شخصية الانسان الفلسطيني
        تسهم الظروف الاقتصادية و الاجتماعية إسهاماً كبيراً في تشكيل شخصية الإنسان ، ولا يمكن للشخصية أن تنمو خارج إطار ظروفها الموضوعية، وقد شكلت أحداث عام 1948 منعطفاً خطيراً في حياة أبناء الشعب الفلسطيني، فقد انهارت طبقات وشرائح  اجتماعية ، وتفككت العلاقات الاجتماعية التي كانت سائدة قبل النزوح الكبير ، وتحولت غالبية الشعب الفلسطيني إلى مجموعات من اللاجئين المشردين الذين تجمعوا في مخيمات خاصة أقامتها لهم وكالة الغوث في المناطق المتبقية من فلسطين، أو في الدول العربية المجاورة، وقد وقفت قيادات هذه الدول موقف المتفرج ـ لا بل موقف المتواطئ ــ حين شجعت الفلسطينيين على مغادرة ديارهم ، و بدخول الجيوش العربية اكتملت حلقات المؤامرة وتكرس التشريد واقعاً مريراً لأولئك الذين غادروا ديارهم إلى الجزء المتبقي من فلسطين أو إلى بعض الدول العربية المجاورة، وقد اختلفت نظرة السكان الأصليين إليهم من مكان إلى آخر، فمنهم من نظر إليهم على أنهم خونة باعوا أوطانهم لليهود، ومنهم من رأى أنهم أذكياء ومجتهدون ، وقد عاش اللاجئون على الهبات التي كانوا يتلقونها من الأمم المتحدة ، حيث أصبحوا يقفون في طوابير أمام أكشاك التموين للحصول على هذه الهبات .
        هذا النزوح أدى إلى ذوبان الفوارق الطبقية بين الفلسطينيين و تحولت جماهير اللاجئين إلى ما يمكن أن نطلق عليه أدنى طبقات السلم الاجتماعي في أقطار الشتات؛ فمارس الفلسطينيون الأعمال الشاقة والوضيعة في منافيهم ، واضطرت المرأة إلى الخروج للعمل لمساعدة زوجها، ولولا أن وكالة الغوث قامت بفتح المدارس؛ لما استطاع اللاجئون تعليم أبنائهم ولكانت حالتهم قد ساءت بصورة لا يتصورها عقل إنسان وقد شكل قطاع غزة المنطقة الأكثر بؤساً بالنسبة للاجئين، فقد عاش سكان القطاع في غيتو يكاد يكون مغلقاً تماماً ، وبالتالي عاش سكانه من مواطنين ولاجئين في معزل عن التطورات الجارية بالقرب منهم .
         ولم يكن حال سكان الضفة الغربية أفضل بكثير، غير أن قدرتهم على الحركة ساعدتهم على تجاوز ظروف محنتهم بصورة أسرع .وقد شكل قطاع غزة المرجل الذي يمور بالثورة ويدفع باتجاه الانفجارات الثورية التي ساهمت بشكل أو بآخر في إعادة تشكيل الخارطة السياسية والاجتماعية في المنطقة العربية ، فقد دفعت مظاهرات 1955 القيادة المصرية إلى عقد أول صفقة أسلحة مع الكتلة الشرقية ، كما أدت إلى إلغاء مشروع توطين اللاجئين في سيناء، حيث تحالف الشيوعيون مع الإخوان المسلمين ، و خرجوا في مظاهرات عارمة وقعت على أثرها اشتباكات مع القوات المصرية وسقط بعض الجرحى والقتلى ، واعتقل الكثير من المتظاهرين .
        و في عام 1956 وقع قطاع غزة تحت الاحتلال الإسرائيلي بعد أن أمم الرئيس الراحل جمال عبد الناصر قناة السويس، وقد قتل المئات من الأشخاص أثناء هذه الحرب؛ مما حرم الكثير من الأسر من عائلها الوحيد، و بعد الانسحاب الإسرائيلي في مارس 1957، خرج سكان القطاع في مظاهرات عارمة مطالبين بعودة الإدارة المصرية، واستمرت المظاهرات أسبوعاً كاملاً حتى عادت الإدارة المصرية في 14 مارس 1957 ، و تشكل أول مجلس تشريعي في القطاع عرف باسم الاتحاد القومي على غرار الاتحاد القومي في مصر ، ثم عرف بعد ذلك باسم المجلس التشريعي ، وكان من صلاحياته تشريع وسن القوانين التي تنظم حياة سكان القطاع على اعتبار أنه الجزء الوحيد الذي ظل يحمل اسم فلسطين، ويحمل سكانه الجنسية الفلسطينية ، لأن الضفة ضمت إلى الأردن سنة 1949 بعد  مؤتمر أريحا.
         وفي حزيران 1967 سقطت فلسطين بكاملها تحت الاحتلال الإسرائيلي حيث شهد قطاع غزة حملة قمع شرسة بسبب قيام التنظيمات الفلسطينية الموجودة على الساحة بممارسة الكفاح المسلح. ثم فتحت أبواب العمل داخل إسرائيل ، و بذلك تحول عدد كبير من سكان الضفة و القطاع إلى عمال تراحيل ، يتركون أماكن سكناهم للعمل في أماكن تبعد كثيراً عنهم ، مما سبب لهم إرهاقاً شديداً ، كما كان لذلك أثر كبير على بنية الأسرة الفلسطينية ، فنشأ الأطفال و ترعرعوا بعيداً عن رعاية الأب المباشرة ، حيث تغيب عدد كبير من الآباء  عن بيوتهم لفترات تتراوح بين أسبوع واحد وعدة أسابيع  وربما عدة أشهر ، توفيراً للجهد والوقت و أجرة المواصلات .
