حكم بيع المرابحة :
المرابــحـــة صــورة من صور البيع، والبيع جائز بالكتاب والسنة وإجماع والمعقول ([i])، قال تعالى : ) وأحل الله البيع وحرم الربا (([ii]) وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " البيعان بالخيار ما لم يتفرقا فإن صدقا وبينا بورك لهما في بيعهما وإن كذبا وكتما محقت بركة بيعهما "([iii]) .
وقد استدل الفقهاء على جوازها بعموم الأدلة على جواز البيع ([iv])، وتعامل الناس بها في مختلف الأقطار والعصور،ولحاجة الناس إلى هذا النوع من البيع، وكرهه أحمد([v])، وقد رويت كراهيته عن ابن عمر وابن عباس ومسروق والحسن وعكرمة وسعيد بن جبير وعطاء بن يسار وغيرهم، لأن فيه نوعاً من الجهالة، والتحرز عنها أولى، وهذه الكراهة تنزيهية والبيع صحيح([vi]).
فقد جاء في موسوعة فقه عبد الله بن عمر رضي الله عنهما :" ونهى أن يأتي الرجل فيقول : اشتر كذا وكذا وأنا أشتريه منك بربح كذا وكذا ([vii] )، وهي المسألة المعروفة اليوم بالآمر بالشراء، الواسعة التطبيق في البنوك الإسلامية، فهذا وعد بالشراء وليس بشراء ولذلك نهى ابن عمر أن يكون شراء " ([viii])، وقال ابن حزم في المحلى : " البيع على أن تربحني كذا شرط ليس في كتاب الله تعالى، فهو باطل والعقد باطل، وأيضاً فإنه بيع بثمن مجهول لأنهما إنما تعاقدا البيع على أن يربح معه للدينار درهماً فإن كان شراؤه ديناراً غير ربع كان الشراء بذلك والربح درهماً غير ربع فهذا بيع الغرر الذي نهى عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم والبيع بثمن لا يدرى مقداره، فإن سلم البيع من هذا الشرط فقد وقع صحيحاً كما أمر الله " ([ix] ).
وقال إسحاق لا يجوز لأن الثمن مجهول حال العقد . وأجازه سعيد بن المسيب وابن سيرين وشريح والنخعي والثوري والشافعي وأصحاب الرأي وابن المنذر وغيرهم .([x])
وجاء في الكافي لابن عبد البر : بيع المرابحة يجوز على ربح معلوم بعد أن يعرف رأس المال،ويبلغه، وإن تغيرت السلعة بنقص أو زيادة لـم يبعها مرابحة حتى يبين .([xi])
والخلاف في المرابحة لا يرجع إلى أصل البيع وإنما في بعض صورها لما يصاحبها ويلحق بها، والجهالة اليسيرة لا تمنعها، حيث إن بيع المرابحة بيع أمانة واسترسال من المشتري ويحتاج إلى بيان يخلو من الهوى([xii]) .
وفي الوقت الحاضر أجاز بيع المرابحة للآمر بالشراء على أساس الوعد الملزم عدد من العلماء ([xiii])، معتمدين على رأي الإمام الشافعي في إباحة بيع المرابحة كما جاء في كتاب الأم : "وإذا أرى الرجلُ الرجلَ فقال اشتر هذه، وأربحك فيها كذا، فاشترها ا لرجل فالشراء جائز، والذي قال أربحك فيها بالخيار، إن شاء أحدث فيها بيعاً، وإن شاء تركه، وهكذا إن قال : اشتر لي متاعاً، ووصفه له، أو متاعاً أي متاع شئت، وأنا أربحك فيه فكل هذا سواء يجوز البيع الأول، ويكون هذا فيما أعطى نفسه بالخيار" ([xiv]).
كما اعتمدوا على رأي ابن شبرمة فيما يتعلق بالإلزام، كما جاء في كتاب المحلى لابن حزم :" .. .وقال ابن شبرمــــــة : الوعد كلــه لازم ويقضى به على الواعد ويجبر "([xv]).
وهناك من عارض ([xvi]) إجازة بيع المرابحة للآمر بالشراء على أساس الوعد الملزم لما فيه من ربا، وبيعتين في بيعة، وبيع ما لا يملك . ..الخ، ورغم كل ما قيل في المرابحة فهي جائزة بشروطها الشرعية، لأنها تأخذ مشروعيتها من مشروعية البيع .
[i]) الصاوي ، 200.
[ii]) سورة البقرة ، آية 275.
[iii]) البخاري ،3/72 ـ 73.
[iv]) الصاوي ، المرجع السابق والصفحة نفسها.
[v]) ابن عبيدان ، 4/199.
[vi] ) ابن قدامة ، 4/199.
[vii] ) البيهقي ،5/317.
[viii] ) قلعه جي ،181.
[ix] ) ابن حزم ،9/14.
[x] ) ابن قدامة، 4/199.
[xi] ) ابن عبد البر ، 2/705.
[xii]) البعلي ، 35 ـ 37.
[xiii]) من هؤلاء : الشيخ يوسف القرضاوي ، والدكتور سامي حسن حمود ، والدكتور عبد الحميد البعلي ، والشيخ عبد الله بن سليمان المنيع ...وغيرهم .
[xiv] ) الشافعي ، 3/39.
[xv]) ابن حزم ، 8/28 ، مسألة 1125.
[xvi]) من هؤلاء الدكتور محمد سليمان الأشقر ، والدكتور رفيق يونس المصري ، والدكتور جمال الدين عطية ، والدكتور حمد الكبيسي ، والدكتور علي السالوس ، والدكتور إبراهيم دابو ، والدكتور حسن عبد الله الأمين ...وغيرهم .