خور قناة عبدالله بين التقسيم والمشاركة
اقتطاع جزء كبير من الخور حسب قرار التقسيم
خور عبدالله هو قناة ملاحية يقع في شمال الخليج ما بين جزيرتي بوبيان ووربة الكويتيتان وشبه جزيرة الفاو العراقية, ويمتد الخور الى داخل الاراضي العراقية مشكلا خور الزبير الذي يقع عليه ميناء أم قصر العراقي, ويقع جنوب خور عبدالله وعلى ساحله الشرقي المشروع العراقي المزمع انشاؤه هو مشروع ميناء الفاو الكبير, بينما يقع على جانب الضفة الغربية من الخور مشروع ميناء مبارك الكويتي.
يحتوي الخور على ترسبات كبيرة في الجانب العراقي حتى انها تعيق مرور السفن ذات الحمولة الكبيرة, أما في الجانب الكويتي فهو خال من الترسبات وصالح للملاحة ومرور السفن فيه. ووفق الحدود المرسومة من قبل مجلس الامن بين العراق والكويت أصبح خور عبد الله مناصفة بين العراق والكويت, لكنه في السابق كان الخور يخضع جميعه تحت التصرف العراقي ولا تعترض الكويت على حيازة العراق له(1).
وقد حضيت منطقة خور عبد الله وانشاء ميناء عالمي فيها بالاهمية البالغة منذ القرن التاسع عشر, عندما بسطت بريطانيا نفوذها على المنطقة بشكل عام والكويت بشكل خاص,  واستجابة لأهمية خور عبد الله, يعرض الكولونيل " ميد  " المقيم السياسي البريطاني في الخليج عام 1897على الحكومة البريطانية " بأن الكويت تمتلك مرفأ ممتازا , ولا شك في انه عندما يكون بحمايتنا ستصبح الكويت واحدا  من أهم الاماكن في الخليج وبصرف النظر تحولها الى مرفأ بحري لمشروع خط سكة الحديد من بور سعيد الذي ما زال قيد الدرس والذي سيمكننا امتلاك الكويت من حمايته (2) ".
أما العراق ومنذ استقلاله ومنذ نشوء موانئه في الفاو والمعقل وأم قصر كان مسؤولا عن حفر القناة الملاحية "خور عبد الله", كما يقوم ببث العوامات وتنويرها على طول القناة الملاحية, وقد استخدم كذلك المساعدات الملاحية التي وضعت في القناة كالشواخص ومقايس المد والجزر وركائز وأعمدة تطابق وغيرها.






 
 (1)  الجميلي, د, مالك دحام, د. الكناني, لمياء محسن, مصدر سابق
(2) منتدى تاريخ الكويت, ترسيم الحدود الكويتية - العراقية 1993
Kuwait .history.net
وفي عام 2004 قام العراق بمسح شامل للقناة بواسطة برنامج الإنماء الدولي للأمم المتحدة, كما قام أيضا ما بين عامي 2004- 2005 بأعادة حفر القناة وتنظيفها حتى أم قصر بكلفة 24 مليون دولار من خلال البرنامج المذكور.
الا ان الكويت في الآونة الأخيرة أخذت تعترض على عمليات الأجهزة المختصة في العراق في تنظيف القناة من الغوارق التي خلفتها الحرب العراقية – الايرانية , على سبيل المثال انتشال الغوارق في موقع العوامة (11) حيث قامت شركة تعمل لصالح العراق بعملية انتشال الغريقين ( الرمادي و دوكان) , ألا أن القوات البحرية الكويتية أجبرت الشركة على ترك الموقع بالقوة, رغم انه كانت هناك عمليات انتشال غوارق سابقة عام 2003 فالكويت لم تمانع أو تعترض على تلك الاجراءات, ولم يقتصر الأمر عند هذا الحد , بل تعداه الى اعتراض الصيادين العراقيين في القناة ومنعهم من مزاولة أعمالهم, علاوة على اعتراض السفن التجارية العراقية التي تمر من خلال القناة الى موانئ أم قصر وخور الزبير(1).

