التنوع الثقافي
يشير مصطلح التنوع الثقافي عموما إلى الاختلافات القائمة بين المجتمعات الإنسانية في الأنماط الثقافية السائدة فيها و يتجلى هذا التنوع من خلال أصالة و تعدد الهويات المميزة للمجموعات والمجتمعات التي تتألف منها الإنسانية فهي مصدر للتبادل و الإبداع، كما أنه ضروري للجنس البشري مثل ضرورة  التنوع البيولوجي بالنسبة للكائنات الحية.و بهذا المعنى فإن التنوع الثقافي هو التراث المشترك للإنسانية و ينبغي الاعتراف به و التأكيد عليه لصالح أجيال الحاضر و المستقبل.
 إلا أن التاريخ قد أظهر أن النازحين الجدد أو مجموعات الأقلية لا ينظر إليهم على كل حال  من زاوية إيجابية. فالحروب و النزاعات في أفريقيا و منطقة البلقان و الشرق الأوسط تدور رحاها بسبب عدم القدرة على التكيف مع هذا التنوع الثقافي و مواكبته رغم أنه من أقدم الظواهر الثقافية على الإطلاق.
إيجابيات التنوع الثقافي:

1.   التعرف على الثقافات الأخرى في المجتمع : عاداتها ، تقاليدها وقيمّها.
2.   الاعتراف بشرعيّة الثقافات الأخرى  في المجتمع بأنها مركب هام وجزء لا يتجزأ من المجتمع. الحوار يعطي المجموعات التعرف على حقوقها.
3.   الاحترام المتبادل بين الثقافات في المجتمع وتطوّر النقد الذاتي والتحقيق الذاتي للفرد والثقافة في المجتمع.
4.   إعطاء فرصة جديدة تضمن وتحقّق الحريات والمساواة بين الثقافات المختلفة في المجتمع مثل سن القوانين مثل "قانون أساسي لاحترام الإنسان وحريته" و "قانون أساسي حرية التشغيل والمهنة ".

بعض سلبيات التنوع الثقافي:
1.   يمكن أن يؤدي لتفكيك المجتمع ، وحدته والنسيج الاجتماعي بداخله فيصبح المجتمع كالفسيفساء لأن لكل ثقافة عاداتها وتقاليدها ونمط حياتها .
2.   يمكن أن يؤدي إلى عدم استقرار اجتماعي وفوضى اجتماعية بأنه لا يوجد قوانين موحدة لكل الثقافات بسبب الاختلاف في القيم والعادات فلا توجد ثقافة صحيحة ، قيادة واحدة...
3.   قد تساعد في انغلاق الثقافة على نفسها وتكوين إطار خاص بها بعيدا عن الإطار المشترك "الدولة" فينتج "عدة دول في دولة واحدة " وهذا يؤدي إلى تفكيك الإطار المشترك الذي يدعى "دولة واحدة للجميع".
     4. قد يؤدي لصراع عنيف بين الثقافات عند المحاولة لخلق قوانين موحدّة ودستور موحّد للدولة  و السيادة فيها وربما قد ينتهي الأمر بحرب أهلية.

* لم يكن تايلور يتعصب للتطورية وإن كان يغلبها, وموضوعيته  تجعله يستخدم نظريات أخرى في دراساته مثل الانتشارية .
ثانياً: فرانز بواس[1] كيف دخل بواس إلى علم الأنثروبولوجية؟
*رحل إلى بلاد الاسكيمو ودرسها، فوجد أن التنظيم الاجتماعي كان محكوم بالثقافة أكثر من البيئة  المادية فكرس أبحاثه للأنثروبولوجيا.
أ_ مرئياته حول الثقافة:
1/ يعتبر أن الاختلاف بين الجماعات، هو اختلاف ثقافي مكتسب وليس عرقي طبيعي، لأن النّظرة العرقية لا تثبت أمام الدراسات الفاحصة المبنية على الملاحظة حيث استنتج أنّ الأعراق غير ثابتة فهي مرنة قابلة للامتزاج  وهو ما أثبته علم الوراثة فيما بعد .
2/ يرى أن الثقافات متعددة عكس تايلور فهو يتبع الثقافة بصيغة المفرد، فكل ثقافة تمثل كلا فريدا.
3/ يستبعد كل نظرية تزعم قدرتها على تفسير كل الأشياء ، وكل تعميم لأثبته الأدلة التجريبية.
ب- أهم أعماله:
1/ استخدم الملاحظة المباشرة في أرض الواقع والمطولة على الثقافات البدائية وبهذا يكون هو مبتدع الإثنوغرافيا[2].
2/ أول من فكر بالمفهوم الانثروبولوجي للنسبية الثقافية وإن لم يكن أول من فكر فيها أو ابتدع المصطلح.
حيث تظم النسبية الثقافية عند بواس ثلاثة أوجه وهي:
الأول:مبدأ منهجي.. فهو مؤسس المنهج الاستقرائي الميداني المكثف، وقال من أراد دراسة ثقافة معينة، عليه أن يتعلم لغتهم ويقيم معهم، ويجرد من أي أفكار مسبقة ومن مقارنتهم بثقافات أخرى أثناء الدراسة، كل ذلك للإفلات من كل أشكال العرقية المركزية.
تعليق الدكتور: (أعطى في ذلك مثال "الداعية المسيحية والفرق بينه وبين الداعية المسلم فالداعية المسيحي حتى يدعوا إلى ديانته فإنه يقوم بدراسة جميع أحوال المسلمين والتعرف على نقاط الضعف والقوه فيهم بعكس الداعية المسلم ففي نظريه بواس سياسة غربيه لابد أن يكون المسلم العربي لديه معرفه بذلك )
الثاني: مبدأ معرفي .. فالعرف الخاص لا يمكن تفسيره إلا برده إلى السياق الثقافي.
الثالث: مبدأ أخلاقي.. فهو ينادي باحترام الثقافات والتسامح فيما بينها، لأن لكل ثقافة قيمتها.
3/ مخترع البحث ذي الموضوع الواحد في الأنثروبولوجية.


