النقل متعدد الوسائط
أحد مكونات سلسلة الإمداد العالمية
أولاً: تعريف النقل متعدد الوسائط
تولت اتفاقية النقل متعدد الوسائط للبضائع بين الدول العربية في مادتها الثانية تعريف النقل متعدد الوسائط بأنه: "نقل بضاعة بين دولتين عربيتين باستخدام واسطتي نقل مختلفين أو أكثر، بعقد نقل واحد، ووثيقة نقل واحدة، وتحت مسئولية شخص واحد (متعهد النقل)، من نقطة استلامه البضاعة من المرسل حتى تسليمها إلى المرسل إليه."*
الشرط الأول:
أن يتم النقل بإستخدام واسطتى نقل مختلفتين على الأقل، كأن تكون بحرية وسكك حديدية، أو بحرية وجوية، أو طرق برية وجوية على سبيل المثال.
الشرط الثانى:
أن يكون النقل دولياً أى بين مكانين يقعان فى بلدين عربيتين مختلفتين.
ويرى وفد المملكة العربية السعودية إلى الجامعة العربية أن النقل متعدد الوسائط ليس حكراً على النقل الدولي فبالامكان إبرام عقد داخل أراض دولة معينة لنقل بضاعة يتطلب نقلها تعدد وسائط النقل من نقطة إلى أخرى في ذات الدولة وبالتالي فإن النقل متعدد الوسائط تحكمه ثلاثة عوامل هي :
1- النقل بواسطتين مختلفتين على الأقل.
2- عقد نقل واحد.
3- متعهد نقل واحد.
فإذا كان النقل :
1- بين دولتين أو أكثر سمي بنقل متعدد الوسائط الدولي وبالتالي يخضع للاتفاقيات الدولية أو الإقليمية أو الثنائية .
2- بين نقطتين في داخل أراضي دولة واحدة سمي بالنقل المتعدد الوسائط الوطني وبالتالي يخضع للتشريع الوطني في الدولة المعنية .
الشرط الثالث:
وجود عقد نقل واحد يغطى كافة مراحل النقل يتضمن مسئولية متعهد النقل متعدد الوسائط عن البضاعة خلال مراحل النقل جميعها، ويُسأل فى مواجهة أصحاب البضاعةلما قد يصيبها من هلاك أو تلف أو تأخير فى تسليمها ويتقاضى هذا المتعهد أجرة نقل شاملة تغطى كافة مراحل نقل البضاعة.
وقد يعتقد البعض حتمية نقل البضاعة بحراً لكى يكون هناك نقل دولى متعدد الوسائط غير أن ذلك ليس بشرط.
وخلاصة القول أن جوهر النقل الدولى متعدد الوسائط ينطوى على قيام شخص يسمى متعهد النقل متعدد الوسائط إبرام عقد نقل دولى للبضائع من مكان ما فى بلد ما يأخذ فيه البضائع فى حراسته، إلى المكان المحدد للتسليم فى بلد آخر، ويتولى تنفيذ النقل مقابل أجرة شاملة، بإستخدام واسطتين مختلفتين على الأقل من وسائط النقل، ويتصرف بصفته أصيلاً ويتحمل مسئولية تنفيذ العقد فى مواجهة أصحاب البضاعة، بموجب مستند واحد يحدد شروط النقل بكافة مراحل يسمى وثيقة النقل متعدد الوسائط.
ثانياً: ماذا يعنى النقل متعدد الوسائط من منظور التطبيق العملى:
الشاحن أو مرسل البضاعة هونقطة البداية، فهويتقدم إبتداء "يطلب شحن" إلى متعهد النقل متعدد الوسائط الذى غالبًا مايكون مرحل
البضائع FreightForwarder ليتولى نقل البضاعة المبينة فى طلب الشحن من مكان القيام إلى مكان الوصول المسميين فى نفس طلب الشحن.
فإذا قبل متعهد النقل أو مرحل البضاعة طلب الشحن، إنعقد مباشرة عقد النقل متعدد الوسائط وعلى كل من طرفى هذا العقد البدء فى تنفيذ إلتزاماته بموجب ماورد فيه من شروط.
فيتولى مرسل البضاعة تسليمها إلى مرحل البضائع، ومن ثَم ينفض يديه مما يستتبع هذه الخطوة من إجراءات تتعلق بتسفير البضاعة إلى مقصدها النهائى. فلا يهم المرسل ماهية وسائط النقل التى سوف يقع عليها الإختيار لنقل البضاعة وهل ستكون برًا، أو بحرًا، أو جوًا. ولا يهمه من قريب أو بعيد مسارات النقل أو وسائل النقل أو معدات أو أدوات تداول البضاعة، ولا طبيعة ومحتوى العقود التى يبرمها مرحل البضائع مع الناقلين من الباطن، أوعقود الشحن والتفريغ ومتابعة تنفيذها، كذلك قد لا يشغل فكر المرسل عمليات الترانزيت أو التخزين التى قد تحدث أثناء مشوار البضاعة إلى وجهتها النهائية، ولا ما قد يجريه مرحل البضائع من عقود الناقلين وغيرها.
المهم أنه قد أزيح عن عاتق المرسل كافة الإجراءات التى إعتاد القيام بها وتحمل أعبائها الثقيلة فى ظل النقل المجزأ أوالنقل أحادى الواسطة. فما على المرسل حاليًا إلا أن يصدر تعليماته كتابة إلى مرحل البضائع موضحًا كافة البيانات المطلوبة لنقل البضاعة وتسليمها إلى المرسل إليه سلمه فى المكان المتفق عليه وفى الوقت المضبوط.
فإذا إنتقلنا إلى جانب مرحل البضائع بصفته متعهدًا للنقل المتعدد الوسائط، فإن صورته الكاملة فى عقد النقل متعدد الوسائط تتبلور مما يأتى:
1- أن عليه إستخدام واسطتى نقل على الأقل لنقل البضاعة. ووسائط النقل عمومًا تحصر فى : "البحرى - الجوى- الطرقى- السككى – النهرى – الأنابيب".
2- مرحل بضائع واحد يتولى تنظيم وتنفيذ إجمالى عملية النقل ويتصرف بصفته أصلاً – لا بالوكالة ولا بالنيابة عن أحد – ويتحمل مسئولية تنفيذ عقد النقل متعدد الوسائط برمته فى مواجهة أصحاب البضاعة.
3- مستند نقل واحد يصدره مرحل البضائع، إلى المرسل ويثبت فيه شروط عقد النقل بكافة مراحله ويسمى "سند الشحن للنقل متعدد الوسائط"، على غرار (FIATA FEL) و(BIMCO B/L) أو "وثيقة النقل" كما تنص عليه اتفاقية النقل متعدد الوسائط للبضائع عن الدول العربية.
4- أن يبرم مرحل البضائع مع المرسل عقد واحد للنقل متعدد الوسائط منذ لحظة صدور موافقة المرحل على إيجاب المرسل المتمثل فى "طلب الشحن" ويغطى هذا العقد كافة مراحل نقل البضاعة من الباب إلى الباب.
5- أن يتولى تنفيذ عمليات النقل متعدد الوسائط مقابل أجرة إجمالية شاملة عن كل مراحل رحلة البضاعة من الباب إلى الباب.
6- أن يجرى التأمين على المسئولية على أن يغطى كافة مراحل رحلة البضاعة من الباب إلى الباب.
ومن المهم الإشارة عند هذه النقطة إلى ثلاث مبادئ رئيسية يتميز بها النقل متعدد الوسائط.
1- أن النقل متعدد الوسائط يقتصر على نقل البضائع (الحاويات) دون أن يشمل نقل لأشخاص أو المسافرين.
2- أن النقل متعدد الوسائط بطبيعته دولى أى يقع بين دولتين مختلفتين حتى ولو لم تذكر كلمة دولى فى العنوان. ومن ثَم فلا يوجد واقعًا وقانونًا، ما يمكن أن يُسمى بالنقل متعدد الوسائط الوطنى أو الداخلى أى فى دولة واحده.
