رضا المتعاقدين، وإلزام الآمر بالشراء بتنفيذ العقد .
من شروط البيع رضا المتعاقدين، فإذا نظرنا إلى عقد بيع المرابحة للآمر بالشراء كما هو مطبق في البنك الإسلامي الأردني وغيره من البنوك التي أخذت بإلزام الآمر بالشراء بتنفيذ العقد، إنه يلزم الفريق الثاني بأن يشتري البضاعة بالربح المتفق عليه، وهنا ندخل في مسألة الإلزام بالوعد السابق وتحقق رضا المتعاقدين .
إن الوعد مجرد الإعلان عن الرغبة في فعل أمر في المستقبل يعود بالفائدة على الموعود([i])، ولم يقل بوجوب الوفاء بالوعد إلا المالكية في بعض الحالات الخاصة بالمعروف، ولا خلاف بين الفقهاء في استحباب الوفاء بالوعد وإنما الخلاف بينهم في وجوب الوفاء به قضاء ([ii]) .
وقد أجاز بيع المرابحة للآمر بالشراء على أساس الوعد الملزم عدد من العلماء، وقال بعدم الإلزام عدد آخر ذكرت بعض أسمائهم في حكم المرابحة .
وبناء على هذا الاختلاف نجد من البنوك الإسلامية من تبنت إلزام الواعد بالشراء بتنفيذ العقد، ومثال ذلك بنك دبي الإسلامي، والبنك الإسلامي الأردني، ومن البنوك التي لم تلزم الآمر بالشراء بتنفيذ العقد بنك فيصل الإسلامي السوداني .
والذين اعتمدوا على إلزامية الوعد بالشراء قسموا العقد إلى قسمين، وعد بالشراء وبيع، إذ أُخِذَت إباحة بيع المرابحة من رأي الإمام الشافعي رضي الله عنه، أورده كاملاً هنا كما جاء في كتاب الأم ( وإذا أرى الرجلُ الرجلَ فقال اشتر هذه، وأربحك فيها كذا، فاشتراها الرجل فالشراء جائز، والذي قال أربحك فيها بالخيار، إن شاء أحدث فيها بيعاً، وإن شاء تركه، وهكذا إن قال : اشتر لي متاعاً، ووصفه له، أو متاعاً أي متاع شئت، وأنا أربحك فيه، فكل هذا سواء يجوز البيع الأول، ويكون هذا فيما أعطى نفسه بالخيار، وسواء في هذا ما وصفت، إن كان قال : ابتاعه واشتر به منك بنقد أو دين، يجوز البيع الأول، ويكونان بالخيار في البيع الآخر، فإن جدداه جاز، وأن تبايعا به على أن ألزم أنفسهما الأمر الأول، فهو مفسوخ من قبل شيئين أحدهما أنه تبايعاه قبل - أن - يملكه البائع، والثاني أنه على مخاطرة أنك أن اشتريته على كذا أربحك فيه كذا ... )([iii]) .
أما فيما يتعلق بالإلزام بالوعد فقد اعتمدوا على رأي ابن شبرمة، كما جاء في كتاب المحلى لابن حزم الأندلسي : ( ومن وعد آخر بأن يعطيه مالاً معيناً، أو غير معين، أو بأن يعينه في عمل ما، حلف لـه على ذلك، أو لم يحلف، لم يلزمه الوفاء به ويكره لـه ذلك، وكان الأفضل لو وفى به، وسواء أدخله في نفقة أو لم يدخله كمن قال : تزوج فلانة، وأنا أعينك في صداقها بكذا وكذا، أو نحو هذا، وهو قول أبي حنيفة والشافعي وأبي سليمان، وقال مالك لا يلزمه شىء من ذلك إلا يدخله بوعده ذلك في كلفة فيلزمه ويقضى عليه، وقال ابن شبرمة : الوعد كله لازم ويقضى به على الواعد ويجبر )([iv]) .
فكلام الإمام الشافعي رضي الله عنه لـه يجيز بيع المرابحة، ولا يلزم الواعد بتنفيذ ما وعد به، ويترك لـه الخيار، وأما الإلزام فلا يجوز، وما ورد في المحلى فلا إلزام للواعد بتنفيذ ما وعد به عند العديد من العلماء في أي حال من الأحوال، إلا الإمام مالك رحمه الله الذي قال بإلزامه إذا أدخل الموعود في كلفة، وأما ابن شبرمة فهو الذي قال بأن الوعد كله لازم .
