مادة أدب ونصوص العصر العباسي والأندلسي
النثر الفني في الأندلس
مدخل:
الحمد لله والصّلاة والسّلام على رسول اللّه وعلى آله وصحبه ومن والاه، أمّا بعد أخي الطَّالب، سلامُ الله عليكَ ورحمته وبركاته، ومرحبًا بك في الدرس العشرين من سلسلة الدُّروس المقرَّرة عليك في إطار مادَّة أدب ونصوص العصر العباسي والأندلسي، لهذا الفصل الدِّراسيّ، آملينَ أن تجدَ فيها كلّ المُتعة والفائدة، وكنا قد تناولنا معًا في الدرس السابق الكلام عن (الفنون المستحدثة في الشعر الأندلسي)، وإليك هذا الدرس الذي تتعرف فيه على (النثر الفني في الأندلس)، فأهلًا وسهلًا بك.
ثمرات الدّرس:
عند نهاية هذا الدرس تستطيع بإذن الله أن:
أولًا: تتعرف على طبيعة الخطابة الأندلسية، وسماتها، والعوامل التي أثرت فيها.
ثانيًا: تتعرف على الكتابة في الأندلس، وفنونها، وسماتها.
عناصر الدّرس:
20.1 الخطابة الأندلسية، وسماتها، والعوامل التي أثرت فيها.
20.2 الكتابة في الأندلس، وفنونها، وسماتها.
التّعريفات:
1 آلاء الله نعمه.
2 المطر الوابل المطر الغزير.
20.1 الخطابة الأندلسية، وسماتها، والعوامل التي أثرت فيها:
كانت الحاجة إلى الخطابة شديدة لتوطيد أمر المتغلبين، وإقناع الناس بطاعتهم والخضوع لهم. وكانت الخطابة مهمة كذلك في حثّ الجنود المقاتلين وتجيش الجيوش ودعوتهم إلى الإقدام وإقناعهم بالجهاد، وهذه عوامل تؤدي إلى نهضة الخطابة، وكانت هذه هي المجالات التي تتيح للخطباء أن يصولوا ويجولوا.
واستخدمت الخطابة الأندلسية كذلك في استقبال الوفود والمحافل في قصور الخلفاء والأمراء، كما ظلت الخطابة الدينية على أهميتها التي اكتسبتها منذ ظهور الإسلام بوصفها جزءًا من الشعائر الدينية في بعض المناسبات .
وأول نص في الخطابة الأندلسية خطبة منسوبة إلى طارق بن زياد قائد الجيش الذي فتح الأندلس، وبعض الدارسين يشكِّكون في هذه الخطبة؛ لأن طارق بن زياد كان بربريًّا ولا يعقل أن يكون أسلوبه على هذه الدرجة التي تبدو في الخطبة. وإذا كان هذا مقبولًا ومعقولًا، فإن النص يبقى أندلسيًّا إن لم يكن لطارق فهو لواحد غيره، فيمكن أن يكون أحد القادة في الجيش هو الذي خطب الجند؛ ليشجعهم ويحثهم على الإقدام والثبات.
ومما جاء في هذه الخطبة:
«أيها الناس، أين المفر؟! البحر من ورائكم والعدو أمامكم، وليس لكم –والله- إلا الصدق والصبر، واعلموا أنكم في هذه الجزيرة أضيع من الأيتام في مآدب اللئام، ولا أقوات لكم إلا ما تستخلصونه من أيدي عدوكم...». ثم يقول:
«واعلموا أني أول مجيب لما دعوتكم إليه، وأني عند ملتقى الجمعين حامل بنفسي على طاغية القوم لذريق فقاتله -إن شاء الله تعالى- فاحملوا معي...» إلى آخر ما جاء في الخطبة.
