المدرسة الهندية القديمة
      يقول بلومفيلد : "...يعد بانيني معلما من أعظم معالم الذكاء الإنساني ...." [1]؛ذلك أنه قدم عرضا شاملا ودقيقا للقواعد الصرفية والنحوية للغة السنسكريتة بوصفها من أقدم لغات الأسرة الهندو أوربية [2]، ويقول روبنز: "إن هذه القواعد ليست قواعد عارية يمكن أن تكون كاملة ، وربما يجب وصفها بشكل أفضل على أنها صرف توليدي للغة السنسكريتية ".. ويبدو أن هذا الوصف الذي قدمه روبنز له ما يبرره ذلك أنه قدم هذه القواعد في تعابير قصيرة مثل الأقوال المأثورة في مضمونها تعريفات ووصفا لعمليات صياغة الكلمة ،وقد أطلق على هذه القواعد بـ السوترة ،و علق أحد العلماء على هذا الاقتصاد في صياغة القواعد بقوله:" إن توفير نصف طول صائت قصير في صياغة قاعدة قواعدية كان يعني للقواعدي ما يعنيه ميلاد طفل" وربما يكون هذا الولوع بالاقصاد ثمرة ومحصلة لنمط المعرفة الذي استوعبته الثقافة الشفوية والحفظ عن ظهر قلب في تلك المرحلة التاريخية غير أن هذه القواعد في شكلها  غير صالحة للتدريس كما هي بل لابد من عمل ذهني يستهدف شرحها وتوضيحها، وهو ما دفع باتنجالي النحوي الهندي الشهير إلى كتابة المهابها صهيا أو "التعليق الكبير"،وقد بين الهنود في إطار دراساتهم النحوية أن الكلمة تنقسم إلى أسماء وأفعال متصرفة وحروف جر وأدوات ، ويشترط الهنود شروطا لمقبولية الجملة هي :توافر عناصر  هي: امكانية التوقع المتبادل والمناسبة الدلالية والتجاور في الزمان كما يبنوا انقسام الفعل في لغتهم إلى ماض وحاضر ومستقبل وعرفوا المفرد والمثنى والجمع منذ عصر مبكر مثلما آشار إلى ذلك أحمد مختار عمر – أما بانيني فقد كان تقسيمه للكلمة في البدء ثنائيا فهو لم يذكر إلا الفعل في الدائرة الأولى وجعل في الدائرة الثانية ما ليس بفعل كالأسماء والحروف[3] ولعل مفهوم الصفر اللغوي الذي تتمايز به الأحداث النحوية يأتي في مقدمة ما أبدعه بانيني للفكر اللساني عامة لازالت أصداؤه إلى يومنا في دراسات البنويين فجنس الفعل مثلا يتحدد في لغتنا بأحد أمرين بتاء التأنيث أو خلوه منها[4] كما اهتدى التفكير الهندي في النحو إلى نوع من الكلمات بجمع بين الخصائص الفعلية والاسمية وهو ما يقابل عندنا "اسم الفعل" كما أشاروا إلىدلالة الحروف في ذاتها أو في غيرها.هذا بالنسبة إلى النحو أما علم الأصوات فقد كان علما مستقلا عندهم أولوه عناية فائقة للسبب الديني الذي أتينا على ذكره –سابقا- وتبرز اسهاماتهم في جوانب كثيرة أهمها تقييم الأصوات بسبب مخارجها وصفاتها ودور الحنجرة في حدوثها، وقد كان تقسيمهم على ما يبدو مبنيا على درجة تقارب أعضاء النطق عند العملية ،وقد ألمع إلى هذه الفكرة الدكتور السعران في كتابه علم اللغة مقدمة إلى القارئ العربي [5] .ومما تجدر الإشارة إليه هو احتواء الأبجدية الهندية على 51 حرفا .

 -bloomfildeK p 11.[1]
[2] -أحمد مختار عمر ، البحث اللغوي عند الهنود ،ص344 .
[3] -مدخل إلى علم اللغة ، ص249.
[4] -المرجع نفسه ،ص250.
[5] -محمد السعران ،علم اللغة مقدمة إلى القارئ العربي ، ص88-91
Previous Post Next Post