سوسيولوجيا المجتمع الرقمي
لم يرفع الفكر العربي المعاصر معرفيا من شأن فكرة الاتصال، ليظهر علينا الاتصال الرقمي مع بداية الألفية دون سلاح معرفي نحتمي به. ولاتكمن قيمة الاتصال في ما في الفكرة من قيمة علمية أو سياسية أي ما في الإنتاج الفكري من صحة أو خطأ بل في التسويق لها، حسب المفهوم الحديث للمعرفة لتداول مضامينها ليترك الحكم للمجتمع وحده وهل به المناعة الثقافية الكافية "لغربلة" المضامين قبل الحكم على الوعاء. أن الحكم القيمي على الأفكار هو حكم قيمي على التقنية أيضا التي لا يجب أن نحد من انتشارها وإلا ستنمو سوقا سوداء لأفكار متطرفة، وإرهابية. وتاريخيا لا يمكن أن نتجاهل أن الحكم القيمي ذو الخلفية الدينية أو السياسية أو الثقافية هو الذي كان وراء إقصاء أكثر من فكرة داخل المجتمعات العربية باسم الدين أو الهوية أو معاداة الاستعمار أو الإمبريالية(1).
إن التلاقح الحضاري الذي ولّده انتقال المعلومة عبر الانترنت قد رسخ قيم وثقافة البلد المصدِّر للمعلومة والتكنولوجية في آن واحد، وينشأ عن هذه الحتمية التكنولوجية حالة ما يسمى بالصدمة الالكترونية التي سرعان ما تتحول بالبلدان المستوردة من الانبهار بالواقع الافتراضي إلى الاصطدام بالواقع الحقيقي للبلد المصدِّر. ولعل من بين الأسباب القوية للتفاوت الرقمي بين دول الشمال والجنوب يحتل عامل الأمية المسؤولية واسهم في اتساع الهوة الرقمية.
وايضاً عربيا يعود سبب تعطل آلة التسويق لتبادل الأفكار إلى عنصرين متلازمين يمكن تلخيصهما في إشكالية وعي الحرية وإدراك التقنية وهي معضلة فكرية إجرائية في كيف يمكن أن نفهم أن لا قيمة للفكرة مهما كانت طبيعتها إلا إذا شاعت بين الناس. وحتى يمكن بلوغ ذلك فلا بد أن تكون حركة الوسائط الحاملة للأفكار"التقنية" شائعة الملكية وتحررية من حيث المضمون. إن تخلف الديمقراطية وممارستها في الوطن العربي لا يعود فقط إلى حصرها في بوتقة الشعار السياسي بل إن التخلف الديمقراطي يعود أيضا إلى تخلف في فهم أوعية الديمقراطية ووسائطها في الفكر العربي. ويؤدي هذا الرفض إلى نبذ انتشار الفكر وشيوعه وتداوله لأن التداول على السلطة وهو العمود الفقري للديمقراطية بالمفهوم الحديث ما هو إلا تداول على أفكار وتصورات ومناهج في كيف ندير الشأن العام بعد أن يقول الشعب كلمته في من ينوبه عبر الاقتراع. ولا قيمة للاقتراع الذي يضفي إلى تداول السلطات والرؤساء والبرلمانات والحكومات إذا لم تتوفر معركة فكرية عادلة على واجهة وسائل الإعلام التي هي الفيصل في تقريب صورة كل طرف سياسي إلى المواطن مهما كانت خلفيته الثقافية عن مشكلات الشأن العام(2).
وإن إعلاما واتصالا لا يسهم في تحديد أوليات المجتمع السياسية والثقافية والاقتصادية لا يمكنه أن يكون فاعلا في أي مشروع يسعى لتداول سلمي على السلطة كنتيجة حتمية لتداول أهم التصورات حول كيف ندير الشأن العام بالاعتماد على الرأي العام الذي تسهم وسائل الإعلام الحرة في بلورته بشكل محايد وموضوعي بعيدا عن أي توظيف اقتصادي أو سياسي.
