ترسيم الحدود البحرية
مخالفة اتفاقية قانون البحار لعام 1982
لقد كانت قرارات مجلس الأمن في ترسيم الحدود بين العراق والكويت قد جاءت بمسعى أمريكي وبدوافع سياسية وأقليمية في التضييق على العراق ومحاصرة الممر البحري الوحيد له الذي يطل منه على الخليج العربي. فلاشك ان قرار مجلس الأمن رقم 833 قد ألحق أضرارا جسيمة بحقوق العراق حيث استقطع منه أراضي تحتوي على ابار نفطية ومزارع ومنازل لمواطنين عراقيين, فضلا عن زحف الحدود الكويتية نحو السواحل العراقية واستقطاع أراضي في أم قصر, ومضايقة العراق في ممره المائي الوحيد خور عبد الله الى مياه الخليج العربي.
وكما هو معروف فأن العراق يعتبر من الدول الشبه مغلقة على البحار بسبب اطلالته الضيقة على الخليج العربي. وقد نصت المادة (122) من اتفاقية قانون البحار لعام 1982 تعريفا موحدا للبحار المغلقة وشبه المغلقة بقولها " يعني البحر المغلق أو شبه المغلق خليجا أو حوضا أو بحرا تحيط به دولتان أو أكثر, ويتصل ببحر أو بالمحيط بواسطة منفذ ضيق, ويتألف كليا أو أساسا من البحار الاقليمية والمناطق الاقتصادية الخالصة لدولتين أو أكثر "(1).
وبما أنه يقع على الرأس الشمالي للخليج العربي, فالمسافة التي تفصله عن النقطة الجنوبية للخليج ( مضيق هرمز) حتى يتصل بالبحار العالمية مسافة 407 كم, الأمر الذي يجعل من خطوط الملاحة النفطية والتجارية له عبر هذا الطريق تمر في مناطق البحار الاقليمية والمنا طق الاقتصادية الخالصة لكل من ايران ودول الخليج العربي(2).
فالساحل العراقي الضيق الذي يقع معضمه داخل قناة خور عبد الله يمتد من رأس البيشة شرقا الى أم قصر غربا, حيث يمتاز بكون أرضه طينية نتيجة للترسبات التي يطلقها نهر شط العرب الى المياه الاقليمية العراقية, كما انه يمتاز بالضحالة مع مستنقعات تتسع مساحتها في أوقات المد, وهذا بالطبع يعيق من حركة السفن المتوجهة الى الموانئ العراقية لا سيما مينائي البصرة وأم قصر وهو ما يتطلب الى عمليات حفر مستمرة لخورعبد الله الذي يمتاز بضيقه وضحالة سطحه الملحي.
(1) العطية , د. عصام, مصدر سابق, ص348
(2) يبلغ طول شط العرب نحو 110 كم, وخور الزبير 70.6 كم
أما شط العرب فلا يختلف حاله عن حال خورعبد الله فقد تكدست فيه الغوارق منذ ايام الحرب العراقية الايرانية, فأصبح من الصعب ممرور السفن فيه بغاطس لا يزيد عن 10 م(1) .
وكما بينا سابقا بأن الساحل العراقي يتصف بضيقه وهذا مما تسبب في تقلص بحره الاقليمي(2), كما أن موقعه في أقصى نقطة من شمال الخليج يعتبر أصغر بحر اقليمي في المنطقة بخلاف البحر الاقليمي لكل من ايران والكويت اللتان تتمتعان لكل منهما ببحر اقليمي واسع, لا سيما الكويت الذي لا يتناسب بحرها الاقليمي مع حجم مساحتها الصغيرة. فالبحر الاقليمي للعراق لا تتجاوز مساحته 75 ميلا مربعا, وهي مساحة تعتبر ضئيلة اذا ما قيست بحجم العراق, كما أن العراق يمتلك من الحدود البرية بما مجموعه 3631, أما ما يملكه من الساحل البحري 58 كم بما يعادل 36 ميل (3) , وعلى هذه الحالة تكون نسبة الساحل الى الحدود البرية من 1 الى 65 مما يضع العراق في المرتبة 105 بين دول العالم.