تخطيط الحدود في خور عبد الله:

في 20 مايس 1993 قامت لجنة الأمم المتحدة لتخطيط الحدود بعد أن أتمت مهمتها كاملةً برفع تقريرها النهائي مع كافة الوثائق المتعلقة بأعمالها إلى السكرتير العام للأمم المتحدة الدكتور بطرس غالي الذي قام في اليوم ذاته برفع تقرير اللجنة النهائي مع مرفقاته إلى رئيس مجلس الأمن الدولي. وقد انعقد مجلس الأمن في 27 مايس 1993 وأصدر قراره رقم (833) الذي رحب فيه المجلس بقرارات لجنة الأمم المتحدة لتخطيط الحدود بين الكويت والعراق, وطالب كلا من الدولتين باحترام حرمة الحدود الدولية التي أتمت اللجنة تخطيطها بشكلٍ نهائي وباحترام الحق في المرور البحري. وقد خلصت اللجنة في ترسيمها خط الحدود في خور عبد الله الى النتائج التالية(2) :

1- اعتماد الرسم البياني رقم (1235) للأدميرالية البريطانية لتحديد خط الوسط في خور عبد الله, والمواقع المبينة في هذا الرسم البياني تستند الى مرجع اسناد النظام الجيوديسي العالمي 84, وجميع الاغراض العملية فأن مرجع الاسناد هذا مطابق لمرجع اسناد الحدود العراقية الكويتية.

2-  لقد توصلت اللجنة على أساس ان مدخل خور عبد الله من عرض البحر يقع في مكان يحدث فيه تغير هام في اتجاه الخطوط الساحلية للدولتين, ثم عينت نقطة محددة على خط الوسط عند المدخل.

3- عندها قررت اللجنة, ان اتصال الحدود من خط الوسط المعمم الى نقطة التقاء الخورين هو أقصر خط بينهما, وبناء عليه يحدد خط الوسط بمجموعة من الاحداثيات التي تحسب من نقاط خط الاساس المحدد على خطوط المياه المنخفضة في طبعة عام 1991 من الرسم البياني رقم ( 1235) للأدميرالية البريطانية.





 


(1-2)  مجلس الأمن وموافقته على تقرير لجنة تخطيط الحدود, موسوعة المقاتل, مصدر سابق .
وأنظر أيضا: المالكي, زهير جمعة, مصدر سابق.



4- رأت اللجنة أن المنفذ الملاحي للدولتين إلى مختلف أنحاء إقليم كل منهما المتاخم للحدود المخططة هو من الأهمية بمكان لضمان توفير سمة الإنصاف ولتعزيز الاستقرار والسلم والأمن على طول الحدود. وفي هذا الصدد ترى اللجنة أن هذا المنفذ الملاحي ممكن للدولتين عن طريق خور الزبير وخور شتيانه وخور عبدالله إلى جميع مياه وأقاليم كل منهما المتاخمة لحدودهما. وتلاحظ اللجنة أن هذا الحق في الملاحة والوصول منصوص عليه بموجب قواعد القانون الدولي المثبتة في اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار لعام 1982 التي صادق عليها العراق والكويت على السواء.

5- جرى تعيين خط الحدود في خور الزبير بإحداثياتٍ جغرافية تحددت بالتصوير المساحي الضوئي باستخدام الصور الفوتوغرافية ذات الألوان غير المموهة بالأشعة تحت الحمراء. وأثناء الدورة الميدانية النهائية وضع عمود مؤشر معدل على الحد الفاصل بين العمود رقم (106) وخط المياه المنخفضة, ووضعت لوحات على حواجز المياه التي يمتد خط المياه المنخفضة تحتها, ووضعت علامةٌ مقابلة عند الطرف الجنوبي للحاجز الحجري للواجهة جنوب حاجز المياه الواقع في أقصى الجنوب, ووضع أيضاً عمودان مؤشران يحددان بصورة فريدة الاتجاه بين النقطة الأخيرة الواقعة على خط المياه المنخفضة وملتقى الخورين, ونصبت ثلاثة شواهد بالقرب منها.

