مادة حاضر العالم الإسلامي

طريقة النهوض بالمسلمين ووسائل التصدي للأخطار التي تواجههم
مدخل:
الحمد لله والصّلاة والسّلام على رسول اللّه وعلى آله وصحبه ومن والاه، أمّا بعد أخي الطَّالب، سلام الله عليكَ ورحمته وبركاته، ومرحبًا بك في الدرس العشرين من سلسلة الدُّروس المقرَّرة عليك في إطار مادَّة حاضر العالم الإسلامي، لهذا الفصل الدِّراسيّ، آملينَ أن تجدَ فيها كلّ المُتعة والفائدة، وكنا قد تناولنا معًا في الدرس السابق الكلام عن (طريقة النهوض بالمسلمين)، وإليك هذا الدرس الذي تتعرف فيه على (تابع طريقة النهوض بالمسلمين)، فأهلا وسهلا بك.
ثمرات الدّرس:
عند نهاية هذا الدرس تستطيع بإذن الله أن:
أولا: تتعرف على بعض وسائل التصدي للأخطار التي تواجه المسلمين.
ثانيا: تبين كيف أن القرآن الكريم أحد عوامل الصد والدفاع عن الإسلام.
عناصر الدّرس:
20.1 وسائل التصدي للأخطار التي تواجه المسلمين.
20.2 التنبيه ببقاء القرآن الكريم بين المسلمين محفوظًا كما وعد الله.
التّعريفات:
1                                                         حضيض:   الحَضِيَضُ: قَرَارُ الأرْضِ، وجَمْعُه: أحِضَّةٌ وحُضُضٌ. وهو الحَجَرُ أيضًا.
2                                                         وضاءة     الوَضَاءة الحُسْنُ والبَهْجةُ يقال وَضُؤَتْ فهي وَضِيئةٌ وفي حديث عمر رضي اللّه عنه لِحَفْصةَ: لا يُغُرّكِ َأن كانَتْ جارَتُكِ هي أوْضَأ مِنْكِ أي أحْسَن.
20.1 وسائل التصدي للأخطار التي تواجه المسلمين
نتحدث عن أهم وسائل التصدي للأخطار التي تواجه المسلمين والتي تتمثل في العمل على وحدة الجهود وتضامن المسلمين وعلى مختلف الدعاة والمؤسسات الإسلامية أن تعمل على تضييق شقة الخلاف وإزالة العقبات وأن يبينوا للناس حقيقة الإسلام حقيقة التوحيد حتى توجد القاعدة الإسلامية الواعية من داخل الأمة الإسلامية وأن من الخطأ الاصطدام بالسلطة قبل وجود القاعدة الواعية؛ إذ يكون ذلك أمرًا انتحاريًّا لا طائل وراءه إلا إعطاء السلطة حجة تقتيل المسلمين والتخلص منهم, إن عملية التربية المستمرة وتخريج الأجيال المؤمنة ستؤدي حتمًا إلى التعامل مع السلطة أو إلى انحناء السلطة فهي من الأمة وليست من خارجها ومن الممكن أن تدعم العمل الإسلامي بدلًا من أن تسهم في القضاء عليه كما يجب الانتباه إلى تربية المرأة المسلمة تربية إسلامية صحيحة لتقضي على فكرة تحرير المرأة؛ الغربيةِ النزعة واليسارية المنحنى، ولتسهم المرأة في حركة إحياء الدين بوعي وإخلاص هذا وقد ظهرت أنشطة طيبة على المستويين الرسمي والشعبي في العالم الإسلامي وكان لجهود المخلصين من الأمة والمملكة العربية السعودية دور بارز في إنجاحها وأهم هذه الأنشطة منظمة المؤتمر الإسلامي وقد تقدم الحديث عنه في درس سابق.
كذلك رابطة العالم الإسلامي أنشئت بناء على قرار صدر عن المؤتمر الإسلامي العام الأول الذي عقد بمكة المكرمة في 14 ذي الحجة عام 1382 هجرية 1962 ميلادية وهي منظمة إسلامية عالمية وتشارك فيها جميع الشعوب الإسلامية في أنحاء المعمورة ومقرها مكة المكرمة ولها مجلس تأسيسي مؤلف من كبار العلماء ورجال الفكر في العالم الإسلامي ولقيت كل التشجيع والمؤازرة والدعم من حكومة المملكة العربية السعودية وتهتم بمقاومة جميع الحركات والتيارات المعادية للإسلام وبمساندة كل عمل لخير العالم الإسلامي، ومن أهداف الرابطة تبليغ دعوة الإسلام وشرح مبادئه وتعاليمه ودحض الشبهات عنه التصدي للتيارات والأفكار الهدامة التي يريد منها أعداء الإسلام فتنة المسلمين عن دينهم وتشتيت شملهم وتمزيق وحدتهم كذلك الدفاع عن القضايا الإسلامية بما يحقق مصالح المسلمين وآمالهم ويحل مشاكلهم ومن الوسائل التي تستخدمها الرابطة لتحقيق الأهداف العمل على تحكيم الشريعة في البلاد الإسلامية كذلك الأخذ بمبدأ الشورى عن طريق مؤتمرات لكبار العلماء في العالم الإسلامي لتبادل وجهات النظر وتنسيق الجهود من أجل نشر الدعوة الإسلامية كذلك الاستفادة من موسم الحج عن طريق إقامة الندوات والمحاضرات وكذلك دعم وتشجيع العلماء والدعاة في كافة أنحاء الأرض وتوزيع الكتب والمجلات الإسلامية مجانًا كذلك بعث عدد من الوفود إلى جميع أقطار العالم الإسلامي وللأقطار التي تتواجد فيها الأقليات الإسلامية لدراسة مشاكلهم والتعرف عليهم ومساعدتهم ودعمهم، كذلك دعم جميع المنظمات والمؤسسات الإسلامية التي لها صلة بالرابطة وتنسيق الجهود والعمل الإسلامي معها لخدمة الدعوة الإسلامية كذلك العمل على نشر لغة القرآن الكريم بين الشعوب الإسلامية وتقوم الرابطة بمهامها عن طريق عدد من الأجهزة ومن أهمها:
1- المجلس التأسيسي ويتكون من 56 عضوًا من العلماء وقادة الرأي والفكر في العالم الإسلامي.
