مسألة الأمر بالشئ المعين هل تعد نهي عن ضده ؟
ج------- وقد يعنون بعضها بصورة جازمة بعضهم فيقول الأمر بالشئ المعين نهي عن ضده وننبه هنا إلى أنهم قيدوا الأمر بالشئ المعين (قيدوه بكونه معيَّن)
 فيخرجون من هذا الواجب المخير لأن الأمر بالواجب المخير نهي عن أحد أضداده ثم أيضاً هم يعبرون هنا بالضد ويقصدون أيضاً مايشمل ماهو أعم من ذلك مثل النقيض ونحو ذلك فيدخل في المعنى الضد هنا وعندما قالوا الأمر بالشئ المعين نهي عن ضده فقصدهم بذلك هنا من جهة المعنى لامن جهة الصيغة لأن من جهة الصيغة فأن قولنا مثلا (افعل) ليس هو قولنا (لاتفعل) ولايمكن أن يقول بذلك عاقل .
فإذاً الكلام هنا في ما يتعلق بالمعنى هل الأمر بالشئ المعين نهي عن ضده {يعني} من حيث المعنى أو ليس أمر بضده من جهة المعنى أما من جهة الصيغة فلا أحد يقول إن الأمر بالشئ نهي عن ضده {بمعنى} أن نقول {افعل } هو عين قولنا {لاتفعل} لأن {افعل ولاتفعل} لاشك أنها ألفاظ مختلفة فالأمر بالشئ المعين هل هو نهي عن ضده

 س----- هذه مسألة اختلف فيها الأصوليون على أقوال؟
ج-------  القول الأول:
أن الأمر بالشئ المعين يستلزم النهي عن ضد ذلك الشئ المعين سواء كان له ضد واحد أو أضداد 
(فيكون الأمر إذا بالشئ نهيا عن الضد من باب الاستلزام) ولا يعنى هذا إن الأمر بالشئ هو عين النهي عن الضد لا من جهة الصيغة ولا من جهة المعنى إنما المقصود هو (يستلزم النهي عن ضد ذلك الشئ(
وهذا القول هو قول الأئمة (أبي حنيفة ومالك والشافعي) وأكثر أتباعهم وهو أيضاً رواية عن الإمام أحمد) وعليه كثيراً من أتباعه من(الحنابلة) وإختار أيضاً هذا القول (الرازي) وأيضاً بعض (المعتزلة) وعلى هذا القول (يكون الأمر بالصلاة مستلزم لنهي في المعنى عن الأكل والشرب مثلاً والنوم) (والأمر بالجلوس في البيت يستلزم النهي عن الجلوس في الطريق وغير ذلك من المواضع التي يضاد الجلوس فيها الجلوس  في البيت (
فإذا ورد الأمر مثلاً بالصلاة فإن الأمر بالصلاة يستلزم النهي عن ما يضاد الصلاة وما يضاد الصلاة هو مثلاً 
الأكل والشرب والنوم فهذه كلها منهياً عنها لأنها تضاد الصلاة (أي الأمر بالصلاة يستلزم أن تكون هذه من قبيل المضاد للصلاة)(وأمر الجلوس بالبيت مثلاُ يستلزم النهي عن الجلوس في الطريق وغير ذلك من المواضع التي يضاد الجلوس فيها الجلوس في البيت وهذا من قبيل الاستلزام).

س----  وهذا القول له أدلة منها, أذكرها؟
ج------ الدليل الأول :أنه لا يمكن أن يتوصل إلى فعل المأمور به إلا بترك ضده (فوجب أن يكون الأمر بهذا الشئ نهي عن ضده(.
فلو قال مثلاُ (قـــم) فلا يمكن فعل القيام إلا بترك القعود (فوجب قولنا قم مستلزماً للنهي عن القعود والاضطجاع والركوع ونحو ذلك وهذا قياساً على الأمر بالصلاة) فإنه لما لم يمكنه فعل الصلاة إلا بتقديم الطهارة كان الأمر بالصلاة أمر بالطهارة وجلب الماء وتوفير كل الأسباب التي توصل بها إلى فعل الصلاة وكذلك ههنا من باب القياس .
الدليل الثاني :
إن السيد لو قال لعبده: (قـم) فقعد فإنه يُحسن ذم هذا العبد وتوبيخه على القعود فيقول له السيد: (لما قعدت) ولو لم يكن الأمر بالقيام يقتضي النهي عن القعود لما حُسن توبيخ هذا العبد وذمه على القعود .
الدليل الثالث :
إن من أذن لغيره في دخول الدار ثم قال له (أخُرج) تضمن هذا القول منعه من القيام فيها واللفظ كما هو ظاهر إنما هو في أمره بالخروج وقد عُقل منه المنع من المقام الذي هو ضد الجلوس في الدار .
هذا بما يتعلق بالقول الأول في المسألة وكما قلنا القول الأول هو (أن الأمر بالشئ يستلزم النهي عن االضد (



