التدابير الإصلاحية
ـ تعريف وتقسيم:
التدبير الإصلاحي هو إجراء يطبق على الحدث ويتضمن إخضاعه لنظام تربوي محدد يهدف إلى دراسة أوضاعه الشخصية والاجتماعية والاقتصادية للبحث عن أسباب انحرافه أو إجرامه، وبالتالي معالجته وتأهيله اجتماعياً. وقد وضعت المبادئ التي أقرها المؤتمر الدولي السابع للوقاية من الجريمة الذي عقدته الأمم المتحدة في ميلانو (إيطاليا) سنة 1985 أسس رسم سياسة إصلاحية وعلاجية تهدف إلى مساعدة الحدث في إعادة شخصيته ليكون عضواً مفيداً وفاعلاً في مجتمعه. ومن أهم خطوط هذه السياسة توفير كل معونة ضرورية للحدث، طبية أو نفسية أو تربوية أو اجتماعية، ومنها بخاصة التعليم الثقافي والمهني، وتوفير جميع وسائل الرعاية والحماية له، وذلك لجعله قادراً على التوافق مع المجتمع والقيام بدور بنَّاء داخل بيئته الاجتماعية.
وقد بدأت سورية بتطبيق التدابير الإصلاحية على الأحداث الجانحين منذ أن نص عليها قانون العقوبات رقم 148تاريخ 22/6/1949 في المواد 118 ـ 128 . ثم صدر بتاريخ 18/9/1953 ولأول مرة في سورية قانون خاص بالأحداث الجانحين هو القانون رقم 58. وقد أخذ هذا القانون بتدابير الإصلاح وقسمها إلى نوعين: تدابير حماية وتدابير تأديب، كما أنشأ عدداً من المؤسسات الإصلاحية. وأخيراً سن المشرع السوري، تمشياً مع التطور الحديث للمؤسسات العقابية، قانوناً جديداً للأحداث، هو القانون رقم 18 لعام 1974، الذي تبنى التدابير الإصلاحية مجدداً وتوسع فيها . فقد نصت المادة الرابعة منه على أن تدابير الإصلاح هي:
أ ـ تسليم الحدث إلى أبويه أو إلى أحدهما أو إلى وليه الشرعي.
ب ـ تسليمه إلى أحد أفراد أسرته.
ج ـ تسليمه إلى مؤسسة أو جمعية مرخصة صالحة لتربية الحدث.
د ـ وضعه في مركز الملاحظة.
هـ ـ وضعه في معهد خاص بإصلاح الأحداث.
و ـ الحجز في مأوى احترازي.
ز ـ الحرية المراقبة.
ح ـ منع الإقامة.
ط ـ منع ارتياد المحلات المفسدة.
ي ـ المنع من مزاولـة عمل ما.
ك ـ الرعاية.
وتفرض هذه التدابير بحق الأحداث الذين أتموا العاشرة ولم يتموا الثامنة عشرة من عمرهم .
وسنبحث في التدابير المذكورة على التوالي:
أولاً ـ تسليم الحدث إلى أبويه أو إلى أحدهما أو إلى وليه الشرعي:
هذا هو أول تدابير الإصلاح وأكثرها بساطة. فمحكمة الأحداث لها أن تحكم بتسليم الحدث إلى أبويه أو إلى وليه الشرعي إذا توافرت فيهم الضمانات الأخلاقية الكافية، وكان باستطاعتهم أن يقوموا بتربيته حسب إرشادات المحكمة أو مراقب السلوك (م6 من قانون الأحداث).
