نبذة عن العصر الآشوري الحديث ( العهد الأمبراطوري ) الذي تزامن مع ظهور الميديين على المسرح السياسي في المنطقة ، يمكن عد عام 911 ق.م ، وهوالعام الذي اعتلى فية الملك ( ادد - نراري ) الثاني العرش الآشوري بداية عصر جديد ، وأستمر حتى نهاية كيان الآشورين السياسي عام 612 ق.م على يد الميديين ، وتميز هذا العصر بتعاظم قوة الأشوريين ، وأزدهار حضارتهم ، وأمتداد نفوذهم حتى شملت حدود دولتهم معظم أقاليم الشرق الأدنى45 .
أن أستعراضاً سريعاً للأوضاع السياسية العامة في منطقة الشرق الأدنى القديم في مطلع الألف الأول قبل الميلاد ، يوضح ان القوى الكبرى التي كانت تتحكم في توجية الأحداث خلال العصر الآشوري الوسيط ، تتمثل بالأمبراطورية الآشورية في أسيا الصغرى ، وشمال بلاد الشام ، كانت قد اختفت من على المسرح السياسي ، والعسكري ، أو زال تاثيرها ، أو أنكمش ، وتقلص .
لقد كان الملوك الآشوريين يصفون الميديين بالأقوياء ، وقد نجحوا في اقصاء البعض منهم ، وعقدوا المحالفات مع بعض الاخر فيما بقت اقسام منهم غير خاضعة للآشوريين ، كما ترك الاشوريين من خلال غزواتهم في أرض كوردستان كثيرا من الاثار التي تبين مذى قوتهم ، واهميتهم إذ تبدو تلك الاثار على المنحوتات ، والنقوش في منطقة مالطائي التي لا تبعد عن دهوك ، وباتاس بين شقلاوة ، وراوندوز ، ومن دربند الاولى ، ورمكا على نهر الزاب الطريق الطبيعي بين نينوى ، وفارس .
الآشوريين كانوا في حالة حرب مستمرة مع الدول المجاورة ، ومنها دولة اورارتو Urartu التي كانت مدينة ( توشبا )Tushpa الواقعة على الضفة الشرقية لبحيرة ( وان ) عاصمتها فكان كل طرف يسعى للحصول على حلفاء بين شعوب المنطقة ، ويسعى لاقتطاع جزء من اراض غريمه ، فمثلا عقد ملك اورارتو ( روسا الثاني ) حلفاً مع بعض الحكام الميديين منهم دايائوككو Daiaukku اول ملوك الميديين ، والذي يسميه ألاغريق بديوكس Deioces او ( دياكو ) ، وكذلك مع حاكم آخر باسم باكداتي Bagdatti (الذي يعني اسمه هبة الله) ، وغيرهما ، وكان من نتيجة هذا الحلف ان تم اقتطاع اجزاء من اراضي ( ماننا ) جنوب بحيرة اورمية ، والتي كان حاكمها تابعاً للآشوريين ، وما كان من الملك الآشوري سرجون الثاني حينذاك ، إلا ان هاجم الحلفاء في حملة طويلة ( 714 قبل الميلاد) اعاد فيها الأمور الى نصابها 46.
استمرت الحملات الآشورية على بلاد الميديين ، إلا اننا نرى تراخى قبضتهم عليها بالتدريج حيث نرى الملك الاشوري اسرحدون (681-669 قبل الميلاد) يعقد اتفاقا مع احد حكامهم المدعو ( راماتايا ) يتعهد بموجبه بمساعدة ابن الملك الاشوري عندما يعتلى العرش ضد أى تهديد . هذا ، وقد تحول الميديين الى الهجوم ايام ملكهم فرائورت حيث اغار على البلاد الخاضعة لآشور عام 634 قبل الميلاد في الجبهة الشمالية ، والشمالية الشرقية كانت ضغوط الأقوام الميدية على أشدها ، وكادت تقضي على الدولة الأشورية لولا تحالفات الاشوريين مع السيثين ، والمصريين ، وعزم وثبات قواتهم ، وصلابتها .
من جملة القبائل المتمرده ضد الدولة الآشورية هي قبائل منطقة كوردستان الحالية مثل منطقة زاموا ( وأقليم تشخان ) جنوب شرق الأناضول ، ودولة اورارتو ، وبلاد نايري ، ومنطقة القبائل الميدية ، ولم تكن السيطرة على هذة المناطق الجبلية بالأمر اليسير ، بل كانت من الامور الصعبة التي شغلت الحكام الآشوريين ، وقطعاتهم العسكرية سنين طويلة ، وأنهكت قواها .