القول الثاني  :
أن الأمر بالشئ هو بعينه طلب ترك الضد يعبر عنه:(بأن يقال الأمر بالشئ نهي عن الضد من جهة المعنى)
وينبغي أن يُنتبه إلى أن هذا القول ليس هو القول الأول وهذا قول يُجعل كأنه مثل القول الأول تماماً ويغتفر التعبير به عن القول الأول وهذا ليس صحيحاً .
ç فالقول الأول : (إن الأمر بالشئ يستلزم النهي عن الضد (.
ç وأما القول الثاني : (فإن الأمر بالشئ هو عين طلب ترك الضد) ويعبر عنه بأن الأمر بالشئ هو نهي عن الضد من جهة المعنى ؛ وهذا معنى القول الثاني بعضهم يجعل هذا التعبير هو نفس تعبير أصحاب القول الأول وهذا غير صحيح مثال على هذا يقولون : (السكون هو عين ترك الحركة وطلب السكون هو عين طلب ترك الحركة) الأمر بالسكون هو طلب واحد (هو بالإضافة إلى السكون أمر ؛ وبالإضافة إلى الحركة نهي(.
وهذا القول ذهب إليه)القاضي أبو بكر الباقلاني) ومن تبعه يقولون (الأمر لا صيغة له في أصل الوضع وإنما هو معنى قائم بالنفس ؛فالأمر عندهم هو نفس النهي من هذا الوجه فاتصافه بكونه أمراً ونهيا كاتصاف الكون الواحد بكونه قريبا من شئٍ بعيداً من شيئاً أخر .

وهذا على كل حال القول أساس بناء هذا القول يعود إلى (قضية إثبات الكلام النفسي وإن الكلام قد يكون منه لفظياً وقد يكون منه كلاماً نفسياً) وأصحاب هذا القول يتبنون إثبات الكلام النفسي فهم يقولون (إن الأمر معنى يقوم بالنفس يطلب الفعل وليس اسم للفظ والمعنى وهذا خلاف ما عليه أهل السنة (فإن الكلام وبناء اللفظ بشكل عام ومنه الأمر هو إسم للفظ والمعنى وليس معنى قائم بالنفس) وعلى كل حال مناقشة أصحاب هذا القول تعود إلى مسألة من المسائل الكلامية وأحياناً تدرج في مسائل العقيدة وهي (مسألة إثبات الكلام النفسي) ويتبناهُ (الأشاعرة) وعلى رأسهم) القاضي أبو بكر الباقلاني (.
وأهل السنة لايرون إثبات الكلام النفسي وإنما يقولون (الكلام هو إسم للفظ والمعنى ويدخل فيه الأمر والنهي ونحو ذلك) ولذلك عندما قال(الأشاعرة) بهذا بنوا عليه رأيهم هنا بأن الأمر بالشئ هو (بعينه طلب ترك الضد أو كما يقولون الأمر بالشئ نهي عن ضده من جهة المعنى) وقد اغتر بعضهم بهذا وجعل هذا القول كأنه نفس القول الأول أي (قول أئمة السلف)القائلين(بأن الأمر بالشئ يستلزم النهي عن ضده)وفرق بين العبارتين 

القول الثالث :
إن الأمر بالشئ ليس نهي عن الضد لا بمعنى عينه ولا بمعنى يتضمنه ولابمعنى أنه يلازمه أي يستلزمه 
فيقولون (الأمر بالشئ ليس نهي عن ضده مطلقا – بمعنى أنه ليس عينه ولا يتضمنه ولايستلزمه (
وذهب إلى هذا بعض(الشافعية) (كـالغزالي (هو نقل عن (القاضي أبو بكر الباقلاني (
قول آخر له وذهب إليه أكثر) المعتزلة (.
وأدلة هذا القول على النحو الأتي :
الدليل الأول :  أن صيغة الأمر تختلف عن صيغة النهي فصيغة الأمر (افعل (وصيغة النهي (لاتفعل) فلايجوز أن تكون صيغة أحدهما مقتضية للآخر .
وجواباً عن هذا : أننا نقول إنما لايجوز أن يكون صيغة الأمر هي صيغة النهي ويمتنع ذلك لو جعلنا الأمر بالشئ نهي عن ضده من طريق اللفظ فيكون إختلاف صيغتهما مانعاً ؛ لكون إحدهما مقتضياً للآخر لكن الحقيقة أننا نقول (إن الأمر بالشئ يقتضي النهي عن ضده من طريق الإستلزام) وحين إذا لايُرد هذا الدليل أو لايصح أن يقام هذا الدليل كدليلٍ بناء على صحة هذا القول .

