انتهاء النظام الملكي في العراق وبداية الجمهورية وحتى الاحتلال الأمريكي 2003
مطالبة عبد الكريم قاسم بضم الكويت 1961
لقد انتهى النظام الملكي في العراق بثورة قادها الجيش في 14 تموز 1958, وأعلن النظام الجمهوري محل النظام الملكي, وتولى عبد الكريم قاسم أحد قادة الانقلاب رئاسة الوزراء. وقد خلقت هذه الثورة وضعا  جديدا في المنطقة حيث أخرجت العراق من حلف بغداد, ثم اضافت مع الثورة المصرية مطالب الشباب العربي بالتحرر والأستقلال من براثن الاستعمار الغربي .
أما ما يخص الكويت فقد ترقبت السلطة الحاكمة الوضع الجديد في العراق بحذر شديد لمعرفة نوايا الحكم الجديد تجاه الكويت. فلم يتوان شيخ الكويت عبد الله السالم الصباح في تهنئة رئيس وزراء العراق الجديد عبد الكريم قاسم بتاريخ 15/8 /1958 بنجاح الثورة وإزالة النظام الملكي , ثم تبعها برسالة أخرى بتاريخ 25/8/ 1958, يطلب فيها تسهيل استيراد المواد الاستهلاكية للكويت عن طريق العراق, كما اشتكى للزعيم الجديد القيود التي فرضت على تنقل الكويتيين الى العراق (1).
لقد أجاب عبد الكريم قاسم على رسالة شيخ الكويت وأبدى فيها شكره للعواطف الاخوية تجاه العراق, وذكر له أنه أبلغ الجهات المختصة بضرورة اطلاق حرية التنقل بين البلدين, والسماح بتصدير المواد الغذائية بما يكفل للكويتيين بسد احتياجاتهم من هذه المواد (2).
في الحقيقة كان القلق يساور الشيخ عبد الله السالم حاكم الكويت من نوايا النظام الجديد في العراق, والرسائل السابقة التي أرسلها ما كانت إلا هي لجس نبض السلطة الجديدة وما تفكر به ازاء الكويت, لذلك قرر الشيخ عبد الله السالم قطع الشك باليقين, فعزم على زيارة بغداد ولقاء عبد الكريم قاسم نفسه والوقوف على نوايا الثوار عن كثب, وفعلا تمت الزيارة في 25 تشرين الأول/ أكتوبر 1958, واستقبله عبد الكريم قاسم شخصيا في مطار بغداد, وأستمرت المباحثات خمسة أيام من دون أن يصدر بيان مشترك , والظاهر أن هذه الزيارة لم تحقق ما كان يسعى اليه الشيخ عبد الله من معرفة نوايا الحكم الجديد في بغداد, حيث لم يبدي أي تصرف يفهم منه موقفا ايجابيا أو سلبيا تجاه الكويت (3).


