعًا يسمى موشحًا تامًّا. ويمكن أن يأتي الموشح من غير مطلع، فيبدأ بالدور مباشرة، ويسمى الموشح حينئذٍ (موشحًا أقرع).
وهذا التنويع في موسيقى الموشح قائم على التغاير والتماثل؛ فالتغاير متحقق في الاختلاف بين المطلع والدور في القافية، والتماثل متحقق في وحدة القافية في الدور، ووحدة الوزن والقافية بين المطلع والأقفال.
وقد استخدمت الموشحات في جميع الأغراض المعروفة للشعر العربي؛ فقد استخدمت في الغزل ووصف الطبيعة والرثاء والمدح وغيرها.
ومن الموشحات التي مزجت بين الغزل ووصف الشراب موشحة ابن زهر، التي يقول فيها:
أيها الساقي إليك المشتكى
كم دعوناك وإن لم تسمعِ
ونديم هِمْتُ في غُرَّتهِ
وسقاني الرَّاح من راحتهِ
كلما استيقظ من سكرتهِ
جذب الزِّقَّ إليه واتكا
وسقاني أربعًا في أربعِ
غصن بان مال من حيث استوى
بات من يهواه من خوف النوى
خافق الأحشاء مضعوف القوى
كلما فكر في البين بكى
يا له يبكي لما لم يقعِ
وقد وُجد هذا الموشح في ديوان عبد الله بن المعتز الشاعر العباسي منحولًا له، وظن بعض الدارسين بسبب ذلك أن الموشحات عرفت ونضجت في المشرق قبل أن يعرفها الأندلسيون، والتحقيق يثبت أن الموشحات أندلسية النشأة والنضج والاكتمال.
نشاط 19.1:
لكي تعمّق فهمك لهذا الدرس، قم بهذا النّشاط، ثمّ قارن ما تتوصل إليه بالإجابات النموذجية أدناه:
ضع علامة (√) أمام العبارة الصحيحة وعلامة (×) أمام العبارة الخاطئة:
1- لا خلاف في أن العرب أخذوا فن التوشيح عن الأسبان.
2- الموشحات فن يختلف في بنائه الفني عن القصيدة.
3- لم تستخدم الموشحات إلا في الغزل.
4- الموشح الأقرع هو الذي لا مطلع له.
الإجابات النموذجية:
1- (×)، 2- (√)، 3- (×)، 4- (√).
19.2 نشأة الزجل، وطبيعته، وموضوعاته، ورائده:
الزجل: هو ما يمكن أن نطلق عليه (شعر اللغة العامية)، وقد نشأ هذا الفن في البيئة الأندلسية تلبيةً لحاجة اجتماعية وحاجة فنية. أما الحاجة الاجتماعية فلها علاقة بالبيئة اللغوية التي كانت اللغة العربية سائدة فيها على المستوى الرسمي، لكن على المستوى الشعبي كانت هناك لغة عامية تختلط العربية فيها بالأسبانية لغة السكان الأوائل الأصليين للأندلس. وأما الحاجة الفنية فتتعلق بفن الغناء الذي يلبي رغبة هؤلاء العامة في الترفيه عن أنفسهم بكلام يغنونه ويفهمونه، من هنا كان الزجل شعر العامية. ويبدو أنه كان تطورًا عن فن الموشحات، يجاري العامة الذين فيهم كثير من الأعاجم والبربر الذين لا يحسنون العربية، ولا يجيدون تذوقها.
وأمر آخر في نشأة الزجل من المهم وضعه في الحسبان، وهو ضعف القدرة اللغوية عند الزجالين أنفسهم، ورائد هذا الفن في الأندلس هو أبو بكر محمد بن عيسى بن عبد الملك بن قزمان. وقد بدأ شاعرًا لكنه أحس أنه لن يصل إلى مرتبة مرموقة في الشعر، وأنس في نفسه القدرة على الشعر العامي؛ فلذا اتجه إلى الزجل واشتهر بالإجادة فيه.
وقد كان الزجل في بداية نشأته يستخدم في الغزل واللهو والمجون لا يتعداه، ثم استُخدم بعد ذلك في الوصف والفخر والرثاء وغيرها من الأغراض. وقد ظهر في الأندلس كثير من الزجالين الذين رأوا في اللغة العامية وسيلة صالحة للتعبير عن عواطفهم ومشاعرهم.
