التدابير الاحترازية
Les Mesures de Sûreté
ـ تعريف التدبير الاحترازي في إطار النظرية العامة للتدبير الاحترازي:
التدبير الاحترازي ـ في إطار النظرية العامة للتدبير الاحترازي ـ هو إجراء يواجه الخطورة الإجرامية([1]) الكامنة في شخصية مرتكب الجريمة بغية تخليصه منها ودرئها عن المجتمع.
وواضح من هذا التعريف أن التدبير الاحترازي ذو طابع تأهيلي وقائي. فهو يُفرض على المجرم لحسابات تتعلق بمصلحة الفرد والمجتمع معاً. إذ أنه يرمي إلى علاج المجرم، أي إلى تحقيق الردع الخاص، كما يرمي أيضاً إلى حماية المجتمع من خطر المجرم والحيلولة بينه وبين الإضرار بالجماعة.
والتدبير الاحترازي لا يفرض على المحكوم عليه جزاء «خطيئة» ارتكبها باقترافه الفعل الجرمي، كما هو الحال في العقوبة، وإنما يُفرض لمواجهة الخطورة الإجرامية التي عبر عنها المجرم باقترافه جريمة. وهذا يعني أن التدبير الاحترازي لا يرتبط بالجوانب المعنوية للجريمة، ويتجرد عن المضمون الأخلاقي، ولا يقصد به اللوم أو الإيلام، وإنما هو إجراء يواجه الخطورة الإجرامية لعلاجها وحماية المجتمع منها.
ـ تقسيم:
تبنى قانون العقوبات السوري التدابير الاحترازية إلى جانب العقوبة، وقسمها إلى أربعة أنواع، سندرسها في المطالب الأربعة الآتية:
§       المطلب الأول ـ التدابير الاحترازية المانعة للحرية.
§       المطلب الثاني ـ التدابير الاحترازية المقيدة للحرية.
§       المطلب الثالث ـ التدابير الاحترازية المانعة للحقوق.
§       المطلب الرابع ـ التدابير الاحترازية العينية.
المطلب الأول
التدابير الاحترازية المانعة للحرية
ـ تقسيم:
التدابير الاحترازية المانعة للحرية حسب أحكام المادة 70 من قانون العقوبات، هي:
أولاً ـ الحجز في مأوى احترازي.
ثانياً ـ العزلة.
ثالثاً ـ الحجز في دار للتشغيل.
أولاً ـ الحجز في مأوى احترازي:
المأوى الاحترازي هو المستشفى أو المصح لعلاج الأمراض العقلية أو النفسية، يوضع فيه المحجوز عليهم لتلقي العناية التي تدعو إليها حالتهم (م74).
والحجز في مأوى احترازي هو تدبير يفرض على المصابين بمرض عقلي أو نفسي، كالجنون والعته والإدمان على المخدرات، وهو لا ينفذ إلا بناء على حكم قضائي صادر عن محكمة مختصة.
ولا يشترط لفرض هذا التدبير أن يكون المحكوم عليه مريضاً ساعة اقتراف الجريمة أو ساعة صدور الحكم عليه، بل يمكن أن يفرض أثناء تنفيذ العقوبة إذا طرأ المرض عليه في هذه الفترة، وعلى القاضي عندئذ أن يأمر بوضعه في مأوى احترازي لإكمال مدة عقوبته.
والأصل أن الحجز في مأوى احترازي يستمر حتى انقضاء مدة العقوبة المحكوم بها إلا إذا رأى القاضي أن المحكوم عليه خطر على السلامة العامة (م 76 ف 2).
وفي كل الأحوال إذا كان المرض هو الجنون، فالحجز يستمر إلى حين شفاء المجنون بقرار تصدره المحكمة التي قضت بالحجز عليه (م 213 ف 3). ويمكن أن تفرض الحرية المراقبة على المحجوز عليه عند تسريحه.
وجدير بالذكر أن المشرع السوري وضع أحكاماً خاصة بالعته والإدمان على المخدرات، فنص في المادة 233 من قانون العقوبات على أن «من حكم عليه بعقوبة جنائية أو جنحية مانعة أو مقيدة للحرية، واستفاد من إبدال العقوبة أو تخفيفها بسبب العته، ومن حكم عليه بعقوبة من هذه العقوبات وثبت أنه ممسوس أو مدمن المخدرات أو الكحول، وكان خطراً على السلامة العامة، يُقضى في الحكم بحجزه في مكان من المأوى الاحترازي ليعالج فيه أثناء مدة عقوبته».
ثم أضافت الفقرة الثالثة من المادة 233 من قانون العقوبات على أنه «إذا ظل المحكوم عليه بعد انتهاء مدة عقوبته خطراً على السلامة العامة يضبط في المأوى الاحترازي بموجب قرار المحكمة نفسها لمدة لا تتجاوز الخمس سنوات إذا حكم عليه بجناية، أو السنتين إذا حكم عليه بجنحة. ويسرح المحجوز عليه قبل انقضاء الأجل المحدد إذا صدر قرار لاحق يثبت أنه لم يبق خطراً. ويمكن أن تفرض الحرية المراقبة على المحجوز عليه بعد تسريحه».