ومن الطبيعي أن الخصائص التي يتصف بها هكذا بحر اقليمي يكون خاليا من الثروات الطبيعية التي يمكن ان تستغل البلد المالك لها. أما ايران والكويت التي تجاور العراق ببحرهما الاقليمي تحصلان على مناطق ولاية بحرية أكبر سواء في استغلال هذه الموارد أو في تحديد الممرات المائية المؤدية الى الموانئ العراقية في البصرة وأم قصر(4).
وتطبيقا للمواد 69 و 70 من اتفاقية قانون البحار لعام 1982 بحق الدول غير الساحلية والمتضررة جغرافيا , في المشاركة على أساس منصف في استغلال جزء مناسب من فائض الموراد الحية للمناطق الاقتصادية الخالصة للدولة الساحلية الواقعة في نفس المنطقة دون الاقليمية أو الاقليمية(5).
(1) المهنا, فخري رشيد, النظام القانوني للملاحة وتطبيقه على مضيق هرمز, أطروحة دكتوراه مقدمة الى كلية القانون والسياسة, جامعة بغداد, 1978, ص25
(2) يأخذ البحر الاقليمي العراقي شكلا مثلثا تستند قاعدته الى الساحل, فيما يلتقي ضلعاه في منطقة تقع على بعد 12 ميلا بحريا, تتقاطع عندها البحار الاقليمية وامتداداتها مع كل من الكويت وايران, وبما يمنع العراق من امتلاك منطقة اقتصادية خالصة بموجب اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار لعام 1982.
أنظر: صادق, د.علي حسين, حقوق العراق كدولة متضررة جغرافيا ومطلة على بحر شبه مغلق ( الخليج العربي), اطروحة دكتوراه مقدمة الى كلية القانون والسياسة , جامعة بغداد, 1980, ص209
(3)الموسوعة الحرة, جغرافية العراق, مصدر سابق
(4) صادق, د. علي حسين, مصدر سابق
(5) العصام,د. عطية , ص369
و رغم ان اتفاقية قانون البحار لعام 1982 قد صادق عليها كلا من العراق والكويت, فأن العراق يعتبر من أكثر بلدان المنطقة تضررا لا سيما في ساحله الضيق, والقرارات الجديدة التي فرضها مجلس الأمن طبقا لأحكام البند السابع, فعلى سبيل المثال القرار 833 قد أتاح للجنة ترسيم الحدود البحرية حيث قامت برسمها من منطقة أم قصر من الدعامة الحدودية رقم 107 وفق الاحداثيات 60/30 شمالا و 02/57/47/ شرقا بين العوامتين 12 و14 في خور عبد الله, وهي بذلك حرمت العراق من مناطق بحرية واسعة أمام الساحل العراقي في هذا الخور, كما تفرض عليه منطقة منزوعة السلاح بعمق 10 كم(1).
وقد أشار قرار 833 في الوثيقتين المرقمتين منه على التوالي ( 25905 و 24044) على ان العراق والكويت قد وقعتا عام 1986 على اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار على الملاحة البريئة في قناة خور عبد الله, والرجوع الى المواد 17 و 24 من اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار لعام 1982 التي توضح معنى وضوابط الملاحة البريئة(2).
الا ان الكويت قد أنتهكت هذه الضوابط بعد موافقة العراق على قرارات مجلس الأمن ذات الصلة عشرات المرات بالتجاوز على السفن الداخلة للعراق والخارجة منه ,رغم ان القرار 833 عند تقسيم قناة خور عبد الله واعطاء نصفها للكويت , لكنه أعطى للعراق حرية الملاحة البريئة في الجانب الممنوح للكويت وذلك لوقوع الممر الصالح للملاحة في الجانب الكويتي وعلى مسافة 22 ميل بحري داخل القناة الملاحية, لكن السلطات الكويتية تصر على مطاردة الصيادين العراقيين, والتضييق على السفن الداخلة للعراق عن طريق الممر الملاحي خور عبد الله , وقرار 833 لا يحتوي على بند واحدا يجبر السفن الداخلة للعراق برفع العلم الكويتي.
كذلك قامت الكويت باستحداث منطقة انتظار السفن عند العوامة 17 وهو مخالف لتعليمات الادميرالية البحرية الدولية ( المتمثلة بالادميرالية البريطانية ), كون مناطق انتظار السفن محدده بالخرائط البحرية الدولية قرب العوامة 5 وقرب العوامة 24.
