ظروف العمل وشروطه

    بيئة العمل وظروفه تعتبر من المسائل الهامة في علاقة العمل، فكلما كانت هذه البيئة على قدر من التنظيم كلما انعكس ذلك بشكل ايجابي على تلك العلاقة، واذا كان احد هذه العلاقة هو العامل الذي يلتزم بالقيام بالعمل فلا بد تهيئة البيئة الصالحة والظروف المواتية لذلك، لذا نجد ان المشرع الفلسطيني على غرار التشريعات الاخرى قد وضع مجموعة من الشروط المتعلقة بتحسين هذه البيئة وضمان سلامة ظروفها بما يكفل ضمان سلامة العامل الصحية والنفسية، وبما يؤهله للقيام بالعمل على النحو المرغوب فيه، وذلك في مواد الباب الخامس منه تحت عنوان ظروف العمل وشروطه.
    وفي سبيل ذلك ضمن قانون العمل الفلسطيني القواعد المتعلقة بتنظيم وتحديد ساعات العمل وإجازاته، وكذلك نظم القواعد المتعلقة بالسلامة الصحية للعامل.

المطلب الأول: تنظيم ساعات العمل والإجازات

    الفقرة الأولى: تحديد ساعات العمل

اولا: العلة من تحديد ساعات العمل

لعل من الاهم الاسباب الدافعة الى التدخل التشريعي بشأن تحديد ساعات يرجع مرده لما يلي:

1- ان العمل المستمر والمتواصل يتنافي مع طبيعة الانسان وحاجته للراحة مما تنعكس بشكل  سلبي على العملية الانتاج، فكلما طالت ساعات العمل كلما قلت القدرة على الانتاج.

2- تحديد ساعات العمل يعمل على الحد من ظاهرة البطالة حيث يتم استيعاب عدد اكبر من العمال.

3- احتمال التعرض لإصابات العمل أو الاضرار الصحية اكبر في العمل المتواصل عنه في العمل الذي تتخلله فترات من الراحة.

4- عدم ارهاق العامل بما يؤثر على قدرته على مواصلة العمل بشكل فعال، واستعادة قدرته الذهنية والجسمانية لذلك.

ثانياً: عدد ساعات العمل اليومي 

حدد المشرع الفلسطيني ساعات العمل بشكل اسبوعي لا يومي، فقد نصت المادة 68 منه على أنه ” ساعات العمل الفعلي في الأسبوع خمس وأربعون ساعة“.

    كما نصت المادة (71)  على انه ”لا يجوز لطرفي الإنتاج الاتفاق على ساعات عمل إضافية اثنتي عشرة ساعة في الأسبوع“.
    يدفع للعامل أجر ساعة ونصف عن كل ساعة إضافية.

وعليه تتحدد ساعات العمل في 45 ساعة بشكل اسبوعي علي اعتبار ان الاسبوع ستة ايام لضرورة توافر يوم راحة اسبوعي كما سيأتى لاحقا، كما يمكن الاتفاق على ساعات عمل اضافية لا يزيد مقدارها عن 12 ساعة اسبوعيا أي بواقع 2 ساعة يوميا على ان يكون الحد الادنى لأجر الساعة الاضافية معادلا وزيادة النص لسعر الساعة العادية.

ولكن ما نود التنبيه اليه ان هذه الساعات تشمل العمل الفعلي فقط وبالتالي يخرج عنها ما يستغرقه العامل من وقت في الذهاب والإياب لمكان العمل او في تغير ملابسه وغير ذلك من الوقت الذي يستغرقه العامل للاستعداد للعمل او عند الانتهاء منه.

كما نظمت المادة (69) ساعات العمل في الاعمال الخطرة والشاقة أو الاعمال الليلية بنصها ”تخفض ساعات العمل اليومي بما لا يقل عن ساعة واحدة في الأعمال الخطرة أو الضارة بالصحة والأعمال الليلية، وتحدد هذه الأعمال بقرار من الوزير بعد استشارة المنظمات المعنية لأصحاب العمل والعمال“.

