البدائل المقترحة
البدائل المقترحة أو الوسائل الأخرى التي تمكن الدائن من المحافظة على حقوقه تجاه مدينه بدلاً من الحبس رأينا في السابق أنه أياً كان المصدر الذي يقوم عليه أداء المدين بما عليه من ديون استجابة لطلب الدائن للوفاء بالدين بمجرد الطلب أو عند حلول الأجل فإن المدين بحسب الأصل يلتزم تنفيذ التزامه مختاراً فإذا امتنع عن ذلك يلجأ الدائن إلى إجباره على التنفيذ وفي الحالتين فهو إما أن ينصب على ذات الالتزام أي عينة بأن يؤدي المدين ما التزم به للدائن ويسمى هذا بالتنفيذ العيني أو أن يتم التنفيذ عن طريق إلزام المدين بأداء تعويض للدائن بدلاً من التنفيذ العيني ويسمى التنفيذ بمقابل , إذاً فالتنفيذ العيني هو الأصل عملاً بقوله صلى الله عليه وسلم على اليد ما أخذت حتى ترد .م153 من مجلة الأحكام العدلية و1378 مجلة الأحكام الشرعية أي يجب على الملتزم أن يوفي بما التزم به سواء كان الالتزام القيام بعمل أو الامتناع عن عمل أو الوفاء بمبلغ ما من النقود ولكي يتم التنفيذ العيني على المدين لابد أن تتوافر شروط معينة .
1- أن يكون لدى الدائن سند تنفيذي
2- أن يقوم الدائن باعذار المدين بالوفاء
3- أن يكون التنفيذ العيني ممكناً وغير مرهق للمدين
4- ألا يكون في التنفيذ العيني مساس بحرية المدين الشخصية
والتنفيذ العيني الجبري إما أن يكون مباشراً أو غير مباشر .
1- التنفيذ العيني المباشر ويتمثل في :
أ- الالتزام بنقل حق عيني.
ب- الالتزام بالعمل.
ج- الالتزام بالامتناع عن العمل.
وفي هذا يكون محل إجبار المدين على محل الالتزام ذاته وفقاً لما هو متفق عليه. وقد يكون التنفيذ العيني غير مباشر ويكون ذلك في الأحوال التي يكون فيها الالتزام غير ممكن أو غير ملائم إلا إذا قام به المدين بنفسه في هذه الحالة لامناص من اللجوء إلى هذه الوسائل والتي منها الاكراه البدني - حبس المدين - ويتمثل ذلك في إجبار المدين على تنفيذ التزامه عيناً - وقد تكلمنا عن ذلك مقدماً . و من وسائل الاكراه أيضاً ما يسمى بـ :
الغرامة التهديدية :
وهي عبارة عن مبلغ نقدي يحكم به القاضي على المدين بأدائه عن كل فترة زمنية كأسبوع أو شهر أو أي فترة معينة من الزمن يتأخر بها عن تنفيذ التزامه عيناً بعد الأجل الذي حدده الحكم لهذا التنفيذ .
شروط الحكم بالغرامة التهديدية :
1-أن يوجد التزام يمكن تنفيذه عيناً فإذا استحال على المدين تنفيذه عيناً سواء كانت الاستحالة بفعل المدين أو لسبب أجنبي فإنه لا يجوز للدائن اللجوء إلى الحكم بهذه الغرامة .
2-أن يكون التنفيذ العيني للالتزام غير ممكن أو غير ملائم إلا إذا قام به المدين .
فإذا توافر الشرطان وطلب الدائن ذلك كان للمحكمة أن تجيبه إلى طلبه لكن لا تقضي به من تلقاء نفسها .
وعلى ذلك يمكننا القول أن الحكم بالغرامة التهديدية ما هو إلا مجرد وسيلة تهديدية ومؤقت ولا يمكن تنفيذه باعتباره حكماً في ذاته إذاً فمن خصائص الحكم بالغرامة التهديدية كالتالي :
1-أنه وسيلة تهديدية.