وميناء مبارك الذي تزمع الكويت انشائه على الضفة الغربية لقناة خور عبد الله, مع انشاء كاسر أمواج لهذا الميناء الذي سيترتب عليه اقتطاع مساحة كبيرة من الخور, وبالتالي سيؤدي الى غلق خور عبد الله بشكل كامل أمام الملاحة العراقية, وهذا مما يخالف الاتفاقية الدولية لقانون البحار لعام 1982الخاصة بالمرور البرئ في خور عبد الله والتي صادق عليها كل من العراق والكويت, كما أجازقرار مجلس الأمن 833 العراق بالمرور في الجانب الكويتي من دون اعتراض من السلطات الكويتية (3).
(1) المؤمن, د. جعفر خزعل, ترسيم الحدود العراقية- الكويتية في ضوء قرارات مجلس الأمن, مجلة التشريع والقضاء العراقية , السنة الثالثة, العدد: 2 , 2011
(2) المادة (17) من اتفاقية قانون البحار لعام 1982 نصت على أن " تتمتع سفن جميع الدول, ساحلية كانت أم غير ساحلية بحق المرور البرئ خلال البحر الاقليمي". وفي المادة 24 من نفس الاتفاقية قد نصت " يجب على الدول الساحلية ان لا تعيق المرور البرئ للسفن الاجنبية عبر بحرها الاقليمي, وعليها ان تعلن عن أي خطر على الملاحة تعلم بوجوده داخل بحرها الاقليمي "
أنظر : العطية, د. عصام , مصدر سابق, ص362- 363.
(3) حوار مع وزير النقل العراقي السابق المهندس عامر عبد الجبار, العراق اليوم, تاريخ النشر , الاحد, 10 / 3 / 2013
Iraqalum.net0
المطلب الثاني
ترسيم الحدود البحرية وإملاءات مجلس الأمن
تعد الموانئ البحرية من أهم المزايا الاستيراتيجية للدولة التي عن طريقها تعزز موقعها الجغرافي وقوتها الاقتصادية, فالعراق رغم اطلالته الضيقة على مياه الخليج العربي لكنه لعب دورا متميزا منذ القدم, وكان من الدول الرائده في المنطقة والخليج العربي الذي ساهم بشكل فاعل في التوازن القائم في المنطقة, على رغم دور الاستعمار البريطاني الذي فرض هيمنته كواقع في المنطقة, وقام برسم حدود لمدينة صغيرة كالكويت التي كانت حدودها لا تتعدى حدود السور المحيط بها, وقد فرضتها على الدولة العثمانية في عام 1913.
وظلت هذه الحدود مبهمة وغير معروفة حتى للسلطة الحاكمة في الكويت, فشيخ الكويت أحمد الصباح (كما بيناه سابقا) في عام 1923 يطلب من الوكيل السياسي البريطاني "مور " شكل الحدود مع العراق لأنه لا يعرفها, والوكيل السياسي ايضا لا يعرف شكل الحدود, لذا يستفسر أحدهما من الاخر عن شكل الحدود العراقية - الكويتية, وأخيرا يهتدي الشيخ أحمد الصباح الى رسالة كان قد كتبها عمه الشيخ سالم الصباح الى الوكيل السياسي البريطاني " مور" عام 1920, والذي حدد بنفسه حدود الكويت.
فكتب الشيخ أحمد للوكيل السامي عام 1923 بأنه يطالب بالحدود نفسها التي كان يطالب بها الشيخ سالم وهي " من نقطة التقاء وادي العوجة مع الباطن شرقا الى جنوب ابار صفوان وجبل سنام وأم قصر والى سواحل جزر وربة وبوبيان, وعلى طول الساحل الى الحدود الحالية للكويت ونجد, ومن ضمن هذه المنطقة الجزر البحرية التالية: مسكان وفيلكه وعوهة وكبر وقارورة وأم المرادم. هذه هي حدود الكويت التي أطالب بها "(1).
كما ان الحدود التي طالب بها الشيخ أحمد من الناحية القانونية تعتبر غير مطابقة لقواعد القانون الدولي, ذلك أن الكويت في ذلك الوقت لم يتعين وضعها من الناحية الدولية تعيينا قانونيا كدولة, أما حدودها فهي مبهمة وغير معروفة حتى من حاكم الإمارة, فالحدود بين بلدين لا يمكن تعينها حسب رغبة وإشتهاء أحد الطرفين.