3- أن لا يشترط بالضرورة أن يشتمل النقل متعدد الوسائط على رحلة بحرية، كما هو الحال فيما تشترطه "قواعد روتردام 2008"، وأن هذا الشرط قد ورد فى هذه القواعد بإعتبارها أصلاً اتفاقية لتنظيم أحكام النقل البحرى كليًا أو جزئيًا.[1]
4- يشترط لكى يأتى النقل المتعدد الوسائط أُكُلـَهُ، وأن يحقق غايته فى إختصار زمن الرحله، وخفض تكلفتها الإجمالية، وتقديم خدمة متميزة للعميل فى المكان المتفق عليه، وفى الوقت المضبوط، فإنه يتعين إنضمام الدول صاحبة الشأن إلى مجموعة من الإتفاقيات الداعمة لضمان سهولة إنسيابية حركة البضاعة بلا عوائق أو موانع خاصة عبر الحدود المشتركة للدولة والنقاط الجمركية التى تمر عليها البضاعة، وإلا فقد النقل متعدد الوسائط أهم مميزاته وضاعت الأغراض الإقتصادية والتجارية المنتظره.
ثالثاً: جوهر وبنيان النقل متعدد الوسائط:
يتضح مما سبق أن النقل متعدد الوسائط ليس مجرد عملية نقل بضائع بواسطة مجموعة من وسائل النقل المختلفة على غرار النقل المجزأ أو النقل أحادى الواسطة حيث تستقل كل وسيلة نقل بإجراءاتها وبالقائمين عليها وبعقودها ونولونها وتأمينها أى أن كل واسطة نقل مستقلة عن ما يسبقها أو يتبعها من وسائط نقل أخرى للبضاعة.
والنقل متعدد الوسائط فى واقع الأمر، هوفكرة (Concept) مستحدثة، تتمثل فى أنه نظام متكامل للنقل الدولى للبضائع (أساسًا الحاويات)، يخضع لنظام قانونى خاص ومحدد إبتداءً، ويعمل بالتآزر والتناغم مع خدمات القيمة المضافة المتمثلة فى فن وعلم اللوجستيات وفى إدارة سلسلة الإمداد للعملاء، لتحقيق هدف مباشر هو أداء خدمة النقل من الباب إلى الباب، بصورة متميزة بأسعار أقل ومع إختصار زمن رحلة البضاعة وتوصيلها فى الوقت المضبوط، وكذلك تحقيق هدف آخر إستراتيجيى دولى هو تيسيير التوسع المنتظم المستدام للتجارة العالمية، وتحقيق قدرة المصدرين على البيع المباشر فى الأسواق عبر البحار، طبقًا لمخطط بالغ الدقة يوائم بين العناصر الثلاثة: الإنتاج والمبيعات والتوزيع، وتعتمد على قاعدة بيانات وافية مع فيض مستمر من المعلومات (EDI).
إذن، فالنقل متعدد الوسائط فى أساسه هو نظام مادى للنقل، يحكمه نظام قانونى خاص وتتآزر معه خدمات اللوجستيات وسلسلة الإمداد.
أما عن النظام المادى للنقل فهو ليس بجديد، بل مارسه الإنسان منذ أزمنة بعيدة.
وأما النظام القانونى فهوالجديد، إذ أرسيت دعائمه خلال النصف الثاني من القرن الماضي من خلال محاولات عديدة لهيئات دولية مختلفة، وكان أهمها إصدار إتفاقية الأمم المتحدة للنقل الدولى متعدد الوسائط للبضائع لسنة1980[2]، ثم سارت من بعد ذلك على نفس المنوال عدة اتفاقيات اقليمية للنقل متعدد الوسائط لعل أهمها هي اتفاقية النقل متعدد الوسائط للبضائع بين الدول العربية.
وأما عن تآزر القيمة المضافة المتمثلة فى علم وفن اللوجستيات وإدارة سلسلة الإمداد للعملاء، فهى الداعمة الرئيسية التى تمكن النقل الدولى متعدد الوسائط من أداء وظيفته المثلى وهى أيضًا من الإبداعات الحديثة للفكر الإنسانى.
هذا فى شأن النقل متعدد الوسائط ذاته، أما فيما يتعلق بالمتعهد بهذا النوع من النقل، فإن دوره لم يُعد مماثلاً للدور التقليدى للناقل البحرى البرى ينحصر فى تنفيذ عملية النقل ذاتها من الميناء إلى الميناء فحسب، ذلك أن متعهد النقل متعدد الوسائط فى صورته الحديثة مثل مرحل البضائع ليس مجرد ناقل عادى، ولكنه يتقلد بالإضافة إلى عمليات النقل المكلف بها، وظائف أخرى لصالح عميله من أهمها أداء خدمات اللوجستيات وإدارة سلاسل إمداد العملاء بدءًا من خط الإنتاج إلى المخازن إلى مخارج تجارة القطاعى، مع الإعتماد بكثافة على نظام تبادل البيانات إلكترونيًا (EDI) لمراقبة المخزون ومتابعة عمليات الإمداد والتوزيع، وإستلام تعليمات العملاء وتقضى أخبار البضائع على إتساع العالم.
وهكذا يكون مرحل البضائع قد زاد إقترابًا من عميله، فيتولى تلقى طلبات النقل الخاصة به وتحليل حاجاته اللوجستية، لكى يصمم مخططًا متكاملاً يلبى تلك الحاجات، ثم يتولى تنفيذ هذا المخطط من خلال النقل متعدد الوسائط متحملاً كامل المسئولية عن سلامة توصيل البضاعة إلى مكان الوصول فى الوقت المضبوط.
رابعاً: المحاولات التشريعية الدولية لتنظيم أحكام النقل متعدد الوسائط:
بكل أسف فإن الحالة الراهنة للتشريع الدولى المنظم للنقل متعدد الوسائط، لا تتمشى ولا تليق بما وصل إليه هذا النقل من تقدم فى كافة المجالات الفنية وتكنولوجيا وسائل النقل وأساليب الإدارة والتشغيل واللوجستيات وإنتشار إستخدام الحاويات فإن عالم التجارة والنقل لايزال خاليًا من أى قواعد دولية آمره تنظم النقل متعدد الوسائط، اللهم إلا من بعض القواعد القانونية إختيارية التطبيق التى تعالج بعض جوانب النقل متعدد الوسائط مثل قواعد UNCTAD- ICC بشأن وثائق النقل متعدد الوسائط.
إلا أنه فى مقابل هذا التخلف فى التشريع الدولى، حدثت طفرة مشهودة فى مجال إبرام إتفاقيات إقليمية. فها هى إتفاقية النقل متعدد الوسائط بين الدول العربية[3] أصبحت سارية المفعول بانضمام (4) دول هي ( السعودية ، والأردن ، وسوريا، والإمارات العربية المتحدة ) وبدأ نفاذها اعتباراً من 11/8/2011م.
وتوجد إتفاقية إقليمية أخرى يعدها حاليًا الإتحاد الأوروبى بالإضافة إلى اتفاقيتي مجموعة دول الميركوسول فى أمريكا اللاتينية ومجموعة دول الآسيان فى آسيا.
أما على المستوى الوطنى للدول فهناك عدد محدود جداً من الدول التي اعدت قوانين خاصة لتنظيم أحكام النقل متعدد الوسائط ومن بينها تونس والهند.
إذن، فالواقع الماثل أمامنا يدعو بكل إلحاح إلى ضرورة التنسيق بين هذه الإتفاقيات الإقليمية والقوانين الوطنية وتوحيد مضمونها للخروج بمشروع اتفاقية دولية تهدف إلى توحيد أحكام النقل متعدد الوسائط.
ولقد جرت خلال النصف الثانى من القرن الماضى عدة محاولات لوضع تنظيم دولى للنقل متعدد الوسائط بعضها جاء بصورة مباشرة وبعضها الآخر جاء بصورة غير مباشرة.
أما عن المحاولات لوضع تشريع دولى للنقل المتتابع بصورة مباشرة، فكانت أولاها ما قام به "المعهد الدولى لتوحيد قواعد القانون الخاص" عام 1965، من محاولة لإعداد مشروع اتفاقية بقواعد المسئولية الخاصة بالنقل الدولى المتتابع. وبنيت قواعد هذه الإتفاقية على أساس أحكام اتفاقية النقل الدولى للبضائع بطريق البر (CMR).