ثالثاً: الراحة اليومية والأسبوعية

    تضمنت  المادة 70 من قانون العمل الراحة اليومية للعامل بنصها ”يجب أن تتخلل ساعات العملي اليومي فترة أو أكثر لراحة العامل لا تزيد في مجموعها عن ساعة مع مراعاة ألا يعمل العامل أكثر من خمس ساعات متصلة.
    كما نصت المادة 72 على انه للعامل الحق في راحة أسبوعية مدفوعة الأجر لا تقل عن 24 ساعة متتالية، و يجوز بناء على اتفاق طرفي الإنتاج تجميعها مرة واحدة في الشهر.
    وتعتبر الراحة الأسبوعية من ايام العمل وبالتالي تحتسب ضمن مدة العقد كما تكون مدفوعة الأجر، ويمكن أن تكون الراحة الاسبوعية بشكل متتالي بمعنى أن كل اسبوع يتمتع العامل بيوم راحة اذا عمل العامل ستة أيام متصلة قبلها، كما يمكن الاتفاق على جمعها بشكل شهري اذا كانت طبيعة العمل تتطلب ذلك، ولكن يخصم من ذلك نسبة الأيام التي تغيبها العامل عن العمل.
    وقد حددت المادة (73) يوم الجمعة باعتباره يوم الراحة الأسبوعية إلا إذا كانت مصلحة العمل تقتضي تحديد يوم أخر، كمن يعمل في الاستيراد والتصدير مع دول تكون يوم اجازتها يوم اخر غير يوم الجمعة فسيتم بطبيعة الحال وقف العمل في هذا اليوم وهو ما يمكن ان يضر بمصلحة العمل، فلا بأس أن يتم تحديد يوم الراحة الاسبوعية لهذه الدول كيوم راحة اسبوعية للعامل هنا.

الفقرة الثانية : الاجازات

    قد تلم بالعامل مجموعة مختلفة من الاسباب والعوامل التي تدفعه للانقطاع عن العمل فترة زمنية محددة، كما ان الاخذ بعين الاعتبار بالبعد الاجتماعي لقواعد قانون العمل ضرورة انقطاع العمل بمناسبة ظروف او مناسبات عامة او خاصة بالعامل، كما ان حق العامل في التمتع بحياته الخاصة او رعايته لشئون هذه الحياة قد تتطلب ايضا انقطاعه عن العمل لفترة معينة.
    لكل ما سبق قام المشرع الفلسطيني بتنظيم انواع مختلفة من الاجازات تستجيب لحاجيات العامل وظروفه ضمن مواد الفصل الثاني من الباب الخامس منه.
    وسنتعرض لهذه الاجازات وطبيعتها ومدتها على التوالي.

أولا: الاجازة السنوية

    نصت المادة (74) من قانون العمل على أنه ”يستحق العامل إجازة سنوية مدفوعة الأجر مدتها أسبوعان عن كل سنة في العمل، وثلاثة أسابيع للعامل في الأعمال الخطرة أو الضارة بالصحة ولمن أمضى خمس سنوات في المنشأة.
    لا يجوز للعامل التنازل عن الإجازة السنوية.
    بناء على اتفاق طرفي الانتاج يجوز تجزئة الإجازة السنوية.
    لا يجوز تجميع الإجازات السنوية لأكثر من سنتين.
    وعليه تتحدد طبيعة الاجازة السنوية بحسبانها ضمن مدة العمل وكونها مدفوعة الاجر، اما مدتها فهي اسبوعان في الاعمال العادية لمن مضي في العمل أقل من خمسة سنوات، اما اذا كان العمل يدخل ضمن الاعمال الخطرة او الضارة بالصحة أو كانت مدة عمله تزيد عن خمسة سنوات فتكون مدة اجازته ثلاثة اسابيع.
    ويلاحظ هنا ان المشرع الفلسطيني لم يتدرج في مقدار مدة الاجازة السنوية كغيره من التشريعات الاخرى إلا لمن امضى خمس سنوات فما فوق مها بلغت هذه المدة، فمثلا يعطي المشرع المصرى لمن امضي ما يزيد عن عشرة سنوات شهر اجازة كامل.
    ولكن ما يحمد للمشرع الفلسطيني انه لم يجز التنازل عن الاجازة السنوية وبالتالي اذا تنازل العامل عن هذه الاجازة فيقع باطلا تنازله عنها، ولكن لا نرى بطلان –رغم سكوت المشرع - عدم التمتع بهذه الاجازة اذا ارتضى العامل اخذ بدل مالي عنها واستمر في العمل باجره المتفق عليه.

