الدوافع التي أدت الى احتلال الكويت بهذا الشكل المفاجئ:
أولا- القروض الخليجية:
لقد ساندت الدول الخليجية النظام السابق في العراق خلال حربه مع ايران التي دامت ثمان سنوات, فقدمت له مساعدات بلغت المليارات من الدولارات, لاسيما المملكة العربية السعودية والكويت, وان السلطة العليا في النظام كانت تعلن مرارا ان حربها مع ايران انما حربا بالنيابة عن الامة العربية بشكل عام وعن دول الخليج بشكل خاص. وقد كان صدام حسين بعد انتهاء الحرب يشتكي من معاملة العرب الخليجيين للعراق, وقد سئل من قبل المحققين الامريكان "عند احتجازه (عن دوافع احتلاله للكويت) قال " فقد كان الخميني وايران سيحتلان العالم العربي اذا لم يكن العراق موجودا " .






 
(1) العاني, د. عبد الكريم, مصدر سابق,ص255  
(2) العلوي, حسن, مصدر سابق, ص150
لذا  كان العراق يتوقع من العالم العربي ان يدعمه اثناء الحرب وبعد الحرب. ومع ذلك فبعد الحرب حدث العكس تماما حسب ادعاء النظام العراقي, لاسيما من جانب الكويت, فمع نهاية الحرب بدأ العراق في عملية اعادة البناء ,لكن سعر النفط  في تلك الفترة انخفض الى 7 دولارات للبرميل, فالعراق لم يكن بمقدوره القيام باعادة بناء البنية التحتية مع هذا الانخفاض, وكانت الكويت تتحمل اللوم بسبب هذا التدني " (1).
كما ان النظام العراقي قد واجه مشكلة آلاف المجندين المتسرحين من الخدمة العسكرية والباحثين عن عمل بعد توقف القتال مع ايران, وكانت السلطة في العراق تطمح من دول الخليج ان تهب لمساعدتها في اعادة الإعمار وايجاد فرص عمل للمجندين المتسرحين, الا ان هذا لم يتحقق. وصاحب تلك الفترة هبوط في اسعار البترول في الاسواق العالمية, فسارع العراق في توجيه الاتهام الى الكويت ودولة الامارات العربية بزيادة انتاجهما من النفط وأغراق السوق العالمية بالنفط الذي ادى بالنتيجة الى هبوط سعر البرميل الى ادنى من عشرة دولارات, وهذا يعتبر في نظر السلطات العراقية تصرف عدواني من كلا الدولتين بحق العراق الخارج لتوه من الحرب (2).  
فالعلاقات العراقية- الكويتية بدأت أجواء التوتر تسودها منذ انعقاد قمة بغداد مايس/ مايو 1990 وقد بدت التلميحات في كلمة صدام حسين تظهر في الجلسة المغلقة التي انعقدت بتاريخ 30/5/1990  إذ ذكر: " انه فمنذ عام 1986م… ان نوعا من الارباك ساد السوق النفطي، وحصل فيه نوع من عدم الالتزام في قرارات الأوبك… إن سبب هذا الارتباك هو عدم التزام بعض اشقائنا العرب بالذات في مقررات الأوبك عندما أغرق السوق النفطي بما هو فائض عن الحاجة.. ولو في الجلد ما فيه يحتمل لتحملنا… ولكنني اقول باننا وصلنا الى حال لا نتحمل الضغط. إن المعركة تدار بالجنود… إلا ان الضرر الأكبر يأتي من الانفجارات والقتل ومحاولات الانقلاب، وقد يكون أيضاً بالوسائل الاقتصادية.. إنني اقول لمن لا يريد ان  يشن حربا على العراق هذه هي نوع من الحرب "(3).
لقد أبدى العراق امتعاضه من تصرف دول الخليج من أحتساب المساعدات التي قدمها للعراق أبان الحرب مع ايران على أساس انها قروض,وكان يطمح في التفاوض مع تلك الدول على الغاء جميع ديونها على العراق, وقد رفضت الكويت اسقاط هذه الديون (4). وعندما سئل الرئيس العراقي السابق صدام حسين عن حقيقة الديون العراقية لدول الخليج أجاب " أن هذه القروض لم تكن قروضا وأنه من المفترض أن تكون مساعدات مجانية من هذه الدول " (5).




 
  (1)   لجنة تقصي الحقائق البرلمانية الكويتية عن دوافع غزو العراق للكويت, الكويت
Alziadi8.com /360 18.html 
(2-3) المصدر السالبق.
العاني, د. عبد الكريم, مصدر سابق,ص307  (4)
(5)  جريدة الشرق الأوسط ,14 يوليو 2009 ( الوثائق السرية التي افرج عنها الأرشيف القومي الامريكي)
بعدها تعددت المطالب العراقية من الكويت بدفع 10 مليارات دولار كمنحة للعراق ,وطلب تأجير جزيرتي وربة وبوبيان . وقد وافقت الكويت بدفع تسعة مليارات دولاركمنحة, كما تبرع الملك فهد بدفع مليار دولار, وقد أشترطت الكويت قبل دفع المبلغ موافقة العراق على ترسيم الحدود مع الكويت. وقد جاء طلب الكويت هذا على أثر قيام العراق بترسيم الحدود وعقد المعاهدات والتسويات بين العراق والمملكة العربية السعودية والاردن من اجل عقد معاهدات مماثلة مع الكويت(1).
 ثانيا- حاجة العراق الى تأمين منفذه البحري:
كانت الحكومات العراقية المتعاقبة تعاني من مشكلة منفذ العراق البحري على الخليج العربي, لاسيما عند اقامة ميناء أم قصر الذي يحتاج الى تأمين السيطرة على مداخل ومخارج الميناء باتجاه الخليج باعتباره منفذ العراق الوحيد الى الخليج, لذلك كان مسعى العراق بأي شكل من الاشكال للسيطرة ( تنازل أو تأجير ) على جزيرتي وربة وبوبيان اللتين تمسكان بهذه المداخل(1). وكانت الكويت بدوافع بريطانية ترفض الطلب العراقي, لكن مع الالحاح العراقي عرضت السلطات البريطانية على السلطات العراقية عام 1938 على وزير خارجية العراق توفيق السويدي بتقديم تعويض مغري لشيخ الكويت لقاء تنازله عن الجزيرتين وشريط بري مقابلهما, لكن السلطات العراقية لم تقدم أي تعويض, وكانت تحتج احيانا بتبعية الكويت, وأحيانا بأن الجزيرتين لا حياة فيهما وغير مأهولتين ولا قيمة أقتصادية لهما (2).
كما أن إحدى نتائج الحرب العراقية الإيرانية كان تدمير موانئ العراق على الخليج العربي مما شل حركة التصدير العراقي للنفط من هذه الموانئ (3). وكانت القيادة العراقية تأخذ في حساباتها المستقبلية احتمالية نشوب الصراع مع إيران مرة أخرى، لذلك كانت تحتاج إلى مساحة أكبر من السواحل المطلة على الخليج العربي، فكان تنازل الكويت عن جزيرتي وربة وبوبيان أو ايجارهما أحسن فرصة لتحقيق هذا التفوق الإستراتيجي.
ثالثا- اتهام الكويت بالتجاوز على الحدود البرية:
اتهم العراق السلطات الكويتية بانها استغلت انشغال العراق بالحرب مع ايران فزحفت على الحدود العراقية البرية التي يقع فيها حقل الرميلة النفطي, ونتيجة لهذا الزحف فقد سيطرت على مجموعة من الابار النفطية وقامت بسحب النفط منها بكميات هائلة , كما عمدت الى الحفر المائل لسحب كميات اكبر من النفط العراقي. 