الدليل الثاني : أن النهي عن الشئ لا يقتضى الأمر بضده فكذلك الأمر بالشئ وجب ألا يكون مقتضياً للنهي عن الضد .
حاصله (قياس مسألة على مسألة) يقولون النهي عن الشئ لايقتضي الأمر بالضد فكذلك الأمر بالشئ 
(وهي المسألة التي نبحثها هنا) يجب أن لايكون مقتضياً لنهي عن الضد .
ويجاب عن ذلك : بأننا لانُسلم هذا الأمر بل أن النهي أي (لانُسلم حكم في المقيس عليه لأن المقيس عليه هو النهي عن الشئ(.
يقولون لا يقتضي الأمر بضده فنحن لانسلم بل إن النهي عن الشئ يقتضي الأمر بضده فإذا قال مثلاً (لاتقعد) فإن يقتضي الأمر (بالقيام) فإذا كان له ضد واحد (كالنهي عن صوم يوم النحر) فأنه يقتضي الأمر بضده وهو (الإفطار) وأن كان له أضداد (كالزنا) فإنه يقتضي الأمر بضداً من أضداده لأنه بفعل ضد واحد يترك المنهي عنه فمثلاً أضداد(الزنا) أن يشتغل)بأكل أو شرب أو نوم أو صيام أو عبادة ونحو ذلك من الأعمال) فإنه يصير بفعله لهذه الأمور تاركاً للزنا .

الدليل الثالث  : في هذه المسألة قالوا : أي الذين يقولون (أن الأمر بالشئ ليس نهي عن ضده لامن جهة المعنى ولامن جهة اللفظ ولامن جهة الإستلزام) يقولون أن الأمر بالشئ قد يكون غافلاً  وذاهلا ًعن ضده والنهي عن الشئ مشروطٌ بالشعور بالمنهي عنه فكيف يكون الأمر طالباً ماهو غافلاً عنه وإذا كان الأمر لم يغفل عن ضد الشئ المأمور به فإن الأمر بالشئ لايكون نهياً عن ضده من حيث ذات الأمر بل يكون الأمر نهي عن ضده من باب (مالايتم الواجب إلا به فهو واجب(.
والجواب عن هذا الدليل : نقول (أن الحكم في حق الله تعالى لا يمكن أن يسند إليه الذهول) فنحن نتكلم عن الأوامر الشرعية ولابد أن تكون صادرة عن الله تعالى وصادرة عن النبي × مبلغ عن ربه 
وحينئذ (لايمكن أن يسند إلى المشرع الذهول) ؛ ثم أننا نفهم أوامر الله ونواهيه من حيث دلالتها اللغوية والأمر يستلزم النهي عن ضده من جهة اللغة ونحن(نتعامل بمقتضى اللغة) أما أن يقال إن الأمر ليس نهي عن ضده لاحتمال أن يكون الأمر ذاهلاً عن ذلك الضد وغافلاً عنه، فنعم لو كان هذا في كلام البشر(فالبشر مكلفين (
؛ لكن نتكلم عن أوامر ونواهي صادرة عن الله سبحانه وتعالى وهذا لايمكن أن يكون في حق الله تعالى ذهولا ً أو غفلة... فإذا جاء أمر من الله تعالى فلاشك أنه يعلم ضد هذا الأمر حينما أمرنا بهذا الأمر وحينئذ ينتفي إيراد هذا القول في هذه المسألة .

ç والذي يترجح في هذه المسألة:
هو القول الأول قول الجمهورأئمة السلف، وهو (أن الأمر بالشئ المعين نهي عن ضده بطريق الاستلزام(.
أو نقول (أن الأمر بالشئ المعين يستلزم النهي عن ضده) وهذا مقتضى كلام السلف وما يفهم من كلام السلف رحمهم الله .

إذا أتينا إلى الخلاف في هذه المسألة :
بالنسبة للخلاف بين أصحاب القول الأول وأصحاب القول الثاني قد يكون الخلاف لفظياً بينهما (لأنهما يتفقان على أن الأمر بالشئ نهي عن ضده (.
فأصحاب القول الأول يقولون من جهة الاستلزام أي (اللوازم) وأصحاب القول الثاني يقولون من جهة المعنى
أو أن (الأمر بالشئ هو عين النهي عن ضده) بأي عبارة عبروا .
فإن أصحاب القولين الأول والثاني يتفقون على (أن الأمر بالشئ نهي ُ عن ضده) وإن اختلفوا في طريقة الاستفادة (هذا النهي عن الضد) وحينئذ ينحصر الخلاف بين أصحاب القول الأول والثاني من جهة وبين أصحاب القول الثالث من جهة أخرى؛لأن أصحاب القولين الأول والثاني يقولون(الأمر بالشئ نهيُ عن ضده (.  وأصحاب القول الثالث يقولون (الأمر بالشئ ليس نهيُ عن ضده لا من جهة اللفظ ولامن جهة المعنى ولامن جهة مايقتضيه اللفظ ولا مايستلزمه) فينحصر الخلاف بينهم وحينئذ يكون من ناحية معنوية . أي {يكون الخلاف معنوياً } وله أثار فقهية