         و قد تحول المجتمع الإسرائيلي إلى مجتمع شبه روماني ، مجتمع أسياد يترفع عن الأعمال الحقيرة  التي تركوها للعرب ، واقتصروا على الأعمال الراقية والجندية ، و قد تعرض العمال العرب إلى اضطهاد مزدوج انعكس على شكل توتر يومي وقلق دائم ، و نتيجة للتراكمات عبر سنوات الاحتلال انفجرت الانتفاضة في قطاع غزة، وانتقلت شرارتها بسرعة لتشمل جميع أنحاء الضفة الغربية .
        وقد تشكلت شخصية الإنسان الفلسطيني رجلا كان أو امرأة ضمن هذه الظروف المختلفة التي أثرت عليه سلباً أو إيجاباً ، فقد وقع الإنسان الفلسطيني تحت تأثير عدة دوائر، دائرة الاحتلال المباشر ، و دائرة الدول العربية التي اضطر الفلسطيني للاحتكاك بها بشكل أو بآخر، و دوائر الفعل الوطني الفلسطيني الذي باشرته التنظيمات الفلسطينية انطلاقاً من رؤيتها الأيدلوجية و السياسية للقضية الفلسطينية . وقد تأثر الإنسان الفلسطيني بالتناقض القائم بين هذه التنظيمات و بين الاحتلال الإسرائيلي ، وبين هذه التنظيمات وبعضها من جهة أخرى، فقد قامت بعض التنظيمات بعمليات تفجير باصات العمال لمنعهم من العمل داخل إسرائيل مما أدى إلى وقوع إصابات خطيرة بين هؤلاء العمال . و من المؤكد أن وجود الاحتلال يستتبع بالضرورة وجود بعض المرتبطين به اقتصادياً وكذلك وجود بعض العملاء الذين وجدوا أنفسهم لسبب أو لآخر يقفون مع جنود الاحتلال في خندقٍ واحدٍ ضد أبناء شعبهم .
        وقد تناولت الرواية الفلسطينية كثيراً من القضايا التي عاشها الإنسان الفلسطيني ، ففي رواية "الصبار" نرى الفلسطيني و هو في صراع مع لقمة العيش و الحاجات الإنسانية والكرامة الوطنية وتأثير الهوية ، كما نرى الإنسان الفلسطيني وهو مضطر للتعامل المهين مع عدوه الذي اغتصب أرضه."(1) و لكنا نجد زهدي في القسم الثاني من الرواية "عباد الشمس " "ينضم ساعة الجد إلى المقاومة المسلحة وهو يرى أسامة يخر قتيلاً، "(2) و قد عكست الرواية الفلسطينية معاناة اللاجئين الفلسطينيين، وبينت العلاقة العدائية بين الفلسطيني والمخيم، و لعل أول رواية تطرقت إلى هذا الموضوع هي رواية "عناصر هدامة " ليوسف الخطيب. (3)
         كما تناولت الرواية الفلسطينية قضية الخونة والمتعاونين التي شغلت مساحة واسعة من الرواية الفلسطينية ،" وبما أن المتعاون هو ابن بنية اجتماعية شائهة ، كذلك فإن المثقف أيضاً يخرج عن هذه البنية ويتأثر بها ، فالبنية الاجتماعية في الأرض المحتلة هي في الغالب مثل كل البنى الأخرى في المجتمع العربي ، تشوبها علاقات ما قبل الرأسمالية ، وتخضع  لاتجاهات إنتاج متباينة لم تدخل بعد عصر الرأسمالية كما نعرفها اليوم ، ومن ثم فإن ارتباط أولئك المثقفين في بنية غير مستقرة داخل كيانات غير مثالية وعلاقات متباينة يؤدي هذا إلى الكثير من الخلل لديهم."(4) قضية التعاون إذن ، "لم تنشأ فقط لوجود المحتل الذي يسعى إلى الكشف عنها ، والتعامل معها ، و إنما بحكم البيئة الاجتماعية والسياسية التي تعيش فيها المنطقة العربية ، والأرض المحتلة جزءاً(هكذا ) منها." (5)
        وقد وجد الفلسطيني نفسه" يقف وحيداً في مواجهة العالم الذي حكم عليه بالانكسار النفسي الذي لا مثيل له ، و بدأ يشعر أن كيانه ناقص ،غير مكتمل ــ ليس بسبب تقسيم العمل والتخصص كما في المجتمع الرأسمالي ــ و لكن لسبب أفدح و أعظم ،  وهو ضياع الوطن ، وتشتت الأهل ، ولفداحة هذا الظرف على نفسية الإنسان الفلسطيني ، سنجد أن انعكاساته تغطي مساحةً كبيرة من الرواية الفلسطينية ولفترة طويلة عقب النكبة التي سببت تلك الآلام وتلك الانعكاسات ."(6) فالفلسطيني يملك نفسية خاصة ، لها سمات معينة أهمها "القلق والتمزق و الضجر و عقد الذنب ، والنزق الواقع على تخوم العقاب. "(7)
أولاً: شخصية الرجل :
        قدم الروائي الفلسطيني نماذج مختلفة من المجتمع الفلسطيني؛ فلم يقتصر على تقديم الشخصيات الإيجابية فقط ، بل قدم إلى جانب ذلك الشخصيات السلبية، محاولاً بذلك أن يكون موضوعياً قدر الإمكان، فلم يكن متعصباً أو منغلقاً في تعامله مع الواقع من حوله،وقد قدم الكتاب أنماطاً مختلفةً من الرجال  كالعامل والمدرس ورجل الدين والمناضل والسجين والمتعاون ... إلى غير ذلك من الشخصيات وسأعرض هذه النماذج كلاً على حدة .
