شخصية العمـــيل في الرواية
            لا تكاد تخلو رواية من الروايات الفلسطينية من ذكر العمالة أو العملاء ، فقضية العمالة والعملاء تشكل هاجساً أمنياً قد يصل ــ بل إنه وصل فعلاً ــ إلى حد إثارة  حالة من الهوس الأمني داخل بعض المعتقلات وخصوصاً في معتقل النقب ، وقد أثار ذلك حالة من الخوف بين صفوف المعتقلين وعلى الأخص صغار السن منهم ، وكان من الواجب معالجة هذه القضية بطريقة موضوعية كظاهرة متلازمة مع الاحتلال أي احتلال .
            فأينما وجد الاحتلال يوجد له عملاء ، يسقطون في شباكه لسبب أو لآخر ، تظل هذه قضية إنسانية لابد من تحــديد أسبــابها والظروف الموضوعية المحيطة ، كمــا أنه لابد من الاستفادة من خبرات الثورات العــالمية في مجــال معـالجة قضايا العملاء .وقد بلغ الأمر بالبعض إلى حد اعتبار أن الانحراف عبارة عن مثلث متساوي الأضلاع بحيث يقود كل ضلع إلى الضلعين الآخرين، ولهذا المثلث ثلاثة رؤوس هي : الجنس والعمالة والمخدرات، والحقيقة أن هذه الرؤوس ليست حلقات متداخلة لا يمكن أن تنفلت من بعضها.
            إن من يتعاطى المخدرات يستطيع الشفاء منها لو وجد من يرعاه ويأخذ بيده على اعتبار أنه مريض ، بدلاً من تهديده وتخويفه ومحاسبته على أخطاء وقع فيها قبل عقد أو عقدين من السنوات، كما أن الزناة والشاذين جنسياً ، هم مرضى نفسيون يحتاجون إلى اختصاصي نفسي  لمعالجتهم بدلاً من ردعهم وتدمير أسرهم ، لقد شدد الإسلام عقوبة الزنا، لكنه بالمقابل تشدد في شروط إيقاع هذه العقوبة، إذ جعل توقيع العقوبة مرهوناً بتوفر أربعة شهود أو اعتراف الزاني طوعاً ، وبالتالي فإنه لا يمكن الأخذ بالشبهات وتنفيذ العقوبات على أساسها .
            وقد شبهت الرواية العميل بالحية السامة التي تتحين الفرص المناسبة للانقضاض ونفث سمها في فريستها، يرتدي أبو إصبع معطفاً (بالطو) أسود عتيقاً ويضع على رأسه طاقية صوفية ويتظاهر بأنه بائع،ولكن المطارد يكتشفه ويطلب إلقاء القبض عليه،وبعد التحقيق معه يتم اكتشاف قائمة بأسماء بعض الوطنيين فتتم تصفيته.(75) وربما تصبح بعض القرى غير آمنة بالنسبة للمناضلين والمطاردين وذلك بسبب سيطرة المتعاونين عليها ووجود مجالس لروابط القرى فيها.(76)
أما العمالة فسأعرض لها كما طرحتها الرواية الفلسطينية في ظل الاحتلال .
1ــ أسباب السقوط :
            لا يصبح العميل عميلاً فجأة ، بل لا بد من وجود ظروف محيطة تدفعه إلى الوقوع في هذا المستنقع ، ولعل من أهم هذه الظروف طبيعة العلاقات الاجتماعية المحيطة بهذا الفرد أو ذاك، فنحن نعيش في مجتمع يضخم الأقوال والأفعال، تولد القصة صغيرة ضئيلة فتظل تنمو وتتضخم حتى يظن السامع أنها الحقيقة عينها، وبالتالي يصدر أحكامه دون تمحيص أو تروٍ.