كما أن تثبيتها لا تتم الا بأرادة واتفاق الدولتين اللتين يجب ان تتمتعا بالسيادة الكاملة على أرضهمها وقراراتهما الوطنية. والحالة هذه كانت الكويت لا تمتلك سيادة على أرضها ومياهها, وقراراها ايضا بيد الوكيل السياسي البريطاني, وحتى بعد أن وقع العراق معاهدة الاستقلال مع بريطانيا في 30 يونيو عام 1930, ظلت الكويت خاضعة للحماية البريطانية التي وقعها الشيخ مبارك عام 1899.
(1) العاني, د. كريم, مصدر سابق, ص106- 107
والذي يهمنا في رسالة الشيخ أحمد هي الحدود البحرية , والتي يتضح من خلالها ان حكام الإمارة في الكويت فضلا عن الناس العاديين لا يعرفون لهم حدودا بحرية تحدهم مع العراق, والمعروف حتى لحكام الكويت ان السفن العراقية كانت تجوب الخليج في نقل وتصدير البضائع من العراق والى عمان واليمن والهند وغيرها من البلدان, كما ان السفن الكويتية كانت تأتي الى البصرة للتجارة ونقل الماء العذب من شط العرب الى السكان في الكويت, في ذلك الوقت لم تسجل الكويت أي مطالبة بتسوية حدودها البحرية مع العراق أو أعتراض على إنتهاك العراق لحدودها البحرية, لكن رغبة الكويت كانت تنحصر في الحدود البرية أكثر منها في الحدود البحرية, لأنها كانت تعرف ان تثبيت الحدود البحرية سوف يدفعها للتنازل عن جزيرتي وربة وبوبيان اللتان لم يرد ذكرهما في رسالة الشيخ أحمد الصباح الانفة الذكر الى الوكيل السياسي البريطاني في الكويت.
ورسالة الشيخ أحمد أيضا لا تتطرق الى تقاطع الخورين ( خور عبد اله وخور الزبير), أو المطالبة بخور عبد الله, أو أجزاء من أم قصر , وانما جاءت المطالبة من جنوب أم قصر والى سواحل جزر وربة وبوبيان, وعلى طول الساحل الى الحدود الحالية للكويت ونجد.
أما وصف الحدود الذي جاءت في مراسلات عام 1932 بين رئيس الوزراء العراقي نوري السعيد والمندوب السامي البريطاني " فرنسيس همفريز ", قد أختلفت عن مطالبة الشيخ أحمد بالحدود التي بيناها انفا, فقد أضيفت جزائر وربة وبوبيان الى الكويت, وظهرفي هذه المراسلات نقطة التقاء خور عبد الله مع خور الزبير, وقد جاء وصف الحدود حسب مراسلات 1932, كما يلي " من تقاطع وادي العوجة بالباطن ومن هناك نحو الشمال على طول الباطن الى نقطة واقعة تماما في جنوب خط العرض لصفوان. ومن هناك نحو الشرق مارة بجنوب ابار صفوان وجبل سنام وأم قصر تاركة هذه كلها الى العراق وهكذا الى ملتقى خور الزبير بخور عبد الله. ان جزائر وربة وبوبيان ومسكن ( أو مشجن ) وفيلكه وعوهه وكبر وقاروه وأم المرادم تعود الى الكويت "(1).
وهكذا نجد ان مسألة الحدود وتعقيداتها بين العراق والكويت ما هي الا صناعة بريطانية, فالحدود التي رسمتها بريطانيا أصبحت مرجعا للدول التي كانت تحتلها حيث كانت ترسم حدودها حسب ما تقتضيه المصلحة البريطانية. فالحدود العراقية – الكويتية لا تفصلها حدود أو حواجز طبيعية , لكنها رسمتها السلطات البريطانية على الورق, وهذا ما يظهر جليا من التخبط البريطاني في الإستدلال على سير خط الحدود من ان هناك كانت نخلة في هذا الموقع أو كان هناك بئرأوما شابه ذلك.
لقد أنتقد السفير البريطاني في بغداد " آرجبيلد كلارك " خط مسار الحدود الذي جاء في الرسائل المتبادلة عام 1932 انتقادا قاسيا, لأنها أشارت إلى حدود غامضة, كما لم ترفق بها خارطة تحدد معالم وسير خط الحدود خاصة ما يتعلق بالحدود البحرية(2) .
