المنازعات الإدارية في دولة الإمارات العربية المتحدة
يثور في القضاء المزدوج تنازع بشأن اختصاص القضاء العادي أو القضاء الإداري بنظر المنازعات الإدارية فيما يتعلق ببعض المنازعات المتعلقة بأعمال الإدارة أو بعض قراراتها المرتبطة بأعمالها.
أما بالنسبة للقضاء في دولة الإمارات العربية المتحدة ونظراً لأنه قضاء موحد فلا تثور هذه الإشكالية فالقضاء العادي ينظر كافة المنازعات والتي من ضمنها المنازعات الإدارية، إلاً أنه قد تثور إشكاليات أخرى تتعلق باختصاص كل من القضاء الاتحادي والقضاء المحلي بشأن نظر المنازعات المعروضة على القضاء،
الوضع الحالي في دولة الإمارات
بعرض موجز لبيان كيفية نظر القضاء العادي في دولة الإمارات العربية المتحدة للمنازعات الإدارية في ظل طبيعة النظام السياسي في الدولة باعتبارها دولة فيدرالية لديها محاكم اتحادية ومحاكم محلية، وتشريعات وقوانين اتحادية ومحلية، وفي ظل انتهاج الدولة للنظام القضائي الموحد أي عدم وجود قضاء إداري متخصص لنظر المنازعات الإدارية مما مؤداه نظر تلك المنازعات الإدارية من خلال المحاكم العادية، دون أي تخصص قضائي سواء من ناحية القضاء ذاته أو القضاة وخبراتهم ومؤهلاتهم.
كما يفترض أيضاً في النظام القضائي الموحد، وحدة القوانين والإجراءات القضائية المطبقة على كافة النزاعات المعروضة على القضاء سواء كانت نزاعات عادية أو إدارية، ومع ذلك فقد صدرت تشريعات متعددة اتحادية ومحلية شُرِّع بموجبها إجراءات قضائية خاصة، ومواعيد محددة للتقادم والسقوط تتعلق ببعض المنازعات الإدارية.
المطلب الأول: القضاء المختص بنظر المنازعات الإدارية
بما أن القضاء العادي في دولة الإمارات العربية المتحدة يقوم بنظر كافة المنازعات ومن ضمنها المنازعات الإدارية، فإن هذا المطلب سيتناول بيان كيفية نظر هذا القضاء العادي للمنازعات الإدارية سواء أمام القضاء الاتحادي، أو القضاء المحلي من خلال منا نص عليه دستور دولة الإمارات في الفصل الخامس من الباب الرابع بشأن القضاء في الاتحاد والإمارات، وذلك بشكل موجز نظراً لسبق تفصيل ذلك.
الفرع الأول: القضاء الاتحادي:
إن القضاء الاتحادي في الدولة يمّثل إحدى السلطات الاتحادية وفقاً للمادة (45) من الدستور، وهو قضاء موحّد يقوم بنظر كافة المنازعات ومنها المنازعات الإدارية، وذلك في حدود اختصاص هذا القضاء الاتحادي الذي يتحدد وفقاً للشروط التي وضعها وبّينها الدستور وأكّدها القانون والقضاء، على النحو التالي:
أولاً: المنازعات الإدارية التي يكون الاتحاد طرفاً فيها سواء كان مدعياً أو مدعى عليه:
وهو ما نص عليه الدستور الاتحادي الصادر 1971 في المادة (102) منه والتي قضت بأنه: " يكون للاتحاد محكمة اتحادية ابتدائية أو أكثر تنعقد في عاصمة الاتحاد الدائمة - أبوظبي- أو في بعض عواصم الإمارات لممارسة الولاية القضائية في دائرة اختصاصها في القضايا التالية: 1- المنازعات المدنية والتجارية والإدارية بين الاتحاد والأفراد سواء كان الاتحاد مدعياً أو مدعى عليه فيها .....".
وهو اختصاص أّكده القانون الاتحادي رقم (6) لسنة 1978 بموجب نص المادة (3) الخاص بإنشاء المحاكم الاتحادية، والتي قضت بأنه: "تختص المحكمة الاتحادية الابتدائية في أبوظبي بنظر جميع المنازعات المدنية والتجارية والإدارية بين الاتحاد والأفراد سواء أكان الاتحاد مدعياً أم مدعياً عليه فيها".