2- الأمانة العامة للرابطة وهي السلطة التنفيذية للرابطة ومقرها الدائم مكة المكرمة.
3- الجهاز المالي والإداري وهو المسئول عن متابعة أعمال الرابطة ورفع التقارير عن سير تلك الأعمال إلى المجلس التأسيسي.
ومن أنشطة الرابطة بلغ عدد مكاتب الرابطة في جميع أنحاء العالم 25 مكتبًا عام 1405 هجرية تقوم بتنفيذ قرارات الرابطة في الوقوف على أحوال المسلمين وتعليمهم ودعم الجمعيات الإسلامية وتقديم المساعدات لها كما بلغ عدد الدعاة التابعين للرابطة في العالم عام 1405 هجرية 936 داعية وتقوم الأمانة العامة بتنفيذ مشروع لاختيار أحسن الترجمات لفظًا وإظهارًا لمعاني آيات القرآن الكريم وطبعها وتوزيعها وقد تم طبع وترجمة معاني القرآن باللغة الفارسية وغيرها وتصدر الرابطة مجلتين شهريتين إحداهما بالعربية والأخرى بالإنجليزية بالإضافة إلى جريدة أخبار العالم الإسلامي الأسبوعية ومجلة رسالة المسجد الفصلية وكتاب دعوة الحق الشهري وتقوم الرابطة بتشجيع عدد من الصحف الإسلامية في مختلف أنحاء العالم وشكلت الرابطة المجلس الأعلى العالمي للمساجد بناء على قرار مؤتمر رسالة المسجد الذي عقد بمكة سنة 1395 هجرية 1975 ميلادية بدعوة من رابطة العالم الإسلامية وبلغ عدد أعضاء هذا المجلس 55 عضوًا يمثلون مختلف الشعوب والأقليات الإسلامية في العالم ومن أهدافه تكوين رأي عام إسلامي في مختلف القضايا والموضوعات الإسلامية في ضوء الكتاب والسنة كذلك محاربة الغزو الفكري والسلوك المنحرف في حياة المسلمين وبناء الشخصية الإسلامية فكرًا وعقيدة وسلوكًا وكذلك العمل على حرية الدعاة إلى الله وأئمة المساجد والخطباء وحمايتهم من الاضطهاد وكذلك حماية المساجد من كل اعتداء يقع عليها أو على ممتلكاتها وكذلك الحفاظ على الأوقاف الإسلامية واسترجاع ما عطل أو صودر منها وتنميتها والدفاع عن حقوق الأقليات الإسلامية في مختلف أجزاء العالم وانبثقت عن المجلس الأعلى العالمي للمساجد المجالس القارية في آسيا والمحيط الهادي ومقره جاكرتا وفي أوربا ومقره في بروكسل وفي أمريكا وكندا ومقره في أوتاوا وفي أفريقيا ومقره في الخرطوم وذلك للربط بين المجلس الأعلى وكل مسجد في كل بقعة من بقاع الأرض وانبثق أيضًا عن المجلس الأعلى للمساجد صندوق لإعمار المساجد في جميع أنحاء العالم ميزانيته عشرون مليون ريال تبرعت بها حكومة المملكة العربية السعودية وأسست الرابطة المجمع الفقهي الإسلامي بتوجيه من المجلس التأسيسي للرابطة ويضم جماعة من العلماء والفقهاء يتولون دراسة واقع الأمة الإسلامية والمشكلات التي تواجهها وإيجاد الحلول الصحيحة على أساس المصادر المعتمدة في الفقه الإسلامي وإحياء التراث ونشره وفي مجال التربية والعلوم والثقافة قررت منظمة المؤتمر الإسلامية عام 1982 ميلادية تنفيذًا لتوجيهات قادة الدول الإسلامية إنشاء المنظمة الإسلامية للتربية والعلوم والثقافة إيسيكو وقرروا أن يكون للمنظمة وكالة متخصصة تعمل في ميادين العلوم والثقافة ذات استقلال ذاتي في شئونها التنظيمية والمالية ولها أجهزتها الخاصة بها وهي:
المؤتمر العام وهو الهيئة العليا بالمنظمة ويضم وزراء الثقافة والعلوم.
المكتب التنفيذي ويتكون من 9 دول وثلاث شخصيات إسلامية.
الإدارة العامة وعلى رأسها مدير عام منتخب من المؤتمر العام وكانت قد برزت هذه الفكرة فكرة إنشاء المنظمة الإسلامية للتربية والعلوم بعد حرق المسجد الأقصى إلى أن ظهرت بالفعل بعد ثلاثة عشر عامًا ومن أهدافها توثيق روابط الأخوة بين الأعضاء وحماية الهوية الإسلامية وتركيز هذه الهوية وبخاصة في الدول غير الأعضاء أو التي يقل فيها عدد المسلمين والدفاع عن الإسلام وتقديمه بصورته الصحيحة كذلك العمل على جعل الثقافة الإسلامية محور تعليم الدول الإسلامية بالإضافة إلى محاربة الأمية لدى الكبار في القرى الإسلامية وبدأت بالفعل بماليزيا وسيراليون وكذلك العمل على تطوير الطرق التربوية في المدارس القرآنية وبدأت بالفعل في السنغال.
كذلك من وسائل التصدي للأخطار التي تواجه المسلمين إدراك الأخطار التي تهدد العالم الإسلامي.
