وظائف الرسل والمقصد من إرسالهم: 
تعددت نصوص القرآن والسنة التي تبين المراد من بعثة الرسل، والمقصد الذي أرسلهم الله تعالى من أجله، ويمكننا إجمال ذلك فيما يلي: -.
1- الدعوة إلى عبادة الله وحده، وتوحيده، ومعرفته بأسمائه وصفاته، ونبذ الأوثان والشركاء وسائر ما يعبد من دون الله تعالى، وهذا الأمر هو زبدة الرسالات الإلهية وغايتها، وقطب رحاها وعمدتها، وكلها ترتكز عليه وتستند في وجودها إليه، وتبتديء منه وتنتهي إليه، كما أنه يمثل نقطة الصراع الأساسية وميدان المعركة الأول بين الرسل وأممهم، وحول هذا الموضوع دارت جهود الأنبياء ودعوتهم، ومن أجله حاربوا وسالموا، وأحبوا وأبغضوا، وأوذوا وعودوا
وقد أخبر الله في كتابه أنه بعث الرسل والأنبياء جميعا لبيان هذا الأمر وتحقيقه
2- البلاغ المبين، فقد جعل الله الرسل حملة وحيه، وسفراءه إلى عباده وأمرهم بتبليغ دين الله إلى الناس، وعد سبحانه ذلك بمثابة الوظيفة الأساسية للرسل جميعا
3- إخراج الناس من الظلمات إلى النور ومن الضلال إلى الهدى، وإرشادهم إلى الصراط المستقيم، وهذه الوظيفة هي مهمة كل نبي ورسول أرسله الله تعالى إلى قومه
ويلتحق بهذه المهمة تقويم الأفكار المنحرفة والعقائد الزائفة فكل رسول أو نبي بعث إلى قومه كان يدعوهم إلى الصراط المستقيم وعبادة الله وحده، ثم يعنى على وجه الخصوص بنوع الانحراف الشائع في قومه، ولهذا وجدنا هودا عليه السلام ينكر على قومه الاستعلاء في الأرض والتجبر فيها، وصالحا  u ينكر على قومه الإفساد في الأرض واتباع المفسدين، ولوطا عليه السلام يحارب جريمة اللواط التي استشرت في قومه.
4- تزكية النفوس وإصلاحها، فمن رحمة الله بعباده أن أرسل إليهم رسلا وأنزل معهم وحيا وكتبا لإحياء موات القلوب، ولينيروا ظلام النفوس
5- إقامة الحجة وإزالة المعاذير، فلا أحد أحب إليه العذر من الله تعالى ولذا أرسل الأنبياء والرسل، لئلا يكون للناس على الله حجة، ولئلا يتعللوا بذلك يوم القيامة، وقال النبي ^: «ليس أحد أحب إليه المدح من الله عز وجل، من أجل ذلك مدح نفسه، وليس أحد أغير من الله، من أجل ذلك حرم الفواحش، وليس أحد أحب إليه العذر من الله، من أجل ذلك أنزل الكتاب وأرسل الرسل»([131]).
6- ومن مقاصد بعثة الرسل أن يكونوا قدوة حسنة وأسوة صالحة للبشرية جميعا، ولئلا يحتج الناس أن ما أمروا به من تكاليف خارج عن طاقة البشر ووسعهم، فها هم الأنبياء مثلهم بشر من لحم ودم، يأكلون الطعام ويمشون في الأسواق، ومع ذلك فقد امتثلوا لأوامر ربهم وأتوا بها على أكمل الوجوه وأحسنها وقد أمر الله سبحانه رسوله ^ والأمة جميعا أن تقتدي بسيرة الأنبياء وهديهم، وحث الله المؤمنين على الاقتداء بخليل الرحمن إبراهيم u ومن معه في ولائهم لله وللمؤمنين، وبرائهم من الشرك والمشركين
والمتأمل لقصص الأنبياء وسيرتهم يجد فيها ما لا يحصى من مواضع القدوة والأسوة لسائر طبقات المكلفين ولمختلف الصفات والأخلاق، ففي قصص الأنبياء قدوة للدعاة والمصلحين، كما هو الحال في قصص سائر الأنبياء، وللملوك وللحكام، كما في قصص داود وسليمان وللآباء وللأبناء كما في قصة إبراهيم وإسماعيل، وللشباب، كما في قصة يوسف u وللمبتلين بالمرض والبلاء، كما في قصة أيوب عليه السلام، وغير ذلك الكثير.
وأما الاقتداء بنبينا محمد ^، فلا شك أن في سيرته ودعوته وعبادته وخلقه وتعاملاته وجهاده وفتوحاته، أعظم القدوة وأحسن الأسوة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر،
7- ومن وظائف الرسل - ولاسيما أفضلهم وخاتمهم نبينا محمد ^- الشهادة على الأمم بأن الرسل قد بلغوهم رسالة الله، وبشروهم وأنذروهم، ولم يتركوا خيرا إلا وأرشدوهم إليه، ولم يتركوا شرا إلا وحذروهم منه، وقد أخبر الله سبحانه أنه سوف يبعث من كل أمة شهيدا، 8- التبشير والإنذار، وهو من أهم وظائف الرسل، وأظهر مقاصد إرسالهم، ودعوة الرسل تجمع دائما بين هذين الجانبين،وتبلغ أهمية التبشير والإنذار في دعوة الرسل إلى الدرجة التي نجد فيها بعض آيات القرآن تقصر الغرض من إرسال الرسل في هذين الأمرين،
9- ومن وظائف الرسل ومهامهم قيادة أممهم، وسياسة دنياهم بدين الله وشرائعه، فالرسول في قومه هو إمامهم قائدهم وزعيمهم، وقاضيهم ومدبر سياستهم الدينية والدنيوية، ولا شك أن من يستجيبون لدعوة أي نبي أو رسول يكونون جماعة وأمة، وهؤلاء يحتاجون إلى من يسوسهم ويدبر أمورهم، والرسل يقومون بهذه المهمة في حال حياتهم، كما قال ^: «كَانَتْ بَنُو إِسْرَائِيلَ تَسُوسُهُمْ الْأَنْبِيَاءُ كُلَّمَا هَلَكَ نَبِيٌّ خَلَفَهُ نَبِيٌّ وَإِنَّهُ لَا نَبِيَّ بَعْدِي»([132]).
وقد أوجب الله على قوم كل رسول أن يطيعوه ويتبعوه، وجعل طاعتهم للرسول جزءا من طاعتهم لله سبحانه، والمتأمل لسير كثير من الأنبياء، ولا سيما من كتب لهم التمكين الكامل أو الجزئي في الأرض، مثل يوسف وموسى وداود وسليمان عليهم جميعا السلام يجد أنهم كانوا يقودون الجيوش، ويقسمون الأموال، ويقضون بين الناس في الخصومات والنزاعات، وأما نبينا ^ فكان إمام الأمة في الصلاة، وقائدهم في الغزوات، والقاضي بينهم في الخصومات، ومن يقسم بينهم الأموال، وقد أمره الله تعالى أن يحكم بين الناس بما أنزل الله، ولعل في هذه الآية وما أشبهها الرد المفحم على العلمانيين من دعاة فصل الدين عن الحياة أو الدين عن الدولة، والزاعمين بأنه ^ كان مجرد نبي ورسول ومعلم للناس، ولم يكن حاكما بينهم، ولم يؤسس دولة ذات شرائع وأنظمة في كافة مجالات الحياة.
أحدث أقدم