            يرجع الراوي أسباب ســقوط حمودة إلى اعتقاد الأخيـــر أن ابن عمه قتل ظلماً من قبل الفدائيين، فيقرر الانتقام، وتتكاتف الظروف ضـد حمودة ، فهناك من يوهمه أن ابن عمه قد قتل ظلماً، كمـا أنهم يهددونه بطرده من العمل، (77) نتيجة لذلك يقع في شباك العمالة، يقول حمودة : 
" وجدت نفسي لأول مرة أنام على فراش بسيط في جو مشبع بالرطوبة والعفونة .. ورغم ذلك شعرت بالسرور .. فبعد أيام سأتمكن من القضاء على الفقر و الجوع الذي لازمنا سنوات .. لقد عرض علي مبلغ كبير لقاء هذه العملية .. و لا بد أن أنفذها .. وسأتمكن من الانتقام لابن عمي علي المحلاوي الذي قتله الفدائيون بحجة أنه عميل .. فهل حقيقة أنه كان كذلك ؟ لا أصدق .ورغم ذلك أصبحت مثله  من أجله. "(78)
            إن حمودة يحاول إقناع نفسه بأنه أصبح عميلاً من أجل ابن عمه و لا يدرك أن الدافع المركزي لسقوطه هو ظرفه الاقتصادي و تهديده بالفصل من العمل والوعد الذي قدموه له بدفع مبلغ كبير من المال له إن هو قتل مجموعة الفدائيين التي اغتالت ابن عمه . هنا التقت مصلحته الخاصة والضيقة بمصلحة الاحتلال .
            والاحتلال لا يعدم الوسيلة، فهو يستغل كل الطرق من أجل الإيقاع بعملاء جدد ، فها هو زيد يتعرض لصدمة حين يقول له الكابتن روني أن رباب تخونه، و لكي يثبت ذلك يقدم له مظروفاً يحتوي على صورة لرباب وهي شبه عارية بين يدي شاب لا يعرفه ،(79) بعد هذه الصدمة يحاول روني أن يقنع زيداً بالتعامل معه تحاشياً للفضيحة و يهدده بإبلاغ أهل رباب بسفره معها و مبيته في إسرائيل . يقول الكابتن روني لزيد :" ما رأيك لو نلتقي  يوم الأحد القادم في الخامسة بعد الظهر ، أمام فندق الأميركان كولوني ؟
ــ و لكني أجبت على كل شيء ، .. و لم يبق لدي ما أقوله .
ــ حسن. أنت حر، ولكني مضطر إلى إخبار أهل رباب وتقديمكما للمحاكمة، ها .. ما رأيك ؟
ــ لا داعي لذلك ، سوف أكون في الموعد المحدد أمام الأميركان كولوني." (80)
            وينصح سالم زيداً بتوكيل المحامية فولا ويواجه زيد المحاكمة و يصدر ضده و ضد رباب حكم بالسجن مع وقف التنفيذ لمدة ثلاثة أشهر وغرامة مالية بمبلغ خمسمائة ليرة لكل منهما،(81) ويشعر زيد بالفرح ويود" لو يستطيع الصعود إلى مسلة ميدان المغتربين ، ويصيح بأعلى صوته : يا أهل رام الله، أنا زيد بن سليم الرجوان، لقد طهرت نفسي من كل رجس،وها أنا ذا بينكم من جديد،أعاهدكم على حمل همكم، ولن أضيع ثانية فاغفروا خطيئتي ، واقبلوني."(82) ولكن هل يترك روني زيداً، إنه مصر على أن يقابله زيد، وبعد رفض زيد يرسل رجال الجمارك ويتصل به تلفونياً عارضاً عليه المساعدة إذا احتاج إليها.(83)
