اعتياد الإجرام

ـ تعريف اعتياد الإجرام:
هو الذي ينم عمله الإجرامي على استعداد نفسي دائم فطرياً كان أو مكتسباً، لارتكاب الجنايات أو الجنح».
وملاحظ هنا أن الفارق بين المجرم المكرر والمجرم المعتاد، أن الأول يعود إلى الجريمة ثانية لأسباب نفسية عارضة، في حين أن الثاني يعود إلى الجريمة ثانية لأسباب نفسية دائمة ومتأصلة لديه، فطرية أو مكتسبة.
ـ شروط اعتياد الإجرام:
يتطلب اعتياد الإجرام توافر شروط ثلاثة هي:
أولاً ـ تكرار الأفعال الجرمية:
لابد من فعلين جرميين أو أكثر لتكوين الاعتياد على الإجرام. كما لابد من وجود حكم مبرم بالإدانة عن جرم سابق.
ويشترط أن تكون الجرائم المرتكبة من نوع الجناية، أو من نوع الجنح المقصودة. أما إذا كانت الجريمة جنحة غير مقصودة أو مخالفة، فلا تدخل في حساب التكرار لتكوين حالة اعتياد الإجرام.
ثانياً ـ تكوّن حالة الاعتياد النفسي:
لا يكفي تكرار الأفعال الجرمية بحد ذاته لتكوين حالة اعتياد الإجرام، بل لابد من أن يكشف التكرار عن استعداد نفسي دائم فطري أو مكتسب، لارتكاب الجرائم، وهذه مسألة موضوعية يعود للمحكمة أمر تقديرها استناداً لطبيعة الأفعال المقترفة وزمانها، ومكانها، وتركيب الفاعل النفسي، وثقافته، وبيئته، ولا شيء يمنع المحكمة من الاستعانة بطبيب في هذا الصدد.
ثالثاً ـ وجود خطر على السلامة العامة:
والمجرم الخطر على السلامة العامة أو على المجتمع هو، حسب ما عرفته الفقرة الثانية من المادة210 من قانون العقوبات: «كل شخص أو هيئة اعتبارية اقترف جريمة، إذا كان يخشى أن يقدم على أفعال أخرى يعاقب عليها القانون».
وقد أعطى المشرع السوري للقاضي حرية تقدير حالة الخطورة على السلامة العامة، ثم أضاف عدداً من الحالات، عدّ الخطورة موجودة فيها بحكم القانون.
1 ـ الخطورة التي يعود أمر تقديرها إلى قاضي الموضوع:
وهي التي نصت عليها المادة 253 من قانون العقوبات، وجاء فيها: «من حكم عليه بعقوبة غير الغرامة لجناية أو جنحة مقصودة، وحكم عليه قبل انقضاء خمس سنوات على انتهاء مدة عقوبته أو سقوطها بالتقادم بعقوبة مانعة للحرية لمدة سنة على الأقل، في جناية أو جنحة مقصودة أخرى، يحكم عليه بالعزلة إذا ثبت اعتياده للإجرام، وأنه خطر على السلامة العامة».
2 ـ الخطورة بحكم القانون:
وهي التي قدر الشارع وجودها حكماً في الأحوال الآتية:
أ ـ كل مجرم معتاد محكوم عليه بعقوبة غير الغرامة عملاً بأحكام المادتين 248و249، يعدّ حكماً أنه خطر على السلامة، ويقضى عليه بالعزلة إذا حكم عليه بعقوبة مانعة للحرية من أجل تكرار قانوني آخر.
ب ـ والأمر كذلك في ما خص كل معتاد للإجرام إذا صدر عليه في خلال خمس عشرة سنة بعد المدة التي قضاها في تنفيذ العقوبات والتدابير الاحترازية:
ـ إما أربعة أحكام بالحبس عن جنايات اقترفت بعذر أو جنح مقصودة، شرط أن يكون كل من الجرائم الثلاث الأخيرة قد اقترفت بعد أن أصبح الحكم بالجريمة السابقة مبرماً.
ـ وإما حكمان كالأحكام المبينة في الفقرة السابقة وحكم بعقوبة جناية، سواء وقعت الجناية قبل الجنحة أو بعدها.
ج ـ يستهدف للعزلة سبع سنوات على الأقل، كل محكوم عليه بالعزلة ارتكب في أثناء إقامته في السجن أو في خلال الخمس سنوات التي تلت الإفراج عنه جناية أو جنحة مقصودة قضي عليه من أجلها بالحبس سنة واحدة أو بعقوبة أشد.
ـ آثار اعتياد الإجرام:
عند توافر شروط اعتياد الإجرام فإن على القاضي أن يحكم على المعتاد بتدبير «العزلة». ويقصد بالعزلة، الوضع في مؤسسة للتشغيل، أو في مستعمرة زراعية، حسب مؤهلات المحكوم عليه أو نشأته المدنية أو القروية، ليعمل فيها، ويتقاضى أجراً على عمله يوزع بينه وبين أسرته والمدعي الشخصي والدولة.
وتتراوح مدة العزلة بين ثلاث سنوات وخمس عشرة سنة (م77، ف1 ق.ع). وإذا غادر المحكوم عليه بالعزلة، لأي مدة كانت، المؤسسة التي حجز فيها، تعرض للحبس مع التشغيل، من سنة إلى ثلاث سنوات (م78 ق.ع).
اجتماع الجرائم

