مسؤولية الإدارة عن أعمالها المادية غير المشروعة
حددت المحكمة الإدارية العليا الأعمال المادية للإدارة بأنها: " وقائع مادية دون أن تقصد بها السلطة الإدارية تحقيق آثار قانونية محددة ملزمة للأفراد"، وبالتالي فهي تختلف عن القرار الإداري حيث لا تقصد الإدارة إحداث آثار قانونية فيما تأتيه من أعمال مادية  .

وأعمال الإدارة المادية المشروعة لا تعطي للمضار منها حقاً في التعويض حيث يشكّل ذلك مسؤولية الإدارة على أساس تبعة المخاطر وهو ما لم يعترف به قضاء مجلس الدولة المصري على عكس نظيره الفرنسي إلا في حالة وجود نص تشريعي يقررها مع اشتراطه لأن يكون الضرر الموجب لقيامها خاصاً جسيماً. وعليه فإنه لا تثور مسؤولية الإدارة عن أعمالها المادية إلا إذا اتصفت تلك الأعمال بعدم المشروعية بأن تكون الإدارة قد أخطأت في إتيانها لها سواء كان عمل رجل الإدارة المادي غير المشروع منبت الصلة بالوظيفة العامة كمداهمة سائق بسيارته الحكومية أحد الأفراد فأصابه أو قتله، أو يكون العمل المادي غير المشروع متصل بأداء الموظف لواجبه الوظيفي كأعمال الإدارة التنفيذية لقرارات أو أحكام قضائية بصورة شابها خطأ جسيم. ويدخل ضمن أعمال الإدارة المادية غير المشروعة كل أعمال الاعتداء المادي والذي يشكّل اعتداء من الإدارة على القانون توصلاً لاستيفاء حقوق لها باستخدام وسائل تخالف القانون[1].

وتختص محاكم مجلس الدولة بنظر دعاوى التعويض الناشئة عن أعمال الإدارة المادية المتصلة بنشاطها حيث يدخل ذلك ضمن اختصاص محكمة القضاء الإداري بوصفها محكمة ذات اختصاص عام بنظر سائر المنازعات الإدارية وذلك وفقاً لما ذهب إليه قانون مجلس الدولة المصري الحالي رقم 47 لسنة 1972، ومع ذلك فإن موقف القضاء العادي وعلى قمته محكمة النقض جاء مناقضاً لما استقر عليه قضاء مجلس الدولة مؤكداً استمرار انعقاد الاختصاص لمحاكم القضاء العادي بنظر التعويض عن أعمال الإدارة المادية.

وفي تطور حديث لقضاء المحكمة الإدارية العليا بموجب الطعن رقم 1411 سنة 28 ق جلسة 25/4/1981 حادت فيه عن موقفها السابق حيث أكدت أنه يتعين لانعقاد الاختصاص لمحاكم مجلس الدولة بنظر دعاوى التعويض عن أعمال الإدارة المادية توافر صفة المنازعة الإدارية التي تستوجب توافر شرطيـن أولهما صدور العمل المادي محل طلب التعويض عن أحد المرافق العامة الإدارية التقليدية بمناسبة تسييره وفقاً لأساليب القانون العام، ومن ثم يظل الاختصاص منعقداً لمحاكم القضاء العادي بنظر طلبات التعويض عن الأعمال المادية الصادرة عن شخص معنوي خاص كشركات القطاع العام وبنوكه حيث لا ينسحب عليها وصف المرفق العام، وثانيهما أن يبدو وجه السلطة العامة ومظهرها المتمثل في الاستعانة بأساليب القانون العام واضحاً في هذا العمل المادي، وعليه فإذا قامت الإدارة بالعمل المادي شأنها كشأن أي فرد عادي متجردة من مظاهر السلطة العامة فلا ينعقد الاختصاص بنظر دعوى التعويض عن آثاره الضارة للقضاء الإداري حيث يظل منعقداً للقاضي العادي باعتباره صاحب الاختصاص العام بنظر كافة المنازعات[2].

ورغم ذلك فقد ظلت المحاكم العادية مصرة على استمرار اختصاصها بنظر طلبات التعويض عن أعمال الإدارة المادية، حيث قضت بأن المنازعات المتعلقة بالأعمال المادية التي تأتيها جهة الإدارة دون أن تكون تنفيذاً مباشراً لقرارات إدارية أو التي ينسب إلى موظفيها ارتكابها أثناء أو بسبب تأدية وظائفهم فلا تعد من المنازعات الإدارية سواء في تطبيق ذلك البند أو في تطبيق سائر البنود المشار إليها ومن ثم فلا يدخل في الاختصاص الولائي لمحاكم مجلس الدولة الاختصاص بالفصل فيها حيث أن هذا الاختصاص ينعقد لمحاكم القضاء العادي وحده باعتباره صاحب  الولاية العامة بالفصل في كافة المنازعات عدا المنازعات الإدارية وما استثني بنص خاص وفقاً لنص الفقرة (1) من المادة (15) من قانون السلطة القضائية.

وأمام إصرار القضائيين على اختصاصهما بنظر دعاوى التعويض عن أعمال الإدارة المادية فإن الأمر يتطلب تدخل المحكمة الدستورية العليا بالفصل في هذا التنازع الإيجابي للاختصاص[3].

[1] عبدالعزيز عبدالمنعم خليفة، الموسوعة الإدارية الشاملة، الكتاب الأول، مرجع سابق، ص 742-745.
[2]  عبدالعزيز عبدالمنعم خليفة، الموسوعة الإدارية الشاملة، الكتاب الأول، مرجع سابق، ص 749-753.
[3] عبدالعزيز عبدالمنعم خليفة، الموسوعة الإدارية الشاملة، الكتاب الأول، مرجع سابق، ص 754-757.

أحدث أقدم