كما أكّدته كذلك المحكمة الاتحادية العليا في حكمها الصادر في الطعن رقم 178 - لسنة 2011 قضائية بتاريخ 15/6/2011 حيث قضت بأنه: " لما كان النص في المادة 102/1 من دستور دولة الإمارات العربية المتحدة على: " يكون للاتحاد محكمة اتحادية ابتدائية أو أكثر تنعقد في عاصمة الاتحاد الدائمة، أو في بعض عواصم الإمارات لممارسة الولاية القضائية في دائرة اختصاصها في القضايا التالية:1- المنازعات المدنية والتجارية والإدارية بين الاتحاد والأفراد سواء كان الاتحاد مدعيا أو مدعى عليه فيهما" يدل على أنه متى كان الاتحاد خصماً في دعوى مدنية أو تجارية أو إدارية كان الاختصاص لمحكمة اتحادية، إذ أن معيار ومناط الاختصاص الولائي لمحكمة ابتدائية اتحادية في المنازعة هو للصفة الأساسية للخصم أي للجهة الاتحادية أو أي سلطة من سلطات الاتحاد، وأنه لا يجوز سلب هذا الاختصاص من المحكمة الاتحادية إلا بنص دستوري مواز له. ولما كان ذلك ..... وكانت المطعون ضدها الهيئة العامة للشؤون الإسلامية والأوقاف هيئة اتحادية ..... ومن ثم فان الاختصاص في النزاع بينها وبين الطاعن يرجع الفصل فيه إلى المحاكم الاتحادية "، وكذلك حكمها الصادر في الطعن رقم 322 لسنة 2011 قضائية، بجلسة 5/10/2011: والقاضي بأنه: لما كان النص في المادة (1/102) من دستور دولة الاتحاد على أن ......يدل على أن المشرع الدستوري خص القضاء الاتحادي وحده دون غيره بولاية النظر والفصل – ضمن ولايات أخرى - في المنازعات الإدارية التي يكون الاتحاد طرفاً فيها سواء كمدعي أو كمدعي عليه، وسواء كان الاتحاد خصماً أصلياً في الدعوى أو خصماً منضما أو متدخلا أو مدخلاً فيها، وتثبت للاتحاد هذه الولاية حتى ولو كان طرفا واحداً أو أكثر من أطراف النزاع تابعاً لجهة محلية بحسبان أن الاختصاص الولائي للقضاء الاتحادي من النظام العام الاتحادي الذي يعلو على النظام العام المحلي، ولاتصال هذه الاختصاص بالقضاء الاتحادي الذي هو سلطة من سلطات دولة الاتحاد، وإذ خالف الحكم المطعون فيه – ومن قبله الحكم المستأنف – هذا النظر وقضى بإحالة النزاع إلى القضاء المحلي بإمارة أبوظبي فإنه يكون قد خالف القانون وأخطأ في تطبيقه وتأويله، مما يتعين معه نقضه، على أن يكون مع النقض الإحالة إلى المحكمة المختصة عملاً بالمادة (85) من قانون الإجراءات المدنية".
وذلك فضلاً عمّا قضت به محكمة تمييز دبي في حكمها الصادر بتاريخ 16/3/2009 في الطعن رقم 313 لسنة 2008 قضائية حيث قضت بأنه: "... مفاد النص في المادتين 102, 104 من الدستور المؤقت للإمارات العربية المتحدة يدل على أن المحاكم الاتحادية تختص وحدها بالنظر في جميع المنازعات بين الاتحاد والأفراد وأن القضاء المحلي كالقضاء في إمارة دبي يختص بجميع المنازعات في الإمارة عدا المنازعات المدنية والتجارية والإدارية التي تنشأ بين الاتحاد والأفراد، والمقصود بالاتحاد في هذا الشأن هو المعنى الواسع للدولة من سلطاتها الثلاثة التشريعية والقضائية والتنفيذية وتشمل أيضاً الجهاز الإداري للدولة من الوزارات والمصالح التابعة لها والمؤسسات العامة التي لها موازنة خاصة مستقلة والتي تديرها وتشرف عليها الدولة مباشرة أو بواسطة أشخاص القانون العام والتي تتمتع بالشخصية المعنوية العامة المستقلة وتتبع في إدارتها أساليب القانون العام سواء كانت مؤسسات عامة إدارية بحتة تدير مرافق عامة لا تهدف إلى تحقيق الربح ولا تسلك أسلوب القانون الخاص أو المؤسسات العامة التي لها طابع اقتصادي وتجاري أو صناعي ولها الشخصية الاعتبارية والميزانية المستقلة التي تلحق بموازنة الجهة الإدارية التابعة لها. لما كان ذلك وكان مفاد نصوص المواد 2, 12, 18, 39 من القانون الاتحادي رقم 8/2001 بإنشاء مؤسسة الإمارات للبريد (بريد الإمارات) ...... على أن تنشأ مؤسسة عامة تسمى مؤسسة الإمارات للبريد وتتمتع بالشخصية الاعتبارية وتكون ميزانيتها مستقلة وتتبع الوزير ويديرها مجلس إدارة برئاسة وزير وتؤدي خدمة عامة – وأن رأسمالها مغطى بالكامل من قبل الحكومة وتعتبر أموالها أموال عامة – بما مؤداه – أن المشرع ناط بالدولة أمر إدارتها والإشراف عليها بما تعتبر جهاز من أجهزة الدولة ووسيلة من وسائلها في النهوض بمسئولياتها وتحقيق أهدافها وأداء خدمة عامة, ومن ثم فإن الاختصاص بنظر الدعوى الماثلة ومؤسسة بريد الإمارات طرف فيها كمدعي عليها ينعقد للمحاكم الاتحادية".
