منازعات الوظيفة العامة:
إن الموظف العام وفقاً لـلقانون الاتحادي رقم (1) لسنة 1972، هو كل من يشغل إحدى الوظائف الواردة في الميزانية العامة حكومة دولة الإمارات العربية المتحدة.
ويقصد بمنازعة الوظيفة العامة كل نزاع يتصل بهذه الوظيفة من حقوق والتزامات تنشأ بين الموظف وجهة الإدارة سواء رواتب أو مكافآت أو معاشات أو حقوق تقاعد، أو منازعات خاصة بالتعيين والترقية، أو جزاءات أو غيرها، والآثار والقرارات المترتبة بناءً على ذلك.
وسيتولى هذا الفرع بيان بعض التشريعات التي تختص بنظر هذه المنازعات سواء على مستوى الحكومة الاتحادية أو مستوى الحكومات المحلية، وفقاً للآتي:
أولاً: موظفو الحكومة الاتحادية:
إن الحكومة الاتحادية لدولة الإمارات نظّمت علاقة الجهة الإدارية الاتحادية بموظفيها من خلال عدة قوانين اتحادية شرّعت من خلالها إجراءات معينة، ومواعيد محددة يتعين الالتزام بها عند نظر تلك المنازعات أمام القضاء، وذلك على النحو التالي:
1- قانون الموارد البشرية في الحكومة الاتحادية (مرسوم بقانون اتحادي رقم (11) لسنة 2008 بشأن الموارد البشرية في الحكومة الاتحادية) واللائحة التنفيذية الصادرة تنفيذاً له[1].
· يطبق أحكام هذا المرسوم بقانون على الموظفين المدنيين الذين يتقاضون رواتبهم من الميزانية وكذلك على الموظفين المدنيين العاملين في الهيئات والمؤسسات العامة الاتحادية. وتستثنى من تطبيق أحكامه الوزارات والجهات الاتحادية التي نصت قوانينها على أن تكون لها أنظمة وظيفية خاصة بها وذلك في حدود ما نصت عليه.
· وبموجب هذا المرسوم فقد أنشأت لجنة تسمى (لجنة التظلمات) بموجب نص المادة (96) من المرسوم، نصت على أنه: " تُنشأ في كل وزارة بقرار من الوزير لجنة تسمى (لجنة التظلمات) يناط بها النظر في التظلمات من الجزاءات الإدارية". وأوضحت المادة (109) من اللائحة التنفيذية مهام اللجنة على النحو التالي: " يجوز للموظف أن يتقدم إلى لجنة التظلمات بتظلم خطي من الجزاءات الادارية التي قررت لجنة المخالفات فرضها عليه أو أية قرارات أو إجراءات إدارية أخرى صادرة بحقه غير تلك الصادرة عن لجنة المخالفات وذلك خلال مدة لا تتجاوز أسبوعين من تاريخ إبلاغ الموظف بقرار الجزاء، ويستثنى من ذلك تظلمات تقييم الاداء والتي تنظم وفق أحكام نظام ادارة الأداء".
· وجاءت المادة (98) من القانون، والمادة (112) من اللائحة لينظما كيفية الاعتراض على قرارات لجنة التظلمات لدى لجنة تسمى (لجنة الاعتراضات) حيث نصت المادة (112) على أنه:" يجوز للموظف الاعتراض على قرار لجنة التظلمات الصادر في غير جزائي الإنذار ولفت نظر كتابياً، وذلك بتقديم اعتراض خطي وموقع منه إلى لجنة الاعتراضات المشكلة بالهيئة - الهيئة الاتحادية للموارد البشرية الحكومية- خلال مدة لا تتجاوز ثلاثة أسابيع من تاريخ إبلاغه بقرار العقوبة، وإلا اعتبر قرار لجنة التظلمات قطعياً".
· وجاءت المادة (116) من المرسوم بقانون لتقرر ميعاداً محدداً لنظر تلك المنازعات الإدارية أمام المحاكم الاتحادية، فنصت على أنه: " 1- لا تسمع الدعوى المتعلقة بالقرارات الإدارية الصادرة بالتطبيق لأحكام هذا المرسوم بقانون بعد انقضاء مدة ستين يوماً من تاريخ العلم اليقيني بالقرار، 2- لا تسمع الدعوى المتعلقة بالطعن في المراسيم الاتحادية الصادرة بإنهاء الخدمة".