يقف المسلم مذهولًا اليوم وهو يرى المحاولات المسعورة المستمرة من قبل أعداء الإسلام في سبيل السيطرة وفرض الوصايا على كل مقدرات المسلمين صغيرها وكبيرها فيرى قضايا المسلمين المعاصرة: فلسطين المسلمة وأفغانستان المسلمة وغيرها بين براثن الأعداء، ويقصى الجهاد الإسلامي -كأسلوب وحيد لتحريرها- من أذهان المسلمين والخطط التي ينفذها الصليبيون في إندونسيا وحملات التصفية التي يلاقيها المسلمون في جنوب الفلبين وغيرها والمؤامرات الدنيئة التي يحاول المنصرون تنفيذها في جنوب السودان لاقتطاعه وإقامة دولة صليبية في جنوبه وتسليط المستعمر وهيمنته على الدول الأفريقية المسلمة كتنزانيا وإريتريا وأوغندا وغيرها وحملات التصفية والاضطهاد والاعتقال والتعذيب التي يتعرض لها الشباب المسلم في بلدان المسلمين لإبعاده عن دعوة الإسلام كل هذه المؤامرات والأوضاع المحزنة المؤلمة تعود في مجملها إلى سببين:
1- غياب الإسلام منهجًا وتشريعًا وسياسية وتطبيقًا عن حياة الأمة وحلول التشريعات المستوردة والمبادئ الهدامة والنظم العلمانية في مختلف مجالات حياة المسلمين فقد حاولت الصهيونية والشيوعية والصليبية الغربية جهدها لإبعاد الإسلام عن توجيه حياة المسلمين وجعله فكرة تاريخية أو سلوكًا تعبديًا لا علاقة له بالحل والعقد في مجال الحياة فأصبحت الثورة في مفهوم بعض الأنظمة ثورة على الإسلام وعلى المتمسكين بأهدابه.
2- فقدان الوحدة بين أقطار الإسلام بإسقاط وحدة العقيدة والمبدأ من حساباتها وانعدام هذا التعاون في معظم الحالات فأصبحت هذه الأقطار تعاني ما تعاني من المحن والمصائب بمفردها بينما تتكالب القوى المضادة متعاونة متعاضدة تشدها إلى بعضها وحدة المصلحة في ضرب الإسلام وتفريق كلمته وابتزاز موارده وطاقاته، وقد أدرك المسلمون ذلك وشهد العالم الإسلامي صحوة تأخرت برغم المسيرة الطويلة لحركات التجديد والإصلاح ابتدأت بمحمد بن عبد الوهاب والدعوات المماثلة في شمال أفريقيا وما تلاها من حركات في مصر وديار الشرق الإسلامي في إندونسيا والهند وباكستان وإيران إلى الثلث الأخير من القرن العشرين أو نهاية القرن الرابع عشر للهجرة كما بينا والتاريخ يحدثنا أن الشريعة الإسلامية كانت مطبقة في بلدان المسلمين كلها حتى أخريات القرن الثالث عشر الهجري ومنذ إلغاء تطبيق الشريعة في معظم بلاد المسلمين قام المسلم تحت مظلة القوانين الوضعية لتعذيب أخيه المسلم بطريقة لم تحدث خلال أربعة عشر قرنًا، وكان هذا المسلم يستورد أدوات تعذيبه لأخيه المسلم من بلاد النصارى ومن اليهود ومن دول الاتحاد السوفيتي، وخرجت مجموعة شاذة من نساء المسلمين يحاربن الإسلام ولازال بعضهن في بعض المناصب يبارزن الإسلام مبارزة شرسة ومنيت بلاد الإسلام بهزائم مروعة وحاول المنهزمون أن يحولوا هذه الهزائم إلى انتصارات واحتفلوا بها واخترعوا بطولات وأقام المستعمرون أوضاعًا معينة في كل بلد إسلامي فسمح لهم بالتدخل وإملاء إرادتهم وضمنوا لهذه الأوضاع أنصارًا وأعوانًا فاستشرت التبعية والتقليد واستشرى الإلحاد الشيوعي والغزو التنصيري الصليبي والامتداد الصهيوني اليهودي وانفصلت الشعوب الإسلامية عن حكامها إلا قلة نتيجة إصرار بعض الحكومات على تحدي شعوبها بعدم تطبيق شريعة الله فوقع التخبط وعاش المسلمون واقعًا مريضًا في حضيض من الذلة والهوان والتخلف نراه ونحس به في كل أقطار الإسلام التي أقصت الشريعة جانبًا فتعطلت ملكات الإبداع في الأمة وتحول المجتمع إلى مستوى انحلالي رديء وتفككت الأواصر الاجتماعية وتعطل دولاب الحياة الاقتصادية السليمة وواجهت الأمة هزائم متوالية لا مثيل لها في التاريخ ومن المهم أن يدرك المسلم أن ما وصل إليه المسلمون من الهوان لا يعفيهم عن مسئوليتهم نحو أنفسهم ونحو البرية جمعاء قال تعالى: {فَاسْتَمْسِكْ بِالَّذِي أُوحِيَ إِلَيْكَ إِنَّكَ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ، وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ وَسَوْفَ تُسْأَلُونَ} [الزخرف: 43، 44] وأنه سيبقى التخلف والحرمان والهوان والضعف وستبقى التبعية والركض واللهاث وراء كل ما هو سراب وخداع حتى يلجأ المسلمون إلى الله يتمسكون بدينهم ويدركون ذاتهم ومسئوليتهم وإلا فلن يعجزه سبحانه وتعالى أن يستبدل بنا قومًا غيرنا يقومون بأمر هذا الدين قال تعالى: {وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ} [محمد: 38] وقال سبحانه وتعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لَائِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ} [المائدة: 54].
وقد منح الله الأمة الإسلامية كل مقومات التقدم والنمو والعزة فلديها من المناهج أقومها ومن النظم أسلمها ومن الأدوات أكثرها فاعلية والأمل معقود على الصحوة الإسلامية المعاصرة علها تعود بالأمة إلى الإسلام وإذا لم يحدث ذلك -لا قدر الله- فإن مستقبل الشعوب الإسلامية بل وأمم الأرض قاطبة لا يبشر بأي خير وسيزداد سوءًا في ظل السيطرة الشرسة للمعسكرين الغربيين الرأسمالي والشيوعي وهما يلعبان بمقدرات العالم وفي ظل الصهيونية التي تحاول الهيمنة على المعسكرين وأن ترث الحضارة الغربية.