(1) المصدر السابق, ص316
(2) الفيل , محمد رشيد ,مصدر سابق, ص282
ويقول أيضا " أنه لو تم طبع الخارطة بتوصيف الحدود الحالي لأعطينا العراق الحق بالإحتجاج على أن هذه الحدود قد وضعت لتتفق مع المصالح الكويتية "(1).
ويبدو إن السياسة البريطانية كانت تسعى بطرق مختلفة لتحجيم دور العراق في المنطقة وهذا مما يتضح في رسالة طويلة بعثها " تشارلز برايور" المقيم السياسي البريطاني الى وزارة شؤون الهند مؤرخة في 8 شباط 1940 يقول فيها " لا يظهر لي ان من مصلحتنا منح العراقيين الهيمنة الكاملة ما دامت الكويت , أو بالاحرى ما دمنا نحن أنفسنا يملك نصف خور عبد الله, فهذا سيكون حافزا للعراق كي يحافظ على العلاقات الطيبة معنا " (1).
لقد رحلت بريطانيا عن العراق والكويت لكنها تركت خلفها مراسلات ووثائق وخرائط صارت فيما بعد أساسا لتوتر العلاقات العراقية – الكويتية لعقود طويلة من الزمن, وما الحرب الأخيرة التي أدت الى أحتلال الكويت من قبل النظام السابق الا ثمرة السياسة البريطانية في المنطقة, ولم تكتفي السياسة الخبيثة عند هذا الحد وانما حشرت نفسها في مجلس الأمن لتقدم خرائط ومستندات صارت أساسا لقرار مجلس الأمن 687 لعام 1991.
سير عمل اللجنة:
لقد عقدت اللجنة جلستها الثالثة في جنيف للفترة من 12- 17 اب 1991 لمناقشة قضية ترسيم الحدود البحرية, وقد اعترض رئيس اللجنة " مختار كوسوما أتماجا " على تفويض عمل اللجنة في شأن ترسيم الحدود البحرية, وقد بين وجهة نظره في ضوء وطبيعة ومدى تفويض اللجنة في التعامل مع تخطيط الحدود البحرية, وكان يعتقد ان التفويض المذكور لم يخول اللجنة التعامل مع مسار الحدود في ما وراء نقطة ارتباط خورالزبير مع خورعبد الله, أي ما وراء نقطة ارتباط الخورين الى البحر, ما لم توافق الأطراف المعنية على ذلك, واللجنة لا تستطيع توسيع حدود تفويضها(3).
وخلال الجلسة السادسة التي أنعقدت في نيويورك للفترة من 15 -24 تموز 1992أعيد مجددا مناقشة تخطيط القسم البحري من الحدود بضغط من المندوب الكويتي على رئيس اللجنة والخبيران المحايدان على تبني وجهة النظر الكويتية, كما بين رئيس اللجنة كذلك الضغوط التي مارسها مساعد المستشار القانوني لسكرتارية الأمم المتحدة.
(1) الفيل , مصدر سابق, ص282
(2) طالب, حسين حافظ, ميناء مبارك وآفاق العلاقات العراقية – الكويتية , مجلة دراسات أولية, العدد الثالث, ص184
www.iasj.net/iasj?func
IKBDC M1n 19,40, 49(3) أنظر محاضر عمل اللجنة في الوثائق :
وبعد ان وجه الأمين العام للأمم المتحدة رسالة الى رئيس مجلس الأمن بتاريخ 12 آب 1992 وأرفق معها التقرير الأخير الذي أتخذته اللجنة خلال جلستها السادسة فيما يتعلق بالحدود البحرية, وقد جاء في الرسالة " بقدر تعلق الأمر بالحدود القريبة من الساحل فأن المجلس يرغب في تشجيع اللجنة على ترسيم ذلك الجزء من الحدود بأسرع وقت ممكن لتستكمل بذلك عملها "(1).
أن عدم الأخذ بوجهات النظر التي أبداها رئيس اللجنة بعدم الاعتماد على الاليات الحالية في فرض ترسيم الحدود البحرية, لاسيما فيما يتعلق باجراء المزيد من التحري في خور عبد الله, حيث يعتبر الخور المنفذ العراقي الوحيد لمياه الخليج, وكان يرى توخي الدقة في ولوج اللجنة في هذا المجال, كما أثارأيضا هذه القضية في مناسبات عدة مع المستشار القانوني للأمم المتحدة على أن الحدود في القسم البحري (خور عبد الله ) لم يشار اليها بدقة في وصف الحدود كما تضمنته تبادل الرسائل لعام 1932, لذلك فأن تعيين الحدود البحرية غير متاح للجنة والتي تتم على أساسه عملية ترسيم هذا الجزء من الحدود.