            كما يلجأ ضباط المخابرات إلى إثارة الشبهات حول أشخاص معروفين بوطنيتهم ، فمثلا يقف ضابط المخابرات في الشارع ليصافح أحد الأشخاص ويفتح معه حواراً لا طعم له ولا رائحة ولا لون ، ويضحك عدة مرات ليوهم المارة أن علاقة ودية تربطه بهذا الإنسان ، وقد يقله بسيارته أو بسيارة عسكرية لينزله في مكان عام، له فيه كثير من المعارف، لإثارة الأقاويل والإشاعات حوله ، فقد توقفت سيارة عسكرية تقل سليمان عضو الهيئة الإدارية في المركز، ونزل "وهم يلوحون له مودعين كأنهم يودعون صديقاً حميماً. ثم انطلقت السيارة باتجاه الشارع العام. لفت هذا الحدث أنظار الموجودين ، وبدا عليهم الاستغراب ، ولم يصدقوا ما رأوا فعلقوا عليه : على المكشوف ؟! سليمان ؟!! مش ممكن سليمان اللي انتخبناه ووضعنا ثقتنا فيه !!"(84)
            وهناك روايات جعلت من قضية العميل قضيتها المركزية، ومن شخصية العميل شخصية محورية، فأبو رامي يهدد (ناجي) بتدمير حياته وتدميره داخل السجن ، وبين السجناء أنفسهم و"أحس ناجي أنه ذاهب للمجهول وأن الخطر يحيق به من كل الجوانب ، وشعر بأن النجاة بيد هذا العملاق الذي يقف أمامه .. واختلطت عليه الأوراق ، وسيطر عليه خوف العاجز ، فوجد نفسه يندفع باتجاه (أبو رامي ) قائلاً : أنا في عرضك ، ساعدني في الخروج من هذه الورطة ، فأنا لم أفعل شيئاً. "(85) و يتفقان على اللقاء يوم السبت في مدينة عسقلان، وعلى الزمن المحدد . ويتأرجح ناجي بين الذهاب وعدمه ، كان مرعوباً ، وقد استقر رأيه على أن الحل الأمثل هو النسيان، النسيان التام لكل ما حدث معه ، ولم يجد إلا المخدرات ، فهي كفيلة أن تحمله إلى عالم الخيال ، حيث يستطيع أن يبني لنفسه أحلاماً كما يحب و يشتهي ولكن هل هذا هو الحل الصحيح؟(86)
            كما ينهار وحيد أمام تهديدات ضابط المخابرات بأنه سيبقيه في الزنزانة ستة أشهر ويحكم عليه بعد ذلك بالسجن خمس سنوات فعلية. يقول وحيد :" ها أنا ذا بين أيديكم اطلبوا كل ما تريدون، وأنا على استعداد لتنفيذه فوراً." (87)
            وقد يستغل ضابط المخابرات مصالح الناس للضغط عليهم ، فهم يعطلون سفر الطلاب أو يحتجزونهم عشوائياً ويساومونهم ، ولكن الروايات لم تتعرض لمثل هذه الأمور .
إعداد العميل:
            يحاول  ضباط المخابرات تدريب عملائهم حتى يستطيعوا القيام  بدورهم بنجاح ، فهم يدربونهم على استخدام الأسلحة ، وينظمونهم ضمن مجموعات ، ويعطون لكل واحد منهم اسماً غير اسمه الحقيقي:" ويبدءون بإعطائهم محاضرات يومية حول مهامهم وسريتها،وبعد المحاضرات النظرية يدربونهم على الأسلحة بدءاً بالمسدس فالبندقية، ثم العبوة الناسفة،كيفية صنعها وزرعها، وتفجيرها عن بعد."(88) كما يدربونهم على اختطاف شخص ما ، وكيفية التحقيق معه لإجباره على الاعتراف ،وكيفية إخفاء الجريمة بمساعدتهم ، وبماذا يجيبون إذا وقعوا في الأسر ، ويطلبون منهم أن يذكروا أسماء بعض الشرفاء ضمن أسماء العملاء الذين يعترفون عليهم إذا اعترفوا .