2-أنه حكم مؤقت.
3-أنه قابل للتنفيذ باعتباره حكماً في ذاته .
لقد عرض مشروع تقنين أحكام الشرعية الإسلامية في المعاملات في مصر للتنفيذ العيني غير المباشر بواسطة الغرامة في المادة 226 ونصها كالآتي :
(1-إذا كان تنفيذ الالتزام عيناً غير ممكن أو غير ملائم إلا إذا قام به المدين نفسه جاز للدائن أن يحصل على حكم الزام المدين بهذا التهديد ويدفع غرامة تهديدية إن امتنع عن ذلك .
2-وإذا رأى القاضي أن مقدار الغرامة ليس كافياً لإكراه المدين الممتنع عن التنفيذ جاز له أن يزيد في الغرامة كلما رأى داعياً في الزيادة .
3-وإذا لم يتم التنفيذ العيني أو أصر المدين على رفض التنفيذ حدد القاضي مقدار التعويض الذي يلزم به مراعياً في ذلك الضرر الذي أصاب الدائن والعنت الذي بدأ من المدين ).
والنص يطابق المادتين 213, 214 من القانون المدني المصري الحالي , كما يطابق المادة 292 من القانون المدني الكويتي ونعرض الآن لبعض الوسائل التي يمكن للدائن عن طريق إحداها المحافظة على حقوقه تجاه المدين وهذه الوسائل هي:
1- الدعوى غير المباشرة . 2- دعوى عدم نفاذ التصرف.
3- الحق في الحبس. 4- شهر الإعسار.
وقبل البدء تفصيلاً في الكلام عن هذه الوسائل نود الاشارة إلى أنه سيكون الكلام تركيزاً عنها في الفقه الاسلامي لأن أحكام القانون الفلسطيني في شأنها ما زالت حتى الآن مستمدة من هذا الفقه . ( مجلة الأحكام العدلية )
أولاً: الدعوى غير المباشرة :
تعريفها : دعوى يرفعها الدائن باسم مدينة للمطالبة بحق له في ذمة الغير؛ أي أنها دعوى ترفع في مواجهة مدين المدين يطالبه فيها بحقوق المدين قبله .
شروط استعمال الدعوى غير المباشرة :
1. عدم استعمال المدين حقه.
2. ألا يكون الحق متصلا بشخص المدين او غير قابل الحجز عليه.
3. يجب إدخال المدين خصما في الدعوى.
والدائن في ذلك يعتبر نائبا عن المدين نيابة قانونية تستند إلى نص القانون.
وهذه الدعوى تجد لها مكانا في الفقه الإسلامي وذلك لأن هذا الفقه آخذ بفكرة الضمان العام للدائن وما يتهدده من مخاطر, من ذلك ما ورد في كتاب القواعد للفقه الإسلامي قاعدة 96 صفحة 221 ( لو امتنع المدين عن وفاء دينه وله مال فباع الحاكم ماله ووفاه عنه صح وبرئ منه ولا ضمان وهذا يعني أن أموال المدين كلها تضمن الوفاء بديونه ورغم ذلك فإن الدائن قد يتعرض لمخاطر تسلبه مضمون حماية دينه كما لو تقاعس المدين وأهمل في المطالبة بحقوقه لدى الغير وهذا ما توفره الدعوى غير المباشرة فهل للدائن أن يطالب مدين المدين بحقوق مدينه في الفقه الإسلامي ؟
وإذا كانت القاعدة العامة في الفقه الإسلامي أن ذلك غير جائز إذ لا يصح أن يكون مدين المدين خصماً للدائن وهذا هو ما نصت عليه المادة 1640 من مجلة الأحكام العدلية إلا أننا لا نلبث أن نجد استثناء لتلك القاعدة تمثل بمضمونها الدعوى غير المباشرة في الفقه القانوني ومن ذلك ما نصت عليه المادة 1639 من مجلة الأحكام العدلية يكون الوديع خصما لدائن المودع ولكن لمن وجبت نفقته على الغائب أنه يدعى بها على الوديع ليأخذها من دراهم الغائب التي هي أمانة عنده ) ومعنى ذلك اذا كان صاحب الوديعة غائبا ففرض الحاكم من النقود المودعة نفقة لمن وجبت نفقته على صاحب الوديعة كان لمن وجبت له النفقة على هذا الغائب أن يدعى بها على الوديع اذا فالدائن هنا صاحب النفقة يرفع الدعوى على مدين المدين ( الوديع ) مطالبا اياه باستيفاء النفقة من حق المدين بها في ذاته ويمكننا أن نقيس على ذلك عدة أمور كلما اتحدت العلة في الموضوع .
