التقادم
ـ تعريف التقادم ومدلوله وفلسفته:
التقادم Prescription هو مرور الزمن على فعل أو واقعة قانونية. وأساس التقادم في التشريعات المدنية والجزائية ـ على حد سواء ـ هو مرور الزمن على واقعة لفّها النسيان فأصبحت من مخلفات الماضي. وللتقادم فلسفة خاصة بالنسبة للجريمة. فإذا لم تتحرك الدولة للرد على المجرم في الوقت المناسب فسوف تفقد الدعوى الجزائية وتفقد العقوبة جدواها ومدلولها في الردع الخاص والردع العام، ولا يعود لها ذلك التأثير المطلوب في الفرد والمجتمع.
إن المجتمع لا يلاحق ويعاقب للإنتقام، وإنما يفعل ذلك لتحقيق عدة أهداف: فرض النظام، والمحافظة على الأمن العام، وردع المعتدي على الحقوق والمصالح التي يحميها القانون، وضرب مثل للناس بفرض العقاب على من يستحقه، وإعادة التوازن القانوني الذي أخلت به الجريمة إلى المجتمع. ولكن العقاب البعيد جداً عن ارتكاب الجريمة أو عن الإدانة يفقد قوته وتأثيره، فلا يعود قادراً على تحقيق الأهداف المذكورة، لأن ذكريات الفعل الجرمي تكون قد امَّحت، والحاجة لضرب مثلٍ تكون قد اختفت، وحق الدولة وواجبها في العقاب يكونان قد توقفا عن الوجود نتيجة تهاونها زمناً طويلاً في استعمال هذا الحق وأداء ذاك الواجب. ناهيك عن الخوف من ضياع الأدلة، وبخاصة الأدلة الجزائية التي تعتمد في الغالب على أقوال الشهود. فالذاكرة تضعف عندما يتراخى الزمن، حيث يدخل النسيان إليها، فيفقد الدليل المستمد من الشهادة قوته ليصبح مشوباً بالشك والتردد. إن لمرور الزمن قوة لا تقهر، لأن فرضية النسيان مستمدة من واقع لا يمكن دحضه. ولعل من المصلحة الإبقاء على هذا النسيان، وعدم نبش الماضي لإيقاظ ذكريات أليمة تتعارض إثارتها مع الاستقرار القانوني في المجتمع.
ـ التقادم على الدعوى العامة والتقادم على العقوبة:
قد يمر الزمن على الجرم فيسمى ذلك بالتقادم على الدعوى العامة. فإذا وقعت الجريمة ولم يجر بشأنها عمل من أعمال الملاحقة أو التحقيق أو المحاكمة، أو جرى ثم توقف، فتسقط هذه الدعوى بمرور عشر سنوات محسوبة من تاريخ الفعل الجرمي، أو من تاريخ آخر إجراء تم بشأنه، إذا كان جناية، وثلاث سنوات إذا كان جنحة، وسنة واحدة إذا كان مخالفة.
وقد يمر الزمن على العقوبة إذا تمت مراحل الدعوى الجزائية وصدر حكم مبرم فيها ولم ينفذ هذا الحكم، أو لم تتخذ الإجراءات اللازمة لتنفيذه، خلال مدة زمنية معينة.
ونظراً لأن ما نبحث فيه هو التقادم على العقوبة التي لم تنفذ بعد، فسوف ندرس في هذا الفصل على التوالي: مدة التقادم على العقوبة، وبدء سريانه، وحسابه، وانقطاعه، ووقفه، وآثاره.
ـ مدة التقادم:
حُددت مدة التقادم في المواد 162 ـ 166 من قانون العقوبات وهي الآتية:
أولاً ـ خمس وعشرون سنة في عقوبة الإعدام والعقوبات الجنائية المؤبدة.
ثانياً ـ ضعف مدة العقوبة التي حكمت بها المحكمة في العقوبات الجنائية المؤقتة، على أن لا تتجاوز عشرين سنة أو تنقص عن عشر سنوات.
ثالثاً ـ عشر سنوات في أي عقوبة جنائية أخرى.
رابعاً ـ ضعف مدة العقوبة التي حكمت بها المحكمة في العقوبات الجنحية، على أن لا تتجاوز عشر سنوات وتنقص عن خمس سنوات.