ألا أن هذه الإعتراضات لم تجد أذنا صاغية سواء من الأمم المتحدة أو مجلس الأمن, ورغم ذلك رحب مجلس الامن بعمل اللجنة على الجزء البحري من الحدود, وعلى أثرها قدم رئيس اللجنة استقالته من خلال رسائله التي أرسل أحدهما الى الأمين العام للأمم المتحدة بتاريخ 4 تشرين الثاني 1992, ورسالة أخرى الى المستشار القانوني للأمم المتحدة بتاريخ 6 تشرين الثاني 1992, موضحا فيهما التغيير في تفويض اللجنة من جانب مجلس الأمن الذي هو خارج حدود هذه القضية (2).
وبعد استقالة رئيس اللجنة السيد مختار كوسوما عين السيد نيكولاس فالتيكوس ( اليونان ) بديلا عنه في رئاسة اللجنة, بعدها توصلت اللجنة في عملية ترسيم الحدود البحرية الى التدابير الآتية:
1- الإعتماد على الرسم البياني رقم (1235 ) للأدميرالية البريطانية في تحديد خط الوسط للممر الملاحي خور عبد الله, بالإستناد الى النظام الجيوديسي العالمي (84) على أساس إن مرجع هذا الإسناد مطابق لمرجع إسناد الحدود العراقية – الكويتية(3).
(1) موسوعة المقاتل, أنظر: رسالة الأمين العام للأمم المتحدة الى رئيس مجلس الأمن بتاريخ 12/آب/1992
(2)موسوعة المقاتل, أنظر: رسائل رئيس اللجنة مختار كوسوما الى كل من الأمين العام للأمم المتحدة بتاريخ 4/11/1992, والمستشار القانوني للأمم المتحدة بتاريخ 6/11/1992 تعبيرا عن رفضه لتجاوز اللجنة صلاحياتها في ترسيم الحدود البحرية.
(3) الدسوقي , سيد إبراهيم, مشكلات الحدود في القانون الدولي العام, دار النهضة العربية, القاهرة, 2004, ص107- 108
2- توصلت اللجنة الى أن مدخل خور عبد الله من عرض البحر يقع في مكان يحدث فيه تغيير هام في اتجاه الخطوط الساحلية للدولتين, وعينت نقطة محددة على خط الوسط عند المدخل.
3- أن اتصال خط الحدود من الوسط المعمم إلى نقطة التقاء الخورين هو أقصر خط بينهما, وإستنادا الى ذلك يحدد خط الوسط بمجموعة من الإحداثيات التي تحسب من نقاط خط الأساس المحددة على خطوط المياه المنخفضة على النحو المبين في طبعة عام 1991 من الرسم البياني رقم 1235 للأدميرالية البريطانية (1).
4- وقد ارتأت اللجنة أن خور عبد الله هو المنفذ الملاحي للدولتين إلى مناطقهما المتاخمة للحدود المخططة, ومن الأهمية بمكان إنصاف الطرفين وتمكين الاستقرار والسلم والأمن على طول الحدود. وفي هذا الإطار ترى اللجنة إن هذا المنفذ الملاحي يمكن الدولتين عبر خور الزبير وخور شتيانة من الوصول الى المياه و الأقاليم كافة المتاخمة لحدودهما والخروج منها, وتلاحظ اللجنة إن هذا الحق في الملاحة والوصول منصوص عليه بموجب قواعد القانون الدولي التي نصت عليها اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار لعام 1982التي صادق عليها كلا من العراق والكويت, ومع الأخذ بنظر الاعتبار الظروف الخاصة بتلك المنطقة, وترى اللجنة كذلك إن هذا الحق يعني بصورة ضمنية تمتع الدولتين بحق ملاحي غير قابل للتعليق(2).
