التكليف حقيقته و شروطه
موضوع التكليف يذكره جمهور الأصوليين من خلال مؤلفاتهم في غالب أمره بعد كلامهم على الأحكام التكليفية التي سبق الكلام عنها في ما مضى من حلقات .
ç مناسبة إيراد مباحث التكليف بعد مباحث الحكم التكليفي :
هو أن وصف التكليف هو المميز لنوع الحكم الذي سبق بحثه أي (الحكم التكليفي) فلما كان الأمر كذلك كان لابد لنا من التعرض لوصف هذا الأمر وما يتعلق به من أبحاث لكونه يتعلق بوصف الحكم التكليفي لأن التكليف وصف للحكم الذي سبق بحثه فلابد من أن نبحث حقيقة هذا التكليف الذي يتعلق بالحكم السابق
فنحن قسمنا الأحكام إلى قسمين (أحكام شرعية تكليفية) و (أحكام شرعية وضعية)
õ فالقسم الأول/ الأحكام الشرعية التكليفية ::
(أي أنها منسوبة إلى التكليف) وذكرنا هذه الأقسام الخمسة عند الجمهور والسبعة عند الحنفية فهي منسوبة إلى التكليف .
فكان لابد أن نبحث حقيقة هذا التكليف وشروطه ليتبين لنا حقيقة هذه النسبة التي ذكرنها وهذا ما يتعلق بمنهج الجمهور أما منهج الحنفية في مؤلفاتهم فالغالب أنهم يوردون الكلام على موضوع التكليف من خلال كلامهم على موضوع (الأهلية) وهي (لفظ يؤدي الغرض الذي يؤديه التكليف) فيتكلمون عن موضوع الأهلية وأقسامها وعوارض هذه الأهلية .
في غالب أمر مؤلفات الحنفية أن هذا الموضوع يرد في خواتيم تلك المؤلفات بخلاف الجمهور فإنهم يوردون الكلام عن التكليف بعد ذكرهم للأحكام التكليفية وفي الجملة فإن مباحث الحنفية فيما يتعلق بهذا الموضوع وهو موضوع (الأهلية) الذي هو (يرادف موضوع التكليف) يعد حقيقة بحثا فائقا في الدقة وبحثا جيدا ودقيقا ومتميزا في هذا الجانب .
وفي الغالب أن الحنفية ربطوا موضوع التكليف والأهلية بموضوع فتاوى علمائهم وأئمتهم ولذلك جاء بحثهم لموضوع التكليف والأهلية مرتبطا بالواقع الفقهي أكثر من ارتباط بحث (جمهور الأصوليين) لمباحث التكليف
وقد بيننا فيما تقدم منهج الحنفية ينبني على ربط الفروع بأصولها أو بناء الأصول على ما ورد من علمائهم من فتاوى وفروع فقهية فلذلك كان في هذا الجانب أكثر مساسا بالفقه من منهج الجمهور سيرد الكلام عن جملة من العناصر .
حقيقة التكليف
أركان التكليف
تسمية الأوامر والنواهي تكليفا
أقسام التكليف
شروط التكليف
فأما ما يتعلق (بالتكليف) في اللغة : هو مصدر مأخوذ من الكلفة وهي المشقة يقال كلفه تكليفا يعني (أمره بما يشق عليه ويقال تكلف الشيء أي تجشمه ) .
وأما (التكليف) في الاصطلاح : فقد اختلفت عبارات العلماء في تعريفه وينبني على هذا الاختلاف في العبارات اختلاف في المعنى والثمرة وسنبين هذا وسبق معنا عندما تكلمنا عن مباحث المكروه ومباحث المندوب .
الاختلاف في تعريف التكليف أثر في بعض مسائل المندوب وبعض مسائل المكروه.
فهناك من عرف (التكليف) في الاصطلاح : بأنه الأمر بما فيه كلفة أو النهي عما في الامتناع عنه كلفة .
