احتلال العراق الكويت عام 1990
قبل إندلاع الحرب العراقية – الإيرانية عام 1980, كان العراق قد رسم سياسته الخارجية التي تقوم على التعاون بين الدول العربية من منطلق قومي , لا سيما وان العراق يرفع شعارات حزب البعث التي تنادي بوحدة الوطن العربي من الخليج الى المحيط. كما ركز اهتمامه بالخليج العربي والدول العربية المطلة على الخليج على اساس انه اقوى الدول الخليجية عربيا, ويهمه المحافظة على أمن الخليج والدول المطلة عليه من الاطماع الإيرانية التي يدعي انها تتربص الغوائل بدوله لمد نفوذها من خلال تصدير الثورة الإسلامية خارج حدودها الأقليمية.
لذلك وجدت دول الخليج شقيقا قويا يشاطرها التخوف من الرعب الايراني الذي بات يطرق ابوابها من خلال التأييد العفوي لبعض الشعوب العربية للثورة الإسلامية الايرانية في بديات نجاحاتها, لا سيما وقد أغلق الثوارسفارة اسرائيل في طهران, واعلن قادتها صراحة عدائهم للولايات المتحدة والمعسكر الغربي الذي عد السبب الرئيسي في مأسي المسلمين وزرع الكيان الاسرائيلي في فلسطين.
أيضا الرئيس العراقي السابق صدام حسين كان لا يخفي تخوفه من تصدير الثورة الى العراق, لا سيما وان قادة الثورة اعلنوا صراحة ان اول بلد تصدر له مفاهيم الثورة هو العراق, من هذا المنطلق ركز على توثيق صلاته بزعماء دول الخليج على اساس المحافظة على امن دولهم من التهديد الايراني, لاسيما الكويت لكونها دولة صغيرة ولقربها من الحدود الايرانية, كما ان تهديد هذه الامارة الصغيرة يعتبر تهديدا للعراق ودول الخليج قاطبة.
على هذه الاسس ساد جو من التفاهم الايجابي بين العراق والكويت, مع تبادل زيارات مسؤولي البلدين المتكررة , وقد اتجهت سياسة البلدين إلى إقامة أسس من التعاون المشترك في المجالات الاقتصادية والفنية والتجارية. وقد بدأ جوا من الثقة يتكون لدى الجانب الكويتي بعدم وجود اطماع عراقية في الكويت, وان صفحة الضم بالقوة قد عفى عليها الزمن لاسيما وان العراق يقوده حزب قومي يدعو للوحدة السلمية بين البلاد العربية وينبذ الحرب وفرض عامل القوة بين البلدان العربية.
وعلى رغم متانة العلاقات العراقية – الكويتية الا ان الطرفان لم يتوصلا الى حل مرضي في تسوية الحدود بينهما, حيث الاصرار الكويتي في ترسيم الحدود على رسائل عام 1932 بين نوري السعيد رئيس وزراء العراق والمندوب السامي البريطاني (1). واتفاقية عام 1963 التي اعترف بموجبها العراق بدولة الكويت والتي لم يصادق عليها في حينها, كما انها فسرت من اطراف عراقية اخرى اعتراف بالكويت فقط وليس بالحدود. وهناك يقابله اصرارعراقي بترسيم الحدود بالنظر الى حاجة العراق الى منفذ بحري يؤمن له الحركة الميسرة لموانئه او لقواته البحرية, وهذا لا يتأتى الا من السيطرة على جزيرتي وربة وبوبيان.
(1) The legal status of the Arabian Gulf states: A study of their treaty relation and their international problems, Manchester Uni, press ND, 1968, P.252
وهكذا سارت الامور على هذا النحو من دون اثارة لمشاكل الحدود التي قد تؤدي الى تشنج علاقات الطرفين ما عدا حادثة مخفر الصامته عام 1973 وقد سويت الامور بينهما بوساطة الجامعة العربية ودول عربية اخرى (1).