ـ تعريف وتقسيم:
توجد حالة اجتماع الجرائم عندما يرتكب الجاني أكثر من جريمة واحدة، أو يرتكب جريمة لها أكثر من وصف قانوني واحد. والمشكلة تثور عندما يحاكم الجاني عن الجرائم التي اقترفها، فهل يحكم عليه بعقوبات هذه الجرائم جميعها، مهما بلغ مقدارها، أم يكتفى بالحكم عليه ببعضها، أو بواحدة منها فقط؟
واجتماع الجرائم في التشريع السوري على نوعين: مادي ومعنوي، وسنشرح هذين النوعين في الفرعين الآتيين:

الفرع الأول
اجتماع الجرائم المادي
ـ تعريف:
اجتماع الجرائم المادي، أو ما يسمى بالتعدد الحقيقي للجرائم، هو أن يرتكب الجاني عدة أفعال جرمية يشكل كل فعل فيها جريمة مستقلة بأركانها ونتائجها عن الأفعال الأخرى. كأن يرتكب شخص جريمة قتل وجريمة سرقة وجريمة تزوير، أو يرتكب عدة جرائم قتل تستقل كل جريمة منها عن الجرائم الأخرى، أو عدة جرائم سرقة لا تمت لبعضها بصلة، أو عدة جرائم تزوير لكل واحدة منها أركانها ونتائجها الخاصة بها.
ومعيار اجتماع الجرائم المادي، هو تعدد الأفعال، وتعدد النتائج، واستقلال الأفعال والنتائج بعضها عن البعض الآخر.
واجتماع الجرائم المادي يختلف عن التكرار. فالأخير يشترط فيه صدور حكم قضائي في جريمة سابقة، ثم وقوع جرم جديد لاحق للحكم السابق. أما الأول فيتضمن ارتكاب شخص جريمتين أو أكثر في أوقات مختلفة، دون أن يكون قد صدر حكم مبرم في أحدها.
ـ قواعد اجتماع الجرائم المادي:
وضع المشرع السوري في المواد 204 ـ 207 من قانون العقوبات عدداً من القواعد القانونية لحالة اجتماع الجرائم المادي، يمكننا إجمالها بالآتي: 
أولاً ـ إذا ثبتت عدة جنايات أو جنح يقضى بعقوبة لكل جريمة منها، ولا تنفذ إلا العقوبة الأشد. وهذه القاعدة تسمى بقاعدة «دغم العقوبات»، حيث تدغم العقوبة الأخف بالعقوبة الأشد، وتنفذ العقوبة الأشد دون سواها، وهذه هي القاعدة العامة.
ثانياً ـ ولكن المشرع فوض القاضي بـ «جمع» العقوبات المحكوم بها، إذا رأى مبرراً لذلك، شريطة أن لا يزيد مجموع العقوبات المؤقتة على أقصى العقوبة المعينة للجريمة الأشد إلا بمقدار نصفها.
ثالثاً ـ تجمع العقوبات التكديرية حتماً.
رابعاً ـ تجمع العقوبات الإضافية والتدابير الاحترازية وإن أُدغمت العقوبات الأصلية، ما لم يقرر القاضي خلافاً لذلك.
خامساً ـ إذا جمعت العقوبات الأصلية، جمعت حكماً العقوبات الفرعية التابعة لها.
سادساً ـ إذا لم يكن القاضي قد قضى بإدغام العقوبات المحكوم بها أو بجمعها أحيل الأمر إليه ليفصل فيه.
سابعاً ـ إذا وقعت الجريمة على غير الشخص المقصود بها عوقب الفاعل كما لو كان قد اقترف الفعل بحق من كان يقصد. وإذا أصيب كلاهما أمكن زيادة النصف على العقوبة المحددة للجريمة.
الفرع الثاني
اجتماع الجرائم المعنوي
ـ تعريف:
اجتماع الجرائم المعنوي أو التعدد الصوري يتكون عند ارتكاب الجاني فعلاً واحداً نجمت عنه نتيجة واحدة، إلا أن له عدة أوصاف قانونية، أو ينطبق عليه أكثر من نص واحد من نصوص القوانين الجزائية. فالأب الذي يغتصب ابنته، يعد فعله سفاحاً بين الأصول والفروع، وتنطبق عليه أحكام المادة 476 من قانون العقوبات، ويعد اغتصاباً، وتنطبق عليه أحكام المادة 489، ويعد زنا، وتنطبق عليه أحكام المادة 474. وكذلك الصيدلي الذي يجهض حاملاً بعملية جراحية يعد فعله إجهاضاً ويقع تحت طائلة أحكام المادة 528 من قانون العقوبات، ويعد مزاولة لمهنة الطب، ويقع تحت طائلة أحكام المادة 49 من قانون مزاولة المهن الطبية.
ـ قواعد اجتماع الجرائم المعنوي:
خص المشرع السوري اجتماع الجرائم المعنوي بقاعدتين نصت عليها المادة 180 من قانون العقوبات، وهما:
أولاً ـ إذا كان للفعل عدة أوصاف ذكرت جميعها في الحكم، على أن يحكم القاضي بالعقوبة الأشد.
ثانياً ـ على أنه إذا انطبق على الفعل نص عام ونص خاص أُخذ بالنص الخاص.
ـ عود على بدء:
ما العمل إذا اجتمعت أسباب مشددة، وأعذار قانونية، وأسباب مخففة،بعضها مع البعض الآخر في حالة واحدة؟
أجابت المادة 258 من قانون العقوبات على هذا السؤال بوضوح تام حين نصت على أن تسري أحكام الأسباب المشددة والمخففة للعقوبة على الترتيب الآتي:
أولاً ـ الأسباب المشددة المادية.
ثانياً ـ الأعذار.
ثالثاً ـ الأسباب المشددة الشخصية.
رابعاً ـ الأسباب المخففة.


أنواع التدابير

ـ تمهيد وتقسيم:
أشرنا من قبل إلى أن التشريع السوري أخذ بالتدبير الاحترازي بالنسبة للكبار، وبالتدبير الإصلاحي بالنسبة للأحداث، وطبقهما بطريقتين مختلفتين:
أولاً ـ بالنسبة للكبار:
أخذ المشرع السوري بنظرية الجمع بين العقوبة والتدبير الاحترازي بالنسبة للكبار. فبموجب هذه النظرية تفرض العقوبة وحدها حينما لا توجد ضرورة لفرض التدبير الاحترازي معها، أو يفرض التدبير الاحترازي وحده، حينما لا يكون لفرض العقوبة فائدة، أو تفرض العقوبة والتدبير الاحترازي معاً في الحالات التي تحتاج إليهما، بحيث تطبق العقوبة أولاً، ثم يطبق التدبير الاحترازي.
ثانياً ـ بالنسبة للأحداث:
أخذ المشرع السوري، بالنسبة للأحداث ـ من حيث المبدأ ـ بنظرية التدبير الإصلاحي وحده. فالأحداث لا تفرض عليهم عقوبة ، ويطبق عليهم أحد التدابير الإصلاحية، التي نص عليها قانون الأحداث،باستثناء الأحداث الذين  أتموا الخامسة عشرة من عمرهم وارتكبوا جنابة.

تفريد العقاب
تمهيـد:
العقوبات محددة في التشريعات الوضعية بنوعها ومقدارها بنصوص قانونية يلتزم القاضي، من حيث المبدأ، بتطبيقها كما وردت عليه. ولكن هذه التشريعات، متأثرة بنظرية تفريد العقاب، وضعت لهذا المبدأ استثناءات عديدة تتضمن مجموعة من القواعد تُركت للقاضي سلطة تطبيقها، تتعلق إما بتخفيف العقوبة، أو بتشديدها، أو بتعليقها.

Previous Post Next Post