العقوبات الماسة بالحقوق
ـ تقسيم:
رغبة من المشرع في تنويع العقوبات وجعلها شاملة لمختلف جوانب حياة المحكوم عليه وشخصيته، فقد اتجه نحو تجريده أو حرمانه من حقوق مدنية لصيقة بشخصه، ومنعه من ممارستها أثناء تنفيذ العقوبات الماسّة بحريته أو حتى بعد انتهائه من هذا التنفيذ. وإذا كان هذا التجريد أو المنع ماسّاً بحقوق المحكوم عليه فهو ماسّ أيضاً باعتباره، نتيجة تجريده من حقوق تعد جزءاً لا يتجزأ من شخصية الإنسان كقيمة اجتماعية. ولهذا فإن رد الاعتبار مرتبط بهذه الحقوق، فإذا ما تمّ الرد قضائياً أو قانونياً، عادت هذه الحقوق كاملة إلى المحكوم عليه.
والعقوبات الماسة بالحقوق في تشريعنا هي:
أولاً ـ التجريد المدني.
ثانياً ـ المنع من الحقوق المدنية.
ثالثاً ـ الحجر القانوني.
أولاً ـ عقوبة التجريد المدني
التجريد المدني عقوبة يُحرم المحكوم عليه بها من ممارسة حقوق معينة. وهي دائماً عقوبة جنائية. وتكون عقوبة أصلية في بعض الحالات، كما تكون عقوبة فرعية في بعض الحالات الأخرى.
1 ـ التجريد المدني كعقوبة أصلية:
يحكم بالتجريد المدني كعقوبة أصلية في الجرائم السياسية ذات الوصف الجنائي (م38ف4).
وقد حددت المادة 49 من قانون العقوبات الآثار المترتبة على الحكم بالتجريد المدني وهي التالية:
1 ـ العزل والإقصاء عن جميع الوظائف والخدمات العامة، والحرمان من كل معاش تجريه الدولة.
2 ـ العزل والإقصاء عن جميع الوظائف والخدمات في إدارة الطائفة أو النقابة التي ينتمي إليها المحكوم عليه، والحرمان من أي معاش أو مرتب تجريه هذه الطائفة أو النقابة.
3 ـ الحرمان من حقه في أن يكون صاحب امتياز أو التزام من الدولة.
4 ـ الحرمان من حقه في أن يكون ناخباً أو منتخباً، ومن سائر الحقوق المدنية والسياسية والطائفية والنقابية.
5 ـ عدم الأهلية لأن يكون مالكاً أو ناشراً أو محرراً لجريدة أو لأي نشرة موقوتة أخرى.
6 ـ الحرمان من حق تولي مدرسة أو أي مهنة في التعليم العام والخاص.
7 ـ الحرمان من حق حمل الأوسمة والألقاب الفخرية السورية والأجنبية.
وفضلاً عن ذلك، يمكن الحكم مع التجريد المدني بالحبس البسيط من ثلاثة أشهر إلى ثلاث سنوات. وإذا كان المحكوم عليه أجنبياً تحتم الحكم بالحبس.
ومدة عقوبة التجريد المدني، بوصفه عقوبة أصلية، تتراوح بين ثلاث سنوات وخمس عشرة سنة.
2 ـ التجريد المدني كعقوبة فرعية:
التجريد المدني يلازم العقوبات الجنائية بوصفه عقوبة فرعية لها دون حاجة لورود نص عليه في قرار الحكم. فهو ملازم لعقوبات الأشغال المؤبدة والمؤقتة، والاعتقال المؤبد والمؤقت، والإقامة الجبرية، وينفذ فور اكتساب الحكم الدرجة القطعية، ثم يستمر حتى انقضاء السنة العاشرة على تنفيذ العقوبة الأصلية (م63).
ومن نافلة القول أن التجريد المدني، بوصفه عقوبة فرعية، يوجب الحرمان حكماً من جميع الحقوق التي يحرم منها التجريد المدني بوصفه عقوبة أصلية، والتي ذكرناها قبل قليل، ونصت عليها المادة 49 من قانون العقوبات.
والتجريد المدني كغيره من العقوبات الماسة بالحقوق لا يسقط بالتقادم (م161).
ثانياً ـ عقوبة المنع من الحقوق المدنية
عقوبة المنع من الحقوق المدنية ـ كما نصت عليها المادة 65 من قانون العقوبات ـ تحرم المحكوم عليه من ممارسة الحقوق التالية:
1 ـ الحق في تولي الوظائف والخدمات العامة.
2 ـ الحق في تولي الوظائف والخدمات في إدارة شؤون الطائفة المدنية أو إدارة النقابة التي ينتمي إليها.
3 ـ الحق في أن يكون ناخباً أو منتخباً في جميع مجالس الدولة.
4 ـ الحق في أن يكون ناخباً أو منتخباً في جميع منظمات الطوائف والنقابات.
5 ـ الحق في حمل أوسمة سورية أو أجنبية.
وعقوبة المنع من الحقوق المدنية هي عقوبة جنحية. وهي إما أن تكون عقوبة فرعية تتبع حكماً عقوبة الحبس أو الإقامة الجبرية (م65)، أو عقوبة إضافية يحكم بها القاضي مع العقوبة الجنحية في بعض الحالات الخاصة التي يعينها القانون (م66). وفي هذه الحالة الأخيرة، يحق للقاضي أن يحكم بالمنع من ممارسة حق أو أكثر من الحقوق المدنية حسب تقديره، ولا يشترط أن يحكم بها دفعة واحدة.
وإذا قرر القاضي منع حق أو أكثر من هذه الحقوق، فعليه أن يحدد مدة المنع بين سنة وعشر سنوات، تبدأ من انقضاء مدة العقوبة الأصلية المانعة أو المقيـدة للحرية (م161 ق.ع).
ونود الإشارة هنا، إلى أن هذه العقوبة، كالتجريد المدني، لا تسـقط بالتقادم (م161).
ثالثاً ـ عقوبة الحجر القانوني
الحجر القانوني كما بينته المادة 50 من قانون العقوبات هو عقوبة يفقد المحكوم عليه بموجبها سلطة ممارسة حقوقه على أملاكه، فيُعهد بها إلى قَيِّم وفق القواعد المنصوص عليها في المادة 200 من قانون الأحوال الشخصية. ونتيجة لهذا الحجر فكل عمل أو إدارة أو تصرف يقوم بها المحجور عليه يعدّ باطلاً بطلاناً مطلقاً، مهما كان نفعها أو ضررها عليه، مع الاحتفاظ بحقوق الغير ذوي النية الحسنة. كما لا يمكن أن يسلم إلى المحكوم عليه أي مبلغ من دخله ما خلا المبالغ التي يجيزها القانون وأنظمة السجون.
وقد استثنى المشرع السوري من قيود الحجر القانوني الحقوق الملازمة للشخص لتعلقها بذاته وشخصه كإنسان، ولا يجوز نقلها إلى شخص آخر، كحقوق الزواج والطلاق والوصية…
والحجر القانوني هو عقوبة فرعية يلازم حكماً عقوبة الأشغال الشاقة والاعتقال، وينفذ بمجرد صدور الحكم البات بها، ويسقط عند الإفراج عن المحكوم عليه بعد انتهائه من تنفيذ عقوبته. وفي هذه الحالة يرفع الحجر عنه حكماً، وتعاد إليه أملاكه، وعلى القيِّم أن يؤدي له حساباً عن مدة قوامته.
وغني عن البيان أن هذه العقوبة كغيرها من العقوبات الماسة بالحقوق لا تسقط بالتقادم (م161).