وقد رجح الدكتور الفاضل الشيخ يوسف القرضاوي الإلزام بالوعد استناداً إلى الأدلة الشرعية من القرآن الكريم والسنة النبوية، قال تعالى : ) يا أيها الذين أمنوا لم تقولون ما لا تفعلون، كبر مقتاً عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون (([v])، وفي الحديث الصحيح عن أبي هريرة رضى الله عنه " آية المنافق ثلاث : إذا حدث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا ائتمن خان "([vi])، ونقل الشيخ القرضاوي أدلة أخرى من القرآن الكريم والحديث الشريف وأقوال العلماء .
فهذه الأدلة التي اعتمد عليها الشيخ القرضاوي لا يعقل أن تغيب عن بال أئمة عظام أمثال الإمام الشافعي وابن القيم وغيرها، وبناء عليها يعتمدوا إلزامية الوعد ؛ولكنهم قالوا بعدم الإلزام .
وقد قال الدكتور محمد سليمان الأشقر : ( أما العمل على أساس الإلزام بالوعد السابق فإنه يربط الواعد ويوثقه، ويعدمه الرضا حال عقد الشراء اللاحق من البنك، فيكون العقد صورياً، ويخرج عن كونه ( تجارة عن تراض منكم ) إلى كونه ( قرضاً بفائدة ) لأن الوعد الملزم يكون قد ربط ربطاً محكماً بين دفع البنك الثمن عند شرائه للبضاعة وبين أخذ العميل لها بثمن آجل زائد، فتحققت صورة القرض ولا ينفعهم أن يسموه ( وعداً ببيع المرابحة ) لأنه قد علم أن شروط العقود الرضا التام حين التعاقد، وبذلك التراضي يحل لكل من الطرفين ما يأخذه من مال الآخر )([vii]) .
أما مؤتمر المصرف الإسلامي الثاني المنعقد بالكويت عام 1983م، فقد أصدر عدة توصيات منها ما ورد نصه في التوصية الثامنة : ( وأما بالنسبة للوعد وكونه ملزماً للآمر أو المصرف أو كليهما، فإن الأخذ بالإلزام هو الأحفظ لمصلحة التعامل واستقرار المعاملات، وفيه مراعاة لمصلحة المصرف والعميل، وأن الأخذ بالإلزام أمر مقبول شرعاً، وكل مصرف مخير في الأخذ بما يراه في مسألة القول بالإلزام حسب ما تراه هيئة الرقابة الشرعية لديه )([viii]) .
وبعد استعراض الآراء السابقة بمسألة الإلزام بالوعد يمكن التفريق بين عقد المرابحة الداخلية والذي يعتمد على السوق المحلي، وعقد المرابحة الخارجية والذي يعتمد على الاستيراد، فيمكن الأخذ بالإلزام في المرابحة الخارجية وذلك لضبط المعاملات بصورة دقيقة، ولأن البنك الإسلامي يتحمل كلفة ومسؤولية تجاه المصدرين والبنوك الأجنبية، وكذلك لوجاهة الأدلة التي أوردها القائلون بالإلزام ولا مجال لذكر المزيد منها لأن المسألة أشبعت بحثاً، وأما المرابحة الداخلية فيمكن الأخذ بعدم الإلزام لأن السلع والمواد موضوع العقد تكون متوافرة في السوق المحلي، وما على البنك الإسلامي الأردني إلا التأكد من جدية العميل بشتى الطرق الممكنة، وذلك اعتماداً على رأي الإمام الشافعي وغيره، ولأن البنك في الغالب لا يتحمل نفقة من جراء التمهيد لإبرام العقد .
[i]) أبو العينين ، 367، حماد ،18.
[ii]) النووي ، 271 ، حماد ،19.
[iii]) الشافعي ، 3/36.
[iv]) ابن حزم ،8/28، وقد أوردت النص كاملاً لأهمية معرفة مدى إلزام الأئمة بالوعد.
[v]) سورة الصف ، الآيتان 2،3.
[vi]) البخاري، الإيمان ،1/89 ،5/289 ،مسلم ، الإيمان، 2/46 ( دار الفكر ).
[vii]) الأشقر ،47،48.
[viii]) مجلة الاقتصاد الإسلامي العدد 20/322.