6-  اعتبرت اللجنة أن التخطيط المادي لخور عبدالله غير عملي وغير ضروري. ويرسم خط الحدود في الخور بإحداثيات ثابتةٍ موثقة وفقا للمعايير المتبعة في الممارسة الدولية العامة, وقد وردت هذه الاحداثيات تفصيلا في الوثيقة رقم (158) المجلد التاسع للأمم المتحدة.

الأعتراضات العراقية:
بعد صدور قرار مجلس الامن 833 بتاريخ 6 حزيران 1993 اعترض العراق عن طريق وزير خارجيته محمد سعيد الصحاف من خلال رسالته التي بعثها الى الأمين العام للأمم المتحدة بتاريخ 6/ 6/ 1993, وقد جاءت أعتراضات وزير الخارجية العراقي فيما يخص ترسيم خط الحدود في خور عبد الله  والتي ندرجها بما يلي:

1- ان وصف الحدود الذي أعتمده مجلس الامن أساسا للترسيم بقراره 687 (1991) واستنادا الى الفقرة (3) من القرار المذكور الذي لا يتطرق اطلاقا الى وصف الحدود في خور عبد الله.

2- ان خور عبد الله حسب وصف الحدود الذي أعتمده مجلس الأمن أساسا للترسيم بقراره 687 (1991) لا يصدق عليه وصف البحر الاقليمي حتى يصار الى تقسيمه بين الدول المتجاورة والمتقابلة طبقا لقواعد القانون الدولي.

3- ان منطقة خور عبد الله حتى على افتراض انها بحرا اقليميا, فأنه يصدق عليها وصف ( الظروف الخاصة), وهو ما أقره الخبيران المستقلان أيضا(1). ان الحكم بحالة ( الظروف الخاصة ) هذه سوف تكتسب قوة اضافية لعدم وجود صيغة متفق عليها لتحديد الحدود في خور عبد الله, وبمعنى اخر ان تعيين الحدود في هذه المنطقة يتم للمرة الأولى , ومن ثم يمكن الأخذ بحالة الظروف الخاصة.

 
(1) الخبيران المستقلان هما:
1- أيان بروك , المدير في ذلك الوقت بهيئة المساحة السويدية
2- وليم روبرتسون, المدير العام لهيئة المساحة ومعلومات الأراضي في نوزلندا
4- ان للعراق حقوقا تاريخية في منطقة خور عبد الله التي لم يمارس حكام الكويت الملاحة على نظاق واسع فيها مما يجعلها مستثناة حسب اتفاقية قانون البحار لعام 1982 من قاعدة خط الوسط.
5- ليس من حق مجلس الامن بموجب وظائفه الممنوحة له في ميثاق الأمم المتحدة ان يفرض على دولة عضو تحديدا لحدودها, لأن هذا الاختصاص يخضع بموجب القانون الدولي الى قاعدة الاتفاق بين الدول ذات العلاقة , ولكون قرارات المجلس لا تساعد على تطبيق مسائل حفظ الأمن والسلم في المنطقة , لذا يكون المجلس قد تصرف بصورة تتجاوز نطاق صلاحياته.
6- كما تطرق وزير خارجية العراق في رسالته الى ما انفقه العراق من مليارات الدولارات عبر عشرا ت من السنين لتأمين اعمال الكري وتوسيع وصيانة القنوات والممرات الملاحية الى خور عبد الله, كما أقام العراق منشأت بحرية وموانئ في منطقة خور الزبير.
7- وقد أعتبر وزير الخارجية العراقي في رسالته الى ان فرض الحدود في منطقة خور عبد الله بالطريقة التي أقرتها لجنة تخطيط الحدود ما هي الا تهديدا خطيرا لحق العراق في الوصول الى البحار من خلال ممارسة حقه التاريخي في الملاحة غير المقيدة والآمنة في خور عبد الله الى الحد الذي يجعله مستقبلا بحكم الدولة المغلقة عديمة السواحل.