يتبع... الاجازة السنوية

    كما يجوز تجزئة الاجازة السنوية وفقا لنص المادة المذكورة ، كما يمكن أن تكون دفعة واحدة، فهناك بعض الاعمال تتطلب ضرورة توافر العمل بين الفينة والأخرى وبالتالي يمكن تجزئة الاجازة السنوية على عدة مراحل اذا اتفق العامل مع رب العمل على ذلك.
    علما بأن الاجازة الخاصة بالحدث لا يمكن باي حال من الاحوال تأجيلها لأي سبب او مدد وهو امر تعرضنا له عند الحديث عن الاحكام الخاصة بتشغيل الاحداث.
    ومن بين مزايا ما قرره المشرع الفلسطيني فيما يتعلق بالإجازة السنوية هو عدم امكانية تجميعها لأكثر من عامين متتاليين، وذلك بغية اعطاء العامل فترة من الراحة واستعادة القوى والعزم على مواصلة العمل بشكل افضل وبما لا يتعارض مع طبيعته الانسانية.
    ولم يتعرض قانون العمل الفلسطيني بحالة قيام العامل بالعمل لدى رب عمل اخر اثناء فترة الاجازة السنوية، في حين نجد ان المشرع المصري لم يأخذ بجواز ذلك بل اعطي رب العمل الحق في دفع اجرة هذه الاجازة او استرداد قيمتها ان كان قد قام بدفعها.
    ويترتب على عدم التزام رب العمل منح العامل الاجازة السنوية تعريضه للعقوبات المنصوص عليه في المادة (131) والتي تنص ”يعاقب صاحب العمل على مخالفة أي من من أحكام الفصل الأول والثاني من الباب الخامس وأي نظام صادر بمقتضاه بغرامة لا تقل عن (100) دينار ولا تزيد على (300) دينار، وتتعدد العقوبة بتعدد المخالفات وتضاعف في حالة التكرار“.
    

ثانياً: اجازة الاعياد الدينية والمناسبات الرسمية

    نظمت المادة (75) من قانون العمل حق العامل في الاجازة ايام الاعياد الدينية والرسمية، وهو متطلب اجتماعي لا بد من الاخذ به، اذ لا يعقل ان ينعم الاخرون بهذه المناسبات في حين يقضيها العامل بين ثنايا العناء والمشقة وبذلك الجهد، وعليه نصت المادة المذكورة ”للعامل الحق في إجازة مدفوعة الأجر في الأعياد الدينية والرسمية لا تحتسب من الإجازات السنوية“.
    وغنى عن البيان ان هذه الاجازة تحتسب ضمن مدة عقد العمل وتكون مدفوعة الاجر ولا تخصم من اجازة العامل السنوية.

ثالثاً: الاجازة الثقافية

    تنص المادة 76 للعامل الحق في إجازة ثقافية عمالية مدفوعة الاجر، مدتها أسبوع في السنة الواحدة، وتنظم بقرار من الوزير.
    وتعتبر هذه الاجازة قائمة بذاتها ولا تدخل ضمن الاجازات الاخرى وتحتسب ضمن مدة العقد وتكون مدفوعة الاجر.
    والحقيقة ان هذه الاجازة لا يتم الالتفات اليها او اقرارها في الواقع العملي في سوق العمل الفلسطيني، رغم ثبوت حق العامل في المطالبة بها. وهو امر ينذر وجوده.

رابعا: اجازة اداء مناسك الحج والعمرة

      قررت المادة 77 من قانون العمل منح العامل الذي امضى في العمل خمس سنوات اجازة مدفوعة الاجر مدتها لا تقل عن اسبوعين وتحتسب ضمن مدة العقد بنصها ”يسحق العامل الذي امضى خمس سنوات في المنشأة إجازة الأجر لا تقل عن أسبوعين لأداء فريضة الحج تمنح له لمرة واحدة“.
    ولا فرق بين العامل المسلم المؤدي لهذه المناسك عن غيره من معتنقي الديانات الاخرى في التمتع بهذه الاجازة على غير ما يرى بعض الفقه الذي يقصر الحق في هذه الاجازة على المسلمين فقط.
    فالنص يشير الى العامل لا الى الديانة، وان كانت هذه المناسك مقصورة على المسلمين فان لغير المسلمين مناسكهم التي قد يرغبون في تأديتها في امكان قدسيتهم مثل المسيحيون وأداء مناسكهم في بيت المقدس وكنيسة القيامة.