خامساً ـ خمس سنوات في أي عقوبة جنحية أخرى.
سادساً ـ سنتان في عقوبات المخالفات.
سابعاً ـ ثلاث سنوات في تدابير الاحتراز.
ثامناً ـ سنة واحدة في تدابير الإصلاح، إلا إذا صدر قرار عن محكمة الأحداث بناء على طلب النيابة العامة يقضي بتنفيذ العقوبة، على الرغم من مرور سنة على إغفال تنفيذها.
ـ بدء سريان التقادم:
يبدأ سريان التقادم على الوجه التالي:
أولاً ـ في الجنايات:
يبدأ التقادم ـ بموجب أحكام المادة 162/4 من قانون العقوبات ـ من تاريخ الحكم إذا صدر غيابياً، ومن يوم تملص المحكوم عليه من التنفيذ إذا كان الحكم وجاهياً.
وإذا بدأ المحكوم عليه بتنفيذ العقوبة المانعة أو المقيدة للحرية، ثم تملص منها، أُسقط نصف مدة العقوبة التي نفذت فيه من مدة التقادم (م 162 ـ الفقرة الأخيرة ق . ع).
ثانياً ـ في الجنح والمخالفات:
يبدأ التقادم ـ بموجب أحكام المادة 163/4 من قانون العقوبات ـ في الحكم الوجاهي من تاريخ صدوره إذا كان في الدرجة الأخيرة، وغير قابل للاستئناف أو للنقض، ومن تاريخ انبرامه إذا كان في الدرجة الأولى أو في الدرجة الثانية، وفي الحكم الغيابي منذ تبليغ المحكوم عليه بذاته أو تبليغه في محل إقامته.
أما إذا كان المحكوم عليه موقوفاً، فيجري التقادم من يوم تفلته من التنفيذ، وفي هذه الحالة يسقط نصف مدة العقوبة التي نفذت فيه من مدة التقادم (م 163 ـ الفقرة الأخيرة ق . ع).
ثالثاً ـ في تدابير الاحتراز:
يبدأ التقادم ـ بموجب أحكام المادة 165 من قانون العقوبات ـ منذ اليوم الذي يصبح فيه التدبير الاحترازي نافذاً عملاً بأحكام المادتين 115 و 116 من قانون العقوبات، أو بعد تقادم العقوبة التي تلازم هذا التدبير. ويشترط أن لا يصدر عن القاضي قبل انقضاء سبع سنوات قرار يثبت أن المحكوم عليه لا يزال خطراً على السلامة العامة.
ـ حساب مدة التقادم:
يحسب التقادم من يوم إلى مثله، من دون اليوم الأول (م167 ف 1 ق.ع)، وتحسب السنوات بالتقويم الميلادي.
ـ انقطاع التقادم:
انقطاع التقادم هو زوال المدة التي مرت من التقادم زوالاً تاماً، نتيجة حدوث سبب نص القانون عليه، وبدء سريان مدة التقادم من جديد، محسوبة من تاريخ زوال سبب الانقطاع.
وينقطع التقادم الجزائي على العقوبة في التشريع السوري ـ بموجب أحكام المادة 167/3 من قانون العقوبات ـ لأسباب ثلاثة: 
أولاً ـ حضور المحكوم عليه، أي تسليم نفسه إلى السلطات المختصة المناط بها تنفيذ الحكم. ومثل ذلك إلقاء القبض على المحكوم عليه والبدء بتنفيذ الحكم([1]). وهاتان الحالتان لا تثيران أي صعوبة.
ثانياً ـ قيام السلطة بإجراء تنفيذي بغية تنفيذ الحكم: وقد عبر المشرع عن هذا السبب بقوله: «أو أي عمل تجريه السلطة بغية التنفيذ».
ثالثاً ـ ارتكاب المحكوم عليه جريمة أخرى معادلة للجريمة التي أوجبت العقوبة أو التدبير أو جريمة أهم منها (م167 ف 3 ق.ع).
ـ وقف التقادم:
وقف التقادم هو عدم بدء سريان مدة التقادم، أو عدم استمرار مدة التقادم في السريان، نتيجة حدوث سبب نص القانون عليه، بحيث تقف المدة بوجود هذا السبب، ثم تتابع سيرها بزواله، ويجمع القسم السابق، إذا كان موجوداً مع القسم اللاحق.