شخصية المناضل:
        شخصية المناضل هي النقيض الصارخ لشخصية العميل ، وقد  قدمت الرواية الفلسطينية المناضل على عدة صور ، فهو تارة يعمل في الكفاح المسلح السري و يدعو إليه ، و يعمل في المجال الفكري تارة أخرى ، أو في المجال السياسي تارة ثالثة ، وقد شكل الكفاح المسلح هاجساً دائماً لكافة الشباب المنخرطين في التنظيمات الموجودة على الساحة ، و قد وصل الأمر بالجميع تقريباً إلى حد اعتبار أن الكفاح المسلح الشكل الوحيد للنضال في مواجهة قوات الاحتلال ، مما  أدى إلى إهمال البنى السياسية و الفكرية والتنظيمية لمختلف الأطر ، كما أهملت النقابات وغيرها من المؤسسات الخدماتية ظناً منهم أن مثل هذه الأنشطة قد تجعل الحياة في المناطق المحتلة طبيعية .
        وتحولت فكرة الكفاح المسلح  بسرعة إلى فعل، فإسماعيل يفقد قناعته السابقة بعد دخوله السجن، ويكتسب قناعات جديدة مؤداها أن أي تنظيم لا يعتمد الكفاح المسلح يبوء بالفشل.(8) وقد احتاج إلى شجاعة كبيرة كي يعلن رأيه  لرفاقه بوضوح يقول إسماعيل:"سأخبرهم بكل شيء ، سأكون شجاعاً هذه المرة، أنا لست إسماعيل الذي دخل السجن قبل سبع سنوات."(9) وهو يذكر ما تعرض له من تعذيب ليبرر قناعاته الجديدة ويتساءل : " كيف أخبرهم  أنهم امتهنوا رجولتي وقتلوا ذكورتي ..... كيف أقول إنهم قتلوا ذكورتي، أعدموها بحبل المشنقة، وصلبوا أبنائي في دمي عناقيد حمراء جفت على فخذي."(10)
        كما يؤمن أسامة " إيماناً لا جدال فيه بأن باصات إيجد يجب أن تنسف ، وأن على العمال أن يكفوا عن القيام بدورهم المشئوم ذاك ... لكن وجود عادل غير المتوقع بين تلك الفئة الضائعة جعله في حالة صراع لا يرحم."(11) وأسامة على الرغم من تألمه من وقوفه موقف المتفرج بينما تباشر الفصائل كفاحها المسلح ضد الاحتلال، فإنه يقع في تناقض بين قناعاته وعواطفه ، وهو يتردد بعد معرفته أن عادل الكرمي يعمل في إسرائيل ، ومن حق القارئ أن يتساءل: هل كان نسف باصات العمال هو الحل الوحيد والأمثل ؟ أم أن توعية العمال وتنظيمهم ضمن أطر نقابية هو الطريق المناسب لمنع استفادة الاحتلال من طاقاتهم . وإذا كان لا بد من منع هؤلاء العمال من العمل في الداخل ، فما هو البديل الذي طرحته الثورة أمام هؤلاء العمال حتى تظل على مقربة منهم ، وحتى لا يخرجوا على إرادتها .
        و نلاحظ أن أم أسامة في الصبار تحاول أن تزوج أسامة من ابنة أخيها ، ولكنه جاء وفي قرارة نفسه أن يظل متنقلاً بين القرى والمدن لأنه بات محترفاً للكفاح المسلح .(12) ويتحول الكفاح المسلح إلى فعل ثوري ، فنحن نرى أسامة وكأنما"انشقت الأرض عنه، قفز شاب ملثم الرأس بكوفية بيضاء ،رفع يده اللامعة كالبرق و هوى بها على مؤخرة رأس الضابط ، فغاص الخنجر في العمق حتى النصاب ، أطلق الضابط آهة عميقة و هوى على صندوق الأسكدنيا والدم يتدفق كالنافورة."(13)
        و بعد نجاح العملية الأولى ينتقل أسامة إلى مهاجمة باصات العمال و يوقع بينهم الإصابات، ويتغيب عادل في ذلك اليوم . فهل كان تغيبه صدفة أم أن أسامة طلب منه ذلك ، وبعد العملية يشاهد أسامة السيارات العسكرية وهي قادمة فيصيح بمجموعته طالباً منهم الانسحاب، يسمعه زهدي فيتساءل:" أنت يا أسامة؟ أنت يا قواد؟ ماذا لو كان ابن خالك معنا؟ وأبو صابر و أنا ! ووقف على صخرة مرتفعة و صاح بأعلى صوته : يا أسامة . عرفتك يا أسامة، تلفت أسامة وقد هزته المفاجأة . ذلك زهدي.آه. وربما  كان عادل معه . لا بأس .فدا الأرض . فدا القضية. "(14)
        والتساؤل المثار الآن : هل من المقبول أو من المعقول أن يكون المناضل أسيراً للمفاجآت. وهل نفذ أسامة هجومه دون معرفة دقيقة بالهدف الذي سيوجه ضربته إليه . ذلك أنه حين فاجأه صوت زهدي يكشف لنا عن خوفه من أن يكون عادل موجوداً معهم، وكأن القضية قضية فرد معين. وحين وقع زهدي بين القوات العسكرية وبين مجموعة أسامة وجد نفسه أمام أحد خيارين:إما أن يسلم نفسه للقوات الإسرائيلية وينجو بحياته على اعتبار أنه عامل، أو أن يلتحق بأسامة ، وقد فضل الخيار الثاني فهوى بالمفك على ظهر الجندي ، وقتل رجلاً بالصدفة مع أنه لم يفكر في حياته بالقتل، وبعد أن وجد زهدي أسامة مبقور البطن،(15) أصيب  بعدة صليات ألحقته بأسامة على طريق الشهادة .(16)
