صفات الرسل عليهم السلام
الأنبياء والرسل هم عباد الله المخلصون، وسفراؤه إلى عباده، وأمناؤه على دينه وشرعه وحملة وحيه ورسالته إلى البشر، والمكلفون بدعوة البشرية التائهة وردها إلى ربها ومولاها، ولا شك أن تلك المهام العظيمة تقتضي ألا يقوم بها أي واحد من البشر، وإنما ينهض بها فقط خاصة الله من خلقه، الذين صنعهم الله على عينه واصطفاهم لرسالته.
وقد تعددت النصوص الشرعية من الكتاب والسنة التي تدل على أن الرسل هم الصفوة المختارة من خلق الله، والمثل العليا الكاملة للبشرية، وأن الله تعالى قد حباهم بعظيم الصفات وكريم الشمائل، ومن ذلك قوله تعالى مخاطبا نبينا
1- الصدق والأمانة، وهما وصفان ضروريان واجبان على كل مسلم، وهما على الرسل أوجب، وبدونهما لا يمكن أن يثق العباد في الرسل، أو في الوحي النازل عليهم، والدين الذي جاءوا لتبليغه وقد تكرر في كتاب الله كثيرا وصف الأنبياء بالصدق والصديقية، كذلك تكرر وصف الأنبياء بالأمانة، وكل من خالط الرسل وكلمهم أدرك هذه الخصلة بوضوح، وكان أهل مكة يسمون نبينا ^ قبل البعثة بالصادق الأمين وروى أحمد في مسنده([134]) أن قريشا لما اختلفت فيمن يضع الحجر الأسود في الكعبة، قالوا اجعلوا بينكم حكما، قالوا أول رجل يطلع من الفج، فجاء النبي ^ فقالوا أتاكم الأمين، فقالوا له، فوضعه في ثوب، ثم دعا بطونهم فأخذوا بنواحيه معه، فوضعه هو ^، وفي الصحيحين من حديث أبي سعيد الخدري أن رسول الله ^ قال: «ألا تأمنوني وأنا أمين من في السماء، يأتيني خبر السماء صباحا ومساء»([135]).
2- الكمال في الأخلاق، فرسل الله وأنبياؤه هم أحسن الناس خلقا، وأطهرهم قلبا، وأزكاهم نفسا، وقد مدحهم الله بجميل الصفات وكريم الشيم، وجعلهم أسوة حسنة وقدوة للبشرية،
3- الفطانة، ويقصد بها التيقظ وحدة العقل والذكاء، بحيث يتمكن المتصف بها من إلزام المخاطبين ورد دعاويهم الباطلة وإفحام المعاندين، ومن المعلوم أن الله سبحانه لم يبعث أحدا من الأنبياء إلا وكان على جانب عظيم من النباهة والذكاء، مع كمال العقل والرشد والحكمة والسداد في الأمر، وضد الفطنة هو البلادة، والأنبياء منزهون عن ذلك لمنافاته للمهمة العظيمة التي أرسلوا من أجلها، والمكانة العظيمة التي خصهم الله بها.
وقد وصف الله أنبياءه بالرشد والحكمة
3 - الحرية والذكورة، فالرسل لا يكونون إلا أحرارا، وهم منزهون عن الرق لمنافاة ذلك للكمال ولحيلولته دون القيام بأعباء النبوة ووظائفها، ولا يعترض على ذلك بما جرى ليوسف عليه السلام، فالرق في حقه كان نوعا من الابتلاء وهو أمر طارئ وظلم ممن فعله أو تسبب فيه، ثم إنه لم يستمر بل أبدله الله به الملك والتمكين في الأرض.
وأما الذكورة فالأنبياء والرسل جميعا كانوا من الرجال ولم يرسل الله نبية من النساء على القول الراجح
ولا أظن أن أحدا يجادل في أن طبيعة النبوة شاقة، وأنها مهمة جسيمة لا تقوى المرأة على حملها، والنبي مطالب بالجهر بدعوته، ومخاطبة الرجال والنساء، ومقابلة الناس في السر والعلانية، والسفر هنا وهناك، وقتال الأعداء وقيادة الجيوش، وكل ذلك مما تعجز النساء عنها، لا سيما مع ما يعتري النساء من عوارض - كالحيض والنفاس والولادة ورعاية الأبناء - تحول بينها وبين تلك المهام العظام.
4- وثمة عدد من الصفات والخصائص التي ينفرد بها الأنبياء عن سائر البشر - إضافة لانفرادهم بالوحي والعصمة – ومنها([136])أن الأنبياء تنام أعينهم ولا تنام قلوبهم، وأن رؤاهم وحي، ويدل على ذلك ما ثبت عن أنس في حديث المعراج عند البخاري حيث قال: «والنبي ^ نائمة عيناه ولا ينام قلبه وكذلك الأنبياء تنام أعينهم ولا تنام قلوبهم»([137]) وصح عن النبي ^ أنه قال: «تنام عيناي ولا ينام قلبي»([138]). ومن خصائص الأنبياء أيضا أنهم يخيرون عند الموت ولا يقبر نبي إلا حيث يموت لحديث عائشة أن النبي ^ قال: «ما من نبي يمرض إلا خير بين الدنيا والآخرة، وكان في شكواه الذي قبض فيه أخذته بحة شديدة فسمعته يقول مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين، فعلمت أنه خير»([139]). كذلك فإن الأرض لا تأكل أجساد الأنبياء لقوله ^: «إن الله حرم على الأرض أن تأكل أجساد الأنبياء»([140]).