 
(1) العاني, د. عبد الكريم, مصدر سابق, ص203
(2) المصدر السابق, ص300
(3) Douglas A.Borer,” Inverse Engagement Relations: Lesson from U.S – Iraq, 1982- 1990 “ U.S Army professional writing collection. 12/10/2006

وقد ظهرت  بوادر أزمة الحقول النفطية  واضحة في الرسالة التي وجهها طارق عزيز وزير خارجية العراق الى الشاذلي القليبي الأمين العام لجامعة الدول العربية بتاريخ 15/7/1990م.   فبعد ان اتهم الكويت بالزحف التدريجي المبرمج باتجاه أرض العراق، وأنها نفذت بالاشتراك مع دولة الإمارات العربية المتحدة عملية مدبرة لإغراق سوق النفط بمزيد من الانتاج خارج حصتها المقررة في الأوبك، مما أدى الى تدهور اسعار النفط, كما انها نصبت منذ عام 1980م منشآت نفطية على الجزء الجنوبي من حقل الرميلة العراقي وصارت تسحب النفط منه .
وبعد ذلك تضيف الرسالة " اننا ندين ما فعلته حكومتا الكويت والإمارات بالعدوان المباشر على العراق. أما بالنسبة لحكومة الكويت فإن اعتداءها على العراق هو اعتداء مزدوج، فمن ناحية تعتدي عليه وعلى حقوقه بالتجاوز على أراضينا وحقولنا النفطية وسرقة ثروتنا الوطنية وان مثل هذا التصرف هو بمثابة عدوان عسكري، ومن ناحية أخرى تتعمد حكومة الكويت تحقيق انهيار في الاقتصاد العراقي في هذه المرحلة التي يتعرض فيها العراق الى التهديد الإمبريالي الصهيوني الشرس وهو عدوان لا يقل في تأثيره عن العدوان العسكري" (1).
وقبل ان ترد دولة الكويت على هذه الرسالة، أعلن الرئيس العراقي صدام حسين في 17/7/1990 " ان السياسة التي يتبعها بعض الحكام العرب هي سياسة أميركية ,إن هذه السياسة خطيرة الى الحد الذي لا يمكن السكوت عليها، ولقد الحقت بنا ضررا جسيماً… ولأن العراقيين الذين اصابهم هذا الظلم المتعمد مؤمنون بما فيه الكفاية بحق الدفاع عن حقوقهم وعن النفس، فإنهم لن ينسوا القول المأثور (قطع الأعناق ولا قطع الأرزاق) " (2).
أما وزير الخارجية الكويتي فقد رد على رسالة الوزير العراقي برسالة الى الأمين العام للجامعة العربية بتاريخ 18/7/1990 , فند فيها الادعاءات العراقية حيث أوضح أن جزءا من حقل الرميلة (في الجانب الكويتي يسمى الرتقة ) يقع ضمن الأراضي الكويتية , وعلية قامت الكويت باستخراج النفط من أبار تقع في أراضيها وعلى مسافة كافية من الحدود الدولية وفقا للمقاييس العالمية (3).
القرار الخطير !
لم تنفع مساعي الملك فهد وبعض رؤوساء والقادة العرب في نزع فتيل الأزمة التي أخذت تنحو منحا ينذر بالخطر الجسيم , وباتت تنذر بوقوع كارثة مرعبة في المنطقة , ويظهر ان الرئيس العراقي السابق صدام حسين قد اتخذ قرارا فرديا في اجتياح الكويت, حيث أغلب قادت وزارة الدفاع ورئاسة الأركان لم يعلموا بخطط  صدام في احتلال الكويت. ففي الثاني من أغسطس 1990 عبرت القوات العراقية الحدود الكويتية وسيطرت سيطرة كاملة على الكويت, ومن هنا بدأ الصراع العراقي مع المجتمع الدولي, فأصدر مجلس الامن قراراته الجائرة التي أثقلت كاهل العراق وشعبه والتي لا يزال يعاني منها الى اليوم
أحدث أقدم