        و تتكرر صور التفكير بالقيام بعمليات أو تنفيذها ، فإبراهيم فوزي يقوم بعملية على مفترق الطرق خارج المجدل." فقد صعد الانفجار والمجدل غافية إلا من بعض عواء متقطع جعلني أهب واقفة و انتظر وراء السور حتى عاد بعد ساعة ، لكنه لم يعد فقد انكشف أمره ، وجاءوا في المساء يطلبون فؤاداً. وفي اليوم التالي كانت الجريدة اليومية تحمل صورة إبراهيم فوزي وفؤاد."(17)
        أما في رواية أحمد حرب فنجد أن مجموعة الملثمين هاجمت سيارة مدنية من مستوطنة إيرز إسرائيل بالبنادق الرشاشة و قتلت أربعة منهم بالقرب من قرية العين العربية. "قامت قوات الأمن على الفور بإغلاق المنطقة و بدأت بحملة تفتيش واسعة بحثاً عن المخربين."(18)
        كما يقوم المناضل بإعداد الزجاجات الحارقة وإلقائها ، فنحن نرى حساماً وقد أعد "الزجاجة الحارقة وجهزها وما إن قارب حلول الموعد حتى وضعها في الكيس وسار باتجاه المكان المتفق عليه، وهناك وجد ناجي(هكذا) ينتظره والسرور يغمره، ناوله الكيس، وبينما هم واقفين " هكذا " إذ بدورية عسكرية مترجلة تسير باتجاههما .. و ما إن وصل الجنود حتى طلب أحدهم فحص ما بداخل الكيس مشتبهاً ، و لم يستطع ناجي الرفض ، و عندما رأى الجندي ما بداخله انقض عليه يمسكه."(19)
        وفي موضع آخر نجد أن رشيداً يقدم لناجي مسدساً ، و نجد أن ناجياً يدخل وراء المستوطن " تلفت في المكان متفحصاً .. حتى تتسنى له لحظه القنص .. المكان يخلو من الجنود و هذه علامة طيبة ، واقترب من المستوطن حتى كاد يلتصق به ، لم يشعر بالخوف أو بالتردد حينها ، بل برغبة جارفة في القضاء عليه ، استل مسدسه بحذر ، وبسرعة عجيبة وجه فوهته إلى الرأس .. ضغط على الزناد بقوة  وخرجت طلقتان .. ترنح المستوطن  والدماء تتدفق من رأسه بغزارة ، ثم خر صريعاً لا حراك فيه. "(20)
        و قد شارك مناضلون من جنسيات أخرى المناضلين الفلسطينيين في كفاحهم الوطني ، فها هو المناضل السوري أبو نضال يقضي حكماً بالسجن، وفي أثناء فترة سجنه يستطيع الصليب الأحمر أن يحصل على إذن زيارة لأهل هذا المناضل، ويبدأ المناضل السوري في تخيل صورة ابنه الذي يعرف من خلال الرسائل أن اسمه نضال، ويتخيل أن خد ابنه موشوم بشهوة حمراء بحجم التوتة.(21) وحين يكتشف أمر المناضل فليس أمامه سوى أحد أمرين:
1ـ أن يدخل السجن ويعاني من التعذيب الجسدي و النفسي .
2ـ أو أن يصبح مطارداً لا يقر له قرار .

1- السجين:
        أما بالنسبة للسجن فإن المناضل السجين يحاول جهد استطاعته أن يحافظ على أسرار التنظيم والرفاق . يقول الضابط للمعتقل : " نحن نعرف شعاركم الذي ترفعون ( الاعتراف خيانة ) وهذا ما ينص عليه كتابكم الأمني ( فلسفة المواجهة وراء القضبان ) ولوح بالكتاب أمامي بعد أن أخرجه من جارور مكتبه ، و ربما ثبت هذا الاعتقاد عندكم كثيرون ، وتضربون بذلك أمثلة بتجربة عدنان منصور و محمود فنونة..."(22)
        و إذا اضطر المناضل للاعتراف فإنه يعترف على نفسه و يحاول حماية بقية زملائه، فقد " وصل حسن إلى مركز التحقيق واعترف بأنه هو الذي قام بمحاولة قتل العميل ، ورفض أن يعترف على زملائه في المجموعة، وتعرض لتعذيب وحشي ، ولكنه تماسك و صمد حتى اليوم الثالث ...."(23)، ويتحدث نادر عن التعذيب الذي تعرض له أثناء سجنه فيقول:" سبعة أيام قضيتها في الزنزانة نصفها مع نفسي و نصفها الآخر مع المحقق ، و حين كنت مع نفسي مشبوحاً إلى الماسورة حاولت أن أرصد دبيب الخدر في أطرافي يأتي   ويذهب.."(24)
        و قد يعاني السجين عذاباً نفسياً بسبب موقف المعتقلين منه ، فعندما" فتح الجندي باب الغرفة 23 ودخل زهدي حاملاً خمس بطانيات وقصعتين وكوباً من البلاستيك ، نظر الجميع إليه وعلامات الاستفهام مرسومة على وجوههم ، لم يرحب به أحد ، فظلوا ينظرون إليه بتوجس ، فأحس بغربة أشد من تلك التي عاناها طوال الأيام الخمسة في الزنزانة."(25) يشعر زهدي بالغربة فهو يأكل وحده بينما بقية السجناء يتمازحون و يضحكون ، و يصاب  بحالة عصبية فيذرع الغرفة جيئة وذهاباً، ثم يبدأ في ركل الأكواب و القصعات.(26) تشكل الزنزانة والسجن كابوساً لمن يعتقل، فزهدي يعاني من تجاهل بقية المعتقلين في الغرفة له بسبب عمله في إسرائيل، بينما نجد أن زيداً يصاب بصدمة حين يدخل الزنزانة لأول مرة ، فقد " أفاق ليجد نفسه ممدداً في زنزانة ضيقة لا يزيد  عرضها على متر و نصف وطولها مترين ، في نهايتها دلوان ، واحد مملوء بالماء ، و الآخر فارغ ، قدر فيما بعد أنه لقضاء الحاجة. "(27) ورغم التعذيب فإن زيداً لم يعترف، وينقل إلى السجن العمومي ، يقابله السجناء بالترحاب، وهناك يجد صندوقاً مشتركاً يتقاسم السجناء من خلاله ما يحضره الأهل في الزيارات .(28)