õ  ثمـــرات الخـــــلاف :
أولاً : لو قال الرجل لزوجته : (إن خالفتي نهيي فأنتي طالق) قال لها هذا الكلام ثم جاء في موضوع آخر 
و قال لها (قومي) فقعدت ؛ فإن العلماء يختلفون هنا وخلافهم ينبني على الخلاف في هذه القاعدة .

فبعضهم يقول (أنها تطُلق) لأن الأمر بالشئ نهيُ عن ضده ؛ فهو قال لها (قومي) فيستلزم ذلك ألا تقُعد 
وقد قال في عبارته (إن خالفتي نهيي فأنتي طالق) ؛ فإذا قعدت بعد أن أمرها بالقيام فقد خالفت نهيهُ 
لأنه أمرها بأمر فأتت بضده والأمر بالشئ نهيُ عن ضده فقد خالفت النهي هنا وحينئذ نقول بقول بعض 
العلماء (أنها تطلُق) لأن الأمر بالشئ نهيُ عن ضده ؛ وقد خالفت هذه المرأة النهي هنا وطبعاً ليس نهيُ 
مباشر وإنما جاء النهي هنا من قبيل الأمر بالشئ (والأمر بالشئ المعين نهيُ عن ضده)

وفي المقابل يقول آخرون : أنها (لا تطلُق) إذا قال الرجل لزوجته (إن خالفتي نهيي فأنتي طالق(
وقال لها (قومي) فقعدت لماذا؟
لأنهم يقولون (الأمر بالشئ ليس نهياً عن ضده) فهو أمرها بأمر فهي لم تخالف هذا الأمر وإنما جاءت بأمر
آخر لم يتطرق هذا الرجل إلي النهي عنه (والأمر بالشئ ليس نهيُ عن ضده) ولذلك تكون فاعلة لأمر مباح 
لها وحينئذ لاتطلُق .

ثانياً : لو سجد مٌصلي على مكان نجس فما حكم صلاته؟ في هذه الحال اختلف العلماء في هذه الحالة
وذهب أكثرهم إلى أن صلاة هذا الشخص باطلة فيجب عليه أن يعيدها كلها ؛ لماذا؟
لأن المصلي مأمور بالسجود على مكان طاهر (والأمر بالشئ نهيُ عن ضده) فإذا أمر الله تعالى
بالسجود على مكان طاهر فمعنى هذا بطريق الاستلزام أنه نهانا عن السجود على مكان نجس فالشخص إذا
صلى على مكان نجس يكون مرتكباً لأمر منهيٌ عنه وإذا ارتكب الشخص أمر منهيٌ عنه فأن هذا يؤثر في
بطلان صلاته فيجب أن تبطل صلاته لفعله أمراً منهيٌ عنه .
في المقابل ذهب بعض العلماء إلى أنه يؤمر بإعادة السجود على مكان طاهر ويجزؤه ذلك ؛ قالوا :
لأن المأمور به هو السجود على مكان طاهر وقد أتى به وأما السجود على مكان نجس فليس بمنهيٌ 
عنه من حيث السجود (لأن الأمر بالشئ ليس نهيُ عن ضده(.

وعلى كل حال هذه ثمرات قد تبتنى على هذه المسألة وقد يكون هناك أيضاً مسائل أخرى وقواعد أصولية أخرى تؤثر فيها وننبه هنا إلى بعض ثمرات الخلاف قد يتنازعها أكثر من أصل وقد يتنازعها أكثر من قاعدة أصولية
فينبغي أيضاً لدراس هذا العلم أن يتنبه إلى هذا الأمر فليس معنى أن نقول أن الثمرة هذه الفقهيه تنبني على هذا الأصل أن هذا الأصل هو المؤثر فيها وحده بل قد يكون هذا الأصل مؤثر وقد يؤثر أيضاً فيه أصلٌ آخر وقد تتعارض الأصول في التأثير في فرع واحد فيكون هذا أيضاً محل للتنازع كما يعرف (بتنازع الأصول(
فيكون هذا الفرع فيتنازعه أكثر من أصل وقد يكون الكلام فيه في محل نظر .

أحدث أقدم