وبعد اندلاع الحرب العراقية – الايرانية عاح 1980 وقفت دول الخليج قاطبة الى الجانب العراقي لاسيما الكويت منها, حيث كانت لها مواقف مشهودة سواء على الصعيد الحكومي او الشعبي. حيث ابدى الشارع الكويتي حماسة لا نظير لها في تأييد العراق, وقد جند الاعلام الكويتي من صحافة ووسائئل اعلامية اخرى في تغطية اخبار عمليات الجيش العراقي في ساحات القتال, والاشادة ببطولات القوات العراقية التي تدافع عن البوابة الشرقية للوطن العربي, وقد عد انتصار العراق في هذه الحرب هو انتصار للامة العربية(2). أما الكويت التي كان يسمع فيها دوي الحرب الطاحنة في معارك الفاو فقد كانت سخية في مساعداتها للعراق حيث بلغت ما يقارب 14 مليار دولار, علاوة على استخدام العراق للموانئ الكويتية في نقل المعدات سواء منها العسكرية أوالمدنية بسبب توقف الموانئ العراقية نتيجة الحرب.
.
احتلال الكويت عام 1990 وقرارات مجلس الأمن
يعتبر مجلس الأمن الأداة الرئيسية للأمم المتحدة في حفظ السلم والأمن الدوليين حسب نص الفقرة (1) من المادة (24) من الميثاق التي نصت على " رغبة في أن يكون العمل الذي تقوم به الأمم المتحدة سريعا وفعالا يعهد أعضاء تلك الهيئة الى مجلس الأمن بالتبعات الرئيسية في أمر حفط السلم والأمن الدوليين, ويوافقون على أن هذا المجلس يعمل نائبا عنهم في قيامهم بواجباته التي تفرضها عليه هذه التبعات"(1).
وقد وافق جميع أعضاء الأمم المتحدة على الصلاحيات الممنوحة لمجلس الأمن عندما يقوم بواجباته التي تفرضها عليه هذه المسؤولية لانه يعمل بدور النائب عنهم(2).
وقد خول ميثاق الأمم المتحدة صلاحيات استخدام نفوذه في حفظ الأمن والسلم الدوليين, وقد وردت أهم هذه الصلاحيات في الفصلين السادس والسابع من الميثاق التي أصبحت الأساس المرجعي لسلطة مجلس الأمن(3).
وتندرج صلاحيات مجلس الأمن في مجال حفظ الأمن والسلم الدوليين حسب المادة (33) من الميثاق بدعوة أطراف النزاع لتسوية منازعاتهم بالطرق السلمية, وعدم الاحتكام للقوة في حلها. والدعوة الى التسوية السلمية قد تأتي من المجلس نفسه طالما أنه يجد أن النزاع قد يعرض الأمن والسلم العالمي للخطر, كما يجوز للدولة العضو في الأمم المتحدة أن تبادر الى ذلك, وايضا المبادرة تأتي من دولة ليست عضو في الأمم المتحدة على شرط ان تكون طرفا في النزاع وأن تقبل مقدما بالتزامات الحل السلمي كما نص عليها الميثاق (4).
-
(1) الفقرة (1) من المادة (24) من الميثاق
(2) علوان , د. عبد الكريم, الوسيط في القانون الدولي, ط3, دار الثقافة للنشر والتوزيع, عمان, 2012, ص105
(3) العنبكي , د. نزار جاسم, سلطة مجلس الأمن في توقيع جزاءات الفصل السابع وتقدير استخدامها في تطبيق الجزاءات الاقتصادية في حالة العراق, مجلة العلوم القانونية , كلية القانون, جامعة بغداد, مج14 , 1999, ص 5
(4) الدوري , د.عدنان عبد العزيز, سلطة مجلس الأمن في اتخاذ التدابير المؤقته, ط1, دار الشؤون الثقافية العامة, بغداد, 2001, ص69
أما اذا كان النزاع مما يهدد السلم الدولي بصورة مباشرة, فالمجلس لا يكتفي بالتوصية بل يصدر أوامره بفرض تدابير مؤقته كأيقاف القتال, أو قد يأمر بتطبيق الجزاءات الاقتصادية والعسكرية المنصوص عليها في الفصل السابع من الميثاق, وأن مواد هذا الفصل (39- 51) من الميثاق قد خولت مجلس الأمن سلطات واسعة, وقد توزعت صلاحياته في التدابير التي يتخذها في حفظ الأمن والسلم الدوليين الى ما يأتي:
1- تدابير مؤقته:
لقد خول الميثاق مجلس الأمن صلاحية كاملة في التكييف طبقا للمادة (39) ما اذا وقع, يمثل تهديدا للسلم أو اخلالا به أو عملا من أعمال العدوان, وسلطة المجلس التقديرية في هذا المجال كاملة لا معقب لها(1).