وجدير بالذكر أن المحجوز عليه في مأوى احترازي، يظل تحت إشراف المحكمة، وعلى طبيب المأوى أن ينظم تقريراً بحالته كل ستة أشهر، ويجب أن يعوده مرة في السنة على الأقل طبيب تعينه المحكمة التي قضت بالحجز (م75).
ثانياً ـ العزلة:
يقصد بالعزلة، الوضع في مؤسسة للتشغيل، أو في مستعمرة زراعية، حسب مؤهلات المحكوم عليه أو نشأته المدنية أو القروية، ليعمل فيها، ويتقاضى أجراً على عمله، يوزع بينه وبين أسرته والمدعي الشخصي والدولة.
وتفرض العزلة على معتادي الإجرام الذين يثبت خطرهم على السلامة العامة. ومعتادو الإجرام هم الذين ينم عملهم الإجرامي عن استعداد نفسي دائم، فطرياً كان أو مكتسباً لارتكاب الجنايات أو الجنح (م252).
وتتراوح مدة العزلة بين ثلاث سنوات وخمس عشرة سنة (م77ف1). وإذا غادر المحكوم عليه لأي مدة كانت المؤسسة التي حجز فيها تعرض للحبس مع التشغيل من سنة إلى ثلاث سنوات (م78).
ولا مندوحة من الإشارة إلى أن مؤسسات العزلة لم تنشأ حتى الآن في سورية، فقد بقيت النصوص القانونية المتعلقة بها حبراً على ورق.
ثالثاً ـ الحجز في دار التشغيل:
يقصد بالحجز في دار للتشغيل، الوضع في دار تؤسس خصيصاً لتعويد المحكوم عليهم على العمل، وتعليمهم مهنة يكسبون منها عيشهم بعد عودتهم إلى الحياة الاجتماعية. وهم في دار التشغيل يعملون ويتقاضون أجراً يوزع بينهم وبين أسرهم والمدعي الشخصي والدولة.
ومدة الحجز في دار التشغيل تتراوح بين ثلاثة أشهر وثلاث سنوات (م79، ف1). وإذا غادر المحكوم عليه دار التشغيل لأي مدة كانت عوقب بالحبس مع التشغيل من ثلاثة أشهر إلى سنة (م79 ف3).
المطلب الثاني
التدابير الاحترازية المقيدة للحرية
ـ تقسيم:
التدابير الاحترازية المقيدة للحرية، كما يدل عليها اسمها، لا تسلب حرية المحكوم عليه وتحرمه منها حرماناً تاماً، بل تضيق منها، وتضع القيود عليها. وهذه التدابير هي:
أولاً ـ منع ارتياد الخمارات.
ثانياً ـ منع الإقامة.
ثالثاً ـ الحرية المراقبة.
رابعاً ـ الرعاية.
خامساً ـ الإخراج من البلاد.

أولاً ـ منع ارتياد الخمارات:
يقصد بهذا التدبير منع المحكوم عليه من ارتياد الأماكن التي تباع فيها المشروبات الكحولية. وهو يفرض عادة على الأشخاص الذين يقترفون جناية أو جنحة بتأثير المسكرات.
ومدة المنع من ارتياد الخمارات تتراوح بين سنة وثلاث سنوات (م80،ف). وإذا ارتاد الممنوع خمارة في أثناء مدة منعه، عوقب بالحبس من عشرة أيام إلى ثلاثة أشهر. وتنزل هذه العقوبة بالبائع ومستخدميه الذين يقدمون للمحكوم عليه المشروبات الروحية على علمهم بالمنع النازل به (م80،ف2).
ومن الجدير بالذكر أن المنع خاص بارتياد الخمارات، ولا يشمل معاقرة الخمرة إذا تم ذلك في مكان آخر.
ثانياً ـ منع الإقامة:
منع الإقامة تدبير احترازي يقصد به الحظر على المحكوم عليه من التواجد بعد الإفراج عنه في الأمكنة التي عينها الحكم، وهي في الغالب المنطقة التي اقترفت فيها الجريمة، والمنطقة التي يسكن فيها المجني عليه أو أقرباؤه أو أنسباؤه حتى الدرجة الرابعة، إلا إذا قرر القاضي خلاف ذلك (م81).
ويخضع حكماً لمنع الإقامة من حكم عليه بعقوبة جنائية مانعة أو مقيدة للحرية، ومن حكم عليه بالإعدام أو بالأشغال الشاقة المؤبدة أو بالاعتقال المؤبد وأعفي من عقوبته بعفو عام، أو أسقطت العقوبة بالتقادم، أو خفضت أو أبدلت منها عقوبة مؤقتة (م82، ف2و3).