يمكن اعتبار تاريخ أعتلاء الملك ( ادد – نراري ) الثاني عام 911 ق.م ( بداية عهد دولة آشور - الثاني عام 933 ق.م ) ، وبداية عصر جديد في تاريخ الآشوريين ، حيث أستطاعوا فرض سيطرتهم على الاراضي التي الحقوها بالأمبراطورية الآشورية ، ونهج ( توكلتي ننورتا الثاني ) (890 - 844 ق.م) السياسة نفسها التي أنتهجها أبوه من قبل ، فبدأ بحملته على بلاد نايري في الجنوب الغربي من بحيرة ، ( وان ) ، واخرى الى المنطقة الواقعة بين الزابين ، وثالثة الى بلاد بابل حيث ، وصل الى دور كوريكالزو ، وأسيا ، وأستمر في زحفة غربأ فشمالاً حتى وصل نهر الخابور ، ومنطقة نصيبين ، واخيرآ قام بهجوم على منطقة ( مشكو )47 في أسيا الصغرى .
ثم جاء عهد أشور ناصر بال الثاني ( 833 - 809 ق.م ) ، وكان عهد أزدهار حضاري ، وتفوق عسكري ، وأستمرت النشاطات العسكرية الآشورية في عهد شيلمنصر الثالث ( 858 - 824 ق.م ) خليفة آشور ناصر بال الثاني ، وخليفة ( شمشي - ادد ) ، وفي عهده أنسلخت الاقاليم في الشمال ، والشمال الشرقي في منطقة بلاد نايري .
ثم خلفة ابنه ( أدد - نراري الثالث ) ، وهو قاصر فتولت أمه شمسور امات ( التي عرفت في المصادر الكلاسيكية باسم سميرأميس ) الحكم وصية على ابنها ، وحكمت نيابةً عنة لمدة خمس سنوات ، وفي عهده حاولت الدويلات ، والمماليك في بلاد الشام بما فية دويلة اسرائيل الخروج عن سلطة الآشوريين ، وتجديد حلفها القديم ، والقضاء على النفوذ الآشوري غير ان القوات الآشورية القوية عالجت الموقف ، وأفشلت هذا المخطط .
أجتاحت بلاد آشور ثورة أهلية عارمة قضت على الملك الحاكم ، وأفراد أسرتة ، وهربت الملكة سميرأميس ، وتم تنصيب الملك تجلات بلاسر الثالث الذي عرف في المصادر البابلية بأسم ( يول ) الذي ادعى بانة سليل ( ادد - نراري الثالث ) ، ويعد بداية أعتلائه العرش ( 744 ق.م ) بداية لعصر الامبراطورية الآشورية الثانية ، وكان رجلاً أداريأ من الطراز الأول ، وقائداً عسكريأ فقد أستطاع خلال سنين حكمه حتى عام 705 ق.م من القضاء على الفوضى ، والأرتباك السياسي ، والاقتصادي الذي عم بلاد آشور في أعقاب الثورة الأهلية ، وأستطاع ان يعيد للدولة سابق هيبتها ، وسلطانها ، ويزيد من نفوذها في مختلف الجبهات ، ودخل بلاد بابل ، وقلد نفسة ملكاً عليها .
في عهد شليمنصر الخامس القصير , قامت حملة عسكرية مهمة على الجبهة الغربية ، وحوصرت مدينة السامرة ، وربما كان قائد الجيش الآشوري سرجون الذي تولى العرش بعده حيث ادعى لنفسة فتح السامرة .
تولى سرجون الحكم عام (721 ق.م) ، وفي عهده أعلن التمرد ، والعصيان بتحريض من دولة أوراتو ، وبعض مدن بلاد الشام ، ومصر ، وبلاد عيلام أضافة الى القبائل الميدية ، والكلدية . وفي عهده تمكن زعيم قبيلة كلدو ، وهو ( مردوخ أيلا أدينا ) من أستيلائه على بابل بمساعدة مملكة عيلام .
أعتلى سنحاريب العرش بعد ، والده سرجون ، وذلك في ( 704 ق.م ) ، وكانت الامبراطورية الآشورية عند تولية الحكم تنعم باستقرار نسبي بفضل الجهود العسكرية الكبيرة التي بذلها سرجون ، ولاسيما في الجهة الشمالية ، وأقام سنحاريب بالأضافة الى أنجازته العسكرية الكثيرة ، الكثير من المشاريع العمرانية ، والأروائية في البلاد ، ولكنه تم أغتياله في عام ( 681 ق.م ) من قبل أحد أبنائه في ظروف غامضة ، وتولى العرش من بعده ابنه أسرحدون .
