مفهوم العدوان:
العدوان سلوك مقصود يستهدف إلحاق الضرر أو الأذى بالغير وقد ينتج عن العدوان أذى يصيب إنساناً أو حيوانياً كما قد ينتج عنه تحطيم للأشياء أو الممتلكات ويكون الدافع وراء العدوان دافعاً ذاتياً ويمكن القول:
إن سلوك العدوان يظهر غالباً لدى جميع الأطفال وبدرجات متفاوتة ورغم أن ظهور السلوك العدواني لدى الإنسان يعد دليلاً على أنه يم ينضج بعد بالدرجة الكافية التي تجعله ينجح في تنمية الضبط الداخلي اللازم للتوافق المقبول مع نظم المجتمع وأعرافه وقيمه وانه عجز عن تحقيق التكيف والمواءمة المطلوبة للعيش في المجتمع وانه لم يتعلم بالدرجة الكافية أنماط السلوك اللازمة لتحقيق مثل هذا التكيف والتوافق – فإننا لا ينبغي أن ننزعج عندما نشهد بعض أطفالنا ينزعون نحو السلوك العدواني ، ويرى البعض أن وجود بعض العدوان لدى الناشئة في مرحلة الطفولة والمراهقة دليل النشاط والحيوية بل إنه أمر سوي ومقبول ويرى آخرون أن الإنسان لم يكن يستطيع أن يحقق سيطرته الحالية ولا حتى أن يبق على قيد الحياة كالجنس ما لم يهبه الله قدراً كبيراً من العدوان.
قد يكون ظهور السلك العدواني راجعاً إلى عدم اكتمال النضج العقلي والانفعالي لدى من يأتي بهذا السلوك.
لذلك فإن السلوك العدواني من طفل صغير على غيره من الأطفال وتجاه المحيطين به من أفراد الأسرة يأخذ في التضاؤل والانطفاء كلما كبر الطفل وتوفر له المزيد من فرص النمو في جوانب شخصيته المختلفة في النواحي الجسمية حين يكسب قدراً من الثقة في قدراته العقلية حيث يتوافر له المزيد من فرص النمو ولوظائفه العقلية في الإدراك والتفكير والتخيل وكلما توفر له مزيداً من فرص النمو الانفعالي فأصبح أكثر اتزاناً واستقراراً في انفعالاته.
وهكذا يمكننا القول بعدما تم ذكره آنفاً بان خطورة السلوك العدواني ترجع إلى أنه سلوك يؤدي إلى الصدام مع الآخرين، فهو لا يعترف برغبات الآخرين ولا بحقوقهم، ولذلك فإنه سلوك يدل على سوء التكيف والسلوك العدواني يضر بكائنات أخرى بما في ذلك الإنسان والحيوان. (محمد – وفاء- 2000، ص 8+9+11)
2ـ2ـ النظريات المفسرة للسلوك العدواني:
تعددت النظريات المفسرة للسلوك العدواني نتيجة لتعدد أشكال العدوان ودوافعه، وسنعرض بعض هذه النظريات.
2ـ2ـ1ـ النظرية السلوكية:
«يرى السلوكيون أن العدوان شأنه شأن أي سلوك يمكن اكتشافه ويمكن تعديله وفقاً لقوانين التعلم ولذلك وكزت البحوث والدراسات السلوكية في دراستهم للعدوان على حقيقة يؤمنون بها وهي أن السلوك برمته متعلم من البيئة ومن ثم فإن الخبرات المختلفة التي اكتسب منها شخص ما السلوك العدواني قد تمّ تدعيمها بما يعزز لدى الشخص ظهور الاستجابة العدوانية كلما تعرض للموقف المحبط.