فلا برء ولا علاج لأوضاع هذه الأمة ولأوضاع العالم بأجمعه إلا بشريعة الإسلام الخيرة التي ما تزال وضاءة حية نابضة على الرغم مما حاوله المشركون والدهريون وحاوله أهل الكتاب والصابئة والمجوس وحاوله الشيوعيون ودعوة الإسلام فوق كل ذلك تزداد دائرتها اتساعًا وانتشارًا كلما وجدت العقل المفكر والقلب الواعي والنظر الصحيح وهي في متناول جميع الناس ورسالة الإسلام ليست بحاجة إلى نبي يجددها فهي دائمًا جديدة حية ولكنها في حاجة إلى رجال وأتباع يعملون ويجاهدون ويصدقون ما عاهدوا الله عليه وبمعنى أدق هي في حاجة إلى نماذج من الرجال عملها كقولها وقولها كفعلها؛ قال صلى الله عليه وسلم: (لقد تركتم فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا من بعدي كتاب الله وسنة رسوله).
نشاط: 20.1
لكي تعمّق فهمك لهذا الدرس، قم بهذا النّشاط، ثمّ قارن ما تتوصل إليه بالإجابات النموذجية أدناه.
أكمل ما يأتي:
1- من أهداف الرابطة الاسلامية ........... دعوة الإسلام وشرح مبادئه وتعاليمه ودحض ........... عنه التصدي للتيارات والأفكار الهدامة.
2- يجب تربية ............ المسلمة تربية إسلامية صحيحة لتقضي على فكرة ........... المرأة؛ الغربية النزعة واليسارية المنحنى ولتسهم المرأة في حركة ............ الدين بوعي وإخلاص.
3- المجلس التأسيسي جهاز يتكون من ........... عضو من العلماء وقادة الرأي والفكر في العالم ...........
4- تصدر الرابطة الاسلامية مجلتين شهريتين إحداهما بـ ............ والأخرى بـ ........... بالإضافة إلى جريدة أخبار العالم الإسلامي وهى جريدة ...........
5- برزت فكرة إنشاء ........... الإسلامية للتربية والعلوم بعد حرق المسجد ............ إلى أن ظهرت بالفعل بعد ....... عامًا.
الإجابات النموذجية:
1- تبليغ – الشبهات. 
2- المرأة – تحرير – إحياء.
3- 56 – الإسلامي.
4- العربية – الإنجليزية – أسبوعية.
5- المنظمة – الأقصى – 13.
20.2 التنبيه ببقاء القرآن الكريم بين المسلمين محفوظًا كما وعد الله
التنبيه ببقاء القرآن الكريم بينهم محفوظًا كما وعد الله وجهود الطائفة التي لا تزال ظاهرة بالحق حتى يأتي أمر الله:
ومن خصائص القرآن أنه كتاب محفوظ تولى الله تعالى حفظه بنفسه ولم يكل حفظه إلى أحد كما فعل مع الكتب المقدسة الأخرى التي استحفظها أهلها كما قال تعالى: {بِمَا اسْتُحْفِظُوا مِنْ كِتَابِ اللَّهِ} [المائدة: 44] ومعنى حفظ القرآن صيانته من كل تحريف وتبديل تتعرض لهما النصوص كما تعرضت التوراة والإنجيل من قبل أما التوراة فقد كانت ألواحًا مكتوبة في السطور ولم تكن محفوظة في الصدور فلما تعرضت النسخ المكتوبة للإحراق والضياع عند غزو البابليين لبني إسرائيل الذين جاسوا خلال الديار وكان وعدًا مفعولًا، ولم يكن في القوم من يحفظ الكتاب كله فكتبوا منه نسخة لفقوها من هنا وهناك وقالوا هذا من عند الله كتبها عزرا الوراق دون أصل يرجع إليه وربما ساعده غيره وقد أثبت علماء المسلمين من قديم تحريف التوراة من عهد كتاب الملل والنحل إلى عهد الشيخ رحمة الله الهندي صاحب (إظهار الحق) وأكد ذلك البحث العلمي في عصرنا.
ومن الدراسات الجديرة بالتنويه ما قام به الدكتور/ بدران محمد بن فتح الله بدران عن التوراة فقد عكف على دراسة أسفار العهد القديم دراسة علمية موضوعية وانتهى من دراسته إلى نتائج غاية في الخطورة ومن أهمها:
أولًا: أصول العهد القديم ثلاثة: النسخة السامرية والنسخة العبرية والنسخة اليونانية وبين هذه الأصول من الاختلافات والتناقض والتضارب ما فيها فضلًا عما فيها من زيادة ونقصان مما يجعلنا نفقد الثقة بهذه الأصول جميعًا.
ثانيًا: طبعات العهد القديم عديدة لا تكاد طبعة منها تتفق والطبعات الأخرى وهي تتغاير من بلد إلى بلد ومن طائفة إلى طائفة ومن جيل إلى جيل والمشرفون على هذه الطبعات يتعاورونها بالتعديل والتبديل والحذف والإضافة مما يجعلها موضع الشك والارتياب.
ثالثًا: أسفار العهد القديم مليئة بالروايات المتناقضة التي لا سبيل للتوفيق بينها بأي حال مما يجعل بعض الأسفار الأخرى تنطق بالكذب والبهتان بل إن السِّفر الواحد تتناقض بعض إصحاحاته مع البعض الآخر.
رابعًا: والعهد القديم غاص بالأساطير الوهمية والقصص الجنسية الداعرة والأخلاق السيئة التي تنأى به عن مظاهر الطهر والتقديس.
خامسًا: وهو إلى هذا يناقض الحقائق العلمية الثابتة بالتجربة الواقعية والنظر العقلي الرشيد ولو كان وحيًا سماويًّا ما ظهرت فيه هذه الأخطاء أما الإنجيل الذي أوحاه الله إلى المسيح عيسى فيبدو أنه قد فقد بعد عيسى بزمن قصير ولم يعد يعرف عنه شيء، كل ما يعرفه الناس هو الأناجيل المنسوبة إلى أصحابها والمعروف منها الآن أربعة: متى ومرقص ولوقا ويوحنا، وهذه الأربعة اختيرت من بين حوالي سبعين أنجيلًا حكم بتحريم قراءتها بل بإتلافها وهذه الأناجيل لا تخرج عن كونها سيرة للمسيح مشتملة على بعض مواعظه وأقواله وهي مختلفة متناقضة فيما بين بعضها وبعض، بل كل إنجيل منها متناقض في نفسه.
وهذا الذي حصل للتوراة وللإنجيل من تحريف وتبديل وتضييع ناشئ من أن الله تعالى لم يتكفل بحفظهما بل وكل ذلك إلى أهلهما لأن كلًّا منهما كتاب موقوت لرسالة موقوتة لقوم مخصوصين وهذا بخلاف رسالة الإسلام العامة والخالدة والدائمة فهي تقتضي حفظ مصادرها من أن تمتد إليها يد التغيير ومن أجل هذا تكفل الله تعالى بحفظ القرآن ووعد بذلك وعدًا مؤكدًا بقوله سبحانه: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} [الحجر: 9]. والصيغة تدل على التأكيد من عدة أوجه يعرفها دارس العربية منها اسمية الجملة وتأكيدها بحرف إن ودخول اللام المؤكدة على الخبر "لحافظون".
وقال تعالى: {وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ، لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ} [فصلت: 41، 42] ومن دلائل ذلك أن أكثر من أربعة عشر قرنًا من الزمن مرت على نزول هذا القرآن ولم يزل كما أنزله الله وكما بلغه محمد صلى الله عليه وسلم وكما تلقاه أصحابه ومن بعدهم جيلًا إثر جيل محفوظًا في الصدور متلوًّا بالألسنة مكتوبًا في المصاحف يستظهره عشرات الألوف من أبناء المسلمين حتى الصبيان منهم بل حتى الأعاجم الذين لا يعرفون لغته.
تهيئة الأسباب لحفظ القرآن:
وقد هيأ الله الأسباب لحفظ هذا القرآن وفاءً بوعده عز وجل بحفظه ليبقى إلهيًّا كما أنزل ولا تتطرق إليه أهواء البشر وأوهام البشر.
أولى خصائص القرآن أنه كتاب الله تعالى الذي يتضمن كلماته إلى خاتم رسله وأنبيائه محمد عليه الصلاة والسلام فهو إلهي المصدر مائة في المائة لفظًا ومعنى أوحاه الله إلى رسوله ونبيه محمد صلى الله عليه وسلم عن طريق الوحي الجلي وهو نزول الرسول الملكي جبريل عليه السلام على الرسول البشري محمد صلى الله عليه وسلم وليس عن طرق الوحي الأخرى من الإلهام أو النفس في الروع ومن الرؤيا الصادقة أو غيرها يقول الله تعالى: {كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آَيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ} [هود: 1] وقال سبحانه مخاطبًا رسوله: {وَإِنَّكَ لَتُلَقَّى الْقُرْآَنَ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ عَلِيمٍ} [النمل: 6] وقال سبحانه: {وَبِالْحَقِّ أَنْزَلْنَاهُ وَبِالْحَقِّ نَزَلَ وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا مُبَشِّرًا وَنَذِيرًا} [الإسراء: 105].
وقد قال بعض العلماء في قوله تعالى: {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي} [الإسراء: 85]: إن الروح المسئول عنه في الآية هو القرآن فإن السياق قبله وبعده يتحدث عن القرآن وهو لا شك روح من أمر الله تبارك وتعالى وربما يدل لذلك قوله تعالى في أوائل سورة "النحل" {يُنَزِّلُ الْمَلَائِكَةَ بِالرُّوحِ مِنْ أَمْرِهِ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ أَنْ أَنْذِرُوا أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاتَّقُونِ} [النحل: 2] كما يؤكده قوله تعالى في أواخر سورة "الشورى" {وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُورًا نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا} [الشورى: 52].
فالقرآن روح رباني تحيا به العقول والقلوب كما أنه دستور إلهي ينظم حياة الأفراد والشعوب وقد اقتضت حكمة الله تعالى أن ينزله منجمًا وفقًا للحوادث ليكون أرسخ في القلوب وأوقع في العقول وهو يعالج الوقائع بآيات الله ويرد على الأسئلة ويثبت فؤاد الرسول في مواجهة المحن والشدائد التي تنزل به وبأصحابه كما قال تعالى: {وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلَا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآَنُ جُمْلَةً وَاحِدَةً كَذَلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ وَرَتَّلْنَاهُ تَرْتِيلًا، وَلَا يَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ إِلَّا جِئْنَاكَ بِالْحَقِّ وَأَحْسَنَ تَفْسِيرًا} [الفرقان: 32، 33] وحكمة أخرى وهي أن يقرأه الرسول الكريم على المؤمنين به على مهل بحيث يستوعبونه حفظًا وفهمًا وعملًا كما قال عز وجل: {وَقُرْآَنًا فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَى مُكْثٍ وَنَزَّلْنَاهُ تَنْزِيلًا} [الإسراء: 106].
ولكن القرآن عند الله تعالى كتاب معلوم أوله وآخره مسجل في أم الكتاب أو اللوح المحفوظ أو الكتاب المكنون كما صرح بذلك القرآن نفسه في قوله سبحانه: {حم، وَالْكِتَابِ الْمُبِينِ، إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآَنًا عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ، وَإِنَّهُ فِي أُمِّ الْكِتَابِ لَدَيْنَا لَعَلِيٌّ حَكِيمٌ} [الزخرف: 1 - 4] {بَلْ هُوَ قُرْآَنٌ مَجِيدٌ، فِي لَوْحٍ مَحْفُوظٍ} [البروج: 21، 22] وقوله سبحانه: {إِنَّهُ لَقُرْآَنٌ كَرِيمٌ، فِي كِتَابٍ مَكْنُونٍ، لَا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ، تَنْزِيلٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [الواقعة: 77 - 80].