ويلاحظ من مواد هذا التشريع ما يلي:
· تم استثناء القرارات الإدارية المتعلقة بإنهاء الخدمة بموجب مراسيم اتحادية من الطعن عليها أمام القضاء، مما يعني أنه قد تم تحصين تلك القرارات من مراقبة القضاء عليها وعلى مدى صحتها ومشروعيتها.
· حَدّد ميعاداً لا تسمع بعد انقضائه الدعوى أمام المحكمة الاتحادية المختصة بشأن الطعن على القرارات الصادرة وفقاً لأحكامه، وبذلك يكون المرسوم قد شرّع ميعاداً محدداً مغايراً لما استقرت عليه المحكمة الاتحادية العليا بشأن إخضاع دعوى إلغاء القرارات الإدارية الصادرة وفقاً لأحكام هذا القانون للتقادم الطويل عملاً بنص المادة (473) من قانون المعاملات المدنية الاتحادي.
· اعتبر الإجراءات التي حدّدها للتظلم أمام جهة الإدارة على القرارات الإدارية الصادرة وفقاً لأحكامه قاطعاً لتقادم سماع الدعوى أمام المحاكم.
2- لائحة الموارد البشرية في الجهات الاتحادية المستقلة[2].
تسري أحكام هذه اللائحة على الموظفين العاملين في الجهات الاتحادية المستقلة المبينة في الجدول المرفق بهذه اللائحة.
فوفقاً لنص المادة (87) من اللائحة فإنه: " تشكّل في كل جهة اتحادية لجنة تسمى (لجنة المخالفات( يناط بها مسؤولية النظر في المخالفات التي يرتكبها الموظفون فيما عدا المخالفات المرتبطة بالدوام الرسمي والمناطة بالمسؤول المباشر، وتوقيع الجزاءات الإدارية المبينة وذلك باستثناء جزاء الفصل من الخدمة".
ووفقاً للمادة (126) من ذات اللائحة فإنه: " تُشكل بقرار من الرئيس لجنة يناط بها النظر في التظلمات من الجزاءات الإدارية تتكون من عدد من الأعضاء بشرط أن لا يكون من بينهم عضواً في لجنة المخالفات المتظلم من قراراها، وألا تقل درجة العضو فيها عن درجة الموظف المتظلم". ووفقاً للمادة (127) فإنه: " يجوز للموظف أن يتقدم إلى لجنة التظلمات بتظلم خطي من الجزاءات الادارية التي قررت لجنة المخالفات فرضها عليه وذلك خلال مدة لا تتجاوز أسبوعين من تاريخ إبلاغ الموظف بقرار الجزاء ويستثنى من ذلك تظلمات تقييم الاداء والتي تنظم وفق احكام نظام ادارة الاداء". كما نصت اللائحة كذلك على لجنة نظر الاعتراضات كما ورد في المرسوم بقانون بشأن الموارد البشرية الاتحادية.
ووفقاً لنص المادة (148) فإنه: " 1- لا تسمع الدعوى المتعلقة بالطعن في المراسيم الاتحادية الصادرة بإنهاء الخدمة. 2- لا تسمع الدعاوى المتعلقة بالقرارات الادارية الصادرة بالتطبيق لأحكام هذه اللائحة بعد انقضاء ستون يوماً من تاريخ العلم اليقيني بالقرار".
ثانياً: موظفو الحكومات المحلية:
1- موظفو حكومة إمارة أبوظبي:
نظّمت علاقة الجهة الإدارية لإمارة أبوظبي (المحلية) بموظفيها من خلال قوانين محلية شرّعت من خلالها إجراءات معينة، عند نظر تلك المنازعات أمام القضاء، وذلك على النحو التالي:
قانون الخدمة المدنية رقم (1) لسنة 2006، المعدل بالقانون رقم (1) لسنة 2008 في شأن الخدمة المدنية في إمارة أبوظبي، والذي يسري على الموظفين المدنيين العاملين لدى الجهات الحكومية المحلية بإمارة أبوظبي الذين يتقاضون رواتبهم من الميزانية العامة، والذي حدد من خلاله المشرع كيفية نظر المخالفات الإدارية من قبل جهة الإدارة على النحو التالي:
1- نظر المخالفات من قبل (مجالس التأديب) التي أُنشأت وخوّلت بعض الصلاحيات، وفقاً للمواد التالية:
· المادة (67) والتي نصت على أنه: " تنشأ بقرار من المجلس مجالس تأديب تختص بمساءلة الموظفين وتشكل من ثلاثة أعضاء على الأقل من الدرجة الأولى فما فوق، ومع مراعاة ألا تقل درجة أي منهم عن درجة الموظف المحال للمحاكمة التأديبية".