وهذا التدبير هو الذي يتبادر، قبل غيره، إلى ذهن القاضي، لأن الأسرة الصالحة هي أفضل بيئة يعاد النظر فيها بتربية الجانح ويتقوم فيها اعوجاجه، وبخاصة بعد أن تنضم إليها جهود المحكمة ومراقب السلوك لتقديم التوجيهات والإرشادات إليه ومده بيد المساعدة. وفي كل الأحوال، فإن ولي الحدث الذي سُلّم إليه، يتعرض لعقوبة الغرامة من مائة إلى خمسمائة ليرة سورية إذا أهمل واجباته القانونية تجاه الحدث. وتفرض محكمة الأحداث هذه العقوبة مباشرة، دون حاجة لادعاء النيابة العامة، وبناء على تقرير مراقب السلوك، ولا يحق لها استعمال الظروف المخففة أو وقف تنفيذها(م9 ف آ و ب من قانون الأحداث).
ثانياً ـ تسليم الحدث إلى أحد أفراد أسرته:
وهذا التدبير يأتي في الدرجة الثانية بعد التدبير الأول. فإذا لم تجد محكمة الأحداث في أحد الأبوين أو في وليه الشرعي الضمانات الأخلاقية الكافية، أو وجدت بأنه ليس باستطاعتهم القيام بتربيته قررت تسليمه إلى أحد أفراد أسرته ممن توافرت فيهم هذه الضمانات. وعلى الشخص الذي يسلم إليه الحدث أن يتعهد باتباع إرشادات المحكمة ومراقب السلوك (م7 من قانون الأحداث). وهو في كل الأحوال يتعرض لعقوبة الغرامة التي يتعرض لها والد الحدث أو وليه الشرعي إذا أهمل واجباته القانونية تجاه الحدث. وتفرض محكمة الأحداث هذه العقوبة مباشرة كما ذكرنا، دون حاجة لادعاء النيابة العامة، وبناء على تقرير مراقب السلوك، ولا يحق لها استعمال الظروف المخففة أو وقف تنفيذها (م9، ف آ و ب من قانون الأحداث).
ثالثاً ـ تسليم الحدث إلى مؤسسة أو جمعية مرخصة صالحة لتربية الحدث:
وهذا التدبير يأتي بالدرجة الثالثة بعد التدبيرين السابقين. فإذا لم تجد محكمة الأحداث بين ذوي الحدث من هو أهل لتربيته أمكن وضعه لدى مؤسسة أو جمعية صالحة لتربية الحدث. وعلى مراقب السلوك في هذه الحالة أن يراقب تربية الحدث، وأن يقدم له وللقائمين على تربيته الإرشادات اللازمة (م8 ف أ و ب من قانون الأحداث). ويتوقف نجاح هذا التدبير على وجود مؤسسات أو جمعيات صالحة لتربية الأحداث، وإلاّ فيظل لغواً لا طائل تحته.
ويتعرض في كل الأحوال الشخص المسؤول عن الحدث في المؤسسة أو الجمعية للعقوبة التي يتعرض لها والد الحدث أو وليه الشرعي أو أحد أفراد أسرته إذا أهمل واجباته القانونية (م9 ف آ و ب من قانون الأحداث).
رابعاً ـ وضع الحدث في مركز الملاحظة:
مركز الملاحظة، هو المركز المخصص للأحداث الذين يقرر القاضي توقيفهم قبل صدور الحكم النهائي بحقهم (م4 من قانون الأحداث). والتوقيف الاحتياطي للحدث، تقرره محكمة الأحداث لمدة لا تتجاوز الشهر الواحد إذا وجدت أن مصلحته تقضي بذلك (م 10 من قانون الأحداث).
خامساً ـ وضع الحدث في معهد خاص بإصلاح الأحداث:
معهد إصلاح الأحداث([1]) هو مؤسسة تربوية مخصصة للأحداث المحكومين والمقرر وضعهم فيها من قبل المحكمة ( م5 من قانون الأحداث). فإذا تبين للمحكمة أن حالة الحدث تستدعي وضعه في هذا المعهد، قررت وضعه فيه لمدة لا تقل عن ستة أشهر. وبعد انقضاء هذه المدة يتوجب على مدير المعهد الإصلاحي أن يقدم تقريراً للمحكمة عن وضع الحدث في المعهد، وله أن يقترح في التقرير إعفاءه من باقي المدة، أو فرض أي تدبير آخر يراه ضرورياً. كما يتوجب عليه أن يقدم تقارير دورية إلى المحكمة كل ثلاثة أشهر حتى يتم إخلاء سبيل الحدث. ويعود للمحكمة وحدها، عندئذ، الحكم بإعفاء الحدث من باقي المدة، أو تبديل التدبير بتدبير إصلاحي آخر. وفي كل الأحوال فإن مدة تدبير وضع الحدث في معهد إصلاحي تنتهي بإتمامه الحادية والعشرين من عمره (م 11 ف آ و ب و ج من قانون الأحداث).