مفهوم العرقية المركزية أو " المركزية الأثنية :      
هي تلك النّظرة إلى الأشياء التي ترى أنّ مجموعتها الخاصة هي مركز الأشياء كافة بحيث نقيس المجموعات الأخرى وتقومها نسبة إليها  ،وكل جماعة تزعم أنها وحدها الصالحة والأفضل  وتنظر إلى الآخرين بنظرة احتقار.      
كيف نعد تفسر الناس لتنوع الثقافات؟
1/ الشعوب البدائية: ترى أن الإنسانية تقف عند حدودها العرقية أو اللغوية، فلقبوا أنفسهم بالمتفوقين أو الحقيقيين.
2/ المجتمعات التاريخية كالرومان وأوربا الغربية قديماً :  تعبر عن غير المنتمين لها في ثقافتها، بـ(البرابرة – المتوحشين).
ما هي مساوئ العرقية المركزية؟
تفضي إلى التعصب وعدم التسامح الثقافي والديني والسياسي،فلا تعترف بتنوع الثقافات.
أو أنها تتحايل فتتظاهر بالاعتراف بالتنوع الثقفي لكن تجعله على مراحل تطور وأنها هي الأفضل.
كيف حاولت الأنثروبولوجيا التخلص من العرقية المركزية؟
من خلال تطبيق منهج الملاحظة، فأدرجت فكرة نسبية الثقافات، واستحالة وضع مراحل تراتيبية للثقافات.
تعليق الدكتور :( إن العرقية مبدأ ذمه القرآن الكريم فقد قال الله تعالى " إن أكرمكم عند الله أتقاكم "
فاعتزاز اليهود بأنفسهم وقالوا إن الله هو الذي اختارهم " نحن أبناء الله وأحباء وه "
فهذا لا يقره الإسلام فهي سمه من سمات الجاهلية الأولى) .
ومن المنظور الإسلامي :
يلاحظ على الثقافات اليونانية والرومانية استعمال كلمة البربرية والوحشية على من لا ينتسب لثقافتهم  ، ولا يستقيم الحال في إطلاق هذه الأوصاف  على البشر ، وذلك لأن من المعلوم أن كل أمة لا تخلو من مصلحين وهداة كالأنبياء وأتباعهم ، كما أن الله كرم الإنسان قال  ﭨ ﭽ ﮏ  ﮐ        ﮑ  ﮒ  ﭼ الإسراء: ٧٠
فيتضح أن من مساوئ العرقية المركزية:
تفضي إلى التعصب وعدم التسامح الثقافي والديني والسياسي،فلا تعترف بتنوع الثقافات.
أو أنها تتحايل فتتظاهر بالاعتراف بالتنوع الثقفي لكن تجعله على مراحل تطور وأنها هي الأفضل.
حاولت الأنثروبولوجيا التخلص من العرقية المركزية:
  من خلال تطبيق منهج الملاحظة، فأدرجت فكرة نسبية الثقافات، واستحالة وضع مراحل تراتيبية للثقافات.
و من النماذج على  العرقية المركزية في المجتمعات :
1) اعتزاز اليهود والنصارى بعرقهم وزعمهم  بأنهم شعب الله المختار وأبناؤه وأحباؤه، ﭧ ﭨ ﭽ ﭑ  ﭒ  ﭓ  ﭔ  ﭕ  ﭖ  ﭗﭘ  ﭙ   ﭚ  ﭛ  ﭜﭝ  ﭞ  ﭟ  ﭠ  ﭡ  ﭢﭣ  ﭼ المائدة: ١٨  
 2) "العصبية القبلية"،وهي من سمات أهل الجاهلية الأولى التي أبطلها الإسلام فجعل معيار التفاضل بين الناس هو التقوى في قوله تعالى: ((يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ)) سورة "الحجرات*آية13