في النهاية فإن المجتمعات-سوسيولوجيا-تعدّ ظاهرة على قدر كبير من التعقيد حتى نجزم أنه من السهل أن تأتى نماذج سياسية أو اقتصادية أو فكرية قادرة بكل بساطة وبالاعتماد على التقنية الذكية للاتصالات على إحداث تغيير وبشكل جذري في بنية المجتمعات انطلاقا فقط من كونها تقنية فعالة حتى وإن كانت هذه التقنية في مجال الإعلام. إن بين الظاهر تقنيا في الاتصال اليوم والنتيجة الاجتماعية غدا تظهر اختلافات قد تصل في بعض الأحيان إلى التناقض. إن حركة المنظمات المهنية والجمعيات الأهلية والمجتمع المدني والفرد وهي ما يمكن أن نطلق عليها بالفعل السوسيولوجي عنصر فعال ومحدد أساس في مسيرة التقنية الاتصالية في علاقتها بالموروث الإعلامي(1).
ويمكننا القول أيضا بأن هذه الشبكات قد اسهمت في رفع مستوى الوعي لدى الشعوب، وتأكدها من أنها هي مصدر الشرعية، تمنحها لمن تشاء وتزيحها متى بدا لها ذلك. وأن هذه الشبكات قد أفرزت قيما جديدة, لعل أهمها بالمطلق القبول بالآخر في تنوعه واختلافه وتباينه, مادامت المطالب موحدة والمصير مشترك. ويمكننا القول بالمحصلة، إن هذه الشبكات أبانت بأن ثمة شعوبا حية ويقظة, حتى وإن خضعت لعقود من الظلم والاستبداد.
وتوصلت الباحثة الى نتائج عدة:
1- مواقع التواصل الاجتماعي وسائل يستخدمها من يشاء، لنشر الأخبار والآراء بشكل مكتوب أو مسموع أو مرئي، "متعدد الوسائط.
2- استخدم الشباب شبكات التواصل الإجتماعي للدردشة ولتفريغ الشحن العاطفية، ومن ثم أصبح الشباب يتبادلون وجهات النظر الثقافية والأدبية والسياسية.
3- عدّ مواقع التواصل الاجتماعي إعلاماً بديلاً: ويقصد به "الموقع الذي يمارس فيه النقد".
4- لا تمثل مواقع التواصل الاجتماعي العامل الأساس للتغيير في المجتمع، لكنها اصبحت عامل مهم في تهيئة متطلبات التغيير عن طريق تكوين الوعي.
5- اصبحت تتشكل بفضل شبكة الإنترنت فضاءات تواصلية عدة هي بمثابة أمكنة إفتراضية، وإن من بين مزاياها نهاية فوبيا المكان.
6- أنّها فضاءات مفتوحة للتمرّد والثورة – بداية من التمرّد على الخجل والانطواء وانتهاء بالثورة على الأنظمة السياسيّة.
7- يكمن النظر للتغير الاجتماعي برؤية "حتمية" التحول في ثلاثة مسارات. أولهما، ما يعرف "بالحتمية التقنية"، وثانيهما، ما يعرف "بالحتمية الاجتماعية"، ثم الحتمية المعلوماتية.
8- ان المستخدمين يسعون أكثر لكسب رأسمال رمزي من وراء إنخراطهم في هذا الإعلام أكثر من إنخراطهم في تحقيق رأسمال مادي، ويمكن أن تزدهر فيه مبادرات المجتمع المدني.
9- يفتقر الإعلام الجديد الى الوضوح، بالنسبة الى مجاله ومداه، وقد يعني هذا ان اشكال الإعلام الجديد تعكس علم الشك، والنسبية، والفوضى الأوصاف المشتركة للثقافة المعاصرة.
10- تتشكل الاجندة الإعلامية لمواقع التواصل الاجتماعي، عن طريق الأحداث البارزة التي تفرض نفسها.
11- ان التغيير السياسي الحقيقي لم يولد في الانترنت، بل تولد في الشارع، وجاء الاعلام الجديد مكملا له.
12- إن تخلف الديمقراطية وممارستها في الوطن العربي يعود إلى تخلف في فهم أوعية الديمقراطية ووسائطها في الفكر، ويؤدي هذا إلى نبذ انتشار الفكر وشيوعه وتداوله لأن التداول على السلطة ما هو إلا تداول على أفكار وتصورات ومناهج.
مصادر البحث
1- د. عبد الغني عماد،((سوسيولوجيا الثقافة- المفاهيم والإشكاليات من الحداثة إلى العولمة))، بيروت، مركز دراسات الوحدة العربية.
2- مجموعة مؤلفين،((التقرير العربي الأول للتنمية الثقافية))، بيروت، مؤسسة الفكر العربي، 2008م.
