اشكاليات خاصة بتنفيذ الأحكام القضائية الإدارية:  

أن المحكمة الاتحادية العليا كانت تعمل بمبدأ رجعية القرار الإداري وذلك بإلزام الإدارة بإعادة الموظف لعمله، ودفع رواتبه عن الفترة من تاريخ إنهاء خدمته لحين صدور الحكم وذلك قبل اعتناق المحكمة للمبدأ الجديد وفقاً للقانون الإداري المقارن، والذي مفاده القضاء بمشروعية أو عدم مشروعية القرار الإداري دون إلزام الإدارة بالقيام بعمل أو الامتناع عن عمل.

من ناحية أخرى، فقد سبق بيان أن محاكم الاستئناف مازالت تصدر أحكاماً بالمخالفة للمبدأ الجديد الذي استقرت عليه المحكمة الاتحادية العليا، ولما كانت تلك الأحكام الاستئنافية يتيعن على الإدارة الالتزام بتنفيذها، إلاّ في حال الطعن عليها أمام المحكمة الاتحادية العليا وقبول طلب وقف تنفيذها.

لذا فإن ثمة إشكاليات تقف في طريق تنفيذ هذه الأحكام سواء السابق صدورها من المحكمة الاتحادية العليا وفقاً للمبدأ السابق، أو الصادرة من محكمة الاستئناف وقابلة للتنفيذ. وهو ما أكّده قاضي تنفيذ محكمة أبوظبي الاتحادية الابتدائية محمد سعيد مطر الزعابي حيث صرّح بأن: " هناك نحو 1700 قضية في الدولة قيد التنفيذ بحسب آخر إحصاء حتى ديسمبر 2010 نظراً لوجود معوقات قانونية تحول دون تنفيذ بعضها، وعزا تأخر تنفيذ هذه الأحكام إلى أن بعض الأحكام يحتاج إلى بعض الوقت لتنفيذها، والبعض الآخر يكون بسبب إعادة هيكلة تلك المؤسسات الحكومية وتغيير مسمياتها أثناء نظر القضية ومن ثم تكون الجهة الجديدة ليست لها علاقة أو معنية قانوناً بتنفيذ الأحكام الصادرة ضد المدعى عليها في الأساس. إذ يفترض على الخصوم عند رفع الدعوى أو أثناء نظرها تصحيح شكل الدعوى في حال صدر قانون بإعادة هيكلة الجهة المدعى عليها وذلك ضمان تنفيذ الأحكام بعض صدورها على وجه السرعة. موضحاً أنه جار العمل بالتنسيق مع الجهات ذات العلاقة على وضع الآليات الصحيحة لتنفيذ تلك الأحكام"  [1].

وكذلك ما أوضحه القاضي الدكتور عبدالوهاب عبدول، رئيس المحكمة الاتحادية العليا ورئيس الدائرة الإدارية بالمحكمة، في ورقة العمل المقدمة منه بشأن إشكاليات تنفيذ الأحكام الإدارية الصادرة عن المحاكم الاتحادية حيث حصر اشكاليات تنفيذ الأحكام الإدارية في اشكاليات ذات طبيعة قانونية، واشكاليات ذات طبيعة واقعية، سنقوم بعرضها مع بعض الاشكاليات الأخرى التي ترى الباحثة أهميتها، على النحو التالي:

الفرع الأول: إشكاليات ذات طبيعة قانونية، وتتمثل في الآتي:

1-غياب تنظيم تشريعي خاص بتنفيذ الأحكام الإدارية:
فالدعاوى والمنازعات الإدارية تنظر أمام الدوائر الإدارية في المحاكم الاتحادية العادية، وفق قواعد وأصول قانون الإجراءات المدنية الاتحادي، وتُنَّفذ الأحكام الصادرة من تلك الدوائر في تلك المنازعات وفق قواعد ذات القانون، ما لم يوجد نص خاص في قانون آخر. وحيث لم يتضمن قانون الإجراءات المدنية الاتحادي الوسائل اللازمة للتمكن من إجبار الإدارة وإلزامها بتنفيذ الأحكام الإدارية الصادرة ضدها والحائزة لقوة الشيء المقضي به، كما لم يتضمن القانون صيغة تنفيذية خاصة بالأحكام الإدارية. فإن تنفيذ هذه الأحكام يمثّل اشكالية كبيرة. ولا يخفى ما لهذا الغياب التشريعي من تأثير واضح على مسألة التنفيذ، نظراً لاختلاف طريقة تنفيذ الأحكام الإدارية عن طريقة تنفيذ الأحكام العادية[2].

ويثير غياب التشريع التنفيذي اشكالية كبيرة ليس فقط فيما يتعلق بكيفية إجبار الإدارة على التنفيذ أو إجراءات هذا التنفيذ وصيغته التنفيذية، إنما أيضاً من حيث كيفية توقيع الجزاء على الإدارة حال امتناعها عن التنفيذ، أو تقاعسها أو رفضها الصريح للتنفيذ، وكيفية تحديد المسؤول عن التقاعس أو عدم التنفيذ، والجزاء المقرر لذلك، وكيفية توقيع ذلك الجزاء واجراءاته[3].