تعامل اللجنة في تخطيط خور عبد الله:
لقد تعاملت اللجنة مع خور عبد الله وكأنه بحرا اقليميا يفصل بين دولتين متشاطئتين, بما ان الخور نفسه لا تنطبق عليه مواصفات البحر الاقليمي, فالخور كما يراه المتخصصون عبارة عن حوض رسوبي ضحل تجمعت فيه المياه الداخلية المرتبطة بالبحر, حبث يخترق هذا الحوض ممر ملاحي قليل الاعماق ما دفع بالحكومة العراقية في عام 1991 الى القيام بعملية تعميقه وتأثيثه بالعوامات والفنارات الملاحية. كما واصلت مديرية الموانئ العراقية منذ عام 1962 بعملية تعميق الممر الملاحي عن طريق اسطولها البحري الذي يضم أحدث سفن الحفر البحري, في حين لم يكن للكويت أي نشاط يذكر في هذه المنطقة.
تعمدت اللجنة ان تختار بعض المناطق الضحلة التي تغطيها المياه بالكامل في المد والجزر, وتعاملت معها وكأنها مجموعة من الجزر الأرخبيلية, وذلك لغرض تزحيف خط الحدود المائية الى ساحل الفاو, وضم المزيد من المسطحات البحرية للكويت, فوقع اختيار اللجنة على منطقة ( فشت العيك), ومنطقة ( رأس القيد) وهي من المناطق الضحلة الواقعة بمحاذاة الممر الملاحي لخور عبد الله عند العوامة (11).
اعتمدت اللجنة في تقسيم خور عبد الله على قراءات المد العالي في المنطقة المحصورة بين ساحل الفاو وجزيرة بوبيان, وتجاهلت الخرائط الكنتورية لقراءات الجزر الواطئ لغرض اضافة المزيد من المساحات المائية الى الكويت, رغم ان مياه المد العالي تغطي الأكتاف العريضة لمنطقة ( رأس البيشة ) جنوب الفاو, وهي منطقة طينية رخوة شديدة الضحالة, تظهر عند انحسار الماء وتختفي في فترات المد.
لذلك تجاهلت اللجنة خط ( الثالوك) في تخطيطها لخورعبد الله الذي يعتبر الممر الملاحي الوحيد للعراق في وصوله الى البحر, وهذا حق كفلته المواثيق الدولية, وكرسه ميثاق الامم المتحدة ضمن ضرورات الاهتمام بتحسين الظروف الاقتصادية والاجتماعية, أيضا ضمنته الجمعية العامة في قرارها (2749) الصادر في 17 أيلول/ سبتمبر 1970, الذي نص على ان " أطراف أي نزاع يتعلق بعملية استغلال البحار والمحيطات, أو أي نزاع اخر يتعلق بتحديد تلك المنطقة يجب ان تتم تسويته طبقا للمادة (33) من الميثاق".
 كما تجاهل مجلس الامن حق المشاركة الذي كفلته اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار, والقائم على أساس الاتفاق , الذي يشكل العنصر الجوهري في تحديد المركز القانوني للدول المتضررة جغرافيا, وعمد الى لغة الفرض والالزام التي لا يمكن لها ان تجدي نفعا أو تدفع ضررا, وطالب العراق بالرضوخ والاذعان التام للقرار وكأنه دولة مسلوبة الإرادة(1).