أما المحكوم عليه بعقوبة جنحية فلا يخضع لمنع الإقامة إلا إذا نص القانون صراحة على ذلك (م82،ف4).
وتتراوح مدة منع الإقامة بين سنة وخمس عشرة سنة، إلا إذا قرر القاضي زيادة مدة المنع أو تخفيضها أو إعفاء المحكوم عليه منها (م82، ف1و5). وللقاضي كذلك أن يبدل الحرية المراقبة من منع الإقامة مدة لا تنقص عما بقي من منع الإقامة (م83، ف2).
وإذا خالف المحكوم عليه منع الإقامة عوقب بالحبس من ثلاثة أشهر إلى ثلاث سنوات (م83،ف1).
ثالثاً ـ الحرية المراقبة:
الحرية المراقبة تدبير احترازي، الغاية منه التثبت من صلاح المحكوم عليه، وتسهيل ائتلافه مع المجتمع. ويخضع المراقب للمنع من ارتياد الخمارات، ومنع الإقامة، والإمساك عن ارتياد المحلات التي تنهي عنها القوانين والأنظمة، والتقيد بالأحكام التي يفرضها القاضي خشية المعاودة (م84).
والذي يقوم بواجب المراقبة هيئات مختصة، تعد خصيصاً لهذا الغرض. وإذا تعذر وجود هذه الهيئات تولت الشرطة أمر المراقبة (م85 ف2). وعلى الهيئة القائمة بالمراقبة أن تقدم إلى القاضي تقريراً عن سيرة المحكوم عليه مرة كل ثلاثة أشهر على الأقل (م85 ف3).
وتتراوح مدة الحرية المراقبة بين سنة وخمس سنوات، ما لم يرد في القانون نص خاص مخالف (م85 ف1). وإذا خالف من قضي عليه بالمراقبة الأحكام التي فرضها عليه القانون أو القاضي، أو اعتاد التملص من المراقبة، حكم عليه بالحبس مع التشغيل من ثلاثة أشهر إلى ثلاث سنوات، إلا أن ينص القانون على عقاب آخر (م86).
رابعاً ـ الرعاية:
الرعاية تدبير احترازي ينال المحكوم عليه بعد الإفراج عنه حتى لا يخرج إلى الحياة الاجتماعية وحيداً دون مرشد أو معين. والغاية منه أن تقوم مؤسسات خاصة بتوفير عمل للمحكوم عليه، ومراقبة طريقة معيشته، وإسداء النصح والمعونة له، ويمكن أن يسلم إليها ما يكون قد وفره السجين المسرح، لاستعماله في مصلحته على أفضل وجه (م87، ف1و2).
ويجب على المؤسسة القائمة بالرعاية أن تقدم إلى الهيئة القضائية التي قضت بالتدبير تقريراً عن حالة المحكوم عليه وسلوكه مرة كل ثلاثة أشهر على الأقل (م87، ف3).
خامساً ـ الإخراج من البلاد: 
الإخراج من البلاد تدبير احترازي يفرض على الأجنبي الذي يرتكب جريمة في سورية، ويحكم عليه من أجلها، لأنه بعمله هذا يكون قد برهن على سوء سلوكه، وعدم استحقاقه للضيافة، وخطورته على الأمن والنظام.
وطرد الأجنبي المحكوم عليه من الأراضي السورية سلطة مخولة للقاضي إذا كانت العقوبة التي حكم بها جنائية، وعلى القاضي إذا أراد ذلك أن يُضمّن الحكم فقرة خاصة بالطرد، أما إذا كانت العقوبة المحكوم بها جنحية، فلا يمكن طرده إلا في الحالات التي ينص عليها القانون (م88، ف1و2).
والإخراج من البلاد إما أن يكون مؤبداً، وإما أن يكون مؤقتاً، وفي هذه الحالة تتراوح مدة الإخراج بين ثلاث سنوات وخمس عشرة سنة (م89 ف1 و2).
وعلى الأجنبي الذي صدر قرار قضائي بطرده من البلاد أن يغادر الأرض السورية بوسائله الخاصة في مهلة خمسة عشر يوماً، وإذا خالف تدبير الإخراج القضائي، عوقب بالحبس من شهر إلى ستة أشهر (م89 ف1 و2).

(1) الخطورة الإجرامية هي حالة يكون عليها المجرم تنبئ عن احتمال ارتكابه جريمة أخرى في المستقبل. وتتكون حالة المجرم الخطر إجرامياً من عنصرين: القدرة على الإجرام ثانية، وضعف إمكانية التأهيل لديه.  وعلى القاضي أن يستظهر الخطورة الإجرامية من طبيعة الجريمة المقترفة، وجسامتها، والكيفية التي نفذت فيها، وغاياتها، كما أن عليه أن يستظهرها من ظروف المجرم الشخصية والاجتماعية والاقتصادية، 
Previous Post Next Post