2- غياب قاضي التنفيذ الإداري:
لا يوجد في النظام القضائي الاتحادي، محكمة تنفيذ إدارية، أو قاضي تنفيذ إداري، لذا فإن تنفيذ الأحكام الإدارية يتم بمعرفة قاضي التنفيذ العام الذي يتبع في تنفيذه الأحكام الإدارية ذات القواعد والمواعيد والإجراءات التي يتبعها عند تنفيذه للأحكام العادية. وقاضي التنفيذ، محكمة قائمة بذاتها، لها اختصاصاتها التي حدَّدها القانون والتي لا تختص بها غيرها من المحاكم. وتتبع أمامها الإجراءات التي تتبع أمام المحكمة الابتدائية، إلا إذا نص القانون على خلاف ذلك. وهو الأمر الذي يعزى تعثر وتأخر تنفيذ الأحكام القضائية الإدارية، ويفسر أيضاً تباين وتغاير مواقف محاكم التنفيذ عند تنفيذ الحكم الإداري[4].



3- غياب آلية خاصة بتنفيذ الأحكام الإدارية الصادرة ضد الجهات الإدارية المحلية.
إن قوانين الاختصاص القضائي بين الجهتين الاتحادية والمحلية، لم تحدد كيفية تنفيذ الأحكام الإدارية الصادرة ضد الإدارة المحلية لصالح الجهة الإدارية الاتحادية. ورغم أن المحاكم المحلية تطبق أحكام وقواعد قانون الإجراءات المدنية، إلا أن الأمر يبدو أكثر تعقيداً فيما لو كان الحكم المنفذ حكماً اتحادياً يُنفذ أمام محكمة اتحادية. ذلك أن تنفيذ أحكام القضائيين الاتحادي والمحلي محكوم بقواعد القانون الاتحادي رقم (11) لسنة 1973 في شأن تنظيم العلاقات القضائية بين الإمارات الأعضاء في الاتحاد، وأن المادة (15) من هذا القانون تنص على أنه: " لا يسرى هذا القانون على الأحكام التي تصدر ضد سلطات الإمارات المطلوب إليها التنفيذ أو ضد أحد موظفيها عن أعمال قام بها بسبب الوظيفة...."، فضلاً عن أن لدى بعض الإمارات، إجراءات خاصة فيما يخص المنازعات الإدارية منظمه بقواعد قانونية محلية خاصة بالإمارة. ومن هنا تثور اشكالية تنفيذ الأحكام الإدارية الاتحادية ضد الجهات الإدارية المحلية الأمر الذي يستدعي سن تشريع لتنفيذ الأحكام الإدارية الاتحادية، وذلك بتوفير وسائل إجبارية لتنفيذ الأحكام الإدارية الصادرة عن المحاكم الاتحادية ضد الجهات المحلية[5].

4- غموض منطوق الحكم:
قد يكون غموض منطوق الحكم الإداري وعدم وضوحه في عباراته ودلالات ألفاظه أثر في تأخير تنفيذه، أو في تعدد الاجتهادات والتأويلات عند تنفيذه. وقد يكون سبباً في رفع الإشكالات أو حتى الطعون. وعليه فكلما كان منطوق الحكم واضحاً في معناه، وقاطعاً في دلالاته، وحاسماً في مدلوله، لا يحتمل اجتهاداً أو تأويلاً أو اختلافاً، كلما كان ذلك مدعاة إلى سرعة تنفيذه. فضلاً عن أن وضوح المنطوق يحدد الجهة أو الجهات الملزمة بخطاب الحكم بما يُسهَّل محاسبتها حال تقصيرها في تنفيذه[6].

[1] أحمد عابد، أبوظبي، جريدة الإمارات اليوم، بتاريخ 2 مارس 2011.
[2] عبدالوهاب عبدول، ورقة عمل مقدمة إلى المؤتمر الثاني لرؤساء المحاكم الإدارية في الدول العربية حول المحور الرابع، 11، 12/9/2012.
[3] الباحثـة.
[4] عبدالوهاب عبدول، ورقة عمل مقدمة إلى المؤتمر الثاني لرؤساء المحاكم الإدارية في الدول العربية حول المحور الرابع، 11، 12/9/2012.
[5] عبدالوهاب عبدول، ورقة عمل مقدمة إلى المؤتمر الثاني لرؤساء المحاكم الإدارية في الدول العربية حول المحور الرابع، 11، 12/9/2012.
[6] عبدالوهاب عبدول، ورقة عمل مقدمة إلى المؤتمر الثاني لرؤساء المحاكم الإدارية في الدول العربية حول المحور الرابع، 11، 12/9/2012.

أحدث أقدم