مدى امكانية رجع العراق للمحاكم الدولية للطعن في قرارات مجلس الامن؟
ان مسألة ترسيم الحدود العراقية الكويتية قد جاءت حسب ما أشار اليها قرار مجلس الامن 773 بالرجوع الى المحضر المتفق عليه بين العراق والكويت بتاريخ 1/9 / 1963 " بشأن استعادة العلاقات الودية والامور ذات العلاقة ",  وهذا كما بينا سابقا لم يستكمل الاجراءات الدستورية بتصديق السلطة التشريعية  والسلطة التنفيذية العليا في الدولة, مما جعل مسألة الحدود بين الطرفين معلقة دون حل.
ان مسألة ترسيم الحدود وتثبيتها تهم الدول المتجاورة بالدرجة الأولى أكثر من غيرها, لذلك اوجد القانون الدولي آليات متنوعة لحل النزاعات الحدودية بين الدول, ابتداء من استخدام مبدأ المفاوضات السلمية وانتهاء عن طريق القضاء أوالتحكيم الدوليين. ؟ لكن هل يمتلك مجلس الأمن الصلاحية في رسم حدود بين دولتين متنازعين؟ وهل كان هذا التدخل متوافقا مع ميثاق الامم المتحدة؟.
أغلب رجال الفقه والقانون أعتبر تدخل مجلس الأمن بهذه الصيغة في ترسيم الحدود بين دولتين عضوين في الأمم المتحدة سابقة خطيرة, ومخالفة صريحة لصلاحياته الممنوحة له بموجب الميثاق. حيث أسند ميثاق الأمم المتحدة لمجلس الأمن صلاحيات في سبيل المحافظة على السلم والأمن الدوليين, وقد نصت الفقرة (1) من المادة (24) " رغبة في أن يكون العمل الذي تقوم به الأمم المتحدة سريعا وفعالا, يعهد اعضاء تلك الهيئة  الى مجلس الأمن بالتبعات الرئيسية في أمر حفظ السلم والأمن الدوليين, ويوافقون على ان هذا المجلس يعمل نائبا عنهم في قيامه بواجباته التي تفرضها عليه هذه التبعات "(2).




 
(1) الحمامي, كاظم فنجان , قرار تخطيط الحدود مع الكويت, جريدة المستقبل , العدد 41 في 30/ 5/2011
(2) أنظر المادة 24 من ميثاق الأمم المتحدة


لذلك حرص ميثاق الأمم المتحدة على الالتزام باتباع الوسائل السلمية في حل المنازعات الدولية, حيث يمارس مجلس الأمن اختصاصا توفيقيا للمحافظة على السلم والأمن الدوليين بحل النزاعات عن طريق التسوية السلمية, ومع ذلك ترك الميثاق للدول المعنية حرية اختيار الحل المناسب للنزاع, كما لمجلس الأمن أيضا صلاحية دعوة اطراف النزاع الى تسويته بالطرق السلمية من دون الاخلال بالمواد (33- 38)(1).
ويلاحظ أيضا ان اختصاص مجلس الأمن في ايجاد حل سلمي للنزاعات بموجب الفصل السادس من الميثاق حسب المواد (33- 38), لا يخوله سوى سلطة التوفيق بين الاطراف المتنازعة, وأما في حالة عدم توصل الأطراف المتنازعة الى حل سلمي لنزاعاتها, فمجلس الأمن لا يملك سوى اصدار التوصيات غير الملزمة لاطراف النزاع(2).
فاذا كان ميثاق الأمم المتحدة قد خول الصلاحية لمجلس الامن في تطبيق التدابير المنصوص عليها في المواد (42- 47)  من يثاق الامم المتحدة (3), وذلك باستخدام القوة العسكرية  لاخراج العراق من الكويت عام 1990, فهو لا يمتلك الصلاحية طبقا للمواد المذكورة اعلاه في فرض ترسيم حدود بالاكراه على العراق خارج نطاق ارادته, فالتخطيط وفق قرارات مجلس الامن 687, 773, 833, جاء انتهاكا لسيادة دولة عضو معترف فيها من قبل المجتمع الدولي.
لقد خالف مجلس الامن قراراته التي اصدرها بحق العراق ذات الصلة بمسألة الكويت, حيث نقض احد بنود الفقرة (3) من القرار 660 التي تدعو لحل خلافات الطرفين عن طريق التفاوض(4). فهو بدل من تطبيق الفقرة (3) من المادة المذكورة ودعوة طرفي النزاع ومساعدتهم في ايجاد حلولا مناسبة لخالافاتهم الحدودية, سارع بأصدار قراره 687 الذي أشار الى تشكيل لجنة ترسيم الحدود رغم ان هذا الاجراء جاء منافيا لقواعد القانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة, التي تدعو كما مر بنا الى ايجاد الطرق السلمية في حل المنازعات الحدودية وغيرها , كما تدعو أيضا الى الحفاظ على سيادة الدول واستقلالها السياسي.
كما سعت لجنة مجلس الأمن لترسيم الحدود في ابعاد العراق, وليس له حق الاعتراض أو ابداء رأي مسموع في شأن يخص سيادته على ارضه ومياهه. ولم يكتف مجلس الأمن بتطبيق اجراءاته العقابية بحق العراق وشعبه, بل جعل قراراته في ترسيم الحدود الزامية ولا تقبل النقاش او الاستئناف.















 
(1) أنظر مواد الفصل السادس (33- 38) من ميثاق الأمم المتحدة
(2) السيد, د. رشاد عارف, مصدر سابق, ص108- 109
(3) أنظر المواد ( 42- 47) من ميثاق الأمم المتحدة
(4) أنظر الفقرة (3) من قرار مجلس الأمن 660( 1990)

كانت هذه واحدة من أهم  الخطوات الجائرة, التي تجاوز فيها مجلس الأمن حدود اختصاصاته, وخرجت فيها الأمم المتحدة على بنود ميثاقها, وتدخلت المنظمة الدولية من خلال مجلس الأمن تدخلا سافرا في شؤون العراق, فتجاوزت كل شروط التدخل المعتدل, وتجنبت مراعاة مبدأ المساواة القانونية, الذي كفلته المواثيق والعهود والاتفاقيات الدولية, وتجاوزت مفهوم الاستقلال السياسي, ولم تحترم السيادة الوطنية للعراق, فتلاعبوا جميعا بحدوده ومنافذه وحقوله من  خلال اصدار هذا القرار الباطل, الذي اقتطع مساحات شاسعة من ارضه ومياهه, بمباركة القوى الاستعلائية الغاشمة, التي تعمدت غلق النافذة البحرية الوحيدة, التي يتنفس منها العراق, فحالت بينه وبين الوصول إلى البحر(1).

هذا ما حصل  في تجاوز مجلس الأمن صلاحياته التي خولها له ميثاق الأمم المتحدة والتي هي أساسا تدعو الى اشاعة السلم والأمن بين الدول المتنازعة من خلال حل نزاعاتهم بالطرق السلمية. لكن بالمقابل هل كانت قرارات مجلس الأمن في ترسيم الحدود بين الدول المتنازعة لها القوة الزامية من وجهة النظر القانونية ؟. وهل يحق للعراق البلد الذي طبقت بحقه قرارات جائرة لم تطبق على أية دولة عضو في الأمم المتحدة سابقا ان يلجأ للقضاء الدولي لغرض انصافه للحيف الذي ألحق به.

