يجب أن ينظر إلى القرآن بوصفه كلام الله تعالى المعبر عما يحبه ويرضاه من خلقه كما قال تعالى: {وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلَامَ اللَّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ} [التوبة: 6] ليس لجبريل أمين الوحي من القرآن إلا نقله من أم الكتاب أو اللوح المحفوظ إلى قلب محمد صلى الله عليه وسلم كما قال تعالى: {وَإِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ، نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ، عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ، بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ} [الشعراء: 192 - 195] وليس لمحمد منه إلا قراءته وحفظه حتى لا ينسى كما قال تعالى {سَنُقْرِئُكَ فَلَا تَنْسَى} [الأعلى: 6] وكما قال سبحانه وتعالى {لَا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ، إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآَنَهُ} [القيامة: 16، 17] وقال سبحانه: {وَاتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنْ كِتَابِ رَبِّكَ لَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ وَلَنْ تَجِدَ مِنْ دُونِهِ مُلْتَحَدًا} [الكهف: 27] وقد كان من مهمة الرسول صلى الله عليه وسلم تلاوة آيات الله على الناس كما قال تعالى: {هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آَيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ} [الجمعة: 2] ثم ترتيله وتدبره قال سبحانه: {وَرَتِّلِ الْقُرْآَنَ تَرْتِيلًا} [المزمل: 4] وقال عز وجل: {كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آَيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ} [ص: 29] ثم تبليغه إلى الناس كما أنزل كما قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ} [المائدة: 67] وقد بلغ عليه الصلاة والسلام كل ما أنزل إليه من ربه إلى الناس عامة وإلى أصحابه خاصة فحفظوه في صدورهم وتلوه بألسنتهم وكتبه كتاب الوحي بأيديهم قالت عائشة -رضي الله عنها: لو كان محمد -صلى الله عليه وسلم- كاتما شيئًا مما أنزل عليه لكتم هؤلاء الآيات: {وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَاهُ} [الأحزاب: 37] وقال سبحانه: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضَاةَ أَزْوَاجِكَ} [التحريم: 1] ثم بعد ذلك يبينه للناس بما علمه كما قال تعالى: {وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ} [النحل: 44] فمن أراد أن يفهم القرآن أو يفسره فليعد له عدته وليتأهب له عقليًّا وعلميًّا ونفسيًّا فإنما هو مخلوق يفسر كلام الخالق وهو مخلوق يمثل ما في المخلوقات من قصور وعجز ومحدودية بحدود الزمان والمكان والإمكان أمام الواحد القهار أما النظر إلى القرآن باعتباره مجرد منتج ثقافي أو أثر ونضح للثقافة العربية السائدة في مجتمع الحجاز وقت نزوله أو وقت ظهوره فهم لا يعتبرونه منزهًا كما زعم بعضهم فهو أساس الخلط والخبط وهو مخالفة للحقيقة ومناقضة للعقيدة ونزول القرآن بلغة ينطقها البشر لا يخرجه عن كونه كلام الله ولا ينزع عنه الصفة الإلهية أو القداسة الربانية وإلا لم يكن هناك فرق بين الوحي الإلهي والتفكير البشري فعربية القرآن ليست من صنع البشر وأحكامه ومفاهيمه ليست من نضح ثقافة البشر مثل عرب الحجاز وتأثيرها بل هي منزلة على البشر من سلطة أعلى منهم؛ سلطة الرب الخالق المعلم للإنسان، وهذا واضح من أول سورة أنزلت في القرآن: {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ، خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ، اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ، الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ، عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ} [العلق: 1 - 5] وقد أكد القرآن نفسه أن الله تعالى أنزله عربيًّا كما في قوله تعالى: {إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ قُرْآَنًا عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ} [يوسف: 2] وقال سبحانه: {وَكَذَلِكَ أَنْزَلْنَاهُ حُكْمًا عَرَبِيًّا} [الرعد: 37] هذا القرآن الكريم تولى الله سبحانه وتعالى حفظه فقال عز وجل: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ}.
أما عن جهود الطائفة التي لا تزال ظاهرة بالحق حتى يأتي أمر الله فقد روى مسلم عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه أنه قال سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (لا تزال طائفة من أمتي يقاتلون على الحق ظاهرين إلى يوم القيامة) وعلى ذلك فإن أعداء الإسلام يخشون دائمًا من الطائفة التي لا تزال ظاهرة للحق هذه الطائفة الموجودة في كل زمان ومكان وتبذل جهدها لتكون كلمة الله هي العليا هذه الطائفة يخشاها كما قلنا دائمًا أعداء هذه الأمة، يقول غلادستون: ما دام هذا القرآن موجودًا في أيدي المسلمين فلن تستطيع أوربا السيطرة على الشرق ولا أن تكون هي نفسها في مأمن. وهو يعني بذلك المسلمين الذين يعملون بالدعوة إلى الله، ويقول المستشرق غاردينر: إن القوة التي تكمن في الإسلام هي التي تخيف أوربا. ويقول هانوتو وزير خارجية فرنسا سابقًا: لا يوجد مكان على سطح الأرض إلا واجتاز الإسلام حدوده وانتشر فيه فهو الدين الوحيد الذي يميل الناس إلى اعتناقه بشدة تفوق كل دين آخر. ويقول أشهيا بومان في مقال نشره في مجلة العالم الإسلامي: إن شيئًا من الخوف يجب أن يسيطر على العالم الغربي من الإسلام لهذا الخوف أسباب منها: أن الإسلام منذ ظهر في مكة لم يضعف عدديًّا بل إن أتباعه يزدادون باستمرار، ومن أسباب الخوف أن هذا الدين من أركانه الجهاد. ويقول أنتوني ناتنج في كتابه العرب: منذ أن جمع محمد صلى الله عليه وسلم أنصاره في مطلع القرن السابع الميلادي وبدأ أول خطوات الانتشار الإسلامي فإن على العالم الغربي أن يحسب حساب الإسلام كقوة دائمة وصلبة تواجهنا عبر المتوسط. وصرح سالازار في مؤتمر صحفي قائلًا: إن الخطر الحقيقي على حضارتنا هو الذي يمكن أن يحدثه المسلمون حين يغيرون نظام العالم، فلما سأله أحد الصحفيين لكن المسلمين مشغولون بخلافاتهم ونزاعاتهم؟! أجابه: أخشى أن يخرج منهم من يوجه خلافهم إلينا. ويقول مسئول في وزارة الخارجية الفرنسية سنة 1952 ليست الشيوعية خطرًا على أوربا فيما يبدو لي إن الخطر الحقيقي الذي يهددنا تهديدًا مباشرًا وعنيفًا هو الخطر الإسلامي فالمسلمون عالم مستقل كل الاستقلال عن عالمنا الغربي فهم يملكون تراثهم الروحي الخاص بهم ويتمتعون بحضارة تاريخية ذات أصالة فهم جديرون أن يقيموا قواعد عالم جديد دون حاجة إلى إذابة شخصيتهم الحضارية والروحية في الحضارة الغربية فإذا تهيأت لهم أسباب الإنتاج الصناعي في نطاقه الواسع انطلقوا إلى العالم يحملون تراثهم الحضاري الثمين وانتشروا في الأرض يزيلون منها قواعد الحضارة الغربية ويقذفون برسالتها إلى متاحف التاريخ وقد حاولنا نحن الفرنسيين خلال حكمنا الطويل للجزائر أن نتغلب على شخصية الشعب المسلمة فكان الإخفاق الكامل نتيجة مجهوداتنا الكبيرة الضخمة إن العالم الإسلامي عملاق مقيد، عملاق لم يكتشف نفسه حتى الآن اكتشافًا تامًّا فهو حائر وهو قلق وهو كاره لانحطاطه وتخلفه وراغب رغبة يخالطها الكسل والفوضى في مستقبل أحسن وحرية أوفر.