تولى أسرحدون الحكم عام ( 681- 669 ق.م ) ، وكانت سياسته الجنوح الى السلم ، وعقد المعاهدات ، والصلح مع جميع الأطراف ، وفي عهده دخلت القوات الأشورية مصر عام 671 ق.م ، وهزم ملكها ( طهراقا ) ، وحوصرت مدينة ( منفيس ) عاصمة مصر السفلى ، ومن ثم محت ، وهرب طهراقا نفسة الى الجنوب ، وأعلن أسرحدون نفسة ملكاً على مصر العليا .
ثم خلفه أبنه ( آشور بانييال ) ولياً للعهد على بلاد آشور ، ومع الأنتصارات التي حققها أشور بانيبال في بلاد بابل ، وعيلام ، ألا ان الغموض يكتنف الفترة اللاحقة من حكمه ، وحتى نهايتة 626 ق.م ، وثبت ابنه الثاني ( شمش –شم ) ولياً للعهد على بابل ، يسانده أخيه ( أوكن ) ، وبعد وفاته تولى الأخوة العرش في آشور ، وبابل ، ونشبت فيما بعد حرب بين الأخويين ، وأستمرت ثلاث سنوات متتالية أنتهت بأستسلام بابل ، وأنتحار ( شمش – شم ) .
أما عيلام فكانت الفتن الداخلية قد أنهكتها مما سهل على الجيش الأشوري دخولها ، وتدمير مدنها ، وفتح عاصمتها ، وكانت بذلك نهاية مملكة عيلام .
خلفة على العرش ( آشور – أطل – الاني ) ، وقد رافق ذلك ظهور زعيم قوي في بلاد بابل هو نبوبولاصر زعيم الكلديين الذي تمكن من تنصيب نفسه ملكاً على بلاد بابل عام 626 ق.م ، وبدأ يعد العدة للقضاء على بلاد أشور ، واتفقت اهدافه مع مصالح الميديين في عهد ملكهم ( كيخسرو ) ، واتفق الطرفان على تقويض الدولة الأشورية ، والهجوم عليها مما أضطر الآشوريين للتحالف مع مصر .
لم يكن للأشوريين أي سلطان فعلي على الميديين ، وهم بدورهم لم يتعرضوا للأشوريين ، ولكن الملك ( أداد – نيراري ) الثالث (812 – 783 ق. م) أول من أشعل نار الحروب بين الطرفين ، وحارب الميديين لرابع مرة في فترة حكمه ، ولكنه كان يخفق في كل مرة في مساعيه لأخضاع الشعب الميدي لسطان الأمبراطورية الأشورية ، ثم عقبه الملك ( تيجلات بلاسر) الرابع (745–727 ق. م) وتعضيداً( 47 ) لأنتصاره على الميديين صعد فوق جبل ( دماوند ) الشهير ، ونقش على حجر فوقه ، ووضعه على شكل نصب كتب عليه هنا انتصر الملك تيجلات بلاسر على الميديين ، وقتلهم شر قتلة ، وقد جرت المعارك الدامية بينهم الى عهد الملك سرغون حيث خضعت بلاد ميديا لآشور لغاية عهد الأمير ( فرائورث ) حيث تمكن هذا الامير من تأسيس حكومة مستقلة في منطقة ميديا 48.
أراد الميديون في عهد ( أسرحدون ) (681 – 669 ق. م) مع حلفائهم ( مائي ، سيثي ، كيشي ) من شعوب ، وعشائر كوردستان أن ينزلوا ضربة قاضية بالبلاد الأشورية لكن ( أسرحون ) أستطاع تفادي هذه الضربة ، بفضل دهائه ، ونجاحه في فصل السيثين عن الحلفاء المتألبين عليه وضمهم اليه ، لكن الميديين أخذوا بعد ذلك يتحينون الفرص دائماً للأنقضاض على ( أشور) .
مصادر الفصل الثاني
1– د . سبايزر ، مصدر سابق ، ص 189
2- الاستاذ ف . مينورسكي ، قبائل ايران الضائعة المعهد الانثوبولوجي الملكي 1949
3- هيردوتس ، التاريخ عند ميديا ، والميديين ، ص 128