        ولكن كابتن روني يجبره على التوقيع على ورقة بالعبرية ، بعد أن أوقع به العصفور (العميل) أبو كمال وكشف سره ، يشعر زيد بالحرج والخجل بعد ذلك فيحاول الانطواء والبقاء في الغرفه أثناء الفورة حتى لا يرى صديقه سالماً ، ولكن (يسري) يعود إليه ويطلب منه الخروج فيفعل ذلك متردداً وقد أجهده العرق على الرغم من برودة الجو. (29) ويصدر على زيد حكم بالسجن لمدة ثلاث سنوات ، تكثر شكوى زيد ولكنه يقرر في النهاية ألا تضيع هذه المدة سدى ، وأنه سيبني زيداً من جديد .(30)
        ولا يكاد يوجد إنسان لم يذق طعم السجن، حتى الشاب الأخرس تعرض للسجن وقدم إلى المحاكمة وحكم عليه بالسجن تسعة أشهر فعلية وستة أشهر مع وقف التنفيذ بتهمة أنه صرخ صرخات يشبه إيقاعهاعبارة:"بالروح بالدم نفديك يا فلسطين" (31)
والسجين يشغله أحد أمرين : زيارة الأهل ، أو فكرة الهروب.
1- الزيارة:
        الزيارة هي النافذة التي يطل منها السجين على عالم الأسرة و الأهل و الجيران والبلد، ينتظر بشوق زيارة أهله ليستمع منهم إلى كل جديد ، و هو يعد للزيارة عدتها ، كي يظهر على أكمل  وجه، فها هو رشيد ينهض من نومه مبكراً، يدخل الحمام ليستحم، يحلق ذقنه ، ويزيل الشعيرات عن وجهه بواسطة الخيط مستعيناً بأحد زملائه ، و يأخذ ملابسه التي كواها بوضعها تحت الفراش ليلبسها، ويدهن وجهه بكريم فلفيتا. (32) وفي أثناء الزيارة يخبره أبو ناجي أن ابنه حسن اشترك في قتل عميلين ، وقد جاء أهل القتيلين طالبين منهم الجلوس للحق حسب العرف والعادة . ويطلب منه التدخل  لإنهاء الموضوع. (33)
        وحين يخيب أمل السجين في الحصول على زيارة الأهل، يصاب بالحزن، فقد قضى زيد ليلته وهو" يمني النفس بلقاء أمه، أو أبيه أو كلاهما(هكذا)،حاول عبثا إقناع نفسه بلقاء فولا، فليس أصعب على السجين من رؤية زملائه يعودون من زيارة أقاربهم بينما يحرم عليه ذلك."(34)
        أما فكرة الهرب فنجدها في رواية قهر المستحيل ، يخطط بعض السجناء للهرب من سجن نفحة الصحراوي، يطرح كمال الفكرة  على زميليه شوقي ومسعود اللذين يوافقان عليها، ويحاولون ثلاثتهم إشراك ماهر معهم لكنه يرفض ذلك. (35)
        بعد تدبير أمر التمويه على إدارة السجن يلبس ثلاثتهم ملابس عمال كانوا يعملون في أحد الأماكن في السجن.(36) ويساعدهم على تنفيذ فكرة الهرب، نقل الكلب الذي كان يحرس السور، وهنا يكون التساؤل منطقياً : ترى ، هل تم نقل الكلب بالصدفة ؟! أم أن هذا النقل كان قدتم بناءً على تدبير مسبق اتخذته إدارة السجن ؟! فالثلاثة يضلون طريقهم إلى الحدود المصرية ويضطرون إلى ركوب الحافلة المتجهة إلى بئر السبع  ومنها ينتقلون إلى غزة ، وأثناء توجههم إلى غزة  يصادفون حاجز تفتيش ولكنهم يفلتون منه،(37)فهل هي الصدفة أيضاً؟ والذي يجعل هذين التساؤلين منطقيين، هو تلك النهاية التي آل إليها الفارون الثلاثة بعد هربهم في الشاحنة.(38)
        وقد ينجح المناضل في الهرب ، فها نحن نجد ناجياً وقد " اتجه إلى الحدود المصرية ، ولم تمض ساعات معدودة حتى أصبح وراء الأسلاك ، فقد غدا في الجانب المصري. "(39)  يهرب ناجي  بعد عملية يشترك فيها مع رشيد ، حيث يطلقان النار على آخر جندي في دورية راجلة ، يطلق الجنود النار بعدها فيصاب رشيد ويعتقل ، ويصل ناجي إلى مصر، ويتصل بمكتب الثورة الذي ينقله إلى الجزائر ليصبح مسئولاً في القطاع الغربي تحت قيادة أبي جهاد، ويبدأ بإرسال الرسائل التنظيمية إلى رشيد في السجن . و يحاول رشيد أن يبين لزملائه مدى خطئهم حين شكوا في ناجي واعتقدوا أنه عميل ، وهنا لابد من طرح بعض التساؤلات : كيف يمكن لإنسان أن يهرب ببساطة وبمثل هذه السرعة ؟ و كيف يمكن أن يرتقي لمنصبٍ حساس في مدة وجيزة مع افتراض أنه وطني صادق بعيد عن كل شك . أليس من الأجدر أن يترك فترة تنكشف خلالها نواياه و مسلكياته ؟
