العقوبات المالية
ـ تقسيم:
العقوبات المالية هي العقوبات التي تمس المحكوم عليه في ثروته وذمته المالية. وهي في تشريعنا اثنتان:
أولاً ـ الغرامة.
ثانياً ـ المصادرة.
أولاً ـ عقوبة الغرامة
الغرامة هي عقوبة مالية تفرض على المحكوم عليه، ويلزم بموجبها دفع مبلغ من النقود، يقدره القاضي في قرار الحكم، إلى خزانة الدولة. 
والغرامة إما أن تكون عقوبة أصلية، أو أن تكون عقوبة إضافية. فهي أصلية في الجنح والمخالفات. ويتراوح مقدارها في الجنح بين مائة وألف ليرة سورية، إلا إذا نص القانون على غير ذلك (م53)، ويتراوح في المخالفات بين خمس وعشرين ومائة ليرة (م61).
والغرامة عقوبة إضافية في الجنايات، ويتراوح مقدارها مبدئياً بين خمسين ليرة وثلاثة آلاف ليرة (م64، ف1).
وعقوبة الغرامة تفرض على الأغلب في الجرائم المالية. وهي إما أن يرد النص عليها صراحة، كما هو الحال في جرائم استثمار الوظيفة والرشوة وتزوير العملة، أو لا ينص عليها، وفي هذه الحال على القاضي أن يتحرى دافع الجريمة، فإن كان هو الكسب أو الحصول على منفعة مادية، وجب عليه أن يحكم بالغرامة، إلى جانب العقوبة المنصوص عليها في القانون (م194). وعليه عندئذ تقدير الغرامة بين خمسين ليرة وثلاثة آلاف ليرة.
والمشرع في بعض الحالات لا يحدد مقدار الغرامة مسبقاً، بل يترك أمر تحديدها إلى القاضي  على أساس مبلغ معين، أو على أساس الضرر الناجم عن الجريمة. كما هو الحال في جرائم الرشوة، حيث يكون الحد الأدنى للغرامة ضعفي قيمة ما أخذ أو قبل (م341)، أو ثلاثة أضعاف قيمة ما أخذ أو قبل (م342). وجرائم الاختلاس واستثمار الوظيفة، حيث يكون الحد الأدنى للغرامة قيمة ما يجب رده (م349، 350)، أو ضعفي قيمة ما يجب رده (م351)، أو قيمة الضرر الناجم (م353).
وقد أعطى المشرع الحق للقاضي بتضمين قرار الحكم إمكانية دفع المحكوم عليه للغرامة أقساطاً تساوي على الأقل حد العقوبة الأدنى، شريطة أن لا يجاوز أجل القسط الأخير سنة واحدة تبدأ من يوم انبرام الحكم. وفي كل الأحوال، إذا تخلف المحكوم عليه عن دفع أحد الأقساط في حينه استحقت عليه الغرامة بتمامها (53).
وقد وضع المشرع السوري حلا فيه الكثير من القسوة إذا لم تؤد الغرامة في مهلة ثلاثين يوماً، تبدأ من تاريخ انبرام الحكم. ويقوم هذا الحل على استبدال الحبس البسيط بالغرامة . فعلى القاضي أن يعين في قرار الحكم، أو في قرار خاص، مدة الحبس المستبدل، بحسبان أن يوماً واحداً من هذه العقوبة يوازي غرامة تتراوح بين خمس ليرات وعشر ليرات سورية (م54).
أما إذا كانت الغرامة قد فرضت بالإضافة إلى عقوبة الأشغال الشاقة أو الاعتقال، فتستبدل هذه العقوبات بالغرامة في حال عدم دفعها، بحسبان أن يوماً واحداً من الأشغال الشاقة أو من الاعتقال يوازي غرامة تتراوح بين خمس ليرات وعشر ليرات سورية (م54).
ومع ذلك فقد وضع المشرع السوري حدا أعلى للأشغال الشاقة أو للاعتقال أو للحبس المستبدل من الغرامة. ففي الجنح لا يجوز أن يزيد الحبس المستبدل عن الحد الأقصى للعقوبة الأصلية التي تستوجبها الجريمة. وفي الجنايات والجنح على السواء، لا يمكن أن تتجاوز العقوبة المستبدلة، في جميع الأحوال، سنة واحدة (م54). أما في المخالفات فلا يمكن أن يتجاوز الحبس المستبدل الحد الأقصى للحبس المنصوص عليه كعقوبة أصلية للجريمة، وهو في كل الأحوال لا يمكن أن يتجاوز العشرة أيام (م62).