ومن نماذج الخطابة الحفلية خطبة منذر بن سعيد أمام الوفود التي حضرت إلى عبد الرحمن الناصر لتهنئته بالخلافة، وهي تذكرنا بالخطب العباسية التي كانت تُقال في مثل هذه المناسبة، ومما جاء فيها:
«أنشدكم الله معاشر الملأ، ألم تكن الدماء مسفوكة فحقنها، والسبل مخوفة فأمنها، والأموال منتهبة فأحرزها وحصنها؟ ألم تكن البلاد خرابًا فعمرها، وثغور المسلمين مهتضمة فحماها ونصرها؟ فاذكروا آلاء الله عليكم بخلافته، وتلافيه جمع كلمتكم بعد افتراقها بإمامته...» إلى آخر ما جاء فيها.
ومن الفنون المتفرعة عن الخطابة الوصايا والعظات، وممن اشتُهروا في هذه الفنون: منذر بن سعيد، والقاضي عياض، وأبو بكر الطرطوشي. ويتسم أسلوب الخطابة -كما هو واضح من النماذج التي سبقت- بوضوح المعاني، وقصر الجمل، وفصاحة الألفاظ، وسلامة التراكيب، والاقتباس من القرآن الكريم.
نشاط 20.1
لكي تعمّق فهمك لهذا الدرس، قم بهذا النّشاط، ثمّ قارن ما تتوصل إليه بالإجابات النموذجية أدناه.
ضع علامة (√) أمام العبارة الصحيحة وعلامة (×) أمام العبارة الخاطئة:
1- توافرت في الأندلس عوامل نهضة الخطابة.
2- اختلفت الخطابة الأندلسية عن الخطابة في المشرق اختلافًا كبيرًا.
3- اتسم أسلوب الخطابة في الأندلس بالوضوح والسلامة.
4- لا يظهر في الخطابة الأندلسية اقتباس من القرآن الكريم.
الإجابات النموذجية:
1- (√)، 2- (×)، 3- (√)، 4- (×).
20.2 الكتابة في الأندلس، وفنونها، وسماتها
الكتابة:
تأثرت الكتابة في الأندلس بنظيرتها في المشرق، وسارت في طريقها وقد تنوعت فنونها كما تنوعت في المشرق، فالرسائل والمقامات والقصص والنثر التأليفي هي فنون الكتابة الأندلسية.
وقد ظهرت في رسائلهم عدة ظواهر، هي:
1- تضمين الكتاب رسائلهم الكثير من الحكم والأمثال والأشعار.
2- الاقتباس من القرآن الكريم، والحديث النبوي الشريف.
3- التورية بأسماء العلوم ومصطلحاتها.
4- الإشارة إلى أحداث التاريخ، وأعلامه.
وقد تميزت الكتابة الأندلسية بميزة واضحة لم تكن واضحة في المشرق، هذه الميزة هي أن الكثير من الكتاب الأندلسيين كانوا من الشعراء، فابن عبد ربه وابن حزم وابن برد وابن شهيد، كلهم من الكتاب المشهورين والشعراء المبدعين كذلك.
ومن نماذج الكتابة الإبداعية "الإنشائية" هذا الجزء من رسالة ابن خفاجة الأندلسي الشاعر المعروف، في وصف رياض بعد أن نزل عليها المطر، إذ يقول:
«ولما أكبَّ الغمام إكبابًا لم أجد منه إغبابا، واتصل المطر اتصالًا لم ألف منه انفصالا، أذن الله تعالى للصحو أن يطلع صفحته وينشر صحيفته، فقشعت الريح السحاب كما طوى السجل الكتاب، وطفقت السماء تخلع جلبابها، والشمس تميط نقابها، وطلعت الدنيا تبتهج كأنها عروس تجلت، وقد نحلت...» إلى آخر ما جاء فيها.
وواضح من هذا النص أن ابن خفاجة يميل إلى التصوير البياني، فيستخدم الاستعارة والتشبيه، ويحرص على السجع مع سلامة التراكيب وفصاحة الألفاظ وقصر الجمل.
والمقامات الأندلسية لا تختلف في أسلوبها كثيرًا عن المقامات المشرقية. أما النثر التأليفي فإنه يتخفف أحيانًا من السجع وغيره من أساليب البديع؛ لانصراف الكاتب إلى توضيح الفكرة وخدمة الموضوع الذي يكتب فيه.