· المادة (74) من القانون، والتي حددت صلاحيات اللجنة وفقاً لما يلي:
" لمجلس التأديب أن يستوفي التحقيق بنفسه، ويكون له السلطات المخولة لجهات التحقيق من حيث تحقيق الأدلة بما في ذلك سماع الشهود بعد حلف اليمين، وتسري على الشهود الأحكام الخاصة بمن يؤدي الشهادة أمام المحاكم".
2- نظّم المشرّع اجراءً مغايراً للتظلم على بعض القرارات الإدارية، فالتظلم بشأنها يكون أمام محاكم الاستئناف المحلية وليس أمام جهة الإدارة، وذلك وفق ما جرى عليه نص المادة (81) من القانون المشار إليه: " 3- يجوز التظلم أمام محكمة الاستئناف من قرارات مجلس التأديب الصادرة بتوقيع جزاءات الوقف عن العمل بدون راتب إجمالي، أو الفصل من الوظيفة، وذلك خلال ثلاثين يوماً من تاريخ تبليغ الموظف بالجزاء ويكون الحكم الصادر في التظلم نهائياً".
2- موظفو حكومة إمارة دبي:
· رغم وجود قضاء محلي في إمارة دبي ينظر كافة المنازعات التي لم يعهد بها إلى القضاء الاتحادي، ومنها المنازعات الإدارية بين الدوائر أو الجهات المحلية في الإمارة والأفراد، إلا أنها تتبع إجراءات خاصة بموجب قانون محلي يختص بقضايا الحكومة (المنازعات الإدارية المحلية) حيث أصدرت بتاريخ 23/9/1972 تعليمات بأنه: " لا تقام الدعوى ضد الحكومة أو أي دائرة من دوائرها أو مؤسسة من مؤسساتها إلا بإذن منا – أي من الحاكم"، ثم أصدرت تعليمات في عام 1992 بشأن قضايا الحكومة، وفي عام 1996 صدر (قانون دعاوى الحكومة) رقم (3)، وأخيراً صدر القانون رقم (10) لسنة 2005 بتعديل القانون السابق، والذي نص وفقاً للمادة (3/د) على أنه: " تقام الدعاوى ضد الحكومة على النائب العام كمدعى عليه بصفته ممثلاً للحكومة، ويشترط في ذلك إتباع الإجراءات التالية:
1- على من يرغب في إقامة الدعوى أن يودع لدى مكتب المستشار القانوني لحكومة دبي بصورة كتابية التفاصيل الكاملة لادعائه.
2- يحيل المستشار القانوني بكتاب منه الادعاء إلى الجهة المعنية لإبداء مطالعتها, وذلك خلال أسبوع واحد من استلامه الادعاء، وعلى الجهة المعنية الرد خلال خمسة عشر يوماً من استلامها كتاب الإحالة, وإذا انقضى شهران على تقديم الادعاء للمستشار القانوني دون الوصول إلى إنهاء النزاع بصورة ودية فللمدعي أن يلجأ إلى المحكمة المختصة.