ثانياً ـ عقوبة المصادرة
المصادرة هي عقوبة مالية، تنزع بموجبها ملكية شيء للمحكوم عليه جبراً، ومن غير مقابل، ليصبح ملكاً للدولة. وهي دائماً عقوبة إضافية، ولا يمكن أن تكون عقوبة فرعية.
والمصادرة تتفق مع الغرامة في أنها عقوبة مالية، ولكنها تختلف عنها في أن موضوعها الأشياء أو النقود أو كليهما معاً، أما موضوع الغرامة فهو النقود دائماً.
والمصادرة نوعان : النوع الأول هو المصادرة العامة، وتشمل جميع أموال المحكوم عليه، المنقولة وغير المنقولـة، وكأن الدولة تصبح وريثاً شـرعياً له، في كل أمـواله، أو أحياناً في جزء منها. وقد حرمت الدساتير والشرائع هذا النوع من المصادرة، ومنها دستور الجمهورية العربية السورية، في الفقرة الثانية من المادة 15، التي جاء فيها: «المصادرة العامة في الأموال ممنوعة».
والنوع الثاني من المصادرة هو المصادرة الخاصة. وهذه لا تصيب إلاّ شيئاً واحداً أو أشياء معينة بالذات من أملاك المحكوم عليه، كجسم الجريمة، أو ذاتها، أو ثمرتها. وهذه هي المصادرة التي عناها قانون العقوبات في أحكامه، وأباحها الدستور، شريطة أن تفرض بحكم قضائي، أو بقانون لقاء تعويض عادل (م15، الفقرتان 3و4 من دستور الجمهورية العربية السورية).
وقد نظمت المادة 69 من قانون العقوبات أحكام المصادرة، ويمكننا إجمالها بالنقاط التالية:
1 ـ عقوبة المصادرة جوازية، أي يعود أمر تقديرها إلى المحكمة الناظرة في الدعوى. وهذه بإمكانها مصادرة جميع الأشياء التي تنتج عن جناية أو جنحة مقصودة، كالسلعة التي يعرضها البائع بسعر أعلى من السعر المحدد لها بصورة رسمية، أو المال أو الشيء الذي يقدمه الراشي إلى الموظف المرتشي، أو المال الذي كان حصيلة لعب القمار، أو ثمن المخدرات الذي حصل عليه التاجر بعد بيعها، أو ثمن الصور أو الأفلام المخلة بالحياء. كما يجوز للمحكمة مصادرة جميع الأشياء التي استعملت أو كانت معدة لاقتراف جناية أو جنحة مقصودة، كالأسلحة، أو المفاتيح أو السلالم أو الآلات الأخرى المستعملة في السرقة، أو السيارة المستخدمة في تهريب المخدرات، أو الآلة الكاتبة المستخدمة في تزوير المستندات، أو المطبعة المستخدمة في تزوير النقود.
2 ـ لا يجوز مصادرة الأشياء الناجمة عن جناية أو جنحة غير مقصودة، أو المستعملة فيها، كالسيارة التي يدهس بها قائدها أحد المارة خطأ، أو أجهزة الطبيب التي يصاب بها المريض بجروح أو حروق خطأ، إلا إذا نص القانون صراحة على هذه المصادرة.
وكذلك في المخالفة، لا يجوز الحكم بالمصادرة، إلا إذا انطوى القانون على نص صريح يعطي المحكمة صلاحية الحكم بذلك.
3 ـ عقوبة المصادرة هي عقوبة إضافية تفرض إلى جانب العقوبة الأصلية، أي لا يجوز الحكم بها إلا إذا فرضت عقوبة أصلية على المحكوم عليه.
4 ـ إذا لم تكن الأشياء التي يريد القاضي مصادرتها قد ضبطت يمنح المحكوم عليه مهلة لتسليمها تحت طائلة أداء قيمتها حسبما تقدرها المحكمة.
5 ـ يمكن للمحكمة عند الاقتضاء الاستعانة بخبير لتقدير القيمة الواجب أداؤها، ويتم تحصيل القيمة المقدرة بالطريقة المتبعة في تحصيل الغرامة.
6 ـ في جميع الأحوال لا يجوز أن تمس المصادرة بحقوق الغير ذي النية الحسنة.

Previous Post Next Post