المطارد :
        المناضل المطارد موجود على مدى وجود الاحتلال ، فمنذ بداية الاحتلال نجد أن المناضل حين ينكشف أمره يضطر إلى الهرب، ف" على مطارد منذ فترة ، يختفي في النهار ويظهر في الليل ، تعرفه الأزقة و الحواري؛ تخبئه البيوت .. و تنام الشجاعية على أخباره."(40)  كما تعرف الشجاعية أن " يوسف مطارد .. و مضى القلب يدق ، و يترقب حتى جاء مع الفجر من يخبره أن يوسف قطع النهر. "(41) 
        والمطارد عند عزت الغزاوي مفقود في نهاية المطاف ، فإبراهيم فوزي المطارد منذ فترة " يستعد لبطولة فيلم وثائقي حول المطاردين .. حدث الترتيب أثناء غيابي، و حين سألت فؤاد عن ذلك قال : هذه شركة إعلام بريطانية عرضت علينا تصوير الفيلم والتزمت بكامل شروطنا. "(42) وتتضارب الأخبار في رواية الحواف حول مصير أربعة مطاردين غادروا قبل أسبوع ، فالبعض يقول إنهم سلموا أنفسهم لقوات الجيش ، وآخرون يقولون إنهم وصلوا إلى غزة و قطعوا الحدود إلى مصر ، "ولكن إبراهيم يعتقد أنهم قتلوا جميعاً، ولم يفصح عن اعتقاده إلا لبعض الأصدقاء وطلب منهم ألا يتفوهوا بشيءٍ حتى تأتي أخبار مؤكدة، "(43) حتى لا يؤثر ذلك على الفيلم .
        أمّا عند سحر خليفة فالمطارد إنسان حساس ، يؤمن أنه مسئول عن إحداث تغيير في الظرف العام ، فحسام " لم يكن من أبناء المخيمات ، أو معذبي الأزقة ، و فقراء القاع أو القمة، بل ابن رجل بدأ حياته متوسطاً وظل متوسطاً في كل شيء ، من عائلة متوسطة الغنى، متوسطة العلم ، متوسطة النسب ، و متوسطة الوجاهة. "(44) وحين يأتي  إلى منزل عمته مع شقشقات الفجر، تفتح له ، تتأمله و تتساءل :" أمن المعقول أن يكون واحداً منهم؟ هذا الوجه الناعم كوجوه البنات والعيون الناعسة والصوت الهادئ ، أمن المعقول أن يكون كما يقال ؟ لكنه مؤمن ويخاف الله ، و يخاف على النملة من نعله. "(45)
        والمطارد يبذل جهده حتى لا يكسر بيض الشنار أثناء مروره بين الأشواك عند تنقله من مكان إلى آخر، (46) وهو لا يعرف الاستقرار، يضرب في الأرض ويتعرض للبرد وريح الصبا، ويقوم بتدريباته في الأماكن التي تنطلق فيها المظاهرات، حيث يطلق المطاردون رصاصات التدريب بعد أن يطلق الجيش الرصاص فتبدو رصاصاتهم وكأنها رجع الصدى لصوت رصاص الجيش.(47)
        وعلى الرغم من عدم استقرار حياة المطارد فإنه يقدم على الزواج ويقام له حمام عرس تقليدي ويعيش حياة شبه عادية فتحمل زوجته وتتعرض للمساءلة  بسبب ذلك.(48) وتتغير الأماكن التي يختبئ فيها المطاردون باستمرار، وهم ملتزمون بالأوامر إلا في حالات نادرة، فقد قتلوا أحد العملاء دون أوامر مسبقة، والسبب في ذلك أنهم قابلوه بالصدفة ولم يرغبوا في تركه دون أن يخلصوا الناس من شره.(49)وقد يتنقل المطارد في وسائط النقل العامة ، يتفق المطاردون مع الشاب العربي المسئول عن نقل العمال العرب على أن ينقلهم إلى القدس مقابل عشرة شواقل على اعتبار أنهم عمال.(50) ويقدم المواطنون كل مساعدة للمطاردين، فقد ساعدهم أطباء المستشفى على خطف جثة الشــهيد خالد وأعطوهم فرصة كافية لنقله إلى أهله قبل إبلاغ السلطات عن خطفه.(51) ويقوم الأستاذ ياسين بنقل المطارد في سيارته،(52) بينما يقوم معلم آخر بإعطاء ملابس قديمة للمطارد  للتمويه على ضابط المخابرات.(53)
الشهيد:
        قد تنتهي حياة المناضل بالشهادة التي تشكل أمنية بالنسبة لمعظم المناضلين الفلسطينيين، ورغم أن القاعدة الذهبية في حرب العصابات تقول إن أثمن شيء يمتلكه مقاتل العصابات هو جسده الذي يجب أن يحافظ عليه، كما يقول تشي جيفارا، وتعلمنا رواية الرعب والجرأة التي تدرس في الكليات العسكرية في العالم أن من واجب المقاتل أن يحافظ على نفسه.. أن يقتل عدوه و لا يعطيه فرصة قتله. إن من واجب المناضل تحقيق النصر على العدو بأقل خسارة ممكنة، ومع ذلك كنا نجد الشباب والأطفال يعدون صوراً لهم ويكبرونها حتى يتم تعليقها في حال استشهادهم ، وقد قدم الفلسطينيون قوافل عديدة من الشهداء، فأبو زهدي " يفكر في أخته الأرملة وطفليها، إذ كان زوجها المتطوع في جيش الإنقاذ المقدس ، قد استشهد في معركة قرب مستعمرة كفار راحيل. "(54)