خامساً: الاجازة الطارئة

    قد تلم بالعامل ظروف طارئة تقعده عن العمل، وقد اخد المشرع الفلسطيني بمثل ذلك بأن نصت المادة (78) من قانون العمل ”يستحق العامل إجازة مدفوعة الأجر لمدة ثلاثة أيام في حال وفاة أحد أقاربه حتى الدرجة الثانية غير محتسبه من إجازته السنوية.
    يجوز للعامل التغيب عن العمل لسبب عارض مثبت لمدة عشرة أيام في السنة، تحتسب من الإجازة السنوية على أن لا تتجاوز المدة ثلاثة أيام متتالية في المرة الواحدة.
    وعليه يجب التفريق بين الاجازة العارضة بسبب وفاة احد الاقارب من الدرجة الثانية والتي تدخل ضمن مدة العقد وتكون مدفوعة الاجر.
    وبين الاجازة الطارئة التي تعود لأسباب اخرى فإنها تخصم من الاجازة السنوية للعامل أو تكون غير مدفوعة الاجر وان كانت تدخل ضمن مدة العقد، شريطة الا تستمر هذه الاجازة العارضة ثلاث ايام متتالية او عشرة ايام متقطعة في السنة، هذا ان تغيب العامل عن العمل دون علم رب العمل.
    اما اذا اعتذر العامل وقبل رب العمل عذره فنحن نكون امام اجازة مفتوحة مهما بلغت مدتها وتكون غير مدفوعة الاجر

سادساً: الاجازة المرضية

       يستحق العامل اجازة مرضية سواء كانت علة المرض مصدرها العمل او أي سبب اخر مدفوعة الاجر مدتها 14 يوم خلال العام الواحد وان طال المرض بعد هذه المدة فيتمتع العامل بإجازة لمدة اخرى 14 يوم مدفوعة نص الاجر، وان طالت مدة المرض بعد ذلك فلا يستحق العامل أي اجر عن أي يوم يقعده عن العمل بسبب المرض.
    وفي هذا تنص المادة 79 من قانون العمل ”بناء على تقرير من اللجنة الطبية يستحق العامل إجازة مرضية مدفوعة الأجر خلال السنة الواحدة مدتها أربعة عشرة يوماً، وبنصف الأجر لمدة أربعة عشرة يوماً أخرى“.

المطلب الثاني : الرعاية الصحية

    يعتبر العمل بغض النظر عن طبيعته زمانه ومكانه وظروفه من الامور التي قد تكون مصدرا او سببا لمرض ما، لكن الاخذ بالاحتياطات اللازمة لتجنب ذلك عساه ان يخفف من وطأة الامراض التي قد تنشأ أو يخفف من احتمال حدوثها.
    وفي سبيل تحقق هذه الغاية تضمنت مواد الفصل الرابع من الباب الخامس عوامل السلامة والصحة المهنية.
    فنصت المادة 90 بناء على اقتراح الوزير بالتنسيق مع جهات الاختصاص يصدر مجلس الوزراء الأنظمة الخاصة بالصحة والسلامة المهنية وبيئة العمل متضمنة بصفة خاصة ما يلي:
    وسائل الحماية الشخصية والوقاية للعاملين من أخطار العمل وأمراض المهنة.
    الشروط الصحية اللازمة في أماكن العمل.
    وسائل الإسعاف الطبي للعمال في المنشأة.
    الفحص الطبي الدوري للعمال.
    في حين نصت المادة  (91)  وفقاً لأحكام  هذا القانون والأنظمة الصادرة بمقتضاه تصدر المنشأة التعليمات الخاصة بالسلامة والصحة المهنية ولائحة الجزاءات الخاصة بها مصدقة من الوزارة، و تعلق هذه التعليمات في أماكن ظاهرة في المنشأة.
     كما نصت المادة (92) لا يجوز لأية منشأة تحميل العامل أية نفقات أو اقتطاعات من اجره لقاء توفير شروط السلامة والصحة المهنية.
    والحقيقة ان ترك الامر للقواعد القانونية الفرعية او التنظيمية والتي تصدر عن مجلس الوزراء لتنظيم هذه المسائل الهامة ضمن جوانب العمل امر غير مستساغ، وكان الاولى بالمشرع الفلسطيني ان ينظم هذه الجوانب ضمن قواعد قانون العمل باعتباره تشريعا عاديا يتمتع بقوة ودرجة اعلى من التشريع الفرعي او التنظيمي.
    كما يعاب على هذه النصوص عدم تناولها مسألة التأمين الصحي لقطاع العمالة، او تحديد اجهزة او جهات لمتابعة اصابات العمل والإمراض الناجمة عنه.



ظروف العمل في المؤسسة
ظروف العمل
معنى الفيزيقية
ظروف العمل داخل المؤسسة
البيئة الفيزيقية
العوامل المؤثرة في بيئة العمل
عناصر بيئة العمل الداخلية
مفهوم بيئة العمل

Previous Post Next Post