اختراع المفهوم العلمي للثقافة 
الفصل الأول تناول التطور التاريخي الذي شهدته كلمة ثقافة, وفي هذا الفصل سيكون الحديث عن(ابتداع ) ـ اختراع ـ المفهوم العلمي للثقافة.
بداية الفصل تناول  سبب ظهور علم الإناسة ـ علم الإنسان ـ وعلاقته بمفهوم الثقافة، حيث إن نقاش علماء علم الإناسة وغيرهم في تفسير قضية التنوع البشري[1]،  أدى إلى انبثاق (مفهوم الثقافة) الذي شكل الأداة المفضلة للتفكير في تفسير هذه القضية وسبر مختلف الأجوبة الممكنة لها.
فدخل علم الثقافة بشكل لا مثيل له في مختلف البلدان التي نشأت فيها الإناسة.
المقصود بعلم الإناسة: هو دراسة الإنسان من جميع جوانبه الطبيعية والسلوكية والاجتماعية.
  ويطلق هذا المفهوم على الأنثروبولوجيا.

 دور العلماء في بيان اختراع المفهوم العلمي للثقافة
أولا: إدوارد تايلور[2] والمفهوم العالمي.
* أول من اقترح تعريف للثقافة، وهو:( ذلك الكل المركب الذي يشمل المعرفة والمعتقدات والفن والقانون والأعراف والقدرات والعادات الأخرى التي يكتسبها الإنسان باعتباره عضوا في المجتمع) ,وممّا يلاحظ على التعريف مايلي:
·       أنّه تعريفا وصفي وليس تعريفا معياري.[3]
·       يعبر عن نظرة شمولية للحياة الاجتماعية للإنسان .
·       أن الثقافة وفق هذا التعريف تكتسب بعدا ً جماعيا ً ( باعتباره عضوا ً في مجتمع ) .
·       أن الثقافة في النهاية مكتسبة، وبالتالي فهي لا تنشأ عن الوراثة البيولوجية [4]
*يفضل استخدام كلمة( ثقافة ) بدل (حضارة) بعد أن كان متردد بينهما، وذلك لأنه لا يمكن أن تنطبق معنى كلمة ( حضارة) على المجتمعات البدائية فأصلها الاشتقاقي يعود على تكوين المدن، كما أنها تدل على المنجزات المادية وهي ضعيفة في تلك المجتمعات.
*استخدم كلمة الثقافة مفردة[5] وجعل مراحل لتطورها ودافع عن الشعوب البدائية وقال إن الفارق بين ثقافتهم وثقافة المتحضرين هو درجة التقدم الثقافي وحاول إيجاد براهين على ذلك، فهو يؤيد النظرية التطورية ذات الاتجاه الواحد[6].
توضيح للنقطة السابقة:
توجد مسألة مشتركة متفق عليها بين علماء الإثنولوجيا [7](وهي وحدة الإنسان) ـ سبق توضيح المصطلح في الفصل الأول ـ المتوارثة عن عصر الأنوار ولكن التنوع الإنساني الموجود في أرض الواقع يتعارض مع هذه النّظرية والذي كان يُرد فيما مضى التنوع الإنساني إلى العرق ثمّ أصبح هذا التفسير غير مقبول , ثمّ استخدموا الثقافة بدلاً عن العرق لتفسير هذا التنوع واختلفوا في ذلك وانقسموا إلى مدرستين , تبجل الأولى " الوحدة الإنسانية" وتقلل من شأن التنوع الإنساني وترى أنّه يحدث ضمن مرحلة تطورية وينتهي بالذوبان في الوحدة الإنسانية فهي حقبة من حُقب التطور ولذلك تستخدم الثقافة بصيغة المفرد , والثانية تعطي أهمية كبيرة للتنوع وترى عدم تناقضه مع الوحدة الإنسانية ولذلك تستخدم الثقافة بصيغة الجمع.

[1] التنوع البشري: يفسره قوله تعالى: يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ "الحجرات*13 يفسره قوله تعالى: يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ "الحجرات*13 في هذه الآية يخبر تعالى أنه خلق بني آدم، من أصل واحد، وجنس واحد، وكلهم من ذكر وأنثى، ويرجعون جميعهم إلى آدم وحواء، ولكن الله [تعالى] بث منهما رجالا كثيرا ونساء، وفرقهم، وجعلهم شعوبًا[1].
فأصل الإنسان واحد كما تقرر، ولكن هناك تنوع واختلاف بين الشعوب، وفي تفسير هذا الاختلاف والتنوع، تباينت الآراء:
-          فمنهم من رده الاختلاف إلى أنه اختلاف عرقي طبيعي وهذا مردود بنص الآية.
-          ومنهم من رده إلى الاختلاف والتنوع الثقافي. ومن خلال البحث فيأسباب هذا التنوع نشأ مفهوم الثقافة.

[2] التعريف بالعالم تايلور: إدوارد تايلور عالم انثروبولوجي بريطاني.من ورثة عصر الأنوار الفرنسي، ومتأثر ببعض علماء الإناسة الألمان مثل غوستاف كليم , وقد عرف عنه أنّه تطوري النّزعة كما سيلاحظ من خلال أعماله و نتاجه الثقافي المتأثر بالتطورية.
[3] سبق بيان الفرق بين التعريف الوصفي والمعياري في الفصل الأول.
[4] البيولوجيا Biology : علم الأحياء .
[5] حيث كان لا يؤمن بالتنوع الإنساني.
[6] النظرية التطورية ذات الاتجاه الواحد: يرى أن التغير يتخذ مسار واحد تجاه النط الغربي بحيث تغدوا كل المجتمعات في نهاية مسيرة النمو والتطور مشابها أو مطابقاٌ لمنظومة المنهج الغربي. ينظر: سلسلة أبحاث مركز بحوث كلية الآداب والعلوم الإنسانية جامعة الملك عبد العزيز.
[7] علم يهتم بدراسة الأجناس البشرية البائدة أو الموجودة حالياً أو التي اختفت منذ عهد قريب مع العناية بالدراسة التحليلية المقارنة للشعوب البدائية ، كما يهتم بدراسة الظواهر الاجتماعية في المجتمع البدائي وتتبع في ذلك أسلوباً تاريخياً بقصد التعرف على نشأة الظاهرة وتتبع المراحل المختلفة التي مرت بها.

Previous Post Next Post