أعمال الإدارة المادية غير المشروعة: 
يقصد بعمل الإدارة المادي الواقعة المادية التي تأتيها الإدارة حال مباشرتها لنشاط دون أن تقصد بها ترتيب أثر قانوني معين، وقد ذهبت في ذلك المحكمة الإدارية العليا إلى أنه: " القرار الإداري هو عمل قانوني من جانب واحد يصدر بالإرادة الملزمة من إحدى الجهات الإدارية في الدولة بما لها من سلطة بمقتضى القوانين واللوائح في الشكل الذي يتطلبه القانون بقصد إنشاء وضع قانوني معين ابتغاء مصلحة عامة، ويفترق القرار الإداري بذلك عن العمل الإداري أو الإجراء التنفيذي للقانون الذي لا تتجه فيه الإدارة بإرادتها الملزمة  إلى إحداث آثار قانونية..."[1].

ولا تثور مسؤولية الإدارة عن أعمالها المادية إلا إذا اتصفت بعدم المشروعية بأن تكون الإدارة قد أخطأت في إتيانها لها، يستوي في ذلك أن يكون عمل رجل الإدارة الإداري غير المشروع منبت الصلة بالوظيفة العامة، أو أن يكون العمل المادي غير المشروع متصل بأداء الموظف لواجبه الوظيفي كأعمال الإدارة التنفيذية لقرارات أو أحكام قضائية بصورة شابها خطأ جسيم، ويدخل ضمن أعمال الإدارة المادية غير المشروعة كل أعمال الاعتداء المادي والذي يشكل اعتداءً من الإدارة على القانون بان اتبعت توصلاً لاستيفاء حقوقها وسيلة تخالف القانون[2].

وقد تمسك مجلس الدولة المصري باختصاصه بنظر هذه المنازعات الإدارية الناشئة عن أعمال الإدارة غير المشروعة بعد صدور قانون مجلس الدولة رقم 47 لسنة 1972 والذي جعل القاضي الإداري هو القاضي العام المختص بنظر سائر المنازعات الإدارية التي لم يصنفها تحت حصر.

وهو الأمر الذي أكدته المحكمة الإدارية العليا بأن: " دعاوى التعويض عن أعمال الإدارة المادية مدارها مسئولية الدولة عن أعمالها المادية في نطاق القانون العام ومجالاته، ومن ثم فلا يجوز النأي بها عن قاضيها الطبيعي، وقواعد القانون العام وضوابطه من حيث المسئولية وأركانها، إذ لا غنى في مجالها عن وجوب استظهار ظروف المرفق وأعبائه، وما يثقل به من الواجبات والصعاب وظروف الزمان والمكان ووجه العلاقة بين مدعي الضرر والمرفق وغير ذلك مما لا مندوحة عن وجوب تقديره في مقام وزن المسئولية الإدارية والتعويض عنها قانوناً[3]"

إلا أن المحاكم العادية مازالت مصرة على استمرار اختصاصها بنظر طلبات التعويض عن أعمال الإدارة المادية غير المشروعة، وقد تجلى ذلك في حكم أصدرته محكمة النقض انتهت فيه إلى أن صدور قرار ممن لا يملك سلطة إصداره لا يكسبه أي أثر قانوني فهو قرار معدوم يعتبر تنفيذه اعتداء مادي يملك القضاء العادي دفعه. كما ذهبت إلى أن القرار الإداري الذي لا تختص جهة القضاء العادي بإلغائه أو تأويله أو التعويض عن الأضرار المترتبة عليه هو ذلك القرار الذي تفصح به الإدارة عن إرادتها الملزمة بما لها من سلطة بمقتضى القوانين واللوائح بقصد إحداث مركز قانوني معين متى كان ذلك ممكناً وجائزاً قانوناً، وكان الباعث عليه ابتغاء مصلحة عامة، ومن ثم فإن الإجراء الذي لا يستند فيه مصدره إلى قانون أو إلى قرار إداري خوله سلطة القيام به هو عمل مادي يختص القضاء العادي بنظر منع التعرض والتعويض على أساسه.

وإزاء إصرار كل من القضائيين العادي والإداري على اختصاصه بنظر دعاوى التعويض عن أعمال الإدارة المادية غير المشروعة فإن الأمر يتطلب تدخل المحكمة الدستورية العليا بما لها من اختصاص بالفصل في التنازع الايجابي للاختصاص[4].

وترى الباحثة إسناد تلك المهمة للقضاء الإداري، لكي يكون هو القضاء الإداري هو المختص بنظر التصرفات، والأعمال التي تقوم بها الإدارة باعتباره القضاء الأقدر والأنسب بالنسبة لها.

****************

[1] عبدالعزيز عبدالمنعم خليفة، دعوى التعويض الإداري في الفقه وقضاء مجلس الدولة، منشأة المعارف، 2009، ص285، 286.
[2] عبدالعزيز عبد المنعم خليفة، الموسوعة الإدارية الشاملة، الكتاب الثاني ، مرجع سابق، ص 744، 745 .
[3] عبدالعزيز عبد المنعم خليفة، الموسوعة الإدارية الشاملة، الكتاب الأول ، مرجع سابق، ص757. المحكمة الإدارية العليا، جلسة 25/ 4/1981
[4] عبدالعزيز عبدالمنعم خليفة، الموسوعة الإدارية الشاملة، الكتاب الأول ، مرجع سابق، ص753، 755.

أحدث أقدم