جون هارتلي وآخرون،((الصناعات الإبداعية))، ترجمة: بدر السيد سليمان الرفاعي، الكويت، عالم المعرفة، 2007م، ج.1
3- زاهر راضي، "استخدام مواقع التواصل الاجتماعي في العالم العربي"، مجلة التربية، ع15 ، جامعة عمان الأهلية، عمان، 2003م.
4- د. عباس مصطفى صادق، "الاعلام الجديد: دراسة في مداخله النظرية وخصائصه العامة"، البوابة العربية لعلوم الإعلام والاتصال، 2011م.
5- عباس مصطفى صادق، "الإعلام الجديد: المفاهيم والوسائل والتطبيقات"، عمان، دار الشروق، 2008م.
6- أولجا جوديس بيلي، بيلي كاميرتس، نيكوكاربنتيير، "فهم الإعلام البديل"، ترجمة: علا أحمد إصلاح، القاهرة، مجموعة النيل العربية، 2009م.
7- دنيس مكويل،((الإعلام وتأثيراته - دراسات في بناء النظرية الإعلامية))، ترجمة: عثمان العربي،1993م .
8- د. مي العبد الله، (( الاتصال والديمقراطية))، بيروت، دار النهضة العربية،2005م .
9- د. نصر الدين لعياضي، "الرهانات الابستمولوجية والفلسفية للمنهج الكيفي/ نحو أفاق جديدة لبحوث الإعلام والاتصال في المنطقة العربية"، أبحاث المؤتمر الدولي، "الإعلام الجديد: تكنولوجيا جديدة... لعالم جديد"، جامعة البحرين، من 7-9 ابريل 2009م، ص18.
10- د. عزة مصطفى الكحكي، "استخدام الانترنت وعلاقته بالوحدة النفسية وبعض العوامل الشخصية لدى عينة من الجمهور بدولة قطر"، أبحاث المؤتمر الدولي، "الإعلام الجديد: تكنولوجيا جديدة... لعالم جديد"، جامعة البحرين، من 7-9 ابريل 2009م، من ص269 الى ص272.
11- د. عبد الله زين الحيدري، "الإعلام الجديد: النظام والفوضى"، أبحاث المؤتمر الدولي، "الإعلام الجديد: تكنولوجيا جديدة... لعالم جديد"، جامعة البحرين، من 7-9 ابريل 2009م، ص128.
12- د. بهاء الدين محمد مزيد، "المجتمعات الافتراضية بديلاً للمجتمعات الواقعية/ كتاب الوجوه نموذجاً"، جامعة الامارات العربية المتحدة، 2012م.
13- د.علي محمد رحومة،((الانترنت والمنظومة التكنو-اجتماعية))، بيروت، مركز دراسات الوحدة العربية، 2007م.
14- د.نهوند القادري، "قراءة في ثقافة الفضائيات العربية الوقوف على تخوم التفكيك"، مركز دراسات الوحدة العربية، بيروت، 2008م.
15- د.جمال الزرن،((تدويل الاعلام العربي، الوعاء ووعي الهوية))، دمشق، دار صفحات، 2007م.
16- سعيد بن جبلي،((رصد الاعلام الجديد وعلاقته بالرأي العام- سلاح المهمشين العرب))، في ثالث أيام مهرجان القاهرة للإعلام، الثلاثاء4/12/2007م.
17 - د. جمال الزرن، "هندسة المكان الإفتراضي منتجة لخطاب ثقافي"، مدونة مقعد وراء التلفزيون.
19- د.عبد الله الزين الحيدري،((ما المقصود بالزمن الميدياتيكي؟))، مدونة أجيال.
21- عبد العزيز طرابزوني، "حقيقية الإعلام الجديد في الربيع العربي.. ومستقبله".
http://www.majalla.com/arb/2011/10/article55228614
22- ياسين النصير، "ثقافة التغيير"، مجلة الرافدين.
http://www.alrafidayn.com/index.php.
23- د. جمال الزرن، "أنسنة" أو الثقافي في تكنولوجيات الاتصال والفضاء العام، مدونة مقعد وراء التلفزيون.
(1) د. جمال الزرن، "أنسنة" أو الثقافي في تكنولوجيات الاتصال والفضاء العام، مدونة مقعد وراء التلفزيون.
http://www.jamelzran.jeeran.com
(2) المصدر السابق نفسه.
(1) د. جمال الزرن، "مصدر سبق ذكره".