نشاط: 20.2
لكي تعمّق فهمك لهذا الدرس، قم بهذا النّشاط، ثمّ قارن ما تتوصل إليه بالإجابات النموذجية أدناه:
اختر الإجابة الصحيحة مما بين القوسين:
1-                                                       من خصائص ........... أنه كتاب محفوظ تولى الله تعالى حفظه بنفسه ولم يكل حفظه إلى أحد كما فعل مع الكتب المقدسة الأخرى التي استحفظها أهلها. (القرآن - الإنجيل - التوراة).
2-                                                       ........... عبارة عن ألواح مكتوبة في السطور ولم تكن محفوظة في الصدور. (الإنجيل - التوراة - الزبور).
3-                                                       طبعات ............ عديدة لا تكاد طبعة منها تتفق والطبعات الأخرى وهي تتغاير من بلد إلى بلد ومن طائفة إلى طائفة ومن جيل إلى جيل (العهد القديم - العهد الجديد – التوراة).
4-                                                       اقتضت حكمة الله تعالى أن ينزل القرآن ............ وفقًا للحوادث ليكون أرسخ في القلوب وأوقع في العقول (مجتمعاً - منجمًا - جملة واحدة).
الإجابات النموذجية:
1-                                                       القرآن.
2-                                                       التوراة.
3-                                                       العهد القديم.
4- منجمًا.
ملخّص الدّرس:
يجب العمل على وحدة الجهود وتضامن المسلمين وعلى مختلف الدعاة والمؤسسات الإسلامية أن تعمل على تضييق شقة الخلاف وإزالة العقبات وأن يبينوا للناس حقيقة الإسلام, وإن عملية التربية المستمرة وتخريج الأجيال المؤمنة ستؤدي حتمًا إلى التعامل مع السلطة أو إلى انحناء السلطة فهي من الأمة وليست من خارجها ومن الممكن أن تدعم العمل الإسلامي بدلًا من أن تسهم في القضاء عليه كما يجب الانتباه إلى تربية المرأة المسلمة تربية إسلامية صحيحة لتقضي على فكرة تحرير المرأة؛ الغربية النزعة واليسارية المنحنى ولتسهم المرأة في حركة إحياء الدين بوعي وإخلاص وقد ظهرت أنشطة طيبة على المستويين الرسمي والشعبي في العالم الإسلامي وكان لجهود المخلصين من الأمة والمملكة العربية السعودية دور بارز في إنجاحها.
يجب تنسيق الجهود من أجل نشر الدعوة الإسلامية كذلك الاستفادة من موسم الحج عن طريق إقامة الندوات والمحاضرات وكذلك دعم وتشجيع العلماء والدعاة في كافة أنحاء الأرض وتوزيع الكتب والمجلات الإسلامية مجانًا كذلك بعث عدد من الوفود إلى جميع أقطار العالم الإسلامي وللأقطار التي تتواجد فيها الأقليات الإسلامية لدراسة مشاكلهم والتعرف عليهم ومساعدتهم ودعمهم.
تقوم الرابطة الاسلامية بمهامها عن طريق عدد من الأجهزة ومن أهمها:
1- المجلس التأسيسي ويتكون من 56 عضوًا من العلماء وقادة الرأي والفكر في العالم الإسلامي.
2- الأمانة العامة للرابطة وهي السلطة التنفيذية للرابطة ومقرها الدائم مكة المكرمة.
3- الجهاز المالي والإداري وهو المسئول عن متابعة أعمال الرابطة.
تصدر الرابطة مجلتين شهريتين إحداهما بالعربية والأخرى بالإنجليزية بالإضافة إلى جريدة أخبار العالم الإسلامي الأسبوعية ومجلة رسالة المسجد الفصلية وكتاب دعوة الحق الشهري.
وأسست الرابطة المجمع الفقهي الإسلامي بتوجيه من المجلس التأسيسي للرابطة ويضم جماعة من العلماء والفقهاء يتولون دراسة واقع الأمة الإسلامية والمشكلات التي تواجهها وإيجاد الحلول الصحيحة على أساس المصادر المعتمدة في الفقه الإسلامي وإحياء التراث ونشره وفي مجال التربية والعلوم والثقافة قررت منظمة المؤتمر الإسلامية عام 1982 ميلادية تنفيذًا لتوجيهات قادة الدول الإسلامية إنشاء المنظمة الإسلامية للتربية والعلوم والثقافة إيسيكو وقرروا أن يكون للمنظمة وكالة متخصصة تعمل في ميادين العلوم والثقافة ذات استقلال ذاتي في شئونها التنظيمية والمالية ولها أجهزتها الخاصة بها.