ثانيا : دعوى عدم نفاذ التصرفات :
هي دعوى يرفعها الدائن للطعن في تصرفات مدينه المشوبة بالغش وتتضمن عدم نفاذ التصرفات التي قام بها المدين في حق الدائن مع بقاء التصرف قائما بين طرفيه وقد أسس الفقه الاسلامي هذه الدعوى على اساس ان المدين قد يقوم بالتصرف في امواله بما يلحق الضرر بدائنيه وضمانه العام لذلك لا يجوز أن نترك الدائن فريسة للمدين فأجاز له القانون الطعن في تصرفات المدين للحكم عليه بعدم نفاذها .
شروط دعوى عدم نفاذ التصرفات :
1. أن يكون حق الدائن مستحق الأداء.
2. أن يكون حق الدائن سابقا على التصرف المطلوب إبطاله.
3. أن يكون المدين قد ارتكب غشاً.
4. علم المتصرف إليه بهذا الغش.
5. أن يكون هذا التصرف مفقرا للمدين أي ينقص من ضمانه العام .
أما مكان هذه الدعوى في الفقه الاسلامي فنرى أن الأصل العام أن المدين لا يمنع من التصرف في أمواله وتقع كل تصرفاته صحيحة ما لم يكن في مرض الموت أو إذا كان قد تم الحجز عليه للافلاس وهذا هو رأي جمهور الفقهاء ومنهم الحنفية وذلك لأنه رشيد غير محجوز عليه فتنفذ تصرفاته كغيره ولأن سبب المنع الحجز فلا يتقدم عليه .
ويمكن تلخيص رأي الفقه الاسلامي في الحجز على المدين بالأمور التالية :
1. لا يجوز الحجز على المدين عند أبي حنيفة.
2. لا يجوز الحجز على المدين عند الصاحبان أبو يوسف ومحمد والحنابلة.
وقد نصت على ذلك المادة 1511 من لائحة الأحكام الشرعية ( تصرفات المفلس قبل الحجز عليه نافذة وكذا إقراره مطلقاً .
أما بعد الحجز عليه فإنه بمجرد الحجز على المفلس يتعلق حق الغرماء بماله الموجود والحادث له بإرث أو نحوه . فلا يصح اقراره به لأحد ولا تصرفه فيه تصرفاً مستأنفاً ببيع أو هبه أو عتق أو وقف .
وكذلك نلاحظ أن الأصل في الفقه الاسلامي أن المدين يستطيع التصرف في أمواله ولذلك لا يجوز للدائن أن يطعن في تصرف مدينه الضار به قبل الحجر عليه.