 
 (1) الحمامي, كاظم فنجان, مصدر سابق



التقييد على سلطات مجلس الأمن:
الاعتقاد السائد بأن سلطات مجلس الأمن سيما مواد الفصل السابع لا تخضع للقيود أو للرقابة, لكن حقيقة الأمر ان هناك قيودا فرضت عل صلاحيات مجلس الامن التي تبدو بشكل صريح في بعض نصوص الميثاق. وقد جاءت القيود على صلاحيات مجلس الامن من تفسير مواد الميثاق بما يلي:
أولا- فكرة الانابة:
الفقرة (1) من المادة (24) من الميثاق قد فسرت فكرة الانابة لمجلس الامن, على أساس أنه ينوب عن الدول الاعضاء في الأمم المتحدة في مسألة حفظ السلم والأمن الدوليين, حيث نصت الفقرة (1) من المادة المذكورة أعلاه " .. يعهد أعضاء تلك الهيئة الى مجلس الأمن بالتبعات الرئيسية في أمر حفظ السلم والامن الدولي. ويوافقون على ان هذ المجلس يعمل نائبا عنهم في قيامه بواجباته التي تفرضها عليه هذه التبعات "
فالنص هنا قد قيد سلطة المجلس بفكرة الانابة, او النيابة عن الدول المنظوية تحت مظلة الأمم المتحدة, والنيابة كما ورد في تعريفها " على انها حلول إرادة شخص محل شخص آخر في التعبير عن الإرادة " (1), بمعنى ان إرادة النائب في هذه الحالة يجب ان تحل محل إرادة من أناب عنه في تصرف قانوني قد خوله القيام به.
اذن نص المادة (1/24) صريح في قيام مجلس الأمن بالإنابة عن دول اعضاء الأمم المتحدة في حفظ السلم والأمن الدوليين, وأي تعمد من المجلس في الإخلال في نص هذه المادة يعتبر تصرفا شاذا عن إرادة الاطراف الذين خولوه بالإنابة عنهم, لذا يعتبر مجلس الأمن اعتمادا على النص المتقدم ان تكون نيابته ضمن حدود النيابة التي خولها له مجلس الأمن, فأي خرق لهذا الاتفاق يعتبر تجاوزا لصلاحياته,وهذا الإخلال في الحدود المرسومة له تنفي عنه صفة النيابة, فتصرفاته وأعماله بعد هذا لا تكتسب أية أثار قانونية للذين أناب عنهم الا بإرادتهم ورضاهم. كما ان النيابة ليست مطلقة وانما هي مقيدة بحدود التكليف الذي مارسه مجلس الأمن في حفظ السلم والأمن الدوليين(2).
ووفق هذا الرأي يتعين ان يكون الغرض من القرار الذي يصدره مجلس الأمن يحقق الأهداف التي من أجلها تم انشاء المجلس, وأما اذا انفصمت العلاقة بين القرار وتلك الاهداف فالقضاء يحكم بعدم شرعيته, ويستدل على ذلك بالرأي الاستشاري الذي أصدرته محكمة العدل الدولية عام 1962 بشأن نفقات الأمم المتحدة, فقررت أنه اذا تم اجراء الانفاق لتحقيق هدف لا يندرج في اطار اهداف الأمم المتحدة, فلن يكون في الامكان اعتبار مثل هذا الانفاق انفاقا للمنظمة الدولية.




 
(1) الذنون, د. حسن علي, النظرية العامة للالتزامات, الجامعة المستنصرية, بغداد, 1976, ص48
(2) المؤمن, د. جعفر خزعل جاسم, طبيعة سلطات مجلس الامن طبقا للفصل السابع , مجلة التشريع والقضاء العراقي, مصدر سابق
.
وعليه فان مجلس الأمن غير مطلق اليد في اصدار ما يشاء من قرارات, وانما سلطته تتقيد بالأهداف التي يلقى بها على عاتقه ميثاق الأمم المتحدة في حفظ السلم والأمن الدوليين, لذا يجب على مجلس الأمن تحقيق هدف المجتمع الدولي عندما يتخذ قراراته على مستوى العدل والانصاف حتى يمكن نعتها بالشرعية, واذا لم يلتزم المجلس بالهدف المرسوم له كنائب عن دول منظومة الأمم المتحدة ففي هذه الحالة توصف قراراته بعد شرعيتها(1).
ثانيا- اداء مجلس الأمن وفقا لمقاصد الأمم المتحدة:
وأما الفقرة (2) من المادة (24)  التي نصت على ان " يعمل مجلس الأمن في اداء هذه الواجبات وفقا لمقاصد الأمم المتحدة ". يفهم من نص المادة المذكورة ان هناك قيودا على سلطات مجلس الأمن, لا سيما المقاصد التي من أجلها انشئت الأمم المتحدة . لذلك يتحتم على مجلس الأمن وهو يمارس صلاحياته التي خوله اياها ميثاق الأمم المتحدة ان يضع في اعتباره ان تلك الممارسات يجب ان تكون متوافقة مع مبادئ ميثاق الأمم المتحدة باعتبارها الفيصل في مشروعية تلك الممارسات. فاذا لم يتطابق استعمال هذه السلطة وما صدر عنها من قرارات مع مقاصد الأمم المتحدة ومبادئها, فان هذا الاستعمال يكون بهذه الصفة غير مشروعا أو تعسفا لانه قد جانب الغرض الذي وضعه الميثاق لهذه السلطات, وبالتالي تكون هذه القرارات معيبة في ذاتها ولا يمكن الاعتراف لها بقوة الإلزام والنفاذ وان استوفت الشروط الشكلية(2).
والمبادئ في هذا السياق(3), هي مجموعة القيود وقواعد السلوك التي يتعين على المنظمة والدول الاعضاء فيها, وحتى غير الاعضاء احترامها والتقيد بها(4) ـ