ويدخل في سياق هذا النطاق، النزاعات الإدارية التي تنشأ بين الجهات الحكومية المحلية والاتحادية باعتبار الاتحاد طرفاً في النزاع.
ثانياً: المنازعات الإدارية التي لا يكون الاتحاد طرفاً فيها، والإمارة ليس لديها قضاء محلي كإمارة (الشارقة، عجمان، أم القيوين، الفجيرة):
وفقاً للمادة (105) من الدستور فإنه: " يجوز بقانون اتحادي بناءً على طلب الإمارة المعنية نقل كل أو بعض الاختصاصات التي تتولاها هيئاتها القضائية المحلية بموجب المادة السابقة إلى المحاكم الاتحادية .......".
وحيث نصت المادة (72) من القانون رقم 10 لسنه 1973 في شأن المحكمة الاتحادية العليا على أنه: " إلى أن تنشأ المحاكم الاتحادية الابتدائية تختص المحكمة العليا بالفصل فى المنازعات المدنية والتجارية والادارية بين الاتحاد والافراد سواء كان الاتحاد مدعياً او مدعي عليه فيها...".
لذا فإنه يتم نظر المنازعات الإدارية المحلية لتلك الإمارات التي ليس لديها قضاء محلي من خلال المحاكم الاتحادية.
ثالثاً: منازعات إدارية يكون الاتحاد طرفاً فيها، إلاّ أن الإمارة (التي يوجد بها مقر الجهة الإدارية الاتحادية أو مقر المدعى عليه) ليس بها قضاء اتحادي (كإمارة دبي مثلاً) لنظر النزاع.
لم يرد في الدستور أو القوانين ما يوضحّ كيفية نظر هذه المنازعات وجهة الاختصاص في هذه الحالة.
إلاّ أن أحكام المحكمة الاتحادية العليا جاءت لتوضح جهة الاختصاص على بموجب حكمها الصادر في الصادر في 25 مايو سنة 2011 في الطعن رقم 141 لسنة 2011 إداري، حيث قضت بأنه: "... متى عهد الدستور باختصاص قضائي إلى القضاء الاتحادي، فلا يجوز لغير نص دستوري أن يسلب هذا الاختصاص منه. وأن المادة (25) من قانون الإجراءات المدنية الاتحادي نصت على أن: " تختص المحاكم الاتحادية بنظر جميع المنازعات المدنية والتجارية والإدارية" ، والمادة (26) من القانون ذاته نصت على أنه: " استثناءً من أحكام نص المادة السابقة يجوز لكل إمارة أن تنشئ لجاناً تختص دون غيرها بنظر المنازعات المتعلقة بعقود إيجار الأماكن بين المؤجر والمستأجر، ولها أن تنظم إجراءات تنفيذ قرارات تلك اللجان" يجب أن يؤول ويفسر بما يتفق وما نص عليه الدستور ولا يخالفه. لما كان ذلك وكان الثابت من مدونات الحكـم المطعون فيـه أنه أوَّل وفسَّر المـادة (26) سالفة البيان على نحو أن لجان المنازعات الايجارية هي المختصة ولائياً بنظر المنازعات المتعلقة بعقود الإيجار التي تبرمها الجهات الإدارية الاتحادية، بما فيها وزارة العمل، سواء تلك المنشأة في الإمارات ذات القضاء الاتحادي، أو الإمارات التي تحتفظ بقضائها المحلي، وكان الأصل أن اختصاص نظر هذه المنازعة إنما ينعقد لمحكمة دبي الاتحادية الابتدائية، ولما أن هذه المحكمة لم تنشأ حتى الآن، فإن الاختصاص ينتقل إلى محكمة أبوظبي الاتحادية الابتدائية بحسبان أنها المحكمة الاتحادية ذات الولاية العامة. وإذ خالف الحكم المطعون فيه هذا النظر وقضى على خلافة، فإنه يكون قد خالف القانون وأخطأ في تطبيقه ".