وبعضهم عرف (التكليف) : بأنه إرادة المكِلف من المكًلف فعل ما يشق عليه .
وهناك من عرف (التكليف) : بأنه إلزام ما فيه كلفة.
وهذا التعريف الأخير يقرب كثيراً من المعنى اللغوي للتكليف ؛
ولذلك فإن(ابن قدامة) رحمه الله قد اعتبر
(هذا التعريف الذي هو قولنا : إلزام ما فيه كلفة) اعتبره أقرب إلى أن يكون تعريفاً لغوياً .
ولذلك ذهب (ابن قدامة) إلى تعريف (التكليف) في الاصطلاح :(بأنه الخطاب بأمر أو نهي).
وهذه جملة من تعريفات التكليف في الاصطلاح مختلفة العبارة.
õ ويبني على اختلاف هذه الألفاظ بعض الثمرات منها :
× أن هذه التعريفات منها ما يخرج من (التكليف) المندوب والمكروه ؛ والذي يخرجه هو من عبر في تعريفه بقوله (الإلزام) عندما قال :(إلزام ما فيه كلفة). مثلاً ؛ فالذي يعبر باللفظ (الإلزام) يخرج المندوب والمكروه من حقيقة التكليف لأن المندوب والمكروه لا إلزام فيهما كما سبق معنا .
× ومن هذه التعريفات ما يشمل جميع أقسام (الحكم التكليفي) مثلاً من عبر بقوله (الأمر بما فيه كلفة أو النهي عما في الامتناع عنه كلفة) أو من قال : (إرادة المكِلف من المكًلف فعل ما يشق عليه) أو من قال:(الخطاب بأمر أو نهي)؛ هذه التعريفات كلها تشمل جميع أقسام الحكم التكليفي .
فعندنا مثلاً فالمندوب فيه أمر والمكروه فيه نهي فيدخل في التعريف كل منهما فيه نوع من المشقة وسبق بينا نوع المشقة الواردة في كل منهما ؛
وأيضا من يقول بأن (التكليف) : الخطاب بأمر أو نهي لاشك أن المندوب خطاب بأمر والمكروه خطاب بنهي ومن خلال هذه التعريفات الثلاثة يدخل فيها المندوب والمكروه ومن عبر باللفظ (الإلزام) إلزام ما فيه كلفة يخرج المندوب والمكروه من حقيقة التكليف .
هذا فيما يتعلق بسبب اختلاف هذه التعريفات وثمرة هذا الاختلاف؛ لكن هذه التعريفات جميعها تتفق (سواء من قال بإدخال المندوب والمكروه أو بإخراجهما) تتفق على إخراج الإباحة من التكليف
(على أن المباح خارج عن التكليف) فلا تكليف بالمباح إذا ليس في الإباحة إلزام ولا طلب .
وفي هذا يقول (الزركشي) عن التكليف أنه يتناول الحظر والوجوب قطعا ولا يتناول الإباحة قطعا إلا عند الأستاذ (أبي إسحاق الإسفراييني) كما سبق معنا قال وفي تناوله الندب والكراهة خلاف. (ا.هـ البحر المحيط)
سبق أن أشرنا عند كلامنا على أنواع الحكم التكليفي أن شمول لفظ التكليف لجميع هذه الأحكام الخمسة أو السبعة عند الحنفية
لأنه قد يرد سؤال إذا أنتم تقولون أن المباح لا يدخل في التكليف فلماذا نعده من قبيل أقسام الحكم التكليفي ؟
وسبق الجواب عن هذا عندما تكلمنا عن المباح نشير إلي هذا مرة أخرى فالسبب أن جميع هذه الأحكام وبما فيها المباح عدها من الأحكام التكليفية إنما كان على سبيل التغليب أو على سبيل المجاز
من باب (إطلاق الجزء وإرادة الكل) ؛ هذا إذن ما يتعلق بتعريف التكليف في اللغة والاصطلاح وما ينبني على اختلاف التعريف الاصطلاحي لمصطلح التكليف .