وثانى هذه المحاولات عام 1969 عندما فرغت "اللجنة البحرية الدولية" (CMI) من إعداد إتفاقية أخرى بشأن "مستند النقل الدولى للبضائع". وقد بنيت أحكامها على أساس معاهدة بروكسل لسندات الشحن لسنة 1924. وعرفت هذه الإتفاقية حينئذ بإسم "قواعد طوكيو".
أما ثالث هذه المحاولات فهى ما قام به "المعهد الدولى لتوحيد قواعد القانون الخاص" بالإشتراك مع اللجنة البحرية الدولية (CMI) سنة 1970، بغرض توحيد المشروعين السابقين فى نص واحد أطلق عليه إسم"مشروع روما". غير أن اللجنة الإقتصادية لأوروبا (ECE) بالإشتراك مع منظمة (IMO) قامتا بتنقيح "مشروع روما بما يتمشى مع قرارات المؤتمر الدولى للحاويات
سنة 1972، ومن ثَم خرج إلى الوجود "مشروع اتفاقية النقل الدولى المشترك للبضائع" (TCM Convention) سنة 1972.
وكانت رابع هذه المحاولات "القواعد الموحدة بشأن وثيقة النقل المشترك" التى أصدرتها غرفة التجارة الدولية (ICC) عام 1975، وقد بنيت على أساس مفهوم النقل المتعدد الوسائط تمامًا.
وخامسًا جاءت أهم وأشمل وأكثر هذه المحاولات توازنًا وكمالا اتفاقية الأمم المتحدة للنقل الدولى متعدد الوسائط من خلال 1980، التى لم تدخل حتى الآن إلى حيز النفاذ، ولا ينتظر لها ذلك فى المستقبل، إلا أنها تعبر بما تحويه من أحكام عن ضمير الجماعة الدولية مستقلة فى هيئة الأمم المتحدة. أما عن عدم دخول الإتفاقية فى حيز النفاذ فهولأسباب خاصة بملاك السفن وشركات النقل العملاقة ومشعلى النقل متعدد الوسائط. حيث أن أحكامها خاصة ما تعلق منها بمسئولية الناقل لم توافق هواهم، فباشروا ضغطهم على حكوماتهم من أجل عدم التصديق على الإتفاقية.
أما سادسًا وأخيرًا وبعد إتضاح الرؤية بأن اتفاقية سنة 1980 تواجه صعوبة فى إستكمال النصاب القانونى اللازم لدخولها حيز النفاذ (30صوتًا)، لذلك فقد إشتركت منظمة UNCTADمع غرفة التجارة الدولية (ICC) فى وضع قواعد إختيارية جديدة تصبغ الخطوط الأساسية لوثيقة نموذجية للنقل متعدد الوسائط على أساس أحكام معاهدة بروكسل لسندات الشحن لسنة 1945 وبروتوكول تعديلها لسنة 1968 وكذا
قواعد (ICC) لسنة 1975. وتُعد أحكام هذه القواعد هى الأكثر شيوعًا فى التطبيق العملى ولذلك سوف نعود بالشرح لها مرة أخرى.
أما عن المحاولات التى جرت بصورة غير مباشرة لتنظيم النقل متعدد الوسائط فيمكن التعرف عليها من خلال فحص إتفاقيات النقل أُحادى الواسطة على النحو التالى:
1- المعاهدة الدولية الخاصة بتوحيد بعض القواعد المتعلقة بسندات الشحن لسنة 1924 والمعدله ببروتوكول لسنة 1968.
لم تتعرض نصوصها لأى محاولة لتنظيم النقل متعدد الوسائط فى صلبها لسبب بسيط وهوأن نطاق تطبيق المعاهدة بين شحن البضاعة على السفينة وبين تفريغها منها أوكما أصطلح على تسميته (From Tackle to tackle) من الشبكة إلى الشبكة. فلا يوجد أى مجال يسمح بإدخال رحلات بوسائط أخرى قبل أوبعد الرحلة البحرية.
2- إتفاقية الأمم المتحدة لنقل البضائع بحرًا لسنة1978(قواعد هامبورج).
وسعت هذه الإتفاقية من نطاق تطبيق أحكامها لتكون "فى ميناء الشحن وأثناء النقل وفى ميناء التفريغ". ولم تفصح صراحةٍ نصوص قواعد هامبورج عن إمكان دخول أحكامها (م 10، وم 11) وطبقًا لنص (م1 فقرة 6)، فإنه إذا إشتمل عقد النقل على نقل بحرى ونقل بواسطة أخرى غير بحرية، فلا تسرى أحكام الإتفاقية إلا على الرحلة البحرية المشمولة بعقد النقل.
3- إتفاقية بودابست بشأن عقد نقل البضائع عن طريق الممرات المائية الداخلية(CMNI) لسنة2000
إتفاقية بودابست تسمح ببسط أحكامها لكى تغطى أى عقد نقل عن طريق الممرات المائية الداخلية إذا كان مكان تلقى الناقل النهرى للبضاعة ومكان تسليم البضاعة – بعد إتمام عملية النقل، يقعان فى دولتين مختلفتين، بشرط أن تكون إحدى هاتين الدولتين طرفا فى اتفاقية بودابست.
وهكذا فإن اتفاقية بودابست تسمح بإدخال النقل من الباب إلى الباب فى إطار تطبيق أحكامها، ولكن على الأرجح لا يدخل النقل متعدد الوسائط تحت لواءها.
4- إتفاقية مونتريال للنقل الجوي سنة1999
تعرضت شرحه للنقل المشترك (المتساوى فى المفهوم مع النقل متعدد الوسائط)، حيث تنص (م31/1) من الإتفاقية على أنه: " فى حالة عمليات النقل المشترك التى يتم جزء منها بطريق الجو وجزء آخر منها بأى وسيلة أخرى للنقل. لاتسرى أحكام هذه الإتفاقية إلا على النقل الجوى فقط"
كما تنص (م31/2) على أنه فى حالة النقل المشترك، يجوز أن تضاف على وثيقة النقل الجوى أى شروط تتعلق بوسائط النقل الأخرى المشاركة فى نقل البضاعة طالما روعى الإلتزام بنصوص اتفاقية مونتريال بالنسبة للنقل الجوى.
5- الإتفاقية الخاصة بعقد النقل الدولى للبضائع بطريق البر جينيف(CMR)لسنة1956
تعرضت بوضوح للنقل المشترك مثل اتفاقية مونتريال حيث تنص على أنه: إذا نقلت المركبة التى تحمل البضاعة الداخلية أو السكك الحديدية أو بطريق البحر أو الجو دون أن تفرغ البضاعة من المركبة، فإن نصوص هذه الإتفاقية تنطبق على كل أجزاء الرحلة.
وكما هو واضح فإن إتفاقية (CMR) تسمح بإمكانية بسط أحكامها على عقد النقل المشترك (متعدد الوسائط).
إذا كانت رحلة الأساس فيها رحلة برية خاضعة لإتفاقية (CMR)، مع رحلات أخرى مكمله عبر وسائط نقل أخرى، بشرط ألا يجرى إنزال البضاعة من المركبة طوال مدة النقل المشترك.
6- إتفاقية الأمم المتحدة بشأن عقود النقل الدولى للبضائع بالبحر كليًا أو جزئيًا (إتفاقية روتردام لسنة2009).
(الإتفاقية معروضة للتوقيع عليها بواسطة الدول).
أقحمت إتفاقية روتردام النقل متعدد الوسائط والنقل من الباب إلى الباب الذى تتخلل أحكامها. وأوردت المادتين (26، [4]82) من الإتفاقية لهذا الغرض.
غير أن صياغة المادتين جاءتا مبهمة ولا توضح مقصودهما على درجه اليقين.
ويلاحظ بشكل خاص أن الإتفاقية لا تنطبق إلا على النقل متعدد الوسائط الذى يشتمل على رحلة بحرية كشرط أساسى. أما عقود النقل متعدد الوسائط الأخرى التى لا يدخل فيها النقل البحرى فلا تدخل فى نطاق تطبيق الإتفاقية. ولا شك أن هذا الوضع القانونى بشكل قصورًا وعجزًا وفراغًا تشريعيًا دوليًا فى أحكام النقل متعدد الوسائط.