وكذلك حكمها الصادر في الطعن رقم (5) لسنة 17 قضائية بتاريخ 19/1/1992 على النحو التالي: " لما كان الدفع بعدم الاختصاص الولائي والمكاني للمحكمة العليا وباختصاص محكمة أبوظبي الاتحادية الابتدائية إن محكمة دبي محكمة موطن المدعى عليه بنظرها مردود، ذلك أنه تطبيقاً لنص المادة 72 من القانون رقم 10 لسنه 1973 في شأن المحكمة الاتحادية العليا فإن المحكمة الاتحادية العليا تختص بالفصل في المنازعات المدنية والتجارية والإدارية بين الاتحاد والأفراد سواء كان الاتحاد مدعياً أو مدعى عليه فيها في الإمارات التي لم يتم إنشاء محاكم ابتدائية أو اتحادية بها، ........ وأنه لما كان النزاع المطروح في الدعوى قائماً بين جهة من سلطات الاتحاد وبين مدعى عليه من الأفراد يقيم ويعمل وحصل على راتبه في إمارة دبي التي لم تنشأ فيها حتى الآن محاكم اتحادية ابتدائية، ومن ثم فإن الاختصاص بنظر الدعوى يكون معقوداً للمحكمة العليا دون سواها ويكون الدفع على غير أساس متعين الرفض".
الفرع الثاني: القضاء المحلي:
إن هذا القضاء المحلي يمثّل قضاءً موحداً يقوم بنظر كافة المنازعات التي لم يعهد بها للقضاء الاتحادي، والتي من ضمنها المنازعات الإدارية التي لا يكون الاتحاد طرفاً فيها، وهو ما أباحه المشرع لإمارات الدولة وفقاً للمادة (104) من الدستور الاتحادي لسنة 1971 والتي تنص على أن: " تتولى الهيئات القضائية المحلية في كل إمارة جميع المسائل القضائية التي لم يعهد بها للقضاء الاتحادي بمقتضى أحكام هذا الدستور".
وعليه فإن المنازعات الإدارية التي لا يكون الاتحاد طرفاً فيها، يختص بنظرها الهيئات القضائية المحلية في كل إمارة لها هيئات قضائية محلية، وذلك من خلال المحاكم المحلية العادية التي تفصل في كافة المنازعات المعروضة عليها وفقاً لقانون وإجراءات واحدة وذلك كإمارة أبوظبي ودبي ورأس الخيمة.
وفي هذا السياق، أكّدت محكمة تمييز دبي اختصاص قضاء إمارة دبي بنظر المنازعات الإدارية التي يكون أحد أطرافها الهيئات المحلية – أي أن الاتحاد ليس طرفاً فيها – وذلك بموجب حكمها الصادر بجلسة 24 فبراير 2008 في الطعن رقم 8 لسنة 2008 و19 لسنة 2008 طعن مدني، والذي قضى بأن:
" ...... النص في المادتين 102، 104 من الدستور، والمادة الاولى والمادة 25 من قانون الإجراءات المدنية المعدل والمادة الثالثة من قانون تشكيل محاكم دبي يدل على أن اختصاص المحاكم الاتحادية بالنظر في جميع المنازعات بين الدولة والأفراد إنما ينحصر في المنازعات التي تنشأ بين الحكومة الاتحادية والأفراد سواءً كانت مدعية أو مدعى عليها فيها. أما القضاء المحلي كالقضاء في إمارة دبي فإنه – وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة - يشكل جهة قضائية مستقلة عن جهة القضاء الاتحادي، وأن ولاية محاكم دبي تشمل جميع المنازعات في الإمارة عدا المنازعات ذات الطبيعة الخاصة التي حددتها المادة 102 من الدستور، ويتعين على تلك المحاكم أن تلتزم حدودها ولا تخالفها سلباً أو إيجاباً فلا تتنازل عن اختصاصها ولا تنتزع اختصاص محكمة وطنية أخرى ويكون الاختصاص على هذا النحو من النظام العام فلا يجوز الاتفاق على مخالفته، ويجوز الدفع به من كل ذي مصلحة في أية حالة كانت عليها الدعوى ولو لأول مرة أمام محكمة التمييز، وللمحكمة أن تقضي به من تلقاء نفسها. لما كان ذلك وكانت المنازعة المطروحة، قد نشأت بين أحد الأفراد والنيابة العامة في