· وتعدّ هذه الإجراءات إجراءات تقاضي تتعلق بالنظام العام، مما يترتب على مخالفتها عدم قبول الدعوى لدى المحكمة، وقد أكّد ذلك محكمة تمييز دبي في حكمها الصادر بتاريخ 20/12/2009 في الطعن رقم (5) لسنة 2009 قضائية حيث قضت بأنه:" مفاد النص في المادة 2، 3/د من القانون رقم 10 لسنة 2005 بتعديل أحكام قانون دعاوى الحكومة رقم 3 لسنة 1996 يدل على أنه يتعين في الدعاوى التي تقام على الحكومة إتباع الإجراءات السالف الإشارة إليها وهي ذات طبيعة إجرائية وإجراء من إجراءات التقاضي التي تتعلق بهذه الدعاوى وتتعلق بالنظام العام ويترتب على مخالفتها عدم قبول الدعوى وتقضي به المحكمة من تلقاء نفسها. لما كان ذلك وكان الحكم المطعون فيه قد أقام قضاءه بإلغاء الحكم المستأنف وبعدم قبول الدعوى على ما أورده بأسبابه من أن "الثابت من القرار رقم 9 لسنة 2003 بإنشاء مدينة ......... الطبية – المدعى عليها – في المادة الثانية الفقرة الثالثة، وفي المادة الثالثة الفقرة ب، أنها – مدينة ...... الطبية – تلحق مالياً وإدارياً بهيئة دبي لاستقطاب الاستثمار والتطوير، كان المرسوم رقم 2 لسنة 2002 بإنشاء هيئة دبي لاستقطاب الاستثمار والتطوير – بالحكومة – نص في مادته الخامسة على أن رئيسها يعين بمرسوم يصدره الحاكم فدل ذلك على أن المشرع ألحق مدينة ..... الطبية، مالياً وإدارياً بهيئة دبي لاستقطاب الاستثمار والتطوير الملحقة بالحكومة، فتخلص المحكمة من ذلك إلى أن مدينة .... الطبية – المستأنف ضدها – هيئة حكومية يلزم لرفع الدعوى قبلها الحصول على إذن من الجهات المختصة بذلك، فلما كان ذلك وكانت الأوراق قد خلت من ذلك الإذن فتقضي المحكمة من ثم مجدداً بعدم قبول الدعوى لرفعها بغير الطريق الذي خطه القانون، أما قد خالف الحكم المستأنف هذا النظر فقد خالف صحيح القانون متعين الإلغاء فتقضي المحكمة من ثم بذلك على النحو الوارد بالمنطوق".
· كما أصدرت حكومة دبي كذلك، قانون إدارة الموارد البشرية لحكومة دبي رقم (27) لسنة 2006، وقرار المجلس التنفيذي رقم (4) لسنة 2009 باعتماد النظام الأساسي للجنة التظلمات المركزية لموظفي دوائر حكومة دبي، اللذان نظّما العلاقة بين موظفي الجهات الحكومية المحلية وتلك الجهات.
3- موظفو حكومة إمارة الشارقة:
أصدرت حكومة الشارقة القانون رقم (5) لسنة 2001 بشأن الخدمة المدنية لإمارة الشارقة، تم بموجبه تحديد مدة لا تسمع بانقضائها دعوى المطالبة بالحقوق المالية الناشئة عن هذا القانون، وذلك بموجب نص المادة (122) والتي قضت بأنه: "لا تسمع دعوى المطالبة بالحقوق المالية الناشئة عن هذا القانون بانقضاء خمس سنوات من تاريخ الاستحقاق، ولا يسري الميعاد المشار إليه كلما وجد مانع يقبله مدير عام الدائرة أو الهيئة يتعذر معه على المستحق أن يطالب بحقه".
والغريب في الأمر، أن هذه المادة منحت صلاحية لمدير الجهة الإدارية بشأن السماح بعدم سريان تلك المدة وفقاً لما يراه مناسباً، بمعنى أنه لو أقيمت دعوى أمام القضاء بعد انقضاء هذه المدة المقررة قانوناً فإنه يجوز قبولها في حال أجاز مدير الجهة الإدارية ذلك.
والمستفاد من هذه التشريعات السابقة، أنها قد نظّمت مواعيداً لنظر الدعاوى الإدارية بين الجهات الإدارية وموظفيها أمام القضاء، كالميعاد المحدد لسماع الدعوى لدى الحكومة الاتحادية، وإمارة أبوظبي – مدة الستون يوماً –، والميعاد المحدد من حكومة إمارة الشارقة – مدة خمس سنوات- كما سبق بيانه.
فضلاً عن أن بعضها قد نظّم إجراءات معينة لنظر بعض المنازعات الإدارية أمام القضاء، منها يتعلق بعدم سماع الدعوى بشأن الطعن على مرسوم إنهاء الخدمة كما في تشريع الحكومة الاتحادية وحكومة إمارة أبوظبي، ومنها ما يتعلق بمنح الجهة الإدارية بعض السلطات المخولة لسلطات التحقيق أو القضاء كما في مجالس التأديب الخاصة بحكومة إمارة أبوظبي، كما أن بعضها يتعلق بالنظام العام كما في التظلم الوجوبي لدى حكومة إمارة دبي.
[1] قرار مجلس الوزراء رقم (13) لسنة 2012، بشأن اللائحة التنفيذية للمرسوم بقانون اتحادي رقم (11) لسنة 2008.
[2] قرار مجلس الوزراء رقم (15) لسنة 2013، بشأن لائحة الموارد البشرية في الجهات الاتحادية المستقلة.