السؤال الهام، المطروح هو، كيف يمكن لمادتين فى الإتفاقية مهما كبرا، أن يحيطا بأحكام نظام شديد التعقيد قانونا وسبق أن أفردت له اتفاقية سنة 1980 40 مادة كاملة؟
لعل إمتداد أحكام قواعد روتردام لتغطى النقل متعدد الوسائطذو الرحلة البحرية هى أخطر ما إنزلقت إليه قواعد روتردام ويتعرض لسهام النقد من جهات كثيرة عالميًا[5].
خامساً: ما هى الشروط القانونية التى تحكم عمليات النقل متعدد الوسائط فى ظل الفراغ التشريعى الدولى الحالى؟
على ضوء ما شاهدناه فيما سبق، فإن الساحة التشريعية الدولية المتعلقة بالنقل متعدد الوسائط تعتبر خالية تمامًا من قواعد قانونية دولية آمره تلتزم بها الدول المختلفة، اللهم فيما عدا بعض الإتفاقيات الإقليمية والقوانين الوطنية التى تتباين أحكامها وتفتقر إلى عنصر التوحيد القانوني.
غير أن الواقع العملى فى أسواق النقل متعدد الوسائط، لا يعكس لحسن الحظ هذه الصورة القاتمة بسبب وجود هذا الفراغ التشريعى الدولى. فلم يطل إنتظار الناقلين، حيث عمدت كل من منظمة (UNCTAD) وغرفة التجارة الدولية (ICC)، إلى وضع قواعد إختيارية جديدة سنة 1991، لكى تصيغ وثيقة نموذجية للنقل متعدد الوسائط، وتبنى على أساس أحكام معاهدة بروكسل لسنة 1924 وبروتوكول تعديلها لسنة 1968،
بالإضافة إلى قواعد (ICC) للنقل المشترك لسنة 1975(1). وسميت هذه القواعد الجديدة "قواعد UNCTAD/ ICC" لوثائق النقل متعدد الوسائط.
ولا تُعد هذه القواعد بمثابة إتفاقية شاملة ومنظمة لكل جوانب عقد النقل متعدد الوسائط، ولكنها تغطى بعض الجوانب الرئيسية فيه فحسب. ومن ثَم يتعين على متعهدى النقل أو مرحلى البضائع إستكمال المزيد من شروط العقد حسب حاجتهم مثل: خيارات التخزين، مسارات البضاعة، أجرة النولون والمصروفات، وشرط الحجز والعواريه العامة، والإختصاص القضائى، وشرط التحكيم، والقانون الواجب التطبيق... إلخ.
وقواعد (UNCTAD/ICC) على الرغم من أنها إختيارية إلا أنها صادفت هوى متعهدى النقل وحازت قبول معظم شركات النقل الكبرى والعديد من الهيئات والإتحادات المهنية مثل منظمة (FIATA) وإتحاد (BIMCO).
وبالفعل فقد أصدرت هيئة (FIATA) سند الشحن للنقل متعدد الوسائط (FBL) مبنيًا على قواعد (UNCTAD/ICC) ونال هذا السند شهرة عالمية وذاع إستخدامه بين مرحلى البضائع فى كل بلاد العالم، (ملحق رقم 10).
كذلك أصدر المجلس الدولى البحرى والبلطيق (BIMCO) سند الشحن للنقل متعدد الوسائط (MULTIDOC95) مؤسسًا أيضًا على قواعد (UNCTAD/ICC) ونال هذا السند أيضًا شهرة عالمية ويجرى إستخدامه فى خدمة النقل والتجارة على نطاق واسع، (ملحق رقم 11 ).
ومن ناحية أخرى تفضل العديد من الشركات الملاحية إستخدام مبادئ
قواعد (UNCTAD/ICC) فى صياغة الشروط النمطية للنقل لهذه الشركات ومن ثَم إدخالها فى صلب وثائق النقل الخاصة بها، مما يعطى لهذه القواعد مزيد من العمومية والقبول الدولى.
وهكذا يتضح للباحث أن السوق الدولى للنقل متعدد الوسائط على الرغم من خلوه من إتفاقية دولية آمره، إلا أن مجتمع النقل والتجارة لا يمكنه الإنتظار، ووجد ضالته فى قواعد (UNCTAD/ICC) وجعل منها المكونات الأساسية لعقود النقل متعدد الوسائط عالميًا.
إلا أن أهم ما يوجه من نقد إلى قواعد (UNCTAD/ICC) أنها قد بنيت على أساس أحكام معاهدة بروكسل لسندات الشحن لسنة 1924 وبروتوكول تعديلها لسنة 1968. فإن المادة (5/4) من القواعد تعتنق مبدأ إعفاء متعهد النقل من المسئولية عما قد يصيب البضاعة المنقولة بحرًا أو عبر الممرات الملاحية الداخلية، من هلاك أوتلف أوتأخير أثناء النقل، إذا كان السبب يرجع إلى : فعل أوإهمال أوخطأ من الربان أوالبحار أوالمرشد أوأى من تابعى متعهد النقل فى الملاحة أو فى إدارة السفينة.
هذا فى وقت بدأ مجتمع التجارة والنقل الدولى فى نبذ مبدأ إعفاء الناقل من المسئولية عن الضرر الذى يصيب البضاعة المنقولة، إذا نتج عن أخطاء تابعى الناقل فى الملاحة أو فى إدارة السفينة. ودليلنا على ذلك إقلاع "قواعد روتردام سنة 2008" عن التمسك بهذا المبدأ وأعتباره من داوعى الماضى حين كانت الملاحة البحرية لاتزال فى مهدها، ولم يُعد له ما يبرره فى عصرنا الحالى.
لذلك يصبح من الضرورى النظر فى تعديل قواعد (UNCTAD/ICC) وإستبعاد مبدأ الإعفاء من المسئولية بسبب الأخطاء فى الملاحة أو فى إدارة السفينة، وبالتبعية سوف يستلزم الأمر تعديل كافة وثائق النقل الخاصة بــ (FIATA)، (BIMCO) وغيرها والمؤسسة أصلاً على قواعد (UNCTAD/ICC). ولا بأس فإن مثل هذا الإجراء يأتى لصالح أطراف النقل متعدد الوسائط.
*ملاحظة المملكة العربية السعودية: التعريف طبقاً للاتفاقية العربية وليس اتفاقية الأمم المتحدة لسنة 1980
*ملاحظة المملكة العربية السعودية:بالرغم من صحة ما ورد بأن لا يشترط بالضرورة أنيشتمل النقلمتعددالوسائط على رحلة بحرية لكن قواعد روتردام لم تنص على ما ورد أعلاه بهذا النص فقد ورد في الفقرة (1) من المادة (1 – التعاريف ) أن ("عقد النقل" بعني " عقداً يتعهد فيه الناقل بنقل البضائع من مكان إلى آخر مقابل أجرة نقل ، ويجب أن ينص العقد على النقل بحراً ويجوز أن ينص على النقل بوسائط نقل أخرى إضافة إلى النقل البحري ") كما أنه من غير المحبذ الاستناد على قواعد روتردام لوجود تحفظ عربي على نصوص هذه الاتفاقية سبق وأن عبر عنه مجلس وزراء النقل العرب وقرر التريث في الانضمام إلى تلك الاتفاقية أـسوة بالعديد من دول العالم .
[2] ملاحظة المملكة العربية السعودية: نفس الملاحظة السابقة أن هذه الاتفاقية لم ولن ترى النور.
[3]ملاحظة المملكة العربية السعودية، ويلاحظ أن نفس المفهوم ورد تفصيلاً تحت عنوان اتفاقية النقل متعدد الوسائط بين الدول العربية.
[4]تم تصحيح خطأ مطبعي
[5]راجع مجلة الحقوق – جامعة الإسكندرية – العدد الأول سنة 2012 بحث قانوني عن: "هل حقاً تنظم قواعد روتردام أحكام النقل الدولي متعدد الوسائط للبضائع؟"
(1) قررت غرفة التجارة الدولية (ICC) سحب القواعد القديمة الخاصة بالنقل المشترك لسنة 1975 من التعامل إعتبارًا من 31 ديسمبر 1999 لإفساح الطريق للقواعد الجديدة (UNCTADL ICC Rules).