حملات التصفية والاضطهاد والاعتقال والتعذيب التي يتعرض لها الشباب المسلم في بلدان المسلمين لإبعاده عن دعوة الإسلام كل هذه المؤامرات والأوضاع المحزنة المؤلمة تعود في مجملها إلى سببين:
1- غياب الإسلام منهجًا وتشريعًا وسياسية وتطبيقًا عن حياة الأمة وحلول التشريعات المستوردة والمبادئ الهدامة. 2- فقدان الوحدة بين أقطار الإسلام بإسقاط وحدة العقيدة والمبدأ من حساباتها وانعدام هذا التعاون في معظم الحالات.
شهد العالم الإسلامي صحوة تأخرت برغم المسيرة الطويلة لحركات التجديد والإصلاح ابتدأت بمحمد بن عبد الوهاب والدعوات المماثلة في شمال أفريقيا وما تلاها من حركات في مصر وديار الشرق الإسلامي في إندونسيا والهند وباكستان وإيران إلى الثلث الأخير من القرن العشرين أو نهاية القرن الرابع عشر للهجرة.
إن الشريعة الإسلامية كانت مطبقة في بلدان المسلمين كلها حتى أخريات القرن الثالث عشر الهجري, ومن المهم أن يدرك المسلم أن ما وصل إليه المسلمون من الهوان لا يعفيهم عن مسئوليتهم نحو أنفسهم ونحو البرية جمعاء.
لقد منح الله الأمة الإسلامية كل مقومات التقدم والنمو والعزة فلديها من المناهج أقومها ومن النظم أسلمها ومن الأدوات أكثرها فاعلية والأمل معقود على الصحوة الإسلامية المعاصرة علها تعود بالأمة إلى الإسلام.
القرآن الكريم محفوظ كما وعد الله وجهود الطائفة التي لا تزال ظاهرة بالحق حتى يأتي أمر الله, وقد أثبت علماء المسلمين من قديم تحريف التوراة من عهد كتاب الملل والنحل إلى عهد الشيخ رحمة الله الهندي صاحب (إظهار الحق).
طبعات العهد القديم عديدة لا تكاد طبعة منها تتفق والطبعات الأخرى وهي تتغاير من بلد إلى بلد ومن طائفة إلى طائفة ومن جيل إلى جيل والمشرفون على هذه الطبعات يتعاورونها بالتعديل والتبديل والحذف والإضافة مما يجعلها موضع الشك والارتياب, وأسفار العهد القديم مليئة بالروايات المتناقضة, والعهد القديم غاص بالأساطير الوهمية والقصص الجنسية الداعرة والأخلاق السيئة التي تنأى به عن مظاهر الطهر والتقديس.
من أراد أن يفهم القرآن أو يفسره فليعد له عدته وليتأهب له عقليًّا وعلميًّا ونفسيًّا, فعربية القرآن ليست من صنع البشر وأحكامه ومفاهيمه ليست من نضح ثقافة البشر.
تمارين الدّرس:
لكي تعمّق فهمك لهذا الدرس، قم بهذا النّشاط، ثمّ قارن ما تتوصل إليه بالإجابات النموذجية أدناه.
ضع علامة (√) أمام العبارة الصحيحة وعلامة (×) أمام العبارة الخاطئة:
1-                                                       كان للمملكة العربية السعودية دور بارز في العمل على إعادة نهضة الأمة.
2-                                                       تعمل الرابطة الاسلامية على تحكيم الشريعة في البلاد الإسلامية وكذلك الأخذ بمبدأ الشورى.
3-                                                       الأمانة العامة للرابطة وهي السلطة التنفيذية للرابطة مقرها الدائم مصر.
4-                                                       تم طبع وترجمة معاني القرآن بلغات عديدة ولكن لم يتم الترجمة باللغة الفارسية حتى الآن.
5-                                                       عربية القرآن ليست من صنع البشر وأحكامه ومفاهيمه ليست من نضح ثقافة البشر.
6-                                                       هيأ الله الأسباب لحفظ هذا القرآن وفاءً بوعده بحفظه ولا تتطرق إليه أهواء البشر وأوهامهم.
الإجابات النموذجية
1- (√) 2- (√) 3- (×) 4- (×) 5- (√) 6- (√).
مراجع الدّرس:
الغزو الفكري والتيارات المعادية للإسلام - عبد الستار فتح الله سعيد – دار الوفاء – 2000م.
التراجع الحضاري في العالم الإسلامي وطرق التغلب عليه – علي عبد الحليم محمود – ط1 – 1994م
ماذا خسر العالم بانحطاط المسلمين – السيد أبو الحسن علي الحسني الندوي – دار عمر بن الخطاب – 1982م ط 7
أثر الذنوب في هدم الأمم الشعوب – محمد محمود الصواف – دار الإصلاح بالقاهرة سنة 1402هـ
الأسرة في التشريع الإسلامي – محمد دسوقي – دار الثقافة – الدوحة – ط1 – 1995م.
تطبيق الشريعة الإسلامية – عبد الناصر توفيق العطار – دار الفضيلة - 1993م.
موسوعة نضرة النعيم.
محنة الأقليات الإسلامية والواجب نحوها - صابر طعيمة – دار الجيل – بيروت – ط1- 1988م
العالم الإسلامي والاستعمار السياسي والاجتماعي والثقافي – أنور الجندي – ط1 – دار المعرفة – 1970م.
خاتمة:
بهذا نكون قد وصلنا أخي الدارس إلى ختام الدرس العشرين، فإلى لقاءٍ يتجدّد مع الدَّرس الحادي والعشرين، والّذي ينعقدُ بإذن الله، حول: نماذج لبعض الدول الإسلامية المتميزة ودورها في نهضة العالم الإسلامي المعاصر.
هذا، والله وليُّ التَّوفيق، وصلى الله على سيِّدنا محمد، وعلى آله وأصحابه أجمعين. والسَّلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
Previous Post Next Post