5- لقد أدعت أن تعيين خط الحدود في خور الزبير جرى بإحداثيات جغرافية تحددت بالتصوير المساحي الضوئي باستخدام الصور الفوتوغرافية ذات الألوان غير المموهة بالأشعة تحت الحمراء. وأثناء الدورة الميدانية النهائية وضع عمود مؤشر معدل على الحد الفاصل بين العمود رقم (106) وخط المياه المنخفضة, ووضعت لوحات على حواجز المياه التي يمتد خط المياه المنخفضة تحتها, ووضعت علامةٌ مقابلة عند الطرف الجنوبي للحاجز الحجري للواجهة جنوب حاجز المياه الواقع في أقصى الجنوب, ووضع أيضا عمودان مؤشران يحددان بصورة فريدة الاتجاه بين النقطة الأخيرة الواقعة على خط المياه المنخفضة وملتقى الخورين, ونصبت ثلاثة شواهد بالقرب منها(3).
وقد أدعت اللجنة أن ترسيم خط الحدود في خورعبد الله قد جرى بإحداثيات ثابته وموثقة وفقا للمعايير المتبعة في الممارسات الدولية العامة.
لكن الحقيقة ان اللجنة قد حرمت العراق من ممارسة حقه في خورعبد الله, حيث جعلت الحدود الكويتية محاذية لساحل الفاو, والممرات العميقة لقناة خور عبد الله أصبحت بالجانب الكويتي , مما حدى بالكويت الى ممارسة استفزازات وضغوطات على السفن الداخلة والخارجة الى الموانئ العراقية عن طريق هذه القناة , فضلا عن مضايقة الصيادين العراقين ومنعهم وأعتقالهم في مرات عديدة, رغم ان الكويت لم تمارس عمليات ملاحية ذات معنى في هذه المنطقة.
(1) موسوعة المقاتل ,لجنة الأمم المتحدة وترسيم الحدود العراقية- الكويتية, مصدر سابق
(2) التقرير النهائي لتخطيط الحدود – الكويتية , مصدر سابق, ص29
(3) منتدى تاريخ الكويت, ترسيم الحدود الكويتية- العراقية 1993
Kuwait-history.net
ومما تجدر الإشارة اليه إن العراق أنفق على مدى عقود من الزمن أموالا طائلة في عملية كري وتوسيع وصيانة الممرات الملاحية المؤدية الى خور عبد الله, فضلا عن إقامة الموانئ والمراسي والموانئ العائمة من أجل ضمان تدفق صادراته النفطية واستيراد البضائع المختلفة التي تدخل العراق عن طريق البحر.
ان فرض الحدود البحرية بالطريقة التي أقرها مجلس الأمن قد شكلت سابقة خطيرة لم يعهدها المجلس في عمله من قبل, حيث سبب إجحافا في حقوق العراق التاريخية في التمتع بمنفذ حر الى البحر. فبعد الترسيم الجديد أصبح الممر الملاحي للعراق مقيد وغير آمن ويتعلق بما يقدمه العراق من تنازلات ورضوخ لرغبات الجانب الكويتي, حيث استغلت السلطة الحاكمة في الكويت الوضع العراقي وما آلت اليه الأمور بعد الاحتلال من تخلخل في وضعه الداخلي على ارغام حكومته أما المزيد من التنازلات او البقاء تحت طائلة الفصل السابع.
وفي 20 مايو 1993م قامت لجنة الأمم المتحدة لتخطيط الحدود بعد أن أتمت مهمتها كاملةً برفع تقريرها النهائي مع كافة الوثائق المتعلقة بأعمالها إلى السكرتير العام للأمم المتحدة الدكتور بطرس غالي الذي قام في اليوم ذاته برفع تقرير اللجنة النهائي مع مرفقاته إلى رئيس مجلس الأمن الدولي.
وقد انعقد مجلس الأمن في 27 مايو 1993 وأصدر قراره رقم (833) الذي رحب فيه بقرارات لجنة الأمم المتحدة لتخطيط الحدود بين الكويت والعراق, وطالب كلا من الدولتين باحترام حرمة الحدود الدولية التي أتمت اللجنة تخطيطها بشكلٍ نهائي, وباحترام الحق في المرور البحري. وأكد مجلس الأمن في قراره 833 أيضاً أن قرارات اللجنة نهائية, وشدد من جديد على قراره بضمان حرمة الحدود الدولية التي تم تخطيطها نهائيا بين الدولتين, واعتبر أن أي خرق لذلك سوف يتبعه القيام حسب الاقتضاء باتخاذ جميع الإجراءات لتحقيق هذه الغاية وفقاً لميثاق الأمم المتحدة بموجب الفصل السابع وقراري مجلس الأمن (687) و(773)(1).