أحد مكونات سلسلة الإمداد العالمية
أولاً: تعريف النقل متعدد الوسائط
تولت اتفاقية النقل متعدد الوسائط للبضائع بين الدول العربية في مادتها الثانية تعريف النقل متعدد الوسائط بأنه: "نقل بضاعة بين دولتين عربيتين باستخدام واسطتي نقل مختلفين أو أكثر، بعقد نقل واحد، ووثيقة نقل واحدة، وتحت مسئولية شخص واحد (متعهد النقل)، من نقطة استلامه البضاعة من المرسل حتى تسليمها إلى المرسل إليه."*
الشرط الأول:
أن يتم النقل بإستخدام واسطتى نقل مختلفتين على الأقل، كأن تكون بحرية وسكك حديدية، أو بحرية وجوية، أو طرق برية وجوية على سبيل المثال.
الشرط الثانى:
أن يكون النقل دولياً أى بين مكانين يقعان فى بلدين عربيتين مختلفتين.
ويرى وفد المملكة العربية السعودية إلى الجامعة العربية أن النقل متعدد الوسائط ليس حكراً على النقل الدولي فبالامكان إبرام عقد داخل أراض دولة معينة لنقل بضاعة يتطلب نقلها تعدد وسائط النقل من نقطة إلى أخرى في ذات الدولة وبالتالي فإن النقل متعدد الوسائط تحكمه ثلاثة عوامل هي :
1- النقل بواسطتين مختلفتين على الأقل.
2- عقد نقل واحد.
3- متعهد نقل واحد.
فإذا كان النقل :
1- بين دولتين أو أكثر سمي بنقل متعدد الوسائط الدولي وبالتالي يخضع للاتفاقيات الدولية أو الإقليمية أو الثنائية .
2- بين نقطتين في داخل أراضي دولة واحدة سمي بالنقل المتعدد الوسائط الوطني وبالتالي يخضع للتشريع الوطني في الدولة المعنية .
الشرط الثالث:
وجود عقد نقل واحد يغطى كافة مراحل النقل يتضمن مسئولية متعهد النقل متعدد الوسائط عن البضاعة خلال مراحل النقل جميعها، ويُسأل فى مواجهة أصحاب البضاعةلما قد يصيبها من هلاك أو تلف أو تأخير فى تسليمها ويتقاضى هذا المتعهد أجرة نقل شاملة تغطى كافة مراحل نقل البضاعة.
وقد يعتقد البعض حتمية نقل البضاعة بحراً لكى يكون هناك نقل دولى متعدد الوسائط غير أن ذلك ليس بشرط.
وخلاصة القول أن جوهر النقل الدولى متعدد الوسائط ينطوى على قيام شخص يسمى متعهد النقل متعدد الوسائط إبرام عقد نقل دولى للبضائع من مكان ما فى بلد ما يأخذ فيه البضائع فى حراسته، إلى المكان المحدد للتسليم فى بلد آخر، ويتولى تنفيذ النقل مقابل أجرة شاملة، بإستخدام واسطتين مختلفتين على الأقل من وسائط النقل، ويتصرف بصفته أصيلاً ويتحمل مسئولية تنفيذ العقد فى مواجهة أصحاب البضاعة، بموجب مستند واحد يحدد شروط النقل بكافة مراحل يسمى وثيقة النقل متعدد الوسائط.
ثانياً: ماذا يعنى النقل متعدد الوسائط من منظور التطبيق العملى:
الشاحن أو مرسل البضاعة هونقطة البداية، فهويتقدم إبتداء "يطلب شحن" إلى متعهد النقل متعدد الوسائط الذى غالبًا مايكون مرحل
البضائع FreightForwarder ليتولى نقل البضاعة المبينة فى طلب الشحن من مكان القيام إلى مكان الوصول المسميين فى نفس طلب الشحن.
فإذا قبل متعهد النقل أو مرحل البضاعة طلب الشحن، إنعقد مباشرة عقد النقل متعدد الوسائط وعلى كل من طرفى هذا العقد البدء فى تنفيذ إلتزاماته بموجب ماورد فيه من شروط.
فيتولى مرسل البضاعة تسليمها إلى مرحل البضائع، ومن ثَم ينفض يديه مما يستتبع هذه الخطوة من إجراءات تتعلق بتسفير البضاعة إلى مقصدها النهائى. فلا يهم المرسل ماهية وسائط النقل التى سوف يقع عليها الإختيار لنقل البضاعة وهل ستكون برًا، أو بحرًا، أو جوًا. ولا يهمه من قريب أو بعيد مسارات النقل أو وسائل النقل أو معدات أو أدوات تداول البضاعة، ولا طبيعة ومحتوى العقود التى يبرمها مرحل البضائع مع الناقلين من الباطن، أوعقود الشحن والتفريغ ومتابعة تنفيذها، كذلك قد لا يشغل فكر المرسل عمليات الترانزيت أو التخزين التى قد تحدث أثناء مشوار البضاعة إلى وجهتها النهائية، ولا ما قد يجريه مرحل البضائع من عقود الناقلين وغيرها.
المهم أنه قد أزيح عن عاتق المرسل كافة الإجراءات التى إعتاد القيام بها وتحمل أعبائها الثقيلة فى ظل النقل المجزأ أوالنقل أحادى الواسطة. فما على المرسل حاليًا إلا أن يصدر تعليماته كتابة إلى مرحل البضائع موضحًا كافة البيانات المطلوبة لنقل البضاعة وتسليمها إلى المرسل إليه سلمه فى المكان المتفق عليه وفى الوقت المضبوط.
فإذا إنتقلنا إلى جانب مرحل البضائع بصفته متعهدًا للنقل المتعدد الوسائط، فإن صورته الكاملة فى عقد النقل متعدد الوسائط تتبلور مما يأتى:
1- أن عليه إستخدام واسطتى نقل على الأقل لنقل البضاعة. ووسائط النقل عمومًا تحصر فى : "البحرى - الجوى- الطرقى- السككى – النهرى – الأنابيب".
2- مرحل بضائع واحد يتولى تنظيم وتنفيذ إجمالى عملية النقل ويتصرف بصفته أصلاً – لا بالوكالة ولا بالنيابة عن أحد – ويتحمل مسئولية تنفيذ عقد النقل متعدد الوسائط برمته فى مواجهة أصحاب البضاعة.
3- مستند نقل واحد يصدره مرحل البضائع، إلى المرسل ويثبت فيه شروط عقد النقل بكافة مراحله ويسمى "سند الشحن للنقل متعدد الوسائط"، على غرار (FIATA FEL) و(BIMCO B/L) أو "وثيقة النقل" كما تنص عليه اتفاقية النقل متعدد الوسائط للبضائع عن الدول العربية.
4- أن يبرم مرحل البضائع مع المرسل عقد واحد للنقل متعدد الوسائط منذ لحظة صدور موافقة المرحل على إيجاب المرسل المتمثل فى "طلب الشحن" ويغطى هذا العقد كافة مراحل نقل البضاعة من الباب إلى الباب.
5- أن يتولى تنفيذ عمليات النقل متعدد الوسائط مقابل أجرة إجمالية شاملة عن كل مراحل رحلة البضاعة من الباب إلى الباب.
6- أن يجرى التأمين على المسئولية على أن يغطى كافة مراحل رحلة البضاعة من الباب إلى الباب.
ومن المهم الإشارة عند هذه النقطة إلى ثلاث مبادئ رئيسية يتميز بها النقل متعدد الوسائط.
1- أن النقل متعدد الوسائط يقتصر على نقل البضائع (الحاويات) دون أن يشمل نقل لأشخاص أو المسافرين.
2- أن النقل متعدد الوسائط بطبيعته دولى أى يقع بين دولتين مختلفتين حتى ولو لم تذكر كلمة دولى فى العنوان. ومن ثَم فلا يوجد واقعًا وقانونًا، ما يمكن أن يُسمى بالنقل متعدد الوسائط الوطنى أو الداخلى أى فى دولة واحده.