ولمجلس الأمن الحق في اتخاذ التدابير المؤقته حسب نص المادة (40) من الميثاق, وهو دعوة الاطراف المتنازعة للأخذ بما يراه ضروريا أو مستحسنا من تدابير مؤقته, كما أن هذه التدابير المؤقته لا تخل بحقوق المتنازعين ومطالبهم أو بمراكزهم. وقد تتضمن هذه التدابير اصدار قرارا بوقف القتال بين دولتين متنازعتين, كقرار (598) عام 1987 الذي طلب بموجبه من الدولتين المتحاربتين العراق وايران بوقف العمليات القتالية بينهما, والقرار (660) عام 1990 الذي طالب فيه العراق بسحب قواته الى مواقعها السابقة قبل 2/8/ 1990(2).
2- تدابير لا تتضمن استخدام القوة:
بعد ان يستنفد مجلس الأمن التدابير المؤقته, ويجد ان الأطراف المتحاربة لا تلتفت لقرارات مجلس الأمن, يلجأ المجلس في هذه الحالة الى استخدام أساليب أشد قسوة من الحالة السابقة, فيلجأ الى تطبيق المادة (41) من الميثاق التي منها وقف الصلات الاقتصادية والمواصلات بانوعها المختلفة سواء كانت حديدية , بريدية, بحرية, أو جوية, وقفا جزئيا أو كليا, كذلك قطع العلاقات الدبلوماسية. الا ان تدابير المجلس في هذه الحالة لا تتضمن التدابير العسكرية كأستخدام القوات المسلحة لتنفيذ قراراته (3).
يتضح من مفهوم نص المادة (41) ان مجلس الأمن يسعى في سبيل اعادة السلم والأمن بين الدول المتنازعة الى اتخاذ تدابير يراها مناسبة في جعل الاطراف المعنية بهذه التدابير تظهر الاستعداد في قبولها من دون اللجوء الى استعمال القوة, ومن امثلة هذه التدابير ما طبق على العراق في بداية احتلاله للكويت عام 1990, كفرض الحصار الاقتصادي ومطالبة العراق بالإنسحاب من الكويت وغيرها من الأمور ذات العلاقة.
(1) توفيق,د. سعد حقي, مصدر سابق, ص379
(2) د. المهنا, فخري رشيد, د. صلاح ياسين داوود, مصدر سابق,ص310
(3) انظر نص المادة ( 41) من ميثاق الأمم المتحدة
ثالثا: استعمال القوة:
قد يلجأ المجلس في تطبيق هذه التدابير اذا وجد ان التدابير التي نصت عليها المادة(41) لا تفي بالغرض, أو ثبت انها لا تفي به, جاز له ان يطبق نص المادة (42) من الميثاق والتي تتضمن استعمال القوات المسلحة سواء كانت منها الجوية أو البحرية أو البرية من الأعمال ما يلزم لحفظ السلم والأمن الدوليين أو لأعادته الى نصابه(1). وقد تعهد جميع أعضاء الأمم المتحدة أن يضعوا تحت تصرفه ما يلزم من القوات المسلحة والمساعدات والتسهيلات الضرورية لحفظ السلم والأمن الدولي(2).
على ما تقدم يتضح ان لمجلس الأمن سلطة تقديرية في فحص النزاعات الدولية لكي يقرر ما اذا كان النزاع من شأنه ان يعرض السلام العالمي للخطر. وعليه ان يتوصل الى حقيقة النزاع ويعطيه الوصف القانوني الذي يتحدد على أثره تحديد آثاره السلبيه على حفظ الأمن الدولي, وبعدها يبدأ معالجة ظروف وأسباب النزاع.