 
(1) العلوي, حسن, مصدر سابق, ص79
(2 العاني, د. عبد الكري م, مصدر سابق,197( نقلا عن خليل ابراهيم حسين, موسوعة 14 تموز , سقوط عبد الكريم قاسم, بغداد, 1989, ص249-250)
(3) العاني, د. عبد الكريم , مصدر سابق, ص 197- 198   
بعدها لجأ شيخ الكويت الى الوكيل السياسي البريطاني في الكويت طالبا منه مساعدة الحكومة البريطانية في معرفة نوايا النظام الجديد في بغداد تجاه الكويت, وهل هذه الحكومة ورثت وجهات نظر الحكومات العراقية السابقة حول الحدود؟ أم أنهم مستعدون لفتح صفحة جديدة (1).
الغاء إتفاقية الحماية البريطانية على الكويت المبرمة عام 1899:
كانت الحكومة الكويتية تسعى للخروج من اتفاقية الحماية المعقودة مع الحكومة البريطانية عام 1899, وذلك بالأنضمام للجامعة العربية. كما أن بريطانيا كانت ترى أن فشلها في العدوان الثلاثي على مصر 1956, قد سبب لها مشاكل في العالم العربي,حيث أدى الى  بروز حركات تحرر عربية واسعة في البلاد العربية, لذلك أيقنت أن الاستعمار المباشر في المنطقة لا يجدي نفعا لا سيما وقد بدأ المد الاستعماري بالانحسارالفعلي من قارتي افريقيا واسيا.
لقد استمرت المباحثات بين الشيخ عبد الله والمقيم السياسي البريطاني في الكويت السير وليم لويس بهذا الخصوص (إلغاء الحماية البريطانية), وقد توصلا الى النتائج التالية:
1- تلغى اتفاقية 23 يناير / كانون الثاني 1899 لكونها تتنافى مع سيادة واستقلال الكويت.
2- تستمر العلاقات بين البلدين تحكمها روح الصداقة المتينة.
3- تتشاور الحكومتان معا عندما يكون ذلك ملائما في الأمور التي تهمهما.
4- ليس في هذه النتائج ما يؤثر في استعداد حكومة صاحبة الجلالة لمساعدة حكومة الكويت اذا طلبت حكومة الكويت مثل هذه المساعدة.
لذلك أعتبرت هذه المذكرة كأتفاقية جديدة بين الحكومة البريطانية وحكومة الكويت سارية المفعول وتحل محل اتفاقية الحماية الملغاة اعتبارا من تاريخ توقيع هذه الاتفاقية بتاريخ 19/6/1961 (2).

المبررات التي دعت عبد الكريم قاسم المطالبة بضم الكويت:
1- يبدو أن عبد الكريم قاسم لم يستشر أحدا قبل اعلان مطالبته بالكويت, لقد فاجئ أركان حكومته من عسكريين ومدنيين بأعلانه في مؤتمره الصحفي بضم الكويت.  وكان يبرر ذلك بقوله " انني أردت أولا أن أثبت حق العراق تاريخيا, وأراد الأنكليز بأساليبهم الملتوية احباط غاياتنا في جمع الاخوان الذين فرقهم الاستعمار في بيت الأسرة الواحدة. وسوف نحقق ذلك بالطرق السلمية, أما اذا تعذر التوصل الى الحل السلمي فلدي خطط بديلة , وأعلاننا هذا أول خطوة في سبيل الوحدة " (1).
2- كان عبد الكريم قاسم يتطلع الى توسعة الساحل البحري العراقي لمواجهة شاه ايران المتحالف مع الولايات المتحدة للسيطرة على الخليج العربي. كما أن اكتشاف النفط وارتفاع صادرات النفط الكويتية الى نسب عالية, فتحت عيون الغيرة عند الزعماء العرب الذين كانوا يسعون لتحقيق أهداف قومية عربية عن طريق التوسع الأقليمي (2).
3- مطالبة الزعماء العراقيين الذين سبقواعبد الكريم قاسم بضم الكويت , ربما فتحت شهية عبد الكريم بالمطالبة حاله حال الذين سبقوه, فاذا حقق ضم الكويت الى العراق سواء كان سلما أو حربا, يعتبر أول زعيم عربي يحقق الوحدة العربية بقوة السلاح, فتهتف الجماهير العربية بأسمه ويخلده التاريخ. أما اذا فشل في تحقيق ذلك فحاله كحال الزعماء الذين سبقوه وفشلوا وطويت صفحتهم.
4- أو ربما كان مدفوعا بتهديد غزو الكويت من جانب بريطانيا, حتى تقضي على المعارضة التي أثيرت في شأن اتفاقية " المساعدة " التي وقعتها مع الكويت . والرأي الذي يؤيد هذا الاتجاه يبرر بسرعة انزال القوات البريطانية في الكويت, اذ أن الأمر كان مبررا, وأن السلطات العسكرية البريطانية كانت على علم مسبق بهذه الأزمة, وأرادت بريطانيا أن تتخذها مثالا لردع أي حاكم من حكام الخليج اذا ما فكر في المطالبة في الاستقلال تحت تهديد العراق أو ايران أو المملكة السعودية, كما تضمن ذلك سكوت الكويت عن المطالبة بسحب أرصدتها المجمدة بعد استقلالها عن بريطانيا (3).