        وها هو الطفل عند علي الخليلي يسمع عن استشهاد خاله، يحدثه أبوه عن ذلك ويقول عنه إنه كان بطلاً قاتل الأعداء حتى الموت. (55) والشهيد البطل هو الذي يقضي نحبه وهو يواجه العدو، ففي أثناء أحد الاشتباكات يصاب شاب برصاصة في عنقه ويستشهد ، و يصاب بعده أحمد شقيق نزهة ويستشهد أيضاً. (56) وقد استشهد إبراهيم فوزي بعد أن حاصرته قوات الاحتلال أثناء تصوير الفيلم الوثائقي، وتطلق عليه طائرة النار فيرتجف مع كل رصاصة تخترق جسده، ويقع ووجهه إلى السماء. (57)  ويحمل الشباب جثة إبراهيم ،" ملابسهم معفرة بالدم، لا سفر مع الموت، إنهم ينقلونه الخطوات الأخيرة كغزالٍ مذبوح."(58) وعزت هنا يعطي دم الشهيد رائحة المسك الذي يخرج من دم الغزال دون أن يقول لنا ذلك مباشرة . ولكنه  يشير إشارة ذكية أخرى إلى أولئك الذين يتاجرون بدماء الشهداء يقول: "اقترب رجل من الميت بيده سكين حادة طويلة . حز رقبته بسرعة البرق وضع رأسه على الأرض ، نافورة دم صبغت السكين والطاولة : كلوا..كلوا، صف طويل من البشر يأخذون أوراقاً بنية تنز دماً. لم يبق في الميزان شيء."(59) والمعروف أن الميت لا ينز دماً، ونلمس هتا نوعاً من التناص مع الآية الكريمة: " ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله  أمواتاً بل أحياء عند ربهم يرزقون."
        وقد استشهد خالد بسبب موقفه المؤيد للسلام وحق الشعبين الفلسطيني والإسرائيلي في الحياة في دولتين متجاورتين، وقبلها اعتقل في سجن النقب، ولكن نداءاته إلى الإسرائيليين بالتجرؤ على صنع السلام لم تتوقف،(60) وبعد خروجه من السجن تقوم مجموعة من الملثمين الذين كانوا يركبون سيارة تحمل لوحة صفراء بقتل خالد لتشويه سمعته، ولكن المواطنين الفلسطينيين يكتشفون اللعبة فينال خالد حقه ويعتبر شهيداً وطنياً،(61) كما استشهد كامل بعد أن جمع الجيش سكان القرية وضربهم حتى تكسرت عظامهم ولم يستطع كامل تحمل الضرب المبرح فقضى نحبه.(62)
        ويشير أحمد حرب إلى بداية ظهور التيار الديني أثناء الانتفاضة باستشهاد الشيخ محمد، فقد "كرمت العين ابنها الشيخ ، كما كرمت الشهداء الأبطال مع فارق أن أتباعه أصروا على لف جثمانه بالعلم الأخضر. " (63)
أشكال أخرى للنضال و المناضلين :
        لا شك أن هناك أشكالاً أخرى للنضال غير الكفاح المسلح ، الشكل الأرقى للنضال ، فالمناضل لا يعدم و جود وسائل أخرى على طريق المواجهة مع الاحتلال ، فالشباب يرفعون الأعلام على أعمدة الكهرباء، وهذا أمر يحتاج إلى الكثير من الشجاعة  والدقة في العمل والتنظيم لزرع أعلام فلسطينية على طول سبعين كيلو متراً. (64)
        ويشكل النضال الفكري والسياسي  ركناً أساسياً في معركة الفلسطينيين، فقد تعرف زيد في السجن إلى يسري الذي كان " يذكره بعلي زغلول وهدوئه وتفاؤله  الذي لا يتزعزع ، وفهمه للواقع ، وربطه للأحداث ، نفس العبارات التي كان يســمعها ، ها هو يسري يرددها ، الفهم نصف الطريق إلى الهدف. "(65) و علي زغلول هذا  يؤمن أن الإنسان أسمى قيمة يمكن الدفاع عنها ، ولكن زيداً كان يعتقد أن بإمكانه الوصول وحده، و" حين يدخل زيد معترك العمل السياسي في السنوات الأخيرة ، آثر البحث عن شكل سياسي غير قائم ، وأراد أن يفصل تنظيماً على مقاسه، يوافق رومانسيته."(66)
        زيد هذا متأثرٌ جداً بصديقه علي الذي جاءه مرة بجريدة الحزب ، " سأله زيد يومها عن المنجل والشاكوش اللذين كان رسمهما يزين رأس الصفحة الأولى ، و سأله عن معنى وحدة عمال العالم ، كانت تلك أول تفتحه على فكرة الطبقة العاملة. "(67) أما جمال بنورة في رواية " أيام لا تنسى" فيصور لنا بطله (سميراً) على أنه شخص متردد ، يتهرب من تحمل المسئولية ، فهو يتهرب من فتحي ، و لا يرغب في حضور احتفال الأول من أيار الذي دعاه فتحي لحضوره ، لكن (فتحي) يقنعه بأن الاجتماع سيكون سرياً ولن يحضره سوى أناس موثوقين. (68)  ويشعر سمير بعد حضوره الاجتماع أنه أصبح مشبوهاً. (69)
        وتقدم لنا سحر خليفة عن طريق الراوي صورة المناضل الجاف ، فعادل يتربع على قمة الغرفة رقم 23 و يدعي أنه ضمير الثورة ، يأخذ كل شيء يحضره الأهل أثناء الزيارات ويوزعه لقمة لقمة على الجميع ظاناً بذلك أن هذه هي الاشتراكية. (70) لقد أساء أمثال عادل بفهمهم الميكانيكي الجامد للأمور إلى الأفكار التي يحملونها .