وبالرغم من ذلك فقد جاء في مذهب الإمام مالك ما يفيد تقييد التصرفات الصادرة من المدين قبل الحجر عليه, من ذلك ما قاله ابن جزي في باب التفليس ( إذا أحاط الدين بمال أحد ولم يكن في ماله وفاء بدينه وقام الغرماء عند القاضي فإنه يجري في ذلك على المدين أحكام التفليس وهي خمسة الرابع منها: أن يحجز عليه فلا ينفذ تصرفه في ماله فان تصرف فيه بعد الدين وقبل التفليس نفذ التفليس ما كان تصرفه بمرض كالبيع ولم ينفذ ما كان بغير عوض كالهبة .. وأما بعد التفليس فلا ينفذ شيء من أفعاله سواء كان بعوض أو بغير عوض .
وبناء على ما تقدم نقول ، أن الفقه المالكي ولئن اتفق مع الجمهور في جانب ، فانه يختلف عنه في آخر . أما ما اتفق فيه مع الجمهور فحاصله منع المدين من التصرف في أمواله قبل الحجر وكأثر له بطبيعة الحال . سواء كانت التصرفات معاوضة أو تبرعاً . أما ما اختلف فيه مع الجمهور فيخص حكم تصرفات المدين الضارة قبل الحجز وهذا مقصودنا ونحن نستطلع دعوى " عدم نفاذ التصرفات في الفقة الإسلامي ومن هنا نقول أنه إذا كان الأصل عند الجمهور " ما مر بنا - عدم منع المدين من التصرف في أمواله قبل الحجز عليه ولو كانت هذه التصرفات ضارة وسواء كانت معارضة أو تبرعا فان الأمر يختلف عند المالكية فهم يتكلمون عن منع المدين من التصرفات التبرعية دون المعارضة في حاله ومنعه من التصرف معاوضة أو تبرعاً في حالة أخرى والحالتان تسبقان الحجر على المدين
أو تفليسه بحكم الحاكم .
وعن الحالة الأولى :
فإنها تتحقق بمجرد ان يحيط الدين بمال المدين وليس فيه وفاء بديونه وفيها يمتنع عليه التصرف في أمواله على سبيل التبرع ومن ثم يجوز له ان يتصرف على سبيل المعاوضة .
اما الحالة الثانية :
فإنها تكون لمجرد أن يقوم الغرماء عند القاضي؛ لأن الديون أحاطت بمال المدين ودون أن يطلبوا الحجر عليه وتسمى حالة التفليس العام وفيها يمتنع على المدين التصرف على امواله سواء كان التصرف معارضة او تبرع .
والخلاصة ، إن الفقه المالكي يمنع المدين من التصرف في أمواله قبل الحجر على تفاوت بين إحاطة الدين بماله من ناحية وقيام الغرماء عند الحاكم؛ لأن الدين قد أحاط بماله ودون ان يطلبوا الحجر من ناحية أخرى . وهذا المنع يتفاوت بين منع التصرفات التبرعية في الحالة الأولى من جهة ومنع التصرفات سواء كانت معاوضة أو تبرعا في الحالة الثانية . ولكن يبدو أن المالكية يشترطون لذلك أن يكون الدين قد أحاط بمال المدين أي على معنى ان يكون معسرا لان ديونه تزيد على أمواله ويضيفون إلى هذا الشرط أيضا وجوب أن يكون تصرف المدين ضارا بالدائن بدليل منعهم لتصرفات المدين التبرعية قبل الحجز كما مر بنا؛ لأنه يكون على علم وقت التصرف بان الدين يحيط بماله .
في إطار كل ما تقدم يمكننا القول بأن فكرة دعوى عدم نفاذ التصرفات في القانون المدني معروفة في الفقه الاسلامي بصفة عامة والمالكي بصفة خاصة ذلك إن هناك مديناً معسراً وهو من أحاط الدين لماله والغرض أن لم يحجز عليه على الرغم من قيام غرمائه عليه عند الحاكم أيضاً فان تصرفات هذا المدين الضارة لا تسري في حق دائنه وأن ما يمتنع على هذا المدين أن يقوم به من تصرفات انما هي التصرفات المفقرة التي تؤدي إلى إعساره إن لم يكن معسرا أو زيادته .