تقنيات اسلوب كتابة الرواية الحديثة
         أما فيما يخص التقنيات الحديثة التي يعتمدها الروائيون الجدد فتتمثل فيما يلي  :
تشويق:
يعتبر التشويق بنية ضمن نظام فني متغير يسعى التعبير الإنساني الأدبي والفني إلى خلقه وجعله عنصرا محركا للغة والأحداث والأفكار،إنه مدار يصبغ القول والنص بالإبداعية وتحقيق العلاقة بين المتكلم/ الكاتب وبين السامع/المتلقي،باعتباره ملمح جمالي وثقافي لم يكن سائدا من ذي قبل.وهو مرتبط بالتخييل وقدرات اللغة وإنتاجية الصور،وهذا لتحقيق المتعة وشد انتباه القارئ وجعله يستسيغ ما تنطوي عليه الرواية من أحداث.إلى جوار كونه أيضا يمارس تطهيرا نفسيا.
 ومما لا ريب فيه أن التشويق بعد أحد العناصر التي تحقق وجود الحكاية وتضمن استمراريتها في ذهن المتلقي،وذلك باعتماده على التلغيز والإخفاء والمفاجأة.وقد ساهم بناء التشويق في الاهتمام باللغة الفنية،تقديما وتأخيرا تركيبا وحذفا،مجازا وتصريحا.كما جعل من القارئ المتلقي عنصرا حاسما في إتمام العملية الإبداعية  .
وهذا ما تبناه بالضبط عبد الإله الحمدوشي في رواية الرهان الأخير،وهي تنطوي ثلاثة عشر، فصلا وقد جاء بناؤها وفق ضوابط المحكي البوليس في سياق تشويقي هناك القتيلة صوفيا،الفرنسية المقيمة بالمغرب ثم المشتبه فيه الرئيسي عثمان،زوجها المغربي الذي يحفزها بكثير.فضلا عن وجود عدد من القرائن التي تدينه،منها بصماته على أداة الجريمة وعلاقته بنعيمة.ومن جهة ثانية يوجد المحقق بمواصفات كبار المحققين بالإضافة إلى شخصيات تؤثث المحكي وتضفي عليه غموضا وشكوكا،(سلوى نعيمة جاك ميشيل).وتنتهي الرواية بتبرئة عثمان وتجريم جاك ابن الضحية.

البنية الأسلوبية واللغوية:
يقول جيل دولوز مع المفارقة ترقى اللغة إلى قوتها العليا. أي تصبح لغة رمزية إيحائية،تحرص على معانقة اللغة العامية والتعبير الدارجي المتداول،رغبة في الإيهام بالواقعية بتكليم الشخصيات بلغة تتطابق ووعيها وانتمائها الاجتماعي.ومن خلال تأملنا لبعض المقاطع الروائية يتضح أن المبدع يبتعد عن لغة السرد العادية الفصيحة،ليطعم روايته بعبارات محلية على لسان شخوص عوام،فيكسر بذلك الرتابة ويعطي للرواية طابع الواقعية.فتحضر اللغة العامية القريبة من الفصحى داخل الرواية في شكل تموجات خلقها الحوار بين الشخصيات،لتساهم بذلك في تعدد الأصوات،وفي هذا تظهر بعض المقاطع من رواية عز الدين التازي،ضحكة زرقاء ص 35 :"في دارنا القديمة وأمي تطبخ طاجين وتقول لي بعد أن يتشحر على النار،قرب باسم الله،وأنا أقول لها شبعان وهي تقول أكلت البوكاديو عند أبا ديالي..."
ناهيك أن اللغة العامية تأتي مثيرة لانفعالات المتخيل والمفترض باعتبارها محملة بأبعاد دلالية وإيحاءات رمزية.
وهناك تجلي آخر للمكونات اللهجة العامية كما تظهر في الاقتطاعات القصية السابقة تحيل على أمثال ومرددات شعبية مغربية تؤكد ما ذهب إليه:"ميخائيل باختين"من ارتباط الملفوظ بالوعي الاجتماعي والإيديولوجي القائم على موضوع ذلك الملفوظ بالوعي الاجتماعي والإيديولوجي القائم على موضوع ذلك الملفوظ مما يضمن للمؤلف واقعية الانتماء إلى المجتمع والتاريخ:وهذا يظهر بوضوح في رواية زريعة البلاد للروائي الحبيب الدائم ربي:"الله يطيح نجمتها في النهار الزين ص 52
الله يعطيك كية تكويك،الله يجعلك تأكله وتاكل جنابك ص 57.

       شعرية الصورة:
يقوم المبدع بتوظيف الخطاب الشعري توظيفا فنيا متناغما مع نسيج بنائه اللغوي، واستثمار ما فيه من طاقات إيحائية وإشارات فنية واضحة تعبر عن تجربته وتصوراته.حيث يتعالق  الشعري مع الأسلوب العادي فيختلط الأسلوب النثري مع الشاعري في أسلوب أنيق .
واللافت للنظر أن بعض المقاطع والمتواليات السردية تظهر صورا شعرية ممتزجة بالحس الأسطوري،فتتضح الصورة مكثفة بعمق،حينما يدخلنا السارد إلى عوالم تشبه عوالم :"ابن المقفع"حيث يستبدل الشخصيات الأدبية بالحيوانية،بما تحمله من أبعاد رمزية دالة نقرأ هذه الصورة الاستعارية الدالة:"دخلت المغارة الأولى فوجدت ضبعا يأكل سبعا والسبع كسلان لا يقوى على رد شيء من نهشات الضبع،ووقفت أنوي الخروج ولكن الباب صار أمامي بعد أن كان خلفي، وأصبح على أن أتجاوز الضبع ولكنه تبول وأراد أن يرش وجهي ببوله، فعرفت أنه يطمع فيما بعد أن ينهش قلب السبع،فتبولت عليه أنا الأخر فاستكان واستنام وتخلى عن نهشه من السبع وأفسح لي فخرجت..." من رواية ضحكة زرقاء ص 150.
         شعرية الإيقاع:
وهو مظهر شعري يتمفصل إلى وظيفتين الأولى إيقاعية تغني موسيقى النص،والثانية دلالية تؤكد المعنى الكامن في قلب المتوالية السردي التي تتواثر فيها نفس المفردات:"ظهرت الأبواب،أبواب العمارات المنازل والغرف والحانات والبنوك والمدارس والوزارات أبواب المدن أبواب النساء أبواب الليل..."ضحكة زرقاء ص 76.
يثير تكرار كلمة أبواب في هذا المقطع السردي بعد إنشادي وشعري،حيث يضفي موسيقى تظل تترنن.علاوة على ذلك فإن التكرار مؤشر أسلوبي على انتقال السرد من الخارج إلى الداخل وعلى الانفعال الشديد للشخصية.

Post a Comment

أحدث أقدم