ما سبب تأخر المفهوم العلمي للثقافة لدى مؤسسي الإناسة الفرنسية؟ والمقصود به أن الفرنسيين يرون أن الثقافة واحدة هي ثقافة فرنسا وحضارتها, ولم يؤمنوا بعد بأن الثقافات متعددة.
وذلك يرجع ذلك إلى أمرين:
الأول: أن علم الاجتماع الفرنسي احتل مساحة البحث كلها فتأخر استخدام الثقافة كمنهج في تفسير بعض الظواهر الاجتماعية ، فهيمنت  "المسألة الاجتماعية" على  "المسألة الثقافية" وطمستها.
الثاني: أن علماء الاجتماع أنفسهم مشبعين بايدولوجيا العالمية المجردة لعصر الأنوار مما منعهم من التعددية الثقافية في المجتمعات وترتب على ذلك استخدام كلمة " حضارة " بدل كلمة " ثقافة "
 وفي القرن التاسع عشر: بعد أن واجهت فرنسا تنامي الهجرة الأجنبية السريع، فوضعها أما تعددية ثقافية فاعتمدت سياسة ثقافية إدماجية لهؤلاء طبقا للنموذج المركزي , ثمّ ظهر مفهوم علم الثقافة بشكل تدريجي عن طريق إدراج نوع من النسبية الثقافية  وأبدت كلمة حضارة  مقاومة صامدة أمام كلمة "الثقافة " حتى أنّهما  كانتا تستخدمان بمعنى واحد في بعض الأحيان .
ثالثا: دور كهايم[3]
*هو من ضمن المؤسسين للإنثروبولوجيا الفرنسية فاهتماماته تنصب على علم الاجتماع  ,وكان يطمح إلى فهم اجتماعي بكل أبعاده ومظاهره بما فيها البعد الثقافي عبر كل أشكال المجتمعات.  
* استخدم كلمة (حضارة) بدل (ثقافة) إلا في حالات استثنائية متأثرا بما كان عليه الفرنسيين في تلك الفترة, وكان للظواهر الاجتماعية عنده بعد ثقافي ,ومن هنا  كانت عنايته واهتمامه بالظواهر  الثقافية .
* أمّا موقفه من النسبية الثقافية فيتضح من مساهمته في إكساب كلمة الحضارة "مفهوم وصفي إجرائي " وتخليصها من المفهوم المعياري الذي أكسبتها إياها المسلمات الأيدلوجية, يتضمن هذا التعريف الاعتراف بتعدد الحضارات دون إبطال القول بوحدة الإنسان، حيث كان يعتقد أنّ الإنسانية واحدة , وأنّ كل الحضارات المخصوصة لها إسهاماتها في الحضارة الإنسانية فالحضارات منظومات مركبة ومتضامنة.,ولذلك كان لا يرى اختلافا بين البدائيين والمتحضرين من حيث طبيعتهم.
* يتفق مع بعض أوجه النظرية التطورية،لكن يرفض أحادية الاتجاه[4]، فيرى أن لها اتجاهات متعددة متنوعة.
* يؤكد أولوية المجتمع على الفرد  ولذلك ظهرت  لديه نظرية  العقل الجمعي  وهو الكفيل بتحقيق وحدة المجتمع وتجانسه . وقد كان ممن تأثر بالنظرية التطورية ، فلذلك وبناء على علمانيته فقدد طبق فكرة " العقل الجمعي " على الدين ،  فجعل الدين مجرد ظاهرة اجتماعية ، فإذا ما قال العقل الجمعي يوما ما بأنه يجب ألا يكون هنالك دين ، فإن الأفراد لا يملكون إلا الانصياع لذلك .
أما عن علاقة كل ذلك بنتاجه الثقافي ، فلا شك أن فرضيات العقل الجمعي مارست تأثيرا ً كبيرا  ًعلى نظرية الثقافة باعتبارها " هيئة عليا " قادرة على توجيه الأفراد للوجهة المطلوبة .
رابعاً: بروهل[5]
* ألف كتاب "الوظائف الذهنية[6] للحياة البدائية" ناقش في كتابه قضية التباين الثقافي(الاختلاف الثقافي )، والفروق بين العقليات، فيرى أن أسباب التباين الثقافي يعود إلى اختلاف العقليات.
* انصب جهد بروهل على دحض النظرية التطورية الأحادية الاتجاه, بل كان يعارض فكرة البدائيين مع استخدامه لهذا المصطلح تمشياً مع السياق العلمي في مجتمعه وليس اعترافا به، فهو لا يعتبر المجتمع ذات الثقافة الشفوية (أطفالا وكبارا )فلا يلقون النّمط ذاته من الأسئلة التي يلقيها المتحضرون وأجوبتهم تكون ساذجة طفليه كما هي في تفسير النّظرية التطورية التي تنظر إليهم كشكل أولي طفولي مرت به الثقافة الغربية في أيامها الأولى يوماً مّا.
*/ يتفق ليفي بروهل مع أطروحات تايلور على مذهب حيوية البدائيين وهي أقدم شكل من أشكال المعتقد الديني أي الاعتقاد بالوجود.
* قسم العقليات إلي قسمين عقلية بدائية "ما قبل المنطق" وعقلية متحضرة "ما بعد المنطق"، ويظن أنهما غير متنافرتين ويمكن أن يتعايشا في كل مجتمع، لكن تفوق  إحداهما على الأخرى، وهذا ما يفسر تنوع الثقافات. 
* ويرى أنّ الاتصال بين المجموعات البشرية ممكن بفضل انتمائها إلى إنسانية مشتركة .
* وتساءل عن الفروق القائمة بين "العقليات" والتي يمكن أن تكون موجودة  بين الشعوب والتي تفسر التباين الثقافي بينهم [ كأنّ ليفي يعيد أسباب التباين الثقافي إلى التباين العقلي ] وخلافاً لما عُرف عن أعماله فقد تبين أنّها لم تكن تنبع من مركزية عرقية , وقد أُلحقت بها هذه  الصفة للتقليل من أهميتها , لاسيما وأن هذه المحاولة منه لتفسير التباين الثقافي قد تناقضت مع مفهوم العالمية المجردة لعصر الأنوار ومع مبادئه الأخلاقية التي كانت تشكل إطاراً مرجعياً لأغلب المثقفين الفرنسيين في بداية القرن. 