نشاط 19.2:
لكي تعمّق فهمك لهذا الدرس، قم بهذا النّشاط، ثمّ قارن ما تتوصل إليه بالإجابات النموذجية أدناه:
ضع علامة (√) أمام العبارة الصحيحة وعلامة (×) أمام العبارة الخاطئة:
1- الزجل لا يختلف عن الموشح.
2- يلجأ الشاعر الضعيف إلى الزجل؛ لعدم قدرته على الشعر الفصيح.
3- رائد فن الزجل في الأندلس هو ابن خفاجة الأندلسي.
4- لم يكن الزجل في بداية ظهوره يستخدم إلا في الغزل واللهو والمجون.
الإجابات النموذجية:
1- (×)، 2- ()، 3- (×)، 4- ().
ملخّص الدّرس:
- من الفنون المستحدثة التي نضجت عند الأندلسيين، ونسبت إليهم فن الموشحات. وقد تعددت الآراء في نشأة هذا الفن؛ فمن الدارسين من ذهب إلى أن نشأته كانت أسبانية وأن العرب أخذوه عن الأسبانيين، ومنهم من ذهب إلى أن الشعراء المشارقة هم الذين ابتدعوه، وقد ذكروا في ذلك موشحًا منسوبًا إلى الشاعر عبد الله بن المعتز، لكن أكثر الدارسين يرجحون أن الموشحات أندلسية النشأة، وأنها تطور طبيعي في سياق ما حدث للشعر العربي من تطورات موسيقية عبر العصور، وأن الأندلسيين اخترعوه تلبيةً لحاجتهم الفنية المتمثلة في تطويع الشعر العربي للغناء الذي راج عندهم.
- والموشحة: منظومة موسيقية تعتمد على نظام خاص يقوم على التغاير بين بعض أجزائها، والتماثل بين البعض الآخر. ولأجزاء الموشحة مصطلحات ذات دلالات خاصة تختلف عن المصطلحات المتعلقة بالقصيدة.
- ومن الفنون التي استحدثت في الأندلس أيضًا الزجل، وهو ما يعرف بالشعر العامي. وقد نشأ هذا الفن تلبيةً لحاجة اجتماعية تناسب العامة والأعاجم والبربر الذين كانوا لا يحسنون اللغة العربية فهمًا ولا تعبيرًا، وتلبيةً لحالة فنية؛ إذ إن هؤلاء العامة كانوا يحتاجون إلى فن غنائي يقدرون على التعامل معه، والاستمتاع به.
- وقد كان الزجل مرحلة متطورة عن الموشح، وهو أقرب إلى اللغة العامية من الموشحات، وقد استخدم كلّ من الموشح والزجل في الأغراض المختلفة كالغزل، والرثاء، والمديح، والوصف، وغيرها.
تمارين الدّرس:
لكي تعمّق فهمك لهذا الدرس، قم بهذا النّشاط، ثمّ قارن ما تتوصل إليه بالإجابات النموذجية أدناه:
ضع علامة (√) أمام العبارة الصحيحة وعلامة (×) أمام العبارة الخاطئة:
1- البيت في الموشحة يتكون من شطرين.
2- لا بد في أية موشحة أن تبدأ بمطلع.
3- الخرجة هي آخر جزء في الموشح.
4- لا بد من تماثل الأقفال في الموشحة الواحدة.
5- رائد فن الزجل في الأندلس هو ابن قزمان.
6- لا فرق بين الشاعر والزجَّال.
الإجابات النموذجية:
1- (×)، 2- (×)، 3- ()، 4- ()، 5- ()، 6- (×).
مراجع الدّرس:
1- الأدب الأندلسي، د. أحمد هيكل.
2- الأدب الأندلسي، د. مصطفى الشكعة.
خاتمة:
بهذا نكون قد وصلنا أخي الدارس إلى ختام الدرس التاسع عشر، فإلى لقاءٍ يتجدّد مع الدَّرس العشرين، والّذي ينعقدُ بإذن الله حول: النثر الفني في الأندلس.
هذا، والله وليُّ التَّوفيق. وصلى الله على سيِّدنا محمد، وعلى آله وأصحابه أجمعين. والسَّلام عليكم ورحمة الله وبركاته.