اعتراف العراق بالكويت عام 1963
لقد انتهت حكومة عبد الكريم قاسم في شباط /فبراير 1963 على أثر انقلاب عسكري قاده حزب البعث العربي الاشتراكي, الذي عارض سابقا دعوة عبد الكريم قاسم في ضم الكويت للعراق بالقوة, وقد كانت قيادة حزب البعث في زمن عبد الكريم قاسم قد أصدرت بيانا نددت فيه بمطالبة عبد الكريم قاسم لضم الكويت بالقوة, وذكر البيان أيضا أن غرض عبد الكريم قاسم من طرح موضوع الكويت هو صرف انظار الشعب في هذا الوقت بالذات عن جرائمه بحق حركة التحرر العربي  (1).
أما الكويت فقد استبشرت بما حدث في العراق من انقلاب ثوري أدى الى سقوط عبد الكريم قاسم, الذي سبب قلقا لحكومتها وشعبها بتصريحاته النارية في ضم الكويت بالقوة. لاسيما وان قادة الانقلاب هم الذين عارضوا دعوة عبد الكريم بضم الكويت, لذلك كان يتحتم على الحكومة الكويتية ان تقف على حقيقة الانقلابيين الجدد لمعرفة نواياهم تجاه الكويت.
لقد سارع أمير الكويت عبد الله السالم الى تهنئة الرئيس العراقي الجديد عبد السلام عارف بانتصار ثورة 8شباط / فبراير 1963. كما أرسل ولي عهد الكويت رسالة الى السفير البريطاني في الكويت في مساء الثامن من شباط / فبراير يعرب فيها عن رغبته في الاعتراف بنظام الحكم الجديد في بغداد حتى يحصل بالمقابل على اعتراف عراقي بالكويت (2).
وفي الحقيقة كانت حكومة الكويت تسعى للحصول على أعتراف رسمي من الحكومة الجديدة, حيث باتت تدرك جيدا أن استقلالها يعتبر ناقصا حتى بعد الغاء اتفاقية الحماية المعقودة مع الحكومة البريطانية عام 1899, والتي حلت محلها اتفاقية " المساعدة " بين بريطانيا وحكومة الكويت عام 1961, والتي نالت بموجبه الكويت استقلالها. وذلك لأمور منها عدم حسم مطالبة العراق بضم الكويت على اعتبار أنها جزء من أراضي البصرة, والأمر الاخر هو عدم الموافقة على قبولها في عضوية الأمم المتحدة بسبب الفيتو السوفيتي وذلك لوجود قواعد بريطانية على أراضيها, وأيضا بحكم الاتفاقية المعقودة بينها وبين بريطانيا فلا يمكن اعتبارها دولة مستقلة (3).






 
(1) فتح الله ,جرجيس, مغامرة الكويت – الوجه والخلفية, ج1, دار آزاد للنشر, استوكهولم ,1991 , ص158
(2. العاني, د. عبد الكريم, مصدر سابق, ص236-237
(3) العنزي, محمد نايف, العلاقات السياسية بين العراق والكويت, مركز البحوث والدراسات الكويتية , الكويت, 2001, ص13