 
(1) ماترماوي رانيا, اصلاح مجلس الامن , الحوار المتمدن, العدد 3659, في 6/3/ 2012
(2) العنبكي, د. نزار , التعسف في استعمال السلطة والانحراف بها في قرارات مجلس الأمن المتعلقة بأزمة الخليج, بحث منشور في مؤلف القانون الدولي وأزمة الخليج, كلية القانون , جامعة بغداد, 1992
(3)هناك من الفقهاء من يميز بين مقاصد الأمم المتحدة ومبادئها. فالأولى يراد بها الغايات النهائية المشتركة التي انشئت الأمم المتحدة من أجلها وتسعى الى تحقيقها. أما المبادئ فهي قواعد السلوك التي يجب احترمها لتهيأة الظروف الملائمة لتحقيق هذه الغايات.
أنظر: محمد د. أحمد أبو الوفا , الوسيط في قانون المنظمات الدولية, دار الثقافة العربية, القاهرة, 1984, ص403
(4) عبد الهادي, د. عبد العزيز مخيمر, قانون المنظمات الدولية, " النظرية العامة – الأمم المتحدة " , القاهرة , 1994, ص303



والمبادئ الرئيسية التي وردت في المادة الثانية من الميثاق(1)هي:
1- الفقرة (1) مبدأالمساواة في السيادة بين جميع اعضاء هيئة الأمم المتحدة.
2- الفقرة (2) مبدأ حسن النية, أي تنفيذ الدول الاعضاء التزاماتها تنفيذا سليما وبحسن نية.
3- الفقرة (3) مبدأ حل المنازعات بين الدول الاعضاء حلا سلميا, بعيدا عن استعمال القوة أو التهديد بها.
4- الفقرة (4) مبدأ الامتناع عن التهديد باستعمال القوة وعلى أي وجه لا يتفق مع أهداف ومقاصد الأمم المتحدة.
5- الفقرة (7) مبدأ عدم التدخل بالشؤون الداخلية للدول, أي لا يحق للأمم المتحدة التدخل بالشؤون الداخلية للدول الاعضاء مهما كان حجم الدولة صغيرها أم كبيرها, غنية كانت أم فقيرة.
مما تقدم يتبين ان اجراءات مجلس الأمن مع العراق وأصداره العديد من قراراته السريعة والمختلفة الاغراض قد خالفت الصلاحيات الممنوحة له بموجب الميثاق, سواء في توسيع مفهوم الحفاظ على السلم والأمن الدوليين, أو في تعسفه من خلال قراراته الجائرة المتعلقة بالحصار وترسيم الحدود وصندوق التعويضات وغيرها, ومع ذلك فالمجلس ليس له الحرية المطلقة في اتخاذ قرارات تخالف نصوص مواد ميثاق الأمم المتحدة, بل ان سلطاته مقيدة كما بينا انفا.
فالعراق نتيجة للتعسف الذي ألحقة مجلس الأمن بحقوقه التاريخية في أرضه و مياهه وفقا لقراراته        ( 687 , 773, 833 ) , فله الحق في الذهاب الى القضاء الدولي للطعن في تلك القرارات المجحفة, لا سيما وقد اتيحت الفرصة سابقا لمحكمة العدل الدولية في الطعن بعدم شرعية قرار مجلس الامن رقم 284 لعام 1970 الخاص بجنوب غرب افريقيا, وقد اعتبرت المحكمة ان مجلس الأمن قد خالف العديد من القواعد الشكلية في اصداره القرار المذكور(2) .
أحدث أقدم