والفارق بين انقطاع التقادم ووقفه، هو أن الأول يزيل المدة السابقة لسببه زوالاً تاماً، فلا تعود تحسب في مدة التقادم، أما الثاني، فلا يزيل المدة السابقة لسببه، بل تبقى بكل آثارها، ثم تضاف إلى المدة اللاحقة لزوال سبب الوقف. ويوقف التقادم كل حائل قانوني أو مادي يحول دون تنفيذ العقوبة أو التدبير، ولم ينشأ عن إرادة المحكوم عليه (م 167 ف 2 ق . ع).
والحائل القانوني: هو سبب قانوني يقرره المشرع ويمنع بموجبه السلطة المختصة من تنفيذ الحكم، أو الترخيص لها بالتوقف عن اتخاذ الإجراءات اللازمة لتنفيذ الحكم. مثال ذلك إذا مُنح المحكوم عليه وقف التنفيذ ، ثم ارتكب جرماً آخر، وحكم عليه من أجله، فإن العقوبتين في هذه الحالة تنفذان على التوالي، وتنفيذ العقوبة الأولى يوقف التقادم بالنسبة للعقوبة الثانية (م 170 ق . ع). وكذلك الأمر بالنسبة للحامل غير الموقوفة المحكوم عليها بعقوبة الحبس، فلا تنفذ العقوبة فيها إلا بعد أن تضع حملها بستة أسابيع (م 55/1 ق . ع). وهذا التأجيل يوقف التقادم على العقوبة. كما أن الزوجين اللذين يحكم عليهما بعقوبة الحبس مدة تنقص عن السنة، ولا يكونان موقوفين، تنفذ العقوبة فيهما على التتالي إذا كان لهما ولد دون الثامنة عشرة من عمره وأثبتا أن لهما محلاً معروفاً للإقامة (م 55/2 ق . ع). وتأجيل تنفيذ العقوبة على أحد الزوجين يوقف التقادم على عقوبته.
أما الحائل المادي: فمثاله الحرب، واحتلال أرض الوطن من قبل جيش أجنبي، والزلزال، والطوفان، وكل الحوائل المادية التي لا يعود التنفيذ معها ممكناً.
وكما رأينا في انقطاع التقادم، فقد نص المشرع كذلك في حالة وقف التقادم، على أنه لا يمكن أن تطول مدة التقادم في كل حال إلى أكثر من ضعفيها (م167، الفقرة الأخيرة، ق.ع).
ـ آثار التقادم:
للتقادم عدد من الآثار بينتها المادة 161 من قانون العقوبات نذكرها في الآتي:
أولاً ـ عند استكمال التقادم للمدة المحددة له تزول العقوبات وتدابير الاحتراز.
ثانياً ـ ولكن التقادم لا يزيل الحكم، بل يظل قائماً منتجاً لآثاره القانونية، فهو يحسب في التكرار واعتياد الإجرام ووقف التنفيذ.
ثالثاً ـ التقادم لا يسري على العقوبات والتدابير الاحترازية المانعة من الحقوق، أو على منع الإقامة، أو على المصادرة العينية.
رابعاً ـ لا تأثير للتقادم الجزائي على التعويضات المدنية المحكوم بها، فهذه تظل خاضعة لقواعد التقادم المدني.
ـ التقادم من النظام العام:
استقر اجتهاد محكمة النقض السورية، وكذلك الاجتهاد القضائي في أغلب دول العالم على أن التقادم من النظام العام. ونتيجة لذلك فإن الإدعاء بالتقادم يمكن إثارته في جميع مراحل الدعوى، كما يمكن إثارته عفواً من قبل المحكمة.

(1) وغني عن البيان أن المتهم الغائب إذا سلم نفسه إلى المحكمة أو قبض عليه قبل سقوط العقوبة المحكوم بها بالتقادم، فيعد الحكم  وسائر المعاملات الجارية، بدءً من صدور مذكرة إلقاء القبض أو قرار المهل، ملغاة حكماً، وتعاد المحاكمة وفقاً للأصول العادية (المادة 333 من قانون أصول المحاكمات الجزائية).
أحدث أقدم