أعتراف الحكومة العراقية الجديدة بالكويت:
لقد زار العراق وفدا رسميا كويتيا برئاسة  الشيخ صباح السالم الصباح  ولي العهد ورئيس مجلس الوزراء الكويتي بتاريخ 4/10/ 1963 , لاجراء مفاوضات مع رئيس وزراء العراق أحمد حسن البكر, وبعد جولة من المفاوضات صدر بيان مشترك بعد انتهاء المفاوضات أكد فيه " ازالة كل ما يشوب العلاقات بين البلدين وتوطيد العلاقات لما فيه خير البلدين, والتمسك برابطة العروبة والشعور بأواصر الجوار وتحسس المصالح المشتركة " (1).
وتأكيدا من الوفدين المجتمعين عن رغبتهما الراسخة في توطيد العلاقات لمافيه خير البلدين بوحي من الاهداف العربية العليا, وايمانا بالحاجة لاصلاح ما ران العلاقات العراقية الكويتية نتيجة موقف العهد القاسمي البائد تجاه الكويت قبل اشراق ثورة الرابع عشر من رمضان المباركة, وقد أتفق الوفدان على ما يلي:(2)
أولا : تعترف الجمهورية العراقية باستقلال الكويت وسيادتها التامة بحدودها المبينة بكتاب رئيس وزراء العراق بتاريخ 12/7/1932 والذي وافق عليه حاكم الكويت بكتابه المؤرخ في 10/8/1932.
 ثانيا: تعمل الحكومتان على توطيد العلاقات الاخوية بين البلدين الشقيقين يحدوهما في ذلك الواجب القومي والمصالح المشتركة والتطلع الى وحدة عربية شاملة.
ثالثا: تعمل الحكومتان على اقامة تعاون ثقافي وتجاري واقتصادي بين البلدين وعلى تبادل المعلومات الفنية بينهما.
وتحقيقا لذلك يتم فورا تبادل التمثيل الدبلوماسي بين البلدين على مستوى السفراء.
الملاحظات على البيان الختامي:
 1- أهم ما جاء في البيان الختامي هو الاعتراف العراقي بالكويت, على انها دولة مستقلة ذات سيادة, وهو ما كان يطمح اليه حكام الكويت من الحكومات العراقية المتعاقبة لوضع حدا للمطالبات العراقية بضم الكويت.
2- لم يشر البيان الختامي عن أية اشارة الى ترسيم الحدود بين البلدين, على الرغم من أن البيان قد أعلن فيه أعترف العراق بشكل صريح بدولة الكويت. وقد فسرت هذه الحالة بعد ذلك على ان العراق أعترف بالكويت كدولة فقط, لكنه لم يعترف بالحدود القائمة بين البلدين, حتى وان أشار البيان الى الحدود المبينة بكتاب رئيس وزراء العراق في 12/7/1932.




 
(1) العلوي, حسن, مصدر سابق, ص99 
(2) العاني, د. عبد الكريم, مصدر سابق , ص241
وهكذا انتزعت الكويت اعترافا عراقيا منقوصا بها كدولة مستقلة, وعلى أثره وافقت الكويت على أن تقدم للعراق قرضا بقيمة 30 مليون دينار بفائدة رمزية 1% يبدأ بالاستحقاق بعد عشر سنوات , كما تبرعت الكويت لأسر شهداء ثورة الرابع عشر من رمضان 1963 (1).
القيمة القانونية لاتفاقية الأعتراف بالكويت 1963:
لقد تضمنت اتفاقية 1963 اعترافا عراقيا بالكويت كدولة مستقلة, استنادا الى مراسلات عام 1932 التي جرت بين رئيس وزراء العراق في ذلك الوقت نوري السعيد والمندوب السامي البريطاني في بغداد فرنسيس همفريز. وقد كانت استجابة رئيس وزراء العراق لطلب المندوب السامي في قضية الحدود بين العراق والكويت سريعة , وهذا يتبين من رفض الجهات ذات العلاقة كوزارة الدفاع التي لم تقم رئاسة الوزراء بأستشارتها بأعتبارها الجهه المعنية بالحفاظ على حدود وسيادة الدولة.
كما أن رئاسة الوزراء لم تعرض رسالة المندوب السامي أو رسالة رئيس الوزراء على السلطة التشريعية لمناقشتها وتقديرأهميتها بما يتلائم مع مصالح البلاد العليا, اذن فهي لا تدخل في الاطار القانوني للمعاهدات أو الاتفاقيات والتي لم تكن ملزمة قانونا الا بعد التصديق عليها من أعلى سلطة في الدولة عليها, حيث ان القانون الدولي يقضي بعدم التزام الدول بالاتفاقيات بمجرد التوقيع عليها, لأنه لابد من اعطاء الأطراف الموقعة على الاتفاقيات فرصة لبحثها مجددا للتأكد من عدم وجود ما يتنافض مع مصالح الدول الموقعة, الأمر الذي يتحقق بالتصديق (2).
 أما اتفاقية 1963 التي جاءت في فترة يشهد فيها النظام السياسي العراقي الجديد صراعا داخليا بين جناحين في داخل حزب البعث الحاكم, فالجناح العسكري في مجلس قيادة الثورة اضافة الى طالب شبيب وحازم جواد الذين تبنوا توقيع اتفاقية الأعتراف مع الجانب الكويتي. أما الجناح الاخر فهو لا يبتعد كثيرا عن فكرة عبد الكريم قاسم في ضم الكويت, وكان هذا الجناح يمثله صالح السعدي وهاني الفكيكي (3).
لهذا جاءت اتفاقية 1963 التي توجت بالأعتراف العراقي بالكويت ماهي الا رغبة لأحد جناحي حزب البعث في الحكومة العراقية. لذلك لم تطرح الحكومة العراقية الاتفاقية على مجلس قيادة الثورة الذي كان أعلى سلطة في البلاد, ولم تعرضها على رئيس الجمهورية للمصادقة عليها. فهي اذن لا تكتسب الصفة القانونية للاتفاقيات والمعاهدات الملزمة للأطراف الموقعة عليها. 