سادساً ـ الحجز في مأوى احترازي:
وهذا التدبير الإصلاحي الذي يفرض على الأحداث سماه قانون العقوبات تدبيراً احترازياً يُفرض على الراشدين، كما رأينا ذلك في بحث التدابير الاحترازية. والحدث يوضع في مأوى احترازي ملائم إذا تبين للمحكمة أن جنوحه ناتج عن مرض عقلي، كالجنون أو العته. ومدة حجز الحدث في مأوى احترازي غير محدودة. إذ يجب أن يستمر حتى شفائه (م 16، ف ب من قانون الأحداث).
سابعاً ـ الحرية المراقبة:
الحرية المراقبة هي مراقبة سلوك الحدث، والعمل على إصلاحه، بإسداء النصح له، ومساعدته في تجنب السلوك السيئ، وتسهيل امتزاجه بالمجتمع (م19 من قانون الأحداث).
وللمحكمة، من خلال نظام تدابير الحرية المراقبة، أن تمنع الحدث من ارتياد كل محل ترى فيه خطراً على سلوكه. ولها أن تفرض عليه الحضور في أوقات معينة أمام أشخاص أو هيئات تعينهم، وأن تأمر بالدوام على بعض الاجتماعات التوجيهية المفيدة، أو أي أمر تراه ضرورياً لإصلاحه (م20 من قانون الأحداث).
ومدة الحرية المراقبة تحددها محكمة الأحداث، وهي تتراوح بين ستة أشهر وثلاث سنوات. وإذا أتمّ الحدث الثامنة عشرة من عمره قبل انتهاء مدة الحرية المراقبة، فإن ذلك لا يحول دون الاستمرار في تطبيق هذا التدبير ( م21، ف أ و ب من قانون الأحداث).
وعلى كل حال، فإن للمحكمة أن تحكم بإنهاء حالة الحرية المراقبة بعد انقضاء ستة أشهر عليها بناء على تقرير مفصل يقدم من مراقب السلوك، أو بناء على طلب ذوي الحدث وتعهدهم القيام بواجباتهم نحوه (م24 من قانون الأحداث الجانحين). وقرار المحكمة برفض طلب ذوي الحدث مبرم، ولا يجوز تجديد الطلب إلاّ بعد مرور ثلاثة أشهر على صدوره.
ثامناً ـ منع الإقامة:
منع الإقامة تدبير إصلاحي يمكن فرضه على الحدث الذي تجاوز الخامسة عشرة من عمره عند الحكم عليه بهذا التدبير (م17 من قانون الأحداث).
ومحكمة الأحداث هي التي تقدر ضرورة هذا التدبير وفائدته للحدث،وهي التي تعين الأماكن التي لا يحق للحدث الإقامة فيها بصورة دائمة أو مؤقتة.
تاسعاً ـ منع ارتياد المحلات الفاسدة:
وضعت المادة 18 من قانون الأحداث حكماً عاماً منعت بموجبه الأحداث جميعاً من ارتياد الخمارات والمقامر، وفرضت على المخالف واحداً من التدابير الإصلاحية التالية: تسليمه إلى أبويه أو إلى أحدهما أو إلى وليه الشرعي، أو تسليمه إلى أحد أفراد أسرته،أو تسليمه إلى مؤسسة أو جمعية مرخصة صالحة لتربيته. أما ارتياد الحدث الملاهي والأماكن العامة والخاصة فغير ممنوع عليه إلاّ إذا ارتكب جرماً بسبب ذلك ورأت المحكمة منعه من ارتياد هذه الأمكنة. وللمحكمة في هذه الحالة منع الحدث من ارتياد كل مكان آخر ترى المنع من ارتياده مفيداً له (م 18 فقرة ب من قانون الأحداث).