ممارسات العملاء :
            يقوم بعض العملاء بعدة ممارسات لعل أبسطها هي عملية استراق السمع وجمع المعلومات وتوصيلها إلى ضباط المخابرات ، وهم يوقعون بزملائهم ، فزياد يخرج من السجن بعد بضعة شهور في حين حكم صلاح عشرين عاماً. (89) وقد يقوم العميل بتقديم خدمات  مقابل أجر ، فها هو أحدهم يستخرج ورقة الإحصاء لزيد ويطلب منه أن يذهب إلى دائرة الهويات للحصول على هوية.(90) وقد يصل الأمر بالعميل إلى حد ارتكاب جرائم الاغتصاب والقتل ، فقد قتل اثنان من قرية المجدل فاطمة بعد أن دنسا شرفها ولم يكتفيا بذلك بل نشرا حولها الشائعات . (91)
            لقد أعد جهاز المخابرات وحيداً ليعمل مع الجنس الآخر، فهو سيمارس الجنس معهن أو يعريهن في أضعف الأحوال لتصويرهن وهن عاريات ، ويحددون له موقع المهمة في صالون فاتن، ولا مانع في مقابل ذلك وللتغطية على نشاطاته هذه، أن يرفع الأعلام، وأن يفعل أي شيء حتى لا يشك به أحد، ويعتقد الناس أنه إنسان وطني ، على أن يسجل أسماء  المشاركين في المظاهرات.(92)        
            كما يقوم ضابط المخابرات بوضع عميل داخل زنزانة مع أحد المعتقلين لمعرفة الأسلوب الذي يهابه في التحقيق،(93) كما يطلبون منه أن يحصل على اعترافات المعتقل وإذا رفض أن يقدم تقريراً عما فعله يتهمه بالخيانة وأن المخابرات أرسلته شوكة في حلوق مجموعة  العملاء  المتواجدين في الغرفة على اعتبار أنهم وطنيون وقياديون،(94) وقد يصل الأمر بالعميل إلى حد تحذير المعتقل الجديد من غرف العار زيادة في التمويه والتضليل، وتختار إدارة السجن وحيداً لإلقاء كلمة السجناء في الاجتماع الذي تنظمه الروابط عند خروجهم من السجن، يعطيه الضابط الكلمة مكتوبة ويطلب منه أن يحفظها عن ظهر قلب.(95)             يقول ضابط المخابرات لوحيد  :" لدينا هنا أحد الصبية ، عمره يقارب الثلاثة عشر عاماً، من مخيم بلاطة ، استعملنا معه كل الأساليب التقليدية ، لكنه لم يعترف؛ مهمتك أن تذهب إلى زنزانته مع ثلاثة من زملائك ، اثنان يقيدانه ، وأنت تمارس معه الجنس ، والرابع يصوركم. "(96)
            ويقوم العملاء بعمليات اختطاف بعض الأشخاص الوطنيين والتحقيق معهم وقتلهم بعد تعذيبهم ، وحين يختطف العملاء نضال عيسى ، يحاولون الحصول على اعترافاته، و حين يفشلون ، يأمر الضابط العميل(وحيد) بقطع جهاز نضال الذكري ، وبعد قيام وحيد بذلك يقوم  الضابط بوضع إصبعيه في عيني نضال ، ويموت نضال ليعلن راديو إسرائيل أنه تم العثور على أحد المخربين (نضال عيسى ) الذي قتل أثناء إعداده عبوة ناسفة.
            أما قبل الاحتلال فقد ارتبطت الجاسوسية بالتهريب ، حيث كان أبناء محمد الزهرا وأبناء حمد الله يهربون البضائع لحساب سليمان الهراوات ويبيعونها لليهود كما يسلمون معلومات أخرى لليهود،(97) وحين يقتل طرغوت يهتم خلدون بأخذ المال من جيوبه ليوصله إل أبي فيصل مسئول المخفر وسليمان الهراوات حتى لا يتهمانه بالخيانة،(98) وفي هذا إشارة إلى أن عمليات التهريب ونقل المعلومات لليهود كانت تتم تحت حماية رسمية .
معاقبة العميل: 
            يرتبط العقاب بطبيعة التفكير عند الجماعة البشـــــــرية ، فمنهم من يرى أن الله يعاقب المخطئ، ها هو طرغوت يموت غريباً، يتركه زملاؤه لتأكله وحوش الأحراج الجائعة . (99) ومنهم من يرى أن المخطئ  يجب أن ينال عقاباً على ما يرتكبه ، فإبراهيم فوزي يحكم على اللذين اغتصبا فاطمة وقتلاها بالقتل ويأمر بنقلهما على حمار وإلقائهما في وسط البلد،(100) وقد يكتفي التنظيم بتوزيع منشور يحتوي على اعترافات العملاء .(101)
            أما في السجن فيتم التحقيق مع الشخص المشكوك في أمره ويتعرض للتعذيب ، وقد يجد بعض القائمين على التحقيق متعة كبيرة في ذلك ، حين يقترب علاء من حسن يقول الأخير :" خير إن شاء الله . فيجيبه علاء : في شغلة دسمة،" ويستطرد :" قرن كبير يحتاج إلى لجنة تحقيق على قد حالها "و بعد إحضار شاكر للتحقيق معه " ترجل شعبان وهو ينظر حوله في وجوه الأسرى القابعين على أسرتهم وهو يختال كالطاووس ، وصل إلى الزاوية ولحق به حسن ، وجلس الأربعة بشكل حلقة ، وطلب علاء من شاكر أن يعترف بكل شيء، لأنه أمام لجنة تحقيق ، وليس أمامه سوى خيارٍ واحد، وهو الاعتراف بكل شيء."(102)أما ناجي فلم يحتمل الضربة الموجهة إلى معدته، فصدرت عنه صرخة رغم قطعة القماش التي تملأ فمه، وقد استطاع السجان تمييز الصرخة فحضر الجنود وأخذوه من الخيمة وكلمة جبان  تلاحقه.(103)
            ويقرر المسئولون التنظيميون وقف مجازر أنصار 3 حتى لا تظل أرواح الناس في أيدي أناس طائشين. (104) يقول رشيد : " ألم ترى (هكذا) أناساً يحششون قبل ذلك في الانتفاضة يا حسن ...ألم تعلم أن الكثير من هؤلاء يذهبون لممارسة الجنس مع عاهرات ؟  أتعتقد أن كل هؤلاء جواسيس؟ وإذا كانوا كذلك،فإن الكثيرين من شبابنا عملاء حسب فهمكم، هل فكرتم في الضرر الذي ألحقته ممارساتكم  بأهالي القتلى والمحقق معهم . هل تعلم ماذا حصل مع أهلك يا حسن ؟ " (105) ويصل المسئولون في السجن إلى الاقتناع  بأن من  يريد تطوير الانتفاضة عليه " أن يزيد الصدام مع قطعان المستوطنين وقوات الاحتلال وليس قتل عميل هنا وتشويه عاهرة هناك. "(106) ولم يقتصر الأمر على معاقبة العملاء في السجن ، بل تعداه إلى أولئك الذين يعتقد أنهم يخرجون على طاعة التنظيم، " ولم يستطع أحد فتح فمه بعد أن تم قمع العديد من المتمردين على أوامر التنظيم والكل لابد . "(107)
            وتتكرر الأخطاء خارج السجن أيضاً،" ففي مساء أحد الأيام اجتمع حسن مع أعضاء مجموعته وقرروا القضاء على أحد العملاء في المخيم ، وتسلحت المجموعة بالهراوات والسكاكين وتوجهوا إلى البيت المعني ... تقدم حسن وطرق الباب ، فتح العميل الباب ليواجه ضربة من حسن ، تلتها ضربات وطعنات باقي أفراد المجموعة حتى سقط على الأرض صريعاً ، وانسحبوا ، كانوا يظنون أنهم قاموا بتصفيته ، لكنه لم يمت ."(108)
            و قد ارتفعت بعض الأصوات تطالب بالتأكد من ثبوت التهمة ثم تحذير العميل عدة مرات  فإن لم يتراجع فمن الواجب ردعه . ويجب الحذر من ظلم أي إنسان .(109)
والحقيقة التي لا جدال حولها أن المجتمع يسهم بصورة فعالة في إيجاد العملاء وجعلهم يستمرئون العمالة، يتم ذلك عن طريق التوجه إلى العملاء والطلب منهم أن يتوسطوا لديهم عند الاحتلال ، أو عن طريق إثارة الشائعات حول شخص ما بحيث يشعر هذا الشخص بالإحباط واليأس ويصبح فريسة سهلة لرجل المخابرات . والذي يمكن قوله أن ظاهرة العمالة لم تشكل ظاهرة بارزة بحجم بروز هذه الظاهرة في مجتمعات أخرى، ففي يوغسلافيا أصبح  10% من سكان يوغسلافيا عملاء للألمان في فترة الحرب العالمية الثانية بعد احتلال يوغسلافيا ، فهل استطاع الاحتلال أن يجند مثل هذه النسبة في مجتمعنا طيلة أكثر من ربع قرن . للإجابة عن هذا السؤال لابد من دراسة متكاملة يقوم بإنجازها مختصون في علم الاجتماع و علم النفس و الاقتصاد .
صحوة الضمير:
            قد يصحو ضمير العميل ، فيشعر بالألم لما وصل إليه حاله، فها هم أبناء محمد الزهرا وأبناء حمد الله " يشعرون بأنهم كأقذر خلق الله ، فهم أخذوا ينقلون أوراقاً أيضاً مع البقر والغنم والبضائع الأخرى. "(110) وحين يسألون عن هذا الورق يجيبون بأنهم لا يعرفون القراءة وأن الورق في مظروف مختوم  بالشمع الأحمر ، وهذا يضفي الصفة الرسمية على هذه المظاريف، أما حسان في رواية عادل عمر فيقول: " لقد فقدنا الإنسان بداخلنا، صرنا جواسيساً (هكذا) على أنفسنا، أصبحنا دمى في أيدي المخابرات ، رغم ذلك فنحن في السجن كما ترى ، بل في سجون وسجون ، أصبحنا نشك في كل شيء، نخاف من كل شيء ، من  نسمة الهواء، نرتعب من قفزة قطة ، نخاف من صوت كلب ضال في ليالينا السوداء ، صرنا حذرون(هكذا) من كل شيء ، بل مرضى بالخوف. "(111) ووحيد يرى أنه يموت موت الشقاء والتعاسة ، وأنه ينتحر ببطء .(112)
            أما في رواية هشام عبد الرازق"الشمس في ليل النقب" فتأتي صحوة ضمير العميل عندما يرى صورته في زجاج أحد المحلات  " توقف أمام واجهة زجاجية .. نظر جيداً.. أغمض عينيه وفتحهما ، راعه أن ينظر في المرآة ، الوجه الآخر ليس وجهه .. دقق النظر .. كأنه يرى شخصاً جديداً .. أجفل منه .. أفزعه الوجه الآخر الذي يعكسه الزجاج. دارت الأسئلة بدماغه، أثقلت عليه تفكيره، وتوجه نحو موقف السيارات وقد اعتراه شعور بالاشمئزاز والنفور من ذاك الوجه الآخر."(113) ونتيجة لذلك يتوجه ناجي إلى صديق طفولته ليحدثه عما يثقله ، وتبدأ رحلة التطهير ، وبعد ضرب ناجي أثناء التحقيق وعزله من قبل الإدارة يطالب بالعودة إلى زملائه، ولكن مدير السجن يرفض ذلك.(114)
            وأبو فيصل في رواية أحمد رفيق عوض "العذراء و القرية" يتعذب ، فقد جعلته رسمية يرى أفعاله القبيحة ، ويشعر أنه أقذر خلق الله على الأرض ، ويتساءل :" كيف لجاسوس أن يتطهر؟ كيف للحب أن يطهره ؟" (115) وكلما حاول البوح بسره إلى رسمية ليخلص نفسه من العذاب يتراجع لأنها تكره الذين يتعاملون مع اليهود رغم أنها أمية، (116) بينما  يعبر حمودة في رواية عبد الله تايه"الذين يبحثون عن الشمس" عن ندمه وتوبته بطريقة أكثر عنفاً ، فهو يستدرج دورية عسكرية من خلال جهاز اللاسلكي الذي تسلمه من ضابط المخابرات ، وعند وصول الدورية كان الفدائيون يحاولون القبض على حمودة  لكنه أخذ يطلق النار على الجنود فشاركوه القذف المسعور." وفجأة ارتفعت أنات حمودة .. وهتف أبو حسن .. حمودة التصق بالأرض. "(117)



مواضيع ذات صلة
شخصية العمـــيل السري الجاسوس في الرواية
جيمس بوند افلام
دانيال كريغ
افلام جيمس بوند كاملة ومترجمة
بيرس بروسنان
اسماء افلام جيمس بوند
جيمس بوند الحقيقي
افلام دانيال كريغ
جيمس بوند 007


Previous Post Next Post