 
(1) العنزي, محمد نايف, مصدر سابق, ص130
(2) سرحان, د. عبد العزيز محمد, مبادئ القانون الدولي العام, دار النهضة العربية, القاهرة, 1980, ص 940
(3) العاني, د. عبد الكريم, مصدر سابق,ص243

صعوبة ترسيم  الحدود بعد اتفاق 1963:
بعد توقيع محضر اتفاق 1963 جرت مفاوضات بين مسؤولي البلدين على مستوى وزراء الخارجية لبحث قضية ترسيم الحدود. وقد بدأ الجانب العراقي بوضع العراقيل أمام تنفيذ الاتفاق المبرم بين البلدين. حيث أدخل العراق في قضية ترسيم الحدود البحرية رأي وزارة الدفاع التي تصر على ابعاد خط الحدود عن ميناء أم قصر ضمانا للتوسعات المحتملة في المستقبل, وقد أقترحت اللجنة التي شكلها العراق في دراسة الحدود الموافقة على المقترح الذي قدمته وزارة الدفاع الذي يقضي أن يمر خط الحدود من " من قصر الصبية بخط مستقيم الى الحنابية ثم صفوان ثم يتبع خط الحدود الحالي" وهذا يقتضي بضم أراضي تحت سيطرة الكويت (1).
وهكذا ظلت مشكلة الحدود قائمة لم يبت فيها بشكل نهائي, حيث انها لم تخرج من اطار الرسائل المتبادلة بين وزراء خارجية الطرفين التي لم تفضي الى نتيجة حاسمة بشأنها. ففي عام 1965 قام أمير الكويت بزيارة الى بغداد للتباحث مع الحكومة العراقية الجديدة التي أزاحت حكومة حزب البعث التي وقعت اتفاقية الاعتراف بالكويت عام 1963. الا ان العراق هذه المرة رفع سقف مطالباته بضم أراضي تقع تحت السيطرة الكويتية وهي جزيرتي وربة وبوبيان, بحجة أن العراق يحتاج الى متسع ساحلي لحماية الأراضي العراقية, لكن الكويت رفضت المقترح بالتنازل عن الجزيرتين, وأنما لا تمانع من تأجيرهما لمدة 99 سنة (2).
 وفي العام 1967 شكل العراق فريقا لمسح الحدود البحرية بين البلدين, وقد طالبت الحكومة العراقية من الحكومة الكويتية بالسماح لفريق المسح العراقي بالدخول الى المناطق الحدودية لاجراء االمسح, لكن الكويت رفضت الطلب بدخول فريق المسح العراقي, فوجهت الحكومة العراقية انذار رسمي الى الحكومة الكويتية بانزال العلم الكويتي من جزيرتي وربة وبوبيان. وقد بعث شيخ الكويت تبعا لذلك رسالة الى الرئيس العراقي في ذلك الوقت عبد الرحمن عارف يطلب منه التروي وتحكيم العقل وترك المشكلة بأكملها للجنة مشتركة تقوم في ترسيم الحدود بين البلدين (3).
وهكذا ظلت قضية الحدود بين البلدين عصية على الحل , حيث أصبحت من أعقد القضايا التي عانى منها الكويتيين. فكانت السلطة الحاكمة في الكويت تنتهز كل حكومة عراقية جديدة تأتي عن طريق الانقلاب العسكري فتبارك لتلك الثورة وتنهئ الحكومة الجديدة لعلها تجد ما يشفي غليلها في انهاء أزمة الحدود, لكنها سرعان ما تجد الأبواب موصدة بوجهها.