 
(1) خوري, مجيد, العراق الجمهوري, الدار المتحدة للنشر,  بيروت , ط1, 1974, ص231
(2) المصدر السابق
(3) موسوعة المقاتل, مصدر سابق


 رد الفعل الكويتي والعربي:
أثارت مطالبات عبد الكريم قاسم بضم الكويت قلق الحكومة الكويتية, وقد أعتبر الشيخ عبد الله السالم الصباح أن هذه التصريات خطيرة وتنتهك أراضي دولة عربية مستقلة ذات سيادة, وناشد الدول العربية الى الوقوف معها والمحافظة على استقلالها. ثم  سارع الى طلب النجدة العسكرية من بريطانيا, وفعلا تم الانزال البريطاني في بر الكويت في صيف عام 1961, وعرفت بعملية  " فانتج ". وكان مجموع القوة العسكرية التي ارسلت الى الكويت تتراوح بين خمسة الى سبعة الاف جندي (1).
أما موقف الجمهورية العربية المتحدة المتمثل برئيسها جمال عبد الناصر فقد أصدرت بيانا فرقت فيه بين مفهوم الوحدة والضم, وقد جاء فيه: (2)
 1- أن الجمهورية العربية المتحدة تؤمن بأن العلاقات بين الشعوب العربية لا تحكمها معاهدات أو أتفاقيات قديمة أوحديثة.
2- أنها تتوقع أن تكون حركة الشعوب العربية في الوحدة قائمةعلى غير النموذج التقليدي الذي ساد أوربا قبل الحرب العالمية الثانية وقاد اليها بسبب التمسك بالمطالب الاقليمية القائمةعلى نصوص معاهدات قديمة, لذلك فأنها لا تقبل الضم وأن كانت على أستعداد لتأييد منطلق الوحدة الشاملة.
3- أن العراق والكويت يملكان الكثير من أسباب الدعوة الى الوحدة بينهما مما هو أعمق وأبقى من الوثائق العثمانية.
كما أجتمع أعضاء الجامعة العربية في 20 تموز 1961 للنطر في طلب الكويت الانضمام للجامعة العربية, وقد رفض العراق حضور هذا الاجتماع. وقد قرر مجلس الجامعة الموافقة على: ( 3)
أولا:
1- تتعهد الحكومة الكويتية بطلب سحب القوات البريطانية من أراضيها بأسرع وقت ممكن.
2- تتعهد الحكومة العراقية بعدم اللجوء الى القوة في ضم الكويت للعراق.
3- تأييد الجامعة العربية الى كل رغبة تبديها الكويت للوحدة, أو الأتحاد مع أية دولة عضو في الجامعة .

 
(1) النفيسي, د. عبد الله فهد, الكويت الرأي الآخر , لندن, 1978, ص 43-44
(2) اللجنة العلمية لدراسة الوثائق الكويتية, الكويت وجودا وحدودا, مؤسسة الكويت للتقدم العلمي, الكويت, 1991,ص102-103
(3) الربيعي, د. عبد الله فؤاد, قضايا الحدود السياسية للسعودية والكويت, مكتبة مدبولي , القاهرة, لا توجد سنة طبع, ص89.

ثانيا:
1- ترحب الجامعة بالكويت عضوا في الجامعة العربية.
2- تساعد الجامعة العربية طلب الكويت الانظمام الى عضوية الأمم المتحدة.
أما العراق فقد عارض موقف الجامعة العربية تجاه مطالبته بالكويت, وقد أصدرت وزارة الخارجية مذكرة أبلغت البعثات العربية المعتمدة في بغداد, أنه من الصعب على الحكومة العراقية أن تواصل نشاطها في الجامعة العربية, كما انها أعتبرت قرار الجامعة العربية المتضمن قبول الكويت في عضويتها, انما هو يشكل انتهاكا لميثاقها الذي يشترط الاجماع لقبول العضوية, وبما أن العراق لم يشارك في التصويت على القرار المذكور لذا يعتبر هذا القرار باطلا (1).
Previous Post Next Post