        وقد طرح هشام عبد الرازق عدة قضايا حساسة، فالرواى عنده يرى أنه " لم يكن لدى المسئولين القدرة على التمييز بين حياة المعتقلين قبل الانتفاضة ، و الآثار التي عكستها ، كما أنهم لم يدركوا طبيعة الانحرافات الاجتماعية في ظل عشرين عاماً من الاحتلال ، وبالتالي اعتقدوا أن كل انحراف اجتماعي هو بالضرورة انحراف أمني والأدهى من ذلك أنه لم يكن بمقدورهم التمييز بين صواب التقرير أو خطأه (هكذا) ، وبدأ مسلسل المآسي مع بدء عمليات التحقيق التي قامت بها طواقم لا تدرك أبجديات العمل الأمني، فلم تجد أمامها إلا أسلوب واحد و وحيد"هكذا" ـ العنف الجسدي ـ واستخدمت أساليب عنيفة وفي غاية القسوة، مما أدى إلى اعتراف العديد من المعتقلين على أنفسهم بالارتباط مع العدو  وذلك للتخلص من جولات العنف ، و لقد أصيب العديد من المحقق معهم بأمراض مزمنة نتيجة التحقيق ، وسقط العديد منهم قتلى أثناء التحقيق، وبلغ عدد المحقق معهم إلى "هكذا" أكثر من مائة و خمسين شبلاً، مما أدى إلى انتشار ما يسمى بالهوس الأمني بين مجموع المعتقلين."(71)
        هذا النقد لا يأتي من خارج الثورة وإنما يأتي من أحد أبنائها الذين شاركوا بفعالية فيها، فهو يدين الممارسات السلبية التي تخدم في النهاية أطرافاً غير الشعب الفلسطيني فقد أساءت عمليات القتل والتحقيق إلى كرامة شعبنا حتى صارت الشعوب الأخرى تعتقد أن هذا الشعب ما هو إلا مجموعة من العمــلاء والزنــاة واللوطيين ومتعاطي المخدرات . ولذلك نجــد أن رشيداً يحاول وقف مجازر (أنصار3)،  و يرى أن أرواح الناس وكرامتهم باتت في أيدي أناس طائشين،(72) هؤلاء الطائشون يصلون إلى مرتبة المسئولية بعد اعتقال الصف القيادي الأول.          
        وقد لجأت سلطات الاحتلال إلى ضرب الصفوف والمراتب القيادية المتمرسة ، حتى تظل الأطر مبلبلة الأفكار مشتتة الخطط ، وربما تمكنت سلطات الاحتلال من دس بعض عملائها في القيادات الجديدة من الصفوف الثانية أو الثالثة ، ليقوم هؤلاء بدورهم بدفع عجلة العنف الدموي حتى يفقد أبناء هذا الشعب ثقتهم بأنفسهم،وقد أسس روابط القرى ودفع ببعض عملائه لدعم وتأييد هذه الروابط ، فقد تم الاتفاق مع العميل وحيد على أن يلقي كلمة السجناء بعد الإفراج عن مجموعة منهم، و لكن وحيداً يفاجأ بخروج مناضل حقيقي لإلقاء كلمة الموجودين ؛(73) فيعتقد وحيد أن المهمة التي أوكلت إليه أوكلت إلى آخرين غيره ، ولكن "بهت الحاضرون ، عرق يتصبب من وجوه قيادة الروابط المنتفخة ، سيطرت الدهشة على وجوه العسكريين ، انتفضت أجسادهم ، قطعوا البث التلفزيوني ، سحبوه من المنصة قبل أن ينهي كلامه، أودعوا بيديه القيد، بدءوا بضربه حتى قبل أن يختفي عن عيوننا، أعادوه إلى السجن."




مواضيع ذات صلة

شخصية الانسان الفلسطيني
المركز الفلسطيني لحقوق الانسان غزة
شخصيات فلسطينية بارزة
شخصيات فلسطينية سياسية
شخصيات فلسطينية تاريخية
شخصيات فلسطينية مناضلة
مركز الميزان لحقوق الانسان
شخصية فلسطينية قيادية ناجحة
شخصيات فلسطينية مشهورة



Previous Post Next Post