 
(1) العاني, د. عبد الكريم , مصدر سابق, ص247
(2) المصدر السابق, ص251
(3) اسامه , د. مرتضى, عدنان أحمد سلوم , مصدر سابق, ص23-24

حادثة مخفر الصامته:
أستولى حزب البعث على السلطة في العراق مرة أخرى عام 1968 عن طريق انقلاب عسكري أطاح بحكومة عبد الرحمن عارف, وكأي حكومة عراقية جديدة تأتي عن طريق الانقلاب العسكري تتبنى المبادئ الثورية, ومسألة التحرر العربي من هيمنة الاستعمار , والأهتمام بقضية العرب الكبرى الا وهو تحرير فلسطين.
أستبشرت الكويت خيرا بعودة حزب البعث مرة ثانية للحكم في العراق الذي أعترف بها كدولة مستقلة والغى مطالبات الضم من الحكومات العراقية التي سبقت حكومة البعث عام 1963, فسارع شيخ الكويت الى تهنئة قادة الثورة, ثم بعد فترة قصيرة طرقت أبواب الحكومة الجديدة في مسألة ترسيم الحدود بين البلدين, واستمر تبادل الزيارات بين ممثلي الطرفين, الا ان الكويت لم تجني من مطالباتها في ترسيم الحدود غير العبارة المعتادة عند تعثر المفاوضات  " لا بد من استمرار المباحثات بين مسؤولي البلدين حول قضية الحدود ".
وفي 20/3/ 1973, أذاعت الكويت بيانا قالت فيه " أن الجيش العراقي قام بهجوم مفاجئ على مركز الشرطة في الصامته واحتلاله, كما قصفت القوات العراقية مركز أم قصر على الحدود".
أما الجانب العراقي فقد نفى ما أعلنته الكويت من اعتداء عراقي على مراكزها الحدودية, وادعى البيان العراقي أن الكويت هي التي قامت بمهاجمة القوات العراقية أثناء تدريباتها الاعتيادية داخل الأراضي العراقية ومن ضمنها المنطقة التي يقع فيها مخفر الصامته (1).
 ففي بداية الحادث تأزم الوضع بين البلدين, سعى بعض المبعوثين العرب والأمين العام للجامعة العربية للتوسط وحل الخلاف بينهما, كما تبادل الطرفان عن طريق وزراء خارجيتهما مذكرات تبين وجهة نظر كلا منهما ازاء الحادث, بعدها بدأت الاتصالات تعود بينهما حتى تكللت بزيارة ولي عهد الكويت بتاريخ 20/8/ 1973 , لكن هذه الزيارة ومع زيارات اخرى لاحقة لم تفضي الى نتيجة بشأن ترسيم الحدود بين الدولتين.
 
Previous Post Next Post