عاشراً ـ المنع من مزاولة عمل ما:
المنع من مزاولة عمل من الأعمال كتدبير إصلاحي يفرض على الحدث، يختلف عن المنع من مزاولة أحد الأعمال كتدبير احترازي يفرض على الكبار. فالمنع الأخير هو تدبير احترازي يقصد به حماية المجتمع، أما المنع الأول فهو تدبير إصلاحي يقصد به حماية الحدث نفسه. لذلك فإنه لا يشترط لمنع الحدث من مزاولة عمل ما أن يكون قد اقترف جريمته خرقاً لواجبات المهنة أو الفروض الملازمة لعمله، بل يمكن أن يتم المنع إذا تبينت المحكمة أن العمل الذي يمارسه خطراً عليه، وأن منعه من مزاولته مفيد له ووسيلة تساهم في إصلاحه. والمشرع السوري لم يحدد مدة المنع من مزاولة عمل ما كتدبير إصلاحي، الأمر الذي يدفع للاعتقاد بأنه أراد ترك ذلك لتقدير المحكمة، حسب ظروف الحدث ومستلزمات إصلاحه.
حادي عشر ـ الرعاية:
الرعاية تدبير خاص يعهد به إلى معاهد إصلاحية معترف بها من الدولة (م26، فقرة أ من قانون الأحداث).
وهذا التدبير يمكن للمحكمة فرضه على كل حدث وجد متشرداً أو متسولاً لا معيل له، ولا يملك مورداً للعيش، أو يعمل في أماكن أو يمارس أعمالاً منافية للأخلاق والآداب العامة. كما يمكن فرض هذا التدبير على كل حدث تستدعي حالته ذلك ( م27 فقرة أ و ب من قانون الأحداث).
وعلى المعهد الإصلاحي الذي عهد إليه بواجب الرعاية أن يوفر للحدث التعليم والتدريب المهني، والعمل المناسب، وتقديم النصح والإرشاد اللازم ليباشر حياته أو يكسب عيشه بطريقة شريفة. كما يتوجب على مدير المعهد أن يتقدم بتقرير إلى محكمة الأحداث عن حالة الحدث كل ثلاثة أشهر، وله أن يقترح فيه إخلاء سبيله ( م26 فقرة ب و ج من قانون الأحداث).
ولكن إذا تعذر وضع الحدث المفروض عليه تدبير الرعاية في أحدى مؤسسات الرعاية فإنه يجوز لمحكمة الأحداث أن تؤمن له عملاً في أحدى المهن الصناعية أو التجارية أو الزراعية، حيث يتولى رقابته فيها مراقب السلوك تحت إشراف المحكمة. كما يجوز للمحكمة اتخاذ التدابير الإصلاحية الملائمة للحدث بالإضافة إلى تدبير الرعاية (م28 من قانون الأحداث).
(1) أنشئ في سورية ستة معاهد للأحداث الجانحين هي الآتية:
1 ـ معهد الغزالي لإصلاح الأحداث الجانحين، دمشق، وهو مخصص للأحداث الجانحين الذين تقل سنهم عن 15 سنة.
2 ـ معهد خالد بن الوليد لإصلاح الجانحين، دمشق، وهو مخصص للأحداث الجانحين الذين تزيد سنهم عن 15 سنة.
3 ـ معهد التربية الاجتماعية للفتيات، دمشق.
4 ـ معهد ابن رشد لتربية الفتيان، دمشق، وهو مخصص للأحداث المشردين.
5 ـ معهد سيف الدولة لإصلاح الأحداث، حلب.
6 ـ معهد آذار لتربية الفتيان، حلب، وهو مخصص للأحداث المشردين.