يرجع مفهوم الضيافة أو الفندقة إلى العصور الأولى، فقد ذكر هذا النشاط في الكتابات القديمة التي تحدثت عن الحضارة الرومانية والبابلية، فضلاً عن مصر القديمة، حيث قدمت تلك الكتابات وصفاً للأشكال التي عرفت عن الفنادق آنذاك،  وكانت هناك العديد من الشواهد التي تدل على وجود نشاط فندقي بدائي.

      فمنذ سنوات عديدة مضت دعت الحاجة المسافرين والعابرين إلى التوقف وطلب الراحة والطعام أثناء رحلات السفر البرية الطويلة التي سلكها الأقدمون، وبالتالي نشأ ما يعرف بأماكن الراحة حول المواقع القريبة من مصادر المياه.

      كما قصد أيضاً الغرباء هذه الفنادق البدائية للإقامة والطعام نتيجة للمعتقدات التي كانت سائدة في تلك العصور من أن الغريب يجسد أرواحاً شريرة أو الشيطان نفسه، وبالتالي يجب توخي الحذر في التعامل معه وإبعاده قدر المستطاع عن السكن داخل القرى والمدن القديمة.

      أما الرحلات العسكرية التي كانت تضم الجيوش الغازية، فقد فضل القادة العسكريون إقامة جنودهم داخل الخيام التي جلبوها معهم تجنباً للسمعة السيئة التي اتصفت بها معظم فنادق هذه العصور المبكرة.

      وقد تبنى النشاط الفندقي البدائي فلسفة العطاء والأخذ بمعنى تقديم الملجأ أو المأوى والطعام للمسافر أو الغريب اليوم، الذي ربما يقوم بنفس العمل غداً، كما كان يقوم بخدمة معظم هذه الفنادق العبيد الذين تم أسرهم من البلاد التي فتحتها جيوش الإمبراطوريات.

      وحملت الفنادق في تلك الفترة مسميات الخان أو الخانة، ثم النزل، واعتمد التصميم المعماري لمعظمها على أربعة حوائط حجرية سميكة وسقف لحماية النزلاء من مخاطر الطبيعة ومن هجمات اللصوص وقطاع الطرق، كما شيدت داخل تلك الجدران مجموعة من المصاطب لنوم النزلاء.
      وفي مراحل زمنية لاحقة، بدأت الخانات والنزل تتطور نسبياً من الإقامة البدائية التي توفرها للترلاء إلى إقامة أكثر راحة، فاهتم البعض منها بتوفير إسطبلات للخيول وبالتالي جمعت بين أماكن لإقامة ونوم للنزلاء وأماكن لإقامة وراحة خيولهم، لذا أطلق على تلك النزل القصور باعتبارها تناسب إقامة الملوك وفقاً لمقاييس هذه العصور.

 

      تأثر النشاط الفندقي بالمعتقدات الدينية التي كانت مسيطرة في تلك العصور، حيث لعبت المؤسسات الدينية آنذاك دوراً مؤثراً في تشكيل سلوكيات وأنماط تعامل المجتمع، فقد اعتبر أن من واجبات المواطن الصالح تقديم خدمات الضيافة لمن يطلبها من المسافرين والغرباء مجاناً، ولم تخبرنا الدراسات المتاحة ذات الصلة عن الفترات الأولى من تلك العصور عن قيام النزلاء بدفع مقابل مادي لإقامتهم. وكان يشار إلى النزل التي تقدم خدماتها دون مقابل – كجزء من مفهوم الرجل الصالح – بالـ Xenodocheions وهو مصطلح يوناني يعني أماكن الراحة.

      وبحلول القرنين السادس والسابع عشر تبلورت مرحلة هامة من مراحل التطور الفندقي، حيث اتخذ صبغة تجارية واضحة وتحددت المهام الأساسية للفندق في تقديم خدمات الإقامة والطعام، والترفيه.

      وتعد بريطانيا إحدى شواهد هذا التطور، حيث اعتمد السفر بين لندن ومدينة أدن بيرج على العربات الكبيرة التي تجرها الجياد وهو ما يعني ضمنياً وجود رحلات برية تمتد لفترات زمنية طويلة، وتضم عدداً كبيراً من المسافرين الذين يتسمون بالقدرة المالية المرتفعة.

      وكانعكاس لتلك الظاهرة شيدت الفنادق بجوار الطرق التي تسلكها تلك العربات، كما اهتمت في الوقت ذاته بجودة الخدمات الفندقية التي تقدمها، حيث تتلاءم مع المستوى المعيشي لهؤلاء المسافرين. ومن الملاحظ أن عشوائية البناء الفندقي قد بدأت في الانحسار حيث استلزم تشييد الفنادق الحصول على تراخيص بناء من حاكم المنطقة التي يقع فيها الفندق.
      وكان هناك نمط شائع في تصميم الفنادق يسمح بدخول العربات التي تجرها الجياد إلى داخل الفندق، مع تخصيص أماكن من المستوى الأول للنزلاء مكونة من غرف فردية، وأماكن أخرى أقل مستوى لنوم السائقين والسقاة والعاملين في الفندق، كما تميز أيضاً التصميم بوجود فناء كبير يستخدم لخدمة أغراض متعددة، كالحفلات والزفاف، فضلاً عن استخدامه كمسرح عند الضرورة، وهو ما يؤكد ما تم الإشارة إليه سلفاً من أن معالم الوظائف الأساسية للفنادق كالإقامة والطعام والترفيه قد تحددت بصورة واضحة.






      كما توافرت داخل مباني الفنادق أماكن لإسطيلات الخيول، وتم تشييد السور الخارجي من الحجارة وبارتفاع كبير نسبياً لحماية كل فندق من الأخطار الخارجية، وكان لتلك الفنادق مدخل وحيد لتدعيم أغراض الحماية، وإحكام الرقابة في الوقت ذاته على الدخول والخروج من الفندق.

      ومع بداية القرن الثامن عشر ظهرت الأماكن المخصصة لتقديم القهوة في العديد من الفنادق، ويعد فندق Henri الذي بني في مدينة Nantes بتكلفة إجمالية قدرها 17500 جنيه إسترليني، من أشهر فنادق هذا العصر، وكان يضم (60)  سريراً، واعتبر آنذاك أفضل فنادق أوروبا.

أحدث أقدم