العلاقة بين الثقافة والعلوم الاجتماعية:
¨          وجد علماء العلوم الاجتماعية أنّ هناك الكثير من الأمور  يصعب تقديم تفسير لها في دراساتهم مثل: الاختلافات القائمة بين الشعوب حيث فقدت النظرة العرقية مصداقيتها في تفسير هذه الاختلافات بسبب تقدم علم الوراثة ,كذلك السلوكيات التي تصدر من البشر حيث كانت  تُرد أسباب هذه السلوكيات إلى الأسباب الطبيعية البيولوجية ,ومن هنا نشأ الاهتمام بعلم الثقافة بل أصبح من صلب العلوم الاجتماعية إذ أنّه يقدم تفسير منطقي ومرضي لهذه الأمور , بل وجد أنّ الثقافة توجه المجتمعات حتى في الحاجيات الطبيعية مثل الجوع والنوم والرغبة الجنسية فالمجتمعات تختلف في استجابتها لهذه الحاجات الفطرية بسبب ثقافتها .
مثال: في بعض المجتمعات نجد أنّ الفتاة في الثالثة عشر والرابعة عشر تصبح في سن زواج فيستنكر منها أن تلعب مثلاًَ إذ تُعد تبعاً لثقافة المجتمع كبيرة, بينما في بعض المجتمعات تعامل الفتاة في هذا العمر كطفلة ومنشأ ذلك هو اختلاف الثقافات كما ذكرنا.


[1] التعريف بالعالم بواس: فرانز بواس عالم انثروبولوجي ألماني ليبرالي، متأثر بالمفهوم الذاتي الألماني للثقافة.

[2] علم يبحث في الظواهر المادية للنشاط الإنساني من عادات وتقاليد مثل : المأكل والمشرب والملبس.
[3] دوركهايم: إميل دورل كهايم عالم اجتماع له مكانة تأسيسه في الأنثروبولوجيا الفرنسية.
[4]لا شيء يثبت أن حضارة الغد امتداد لحضارة اليوم، بل قد يصنع حضارة الغد شعب آخر، وقد يسيرونها في اتجاه جديد غير متوقع. 
[5] بروهل: كان على رأس  علماء علم الإثنوغرافيا  ، وهو أول من تحدث عن «العقلية البدائية» لبعض الشعوب الخارجة عن نطاق العقل.
[6] يقصد بهذا المصطلح الثقافة.

Previous Post Next Post