3- أن لا يشترط بالضرورة أن يشتمل النقل متعدد الوسائط على رحلة بحرية، كما هو الحال فيما تشترطه "قواعد روتردام 2008"، وأن هذا الشرط قد ورد فى هذه القواعد بإعتبارها أصلاً اتفاقية لتنظيم أحكام النقل البحرى كليًا أو جزئيًا.[1]
4- يشترط لكى يأتى النقل المتعدد الوسائط أُكُلـَهُ، وأن يحقق غايته فى إختصار زمن الرحله، وخفض تكلفتها الإجمالية، وتقديم خدمة متميزة للعميل فى المكان المتفق عليه، وفى الوقت المضبوط، فإنه يتعين إنضمام الدول صاحبة الشأن إلى مجموعة من الإتفاقيات الداعمة لضمان سهولة إنسيابية حركة البضاعة بلا عوائق أو موانع خاصة عبر الحدود المشتركة للدولة والنقاط الجمركية التى تمر عليها البضاعة، وإلا فقد النقل متعدد الوسائط أهم مميزاته وضاعت الأغراض الإقتصادية والتجارية المنتظره.
ثالثاً: جوهر وبنيان النقل متعدد الوسائط:
يتضح مما سبق أن النقل متعدد الوسائط ليس مجرد عملية نقل بضائع بواسطة مجموعة من وسائل النقل المختلفة على غرار النقل المجزأ أو النقل أحادى الواسطة حيث تستقل كل وسيلة نقل بإجراءاتها وبالقائمين عليها وبعقودها ونولونها وتأمينها أى أن كل واسطة نقل مستقلة عن ما يسبقها أو يتبعها من وسائط نقل أخرى للبضاعة.
والنقل متعدد الوسائط فى واقع الأمر، هوفكرة (Concept) مستحدثة، تتمثل فى أنه نظام متكامل للنقل الدولى للبضائع (أساسًا الحاويات)، يخضع لنظام قانونى خاص ومحدد إبتداءً، ويعمل بالتآزر والتناغم مع خدمات القيمة المضافة المتمثلة فى فن وعلم اللوجستيات وفى إدارة سلسلة الإمداد للعملاء، لتحقيق هدف مباشر هو أداء خدمة النقل من الباب إلى الباب، بصورة متميزة بأسعار أقل ومع إختصار زمن رحلة البضاعة وتوصيلها فى الوقت المضبوط، وكذلك تحقيق هدف آخر إستراتيجيى دولى هو تيسيير التوسع المنتظم المستدام للتجارة العالمية، وتحقيق قدرة المصدرين على البيع المباشر فى الأسواق عبر البحار، طبقًا لمخطط بالغ الدقة يوائم بين العناصر الثلاثة: الإنتاج والمبيعات والتوزيع، وتعتمد على قاعدة بيانات وافية مع فيض مستمر من المعلومات (EDI).
إذن، فالنقل متعدد الوسائط فى أساسه هو نظام مادى للنقل، يحكمه نظام قانونى خاص وتتآزر معه خدمات اللوجستيات وسلسلة الإمداد.
أما عن النظام المادى للنقل فهو ليس بجديد، بل مارسه الإنسان منذ أزمنة بعيدة.
وأما النظام القانونى فهوالجديد، إذ أرسيت دعائمه خلال النصف الثاني من القرن الماضي من خلال محاولات عديدة لهيئات دولية مختلفة، وكان أهمها إصدار إتفاقية الأمم المتحدة للنقل الدولى متعدد الوسائط للبضائع لسنة1980[2]، ثم سارت من بعد ذلك على نفس المنوال عدة اتفاقيات اقليمية للنقل متعدد الوسائط لعل أهمها هي اتفاقية النقل متعدد الوسائط للبضائع بين الدول العربية.
وأما عن تآزر القيمة المضافة المتمثلة فى علم وفن اللوجستيات وإدارة سلسلة الإمداد للعملاء، فهى الداعمة الرئيسية التى تمكن النقل الدولى متعدد الوسائط من أداء وظيفته المثلى وهى أيضًا من الإبداعات الحديثة للفكر الإنسانى.
هذا فى شأن النقل متعدد الوسائط ذاته، أما فيما يتعلق بالمتعهد بهذا النوع من النقل، فإن دوره لم يُعد مماثلاً للدور التقليدى للناقل البحرى البرى ينحصر فى تنفيذ عملية النقل ذاتها من الميناء إلى الميناء فحسب، ذلك أن متعهد النقل متعدد الوسائط فى صورته الحديثة مثل مرحل البضائع ليس مجرد ناقل عادى، ولكنه يتقلد بالإضافة إلى عمليات النقل المكلف بها، وظائف أخرى لصالح عميله من أهمها أداء خدمات اللوجستيات وإدارة سلاسل إمداد العملاء بدءًا من خط الإنتاج إلى المخازن إلى مخارج تجارة القطاعى، مع الإعتماد بكثافة على نظام تبادل البيانات إلكترونيًا (EDI) لمراقبة المخزون ومتابعة عمليات الإمداد والتوزيع، وإستلام تعليمات العملاء وتقضى أخبار البضائع على إتساع العالم.
وهكذا يكون مرحل البضائع قد زاد إقترابًا من عميله، فيتولى تلقى طلبات النقل الخاصة به وتحليل حاجاته اللوجستية، لكى يصمم مخططًا متكاملاً يلبى تلك الحاجات، ثم يتولى تنفيذ هذا المخطط من خلال النقل متعدد الوسائط متحملاً كامل المسئولية عن سلامة توصيل البضاعة إلى مكان الوصول فى الوقت المضبوط.
رابعاً: المحاولات التشريعية الدولية لتنظيم أحكام النقل متعدد الوسائط:
بكل أسف فإن الحالة الراهنة للتشريع الدولى المنظم للنقل متعدد الوسائط، لا تتمشى ولا تليق بما وصل إليه هذا النقل من تقدم فى كافة المجالات الفنية وتكنولوجيا وسائل النقل وأساليب الإدارة والتشغيل واللوجستيات وإنتشار إستخدام الحاويات فإن عالم التجارة والنقل لايزال خاليًا من أى قواعد دولية آمره تنظم النقل متعدد الوسائط، اللهم إلا من بعض القواعد القانونية إختيارية التطبيق التى تعالج بعض جوانب النقل متعدد الوسائط مثل قواعد UNCTAD- ICC بشأن وثائق النقل متعدد الوسائط.
إلا أنه فى مقابل هذا التخلف فى التشريع الدولى، حدثت طفرة مشهودة فى مجال إبرام إتفاقيات إقليمية. فها هى إتفاقية النقل متعدد الوسائط بين الدول العربية[3] أصبحت سارية المفعول بانضمام (4) دول هي ( السعودية ، والأردن ، وسوريا، والإمارات العربية المتحدة ) وبدأ نفاذها اعتباراً من 11/8/2011م.
وتوجد إتفاقية إقليمية أخرى يعدها حاليًا الإتحاد الأوروبى بالإضافة إلى اتفاقيتي مجموعة دول الميركوسول فى أمريكا اللاتينية ومجموعة دول الآسيان فى آسيا.
أما على المستوى الوطنى للدول فهناك عدد محدود جداً من الدول التي اعدت قوانين خاصة لتنظيم أحكام النقل متعدد الوسائط ومن بينها تونس والهند.
إذن، فالواقع الماثل أمامنا يدعو بكل إلحاح إلى ضرورة التنسيق بين هذه الإتفاقيات الإقليمية والقوانين الوطنية وتوحيد مضمونها للخروج بمشروع اتفاقية دولية تهدف إلى توحيد أحكام النقل متعدد الوسائط.
ولقد جرت خلال النصف الثانى من القرن الماضى عدة محاولات لوضع تنظيم دولى للنقل متعدد الوسائط بعضها جاء بصورة مباشرة وبعضها الآخر جاء بصورة غير مباشرة.
أما عن المحاولات لوضع تشريع دولى للنقل المتتابع بصورة مباشرة، فكانت أولاها ما قام به "المعهد الدولى لتوحيد قواعد القانون الخاص" عام 1965، من محاولة لإعداد مشروع اتفاقية بقواعد المسئولية الخاصة بالنقل الدولى المتتابع. وبنيت قواعد هذه الإتفاقية على أساس أحكام اتفاقية النقل الدولى للبضائع بطريق البر (CMR).