إمارة دبي باعتبارها إحدى الدوائر الحكومية المحلية التابعة لحكومة دبي، طلب فيها المدعي إلغاء القرار الصادر عنها بإنهاء خدمته الوظيفية لديها اعتباراً من ..... وإعادته إلى عمله والحكم له برواتبه وعلاواته الدورية وكافة البدلات المقررة له بموجب أحكام القانون والحكم له بالتعويض عن الأضرار المادية والأدبية التي لحقت به من جراء فصله، والفوائد القانونية من تاريخ إقامة الدعوى وحتى تمام السداد، وكانت هذه المنازعة مما لا يدخل ضمن المنازعات الاتحادية ذات الطبيعة الخاصة التي حددتها المادة 102 من الدستور، وهي منازعة لم تنشأ بين الاتحاد وبين أحد الأفراد، ومن ثم فإنها تكون من المنازعات التي تختص محاكم دبي بنظرها والفصل فيها، ..... وإذ خالف الحكم المطعون فيه هذا النظر، وقضى بإلغاء الحكم المستأنف، وبعدم اختصاص محاكم دبي ولائياً بنظر الدعوى، بمقولة أن الاختصاص ينعقد بشأنها للمحكمة الاتحادية المعنية بالفصل في الطعون على القرارات الإدارية، ومن ثم فإنه يكون قد خالف القانون وأخطأ في تطبيقه بما يوجب نقضه".
وكذلك ما أكّدته المحكمة الاتحادية العليا في الطعن رقم (4) لسنة 2009 بتاريخ 24/2/2010 بشأن استقلال قضاء أبوظبي عن القضاء الاتحادي بأن: " لما كان قضاء هذه المحكمة استقر على أن الولاية القضائية في دولة الإمارات العربية المتحدة تقوم عليها جهتان قضائيتان مستقلتان عن بعضهما, هما القضاء الاتحادي والقضاء المحلي, وأن لكل جهة منهما اختصاصها الذي يتعين عليها أن تلتزم به ولا تخالفه سلباً أو إيجاباً, فلا تتنازل عن اختصاص مقرر لها ولا تنتزع اختصاص ليس لها. وأن مؤدى هذه الثنائية أن يكون توزيع الاختصاص القضائي بينهما ولائياً يتصل بالنظام العام, مما يتوجب على كل محكمة اتحادية أو محلية أن تتصدى له من تلقاء نفسها. ولما كان القضاء في إمارة أبوظبي أضحى جهة مستقلة عن القضاء الاتحادي ...., فإن توزيع الاختصاص القضائي بينه وبين القضاء الاتحادي يكون محكوماً بالمادة (104) من دستور دولة الاتحاد......".
وما قضت به محكمة النقض بإمارة أبوظبي بموجب الطعن رقم (638) لسنة 2010 بتاريخ 23/2/2011 بشأن استقلال قضاء إمارة أبوظبي عن قضاء إمارة دبي، وعن القضاء الاتحادي بأنه: " .... وكان النص في المادة 104 منه على أن تتولى الهيئات القضائية المحلية في كل إمارة جميع المسائل القضائية التي لم يعهد بها للقضاء الاتحادي بمقتضى أحكام هذا الدستور، مما مؤداه أن لكل إمارة قضاءً مستقلاً عن الإمارة الأخرى فيما يخرج عن المسائل القضائية التي يعهد بها للقضاء الاتحادي بمقتضى أحكام الدستور ...... وكانت إمارة أبوظبي قد احتفظت بالسلطة القضائية لمحاكمها المحلية بموجب القانون رقم 23 لسنة 2006 بإنشاء دائرة القضاء في إمارة أبوظبي، فإن هذه المحاكم تكون هي صاحبة الولاية بالنسبة للدعاوى التي تقع في اختصاص إقليم الإمارة ويشكل القضاء فيها جهة قضائية مستقلة عن جهة محاكم دبي وجهة القضاء الاتحادي ويتوجب على كل محكمة سواء كانت تابعة للاتحاد أو إحدى الهيئات القضائية المحلية في إمارة أبو ظبي أو إمارة دبي أن تلتزم حدود ولايتها ولا تخالفها سلبا أو إيجابا فلا تتنازل عن اختصاصها ولا تنزع اختصاص محكمة أخرى التزاماً بأحكام الدستور والقوانين الصادرة وفقا له، كما يحول بين الأفراد وبين الاتفاق على مخالفة قواعد هذا الاختصاص، وتحكم المحكمة بذلك من تلقاء نفسها لتعلقه بالنظام العام".