نشاط 20.2
لكي تعمّق فهمك لهذا الدرس، قم بهذا النّشاط، ثمّ قارن ما تتوصل إليه بالإجابات النموذجية أدناه.
ضع علامة (√) أمام العبارة الصحيحة وعلامة (×) أمام العبارة الخاطئة:
1- اقتفى النثر الأندلسي أثر قرينه في المشرق، وسار على نهجه.
2- لم يجمع أحد من أدباء الأندلس بين الكتابة والشعر.
3- من سمات الكتابة الأندلسية الاقتباس من القرآن الكريم.
4- لم تتنوع فنون الكتابة في الأندلس.
الإجابات النموذجية:
1- (√)، 2- (×)، 3- (√)، 4- (×).
ملخّص الدّرس:
- اقتفى النثر في الأندلس آثار النثر في المشرق، وكانت فنون النثر الأندلسية هي فنونه المشرقية. والنثر نوعان أو فنان كبيران هما: الخطابة والكتابة، وقد ازدهرت الخطابة واستخدمت في تثبيت ملك المتغلبين وإقناع الجماهير باتباعهم، وخاضت الخطابة المجال السياسي والحربي والاجتماعي والديني، وعرف في الأندلس خطباء كثيرون ووعاظ متميزون منهم: منذر بن سعيد، والقاضي عياض، وأبو بكر الطرطوشي، وغيرهم.
- أما الكتابة فقد عرف الأندلسيون الرسائل الإنشائية والإخوانية والديوانية، وعرفوا كذلك المقامات، وكان لهم إسهام كبير في النثر التأليفي، وقد سلك الأندلسيون مسالك إخوانهم في المشرق، وساروا على نهجهم في هذه الفنون جميعًا.
- وقد اتسمت الكتابة الأندلسية بعدة سمات، منها:
الاقتباس من القرآن الكريم والحديث النبوي الشريف، وتضمين الكتاب رسائلهم العديد من الأمثال والحكم والأشعار، والإشارات التاريخية إلى الأحداث والأعلام.
وتميل الكتابة إلى السجع والجناس والتصوير البياني خاصة في الرسائل والمقامات، أما في النثر التأليفي فإن عناية الكاتب بالفكرة تصرفه عن الاحتفال بالزينة البديعية.
تمارين الدّرس:
لكي تعمّق فهمك لهذا الدرس، قم بهذا النّشاط، ثمّ قارن ما تتوصل إليه بالإجابات النموذجية أدناه:
ضع علامة (√) أمام العبارة الصحيحة وعلامة (×) أمام العبارة الخاطئة:
1- الأدب المنسوب إلى طارق بن زياد محل شكّ عند كثير من الدارسين.
2- لم يعرف الأندلسيون الخطابة السياسية.
3- بين الخطابة الأندلسية، ونظيرتها في المشرق تشابه كبير.
4- عرفت الكتابة في الأندلس كل الفنون التي عرفتها في المشرق.
5- في النثر التأليفي يهتم الكاتب بالزينة اللفظية، ولا يُعنَى بالفكرة.
6- مِن كتاب الأندلس مَن كان يجمع بين الشعر والكتابة.
الإجابات النموذجية:
1- (√)، 2- (×)، 3- (√)، 4- (√)، 5- (×)، 6- (√).
مراجع الدّرس:
1- الأدب الأندلسي، د. أحمد هيكل.
2- الأدب الأندلسي، د. إبراهيم أبو الخشب.
خاتمة:
بهذا نكون قد وصلنا أخي الدارس إلى ختام الدرس العشرين، فإلى لقاءٍ يتجدّد مع الدَّرس الحادي والعشرين، والّذي ينعقدُ بإذن الله حول: من رُوَّاد الكتابة في الأندلس.
هذا، والله وليُّ التَّوفيق. وصلى الله على سيِّدنا محمد، وعلى آله وأصحابه أجمعين. والسَّلام عليكم ورحمة الله وبركاته.