وثانى هذه المحاولات عام 1969 عندما فرغت "اللجنة البحرية الدولية" (CMI) من إعداد إتفاقية أخرى بشأن "مستند النقل الدولى للبضائع". وقد بنيت أحكامها على أساس معاهدة بروكسل لسندات الشحن لسنة 1924. وعرفت هذه الإتفاقية حينئذ بإسم "قواعد طوكيو".
أما ثالث هذه المحاولات فهى ما قام به "المعهد الدولى لتوحيد قواعد القانون الخاص" بالإشتراك مع اللجنة البحرية الدولية (CMI) سنة 1970، بغرض توحيد المشروعين السابقين فى نص واحد أطلق عليه إسم"مشروع روما". غير أن اللجنة الإقتصادية لأوروبا (ECE) بالإشتراك مع منظمة (IMO) قامتا بتنقيح "مشروع روما بما يتمشى مع قرارات المؤتمر الدولى للحاويات
سنة 1972، ومن ثَم خرج إلى الوجود "مشروع اتفاقية النقل الدولى المشترك للبضائع" (TCM Convention) سنة 1972.
وكانت رابع هذه المحاولات "القواعد الموحدة بشأن وثيقة النقل المشترك" التى أصدرتها غرفة التجارة الدولية (ICC) عام 1975، وقد بنيت على أساس مفهوم النقل المتعدد الوسائط تمامًا.
وخامسًا جاءت أهم وأشمل وأكثر هذه المحاولات توازنًا وكمالا اتفاقية الأمم المتحدة للنقل الدولى متعدد الوسائط من خلال 1980، التى لم تدخل حتى الآن إلى حيز النفاذ، ولا ينتظر لها ذلك فى المستقبل، إلا أنها تعبر بما تحويه من أحكام عن ضمير الجماعة الدولية مستقلة فى هيئة الأمم المتحدة. أما عن عدم دخول الإتفاقية فى حيز النفاذ فهولأسباب خاصة بملاك السفن وشركات النقل العملاقة ومشعلى النقل متعدد الوسائط. حيث أن أحكامها خاصة ما تعلق منها بمسئولية الناقل لم توافق هواهم، فباشروا ضغطهم على حكوماتهم من أجل عدم التصديق على الإتفاقية.
أما سادسًا وأخيرًا وبعد إتضاح الرؤية بأن اتفاقية سنة 1980 تواجه صعوبة فى إستكمال النصاب القانونى اللازم لدخولها حيز النفاذ (30صوتًا)، لذلك فقد إشتركت منظمة UNCTADمع غرفة التجارة الدولية (ICC) فى وضع قواعد إختيارية جديدة تصبغ الخطوط الأساسية لوثيقة نموذجية للنقل متعدد الوسائط على أساس أحكام معاهدة بروكسل لسندات الشحن لسنة 1945 وبروتوكول تعديلها لسنة 1968 وكذا
قواعد (ICC) لسنة 1975. وتُعد أحكام هذه القواعد هى الأكثر شيوعًا فى التطبيق العملى ولذلك سوف نعود بالشرح لها مرة أخرى.
أما عن المحاولات التى جرت بصورة غير مباشرة لتنظيم النقل متعدد الوسائط فيمكن التعرف عليها من خلال فحص إتفاقيات النقل أُحادى الواسطة على النحو التالى:
1- المعاهدة الدولية الخاصة بتوحيد بعض القواعد المتعلقة بسندات الشحن لسنة 1924 والمعدله ببروتوكول لسنة 1968.
لم تتعرض نصوصها لأى محاولة لتنظيم النقل متعدد الوسائط فى صلبها لسبب بسيط وهوأن نطاق تطبيق المعاهدة بين شحن البضاعة على السفينة وبين تفريغها منها أوكما أصطلح على تسميته (From Tackle to tackle) من الشبكة إلى الشبكة. فلا يوجد أى مجال يسمح بإدخال رحلات بوسائط أخرى قبل أوبعد الرحلة البحرية.
2- إتفاقية الأمم المتحدة لنقل البضائع بحرًا لسنة1978(قواعد هامبورج).
وسعت هذه الإتفاقية من نطاق تطبيق أحكامها لتكون "فى ميناء الشحن وأثناء النقل وفى ميناء التفريغ". ولم تفصح صراحةٍ نصوص قواعد هامبورج عن إمكان دخول أحكامها (م 10، وم 11) وطبقًا لنص (م1 فقرة 6)، فإنه إذا إشتمل عقد النقل على نقل بحرى ونقل بواسطة أخرى غير بحرية، فلا تسرى أحكام الإتفاقية إلا على الرحلة البحرية المشمولة بعقد النقل.
3- إتفاقية بودابست بشأن عقد نقل البضائع عن طريق الممرات المائية الداخلية(CMNI) لسنة2000
إتفاقية بودابست تسمح ببسط أحكامها لكى تغطى أى عقد نقل عن طريق الممرات المائية الداخلية إذا كان مكان تلقى الناقل النهرى للبضاعة ومكان تسليم البضاعة – بعد إتمام عملية النقل، يقعان فى دولتين مختلفتين، بشرط أن تكون إحدى هاتين الدولتين طرفا فى اتفاقية بودابست.
وهكذا فإن اتفاقية بودابست تسمح بإدخال النقل من الباب إلى الباب فى إطار تطبيق أحكامها، ولكن على الأرجح لا يدخل النقل متعدد الوسائط تحت لواءها.
4- إتفاقية مونتريال للنقل الجوي سنة1999
تعرضت شرحه للنقل المشترك (المتساوى فى المفهوم مع النقل متعدد الوسائط)، حيث تنص (م31/1) من الإتفاقية على أنه: " فى حالة عمليات النقل المشترك التى يتم جزء منها بطريق الجو وجزء آخر منها بأى وسيلة أخرى للنقل. لاتسرى أحكام هذه الإتفاقية إلا على النقل الجوى فقط"
كما تنص (م31/2) على أنه فى حالة النقل المشترك، يجوز أن تضاف على وثيقة النقل الجوى أى شروط تتعلق بوسائط النقل الأخرى المشاركة فى نقل البضاعة طالما روعى الإلتزام بنصوص اتفاقية مونتريال بالنسبة للنقل الجوى.
5- الإتفاقية الخاصة بعقد النقل الدولى للبضائع بطريق البر جينيف(CMR)لسنة1956
تعرضت بوضوح للنقل المشترك مثل اتفاقية مونتريال حيث تنص على أنه: إذا نقلت المركبة التى تحمل البضاعة الداخلية أو السكك الحديدية أو بطريق البحر أو الجو دون أن تفرغ البضاعة من المركبة، فإن نصوص هذه الإتفاقية تنطبق على كل أجزاء الرحلة.
وكما هو واضح فإن إتفاقية (CMR) تسمح بإمكانية بسط أحكامها على عقد النقل المشترك (متعدد الوسائط).
إذا كانت رحلة الأساس فيها رحلة برية خاضعة لإتفاقية (CMR)، مع رحلات أخرى مكمله عبر وسائط نقل أخرى، بشرط ألا يجرى إنزال البضاعة من المركبة طوال مدة النقل المشترك.
6- إتفاقية الأمم المتحدة بشأن عقود النقل الدولى للبضائع بالبحر كليًا أو جزئيًا (إتفاقية روتردام لسنة2009).
(الإتفاقية معروضة للتوقيع عليها بواسطة الدول).
أقحمت إتفاقية روتردام النقل متعدد الوسائط والنقل من الباب إلى الباب الذى تتخلل أحكامها. وأوردت المادتين (26، [4]82) من الإتفاقية لهذا الغرض.
غير أن صياغة المادتين جاءتا مبهمة ولا توضح مقصودهما على درجه اليقين.
ويلاحظ بشكل خاص أن الإتفاقية لا تنطبق إلا على النقل متعدد الوسائط الذى يشتمل على رحلة بحرية كشرط أساسى. أما عقود النقل متعدد الوسائط الأخرى التى لا يدخل فيها النقل البحرى فلا تدخل فى نطاق تطبيق الإتفاقية. ولا شك أن هذا الوضع القانونى بشكل قصورًا وعجزًا وفراغًا تشريعيًا دوليًا فى أحكام النقل متعدد الوسائط.
السؤال الهام، المطروح هو، كيف يمكن لمادتين فى الإتفاقية مهما كبرا، أن يحيطا بأحكام نظام شديد التعقيد قانونا وسبق أن أفردت له اتفاقية سنة 1980 40 مادة كاملة؟
لعل إمتداد أحكام قواعد روتردام لتغطى النقل متعدد الوسائطذو الرحلة البحرية هى أخطر ما إنزلقت إليه قواعد روتردام ويتعرض لسهام النقد من جهات كثيرة عالميًا[5].
خامساً: ما هى الشروط القانونية التى تحكم عمليات النقل متعدد الوسائط فى ظل الفراغ التشريعى الدولى الحالى؟
على ضوء ما شاهدناه فيما سبق، فإن الساحة التشريعية الدولية المتعلقة بالنقل متعدد الوسائط تعتبر خالية تمامًا من قواعد قانونية دولية آمره تلتزم بها الدول المختلفة، اللهم فيما عدا بعض الإتفاقيات الإقليمية والقوانين الوطنية التى تتباين أحكامها وتفتقر إلى عنصر التوحيد القانوني.
غير أن الواقع العملى فى أسواق النقل متعدد الوسائط، لا يعكس لحسن الحظ هذه الصورة القاتمة بسبب وجود هذا الفراغ التشريعى الدولى. فلم يطل إنتظار الناقلين، حيث عمدت كل من منظمة (UNCTAD) وغرفة التجارة الدولية (ICC)، إلى وضع قواعد إختيارية جديدة سنة 1991، لكى تصيغ وثيقة نموذجية للنقل متعدد الوسائط، وتبنى على أساس أحكام معاهدة بروكسل لسنة 1924 وبروتوكول تعديلها لسنة 1968،
بالإضافة إلى قواعد (ICC) للنقل المشترك لسنة 1975(1). وسميت هذه القواعد الجديدة "قواعد UNCTAD/ ICC" لوثائق النقل متعدد الوسائط.
ولا تُعد هذه القواعد بمثابة إتفاقية شاملة ومنظمة لكل جوانب عقد النقل متعدد الوسائط، ولكنها تغطى بعض الجوانب الرئيسية فيه فحسب. ومن ثَم يتعين على متعهدى النقل أو مرحلى البضائع إستكمال المزيد من شروط العقد حسب حاجتهم مثل: خيارات التخزين، مسارات البضاعة، أجرة النولون والمصروفات، وشرط الحجز والعواريه العامة، والإختصاص القضائى، وشرط التحكيم، والقانون الواجب التطبيق... إلخ.
وقواعد (UNCTAD/ICC) على الرغم من أنها إختيارية إلا أنها صادفت هوى متعهدى النقل وحازت قبول معظم شركات النقل الكبرى والعديد من الهيئات والإتحادات المهنية مثل منظمة (FIATA) وإتحاد (BIMCO).
وبالفعل فقد أصدرت هيئة (FIATA) سند الشحن للنقل متعدد الوسائط (FBL) مبنيًا على قواعد (UNCTAD/ICC) ونال هذا السند شهرة عالمية وذاع إستخدامه بين مرحلى البضائع فى كل بلاد العالم، (ملحق رقم 10).
كذلك أصدر المجلس الدولى البحرى والبلطيق (BIMCO) سند الشحن للنقل متعدد الوسائط (MULTIDOC95) مؤسسًا أيضًا على قواعد (UNCTAD/ICC) ونال هذا السند أيضًا شهرة عالمية ويجرى إستخدامه فى خدمة النقل والتجارة على نطاق واسع، (ملحق رقم 11 ).
ومن ناحية أخرى تفضل العديد من الشركات الملاحية إستخدام مبادئ
قواعد (UNCTAD/ICC) فى صياغة الشروط النمطية للنقل لهذه الشركات ومن ثَم إدخالها فى صلب وثائق النقل الخاصة بها، مما يعطى لهذه القواعد مزيد من العمومية والقبول الدولى.
وهكذا يتضح للباحث أن السوق الدولى للنقل متعدد الوسائط على الرغم من خلوه من إتفاقية دولية آمره، إلا أن مجتمع النقل والتجارة لا يمكنه الإنتظار، ووجد ضالته فى قواعد (UNCTAD/ICC) وجعل منها المكونات الأساسية لعقود النقل متعدد الوسائط عالميًا.
إلا أن أهم ما يوجه من نقد إلى قواعد (UNCTAD/ICC) أنها قد بنيت على أساس أحكام معاهدة بروكسل لسندات الشحن لسنة 1924 وبروتوكول تعديلها لسنة 1968. فإن المادة (5/4) من القواعد تعتنق مبدأ إعفاء متعهد النقل من المسئولية عما قد يصيب البضاعة المنقولة بحرًا أو عبر الممرات الملاحية الداخلية، من هلاك أوتلف أوتأخير أثناء النقل، إذا كان السبب يرجع إلى : فعل أوإهمال أوخطأ من الربان أوالبحار أوالمرشد أوأى من تابعى متعهد النقل فى الملاحة أو فى إدارة السفينة.
هذا فى وقت بدأ مجتمع التجارة والنقل الدولى فى نبذ مبدأ إعفاء الناقل من المسئولية عن الضرر الذى يصيب البضاعة المنقولة، إذا نتج عن أخطاء تابعى الناقل فى الملاحة أو فى إدارة السفينة. ودليلنا على ذلك إقلاع "قواعد روتردام سنة 2008" عن التمسك بهذا المبدأ وأعتباره من داوعى الماضى حين كانت الملاحة البحرية لاتزال فى مهدها، ولم يُعد له ما يبرره فى عصرنا الحالى.
لذلك يصبح من الضرورى النظر فى تعديل قواعد (UNCTAD/ICC) وإستبعاد مبدأ الإعفاء من المسئولية بسبب الأخطاء فى الملاحة أو فى إدارة السفينة، وبالتبعية سوف يستلزم الأمر تعديل كافة وثائق النقل الخاصة بــ (FIATA)، (BIMCO) وغيرها والمؤسسة أصلاً على قواعد (UNCTAD/ICC). ولا بأس فإن مثل هذا الإجراء يأتى لصالح أطراف النقل متعدد الوسائط.
*ملاحظة المملكة العربية السعودية: التعريف طبقاً للاتفاقية العربية وليس اتفاقية الأمم المتحدة لسنة 1980
*ملاحظة المملكة العربية السعودية:بالرغم من صحة ما ورد بأن لا يشترط بالضرورة أنيشتمل النقلمتعددالوسائط على رحلة بحرية لكن قواعد روتردام لم تنص على ما ورد أعلاه بهذا النص فقد ورد في الفقرة (1) من المادة (1 – التعاريف ) أن ("عقد النقل" بعني " عقداً يتعهد فيه الناقل بنقل البضائع من مكان إلى آخر مقابل أجرة نقل ، ويجب أن ينص العقد على النقل بحراً ويجوز أن ينص على النقل بوسائط نقل أخرى إضافة إلى النقل البحري ") كما أنه من غير المحبذ الاستناد على قواعد روتردام لوجود تحفظ عربي على نصوص هذه الاتفاقية سبق وأن عبر عنه مجلس وزراء النقل العرب وقرر التريث في الانضمام إلى تلك الاتفاقية أـسوة بالعديد من دول العالم .
[2] ملاحظة المملكة العربية السعودية: نفس الملاحظة السابقة أن هذه الاتفاقية لم ولن ترى النور.
[3]ملاحظة المملكة العربية السعودية، ويلاحظ أن نفس المفهوم ورد تفصيلاً تحت عنوان اتفاقية النقل متعدد الوسائط بين الدول العربية.
[4]تم تصحيح خطأ مطبعي
[5]راجع مجلة الحقوق – جامعة الإسكندرية – العدد الأول سنة 2012 بحث قانوني عن: "هل حقاً تنظم قواعد روتردام أحكام النقل الدولي متعدد الوسائط للبضائع؟"
(1) قررت غرفة التجارة الدولية (ICC) سحب القواعد القديمة الخاصة بالنقل المشترك لسنة 1975 من التعامل إعتبارًا من 31 ديسمبر 1999 لإفساح الطريق للقواعد الجديدة (UNCTADL ICC Rules).