وانطلق السلوكيون إلى مجموعة من التجارب التي أجريت بداية على يد رائد السلوكية «جون واطسون» حيث أثبت أن الفوبيا بأنواعها مكتسبة بعملية تعلم ومن ثم يمكن علاجها وفقاً للعلاج السلوكي الذي يستند على هدم نموذج من التعلم الغير سوي وإعادة بناء نموذج تعلم جديد سوي. » (عدنان ، 2006م، ص21)
2ـ2ـ2ـ نظرية التعلم الاجتماعي:
«إن هذه النظرية لا تقل أهمية عن غيرها من النظريات التي تناولت السلوك العدواني بالدراسة والبحث ويعتبر باندروا هو المؤسس الحقيقي لنظرية التعلم الاجتماعي في العدوان حيث تقوم هذه النظرية على ثلاثة أبعاد رئيسية:
أ ـ نشأة جذور العدوان بأسلوب التعلم والملاحظة والتقيد.
ب ـ الدافع الخارجي المحرض على العدوان.
ﺠ ـ تعزيز العدوان.
ويؤكد باندورا وهوستون (1961م) على أن معظم السلوك العدواني متعلم من خلال الملاحظة والتقليد وهناك ثلاثة مصادر يتعلم منها الطفل بالملاحظة هذا السلوك وهي التأثير الأسري وتأثير الأقران وتأثير النماذج الرمزية كالتلفزيون.
ويشير كلاً من هوستون وباندورا (1961م) إلى أن الأطفال يكتسبون نماذج السلوك التي تتسم بالعدوان من خلال ملاحظة أعمال الكبار العدوانية بمعنى أن الأطفال يتعلمون الأعمال العدوانية عن طريق تقليد سلوك الكبار.
ويضيف البعض أن تأثير الجماعة على اكتساب السلوك العدواني يتم عن طريق تقديم النماذج العدوانية للأطفال فيقلدونها أو عن طريق تعزيز السلوك العدواني لمجرد حدوثه.
وتفترض نظرية التعلم الاجتماعي أن السلوك العدواني لا يتشكل فقط بواسطة التقليد والملاحظة ولكن أيضاً بوجود التعزيز وأن تعلم العدوان عملية يغلب عليها الجزاء أو المكافأة التي تلعب دوراً هاماً في اختيار الاستجابة بالعدوان وتعزيزها حتى تصبح عادة يلجأ إليها الفرد في أغلب مواقف الإحباط، وقد يكون التعزيز خارجي مادي مثل إشباع العدوان لدافع محبط أو مكافأة محسوسة أو إزالة مثير كريه أو تعزيز معنوي مثل ملاحظة مكافأة أخررن على عدوانهم على تقدير الذات». (عواض ، 2003م، ص57-58)
2ـ2ـ3ـ نظرية التحليل النفسي للعدوان:
«ينظر مكدوجل والذي يعد أول مؤيدي هذه النظرية للعدوان على أنه غريزة فطرية ويعرفه بغريزة المقاتلة حيث يكون الغضب هو الانفعال الذي يكمن وراءها ولقد افترض فرويد أن اعتداءات الإنسان على نفسه أو على غيره سلوك فطري غير متعلم تدفعه إليه عوامل في تكوينه الفسيولوجي لتصريف العلقة العدائية التي تنشأ داخل الإنسان عن غريزة العدوان وتلح في طلب الإشباع ويعتبر فرويد من مؤسسي هذه النظرية، فالنموذج الذي يقدمه فرويد هو خفض التوتر، حيث ينشط سلوك الفرد بفعل المهيجات الداخلية وتجهز عندما يتخذ إجراءاً مناسباً من شأنه أن يزيد أو يخفض المهيج.
ويرى فرويد أن البشر كائنات بيولوجية دافعهم الرئيسي هو إشباع حاجات الجسد والإنسان مخلوق موجه نحو اللذة تدفعه نفس الغرائز التي تدفع الحيوانات، ولقد اعتبر فرويد غرائز الحياة (أهمها عنده الجنس) وغرائز الموت (أهمها عنده العدوان) هي التي تسر الحياة.
وبالنسبة لغرائز الموت نجد أن «فرويد» يؤكد على أنها وراء مظاهر القوة والعدوان والانتحار والقتال لذا اعتبر غرائز الموت غرائز فطرية لها أهمية مساوية لغرائز الحياة من حيث تحديد السلوك الفردي حيث يعتقد فرويد أن لكل شخص رغبة لا شعورية في الموت.
ولقد ألحق فرويد العدوان بأنه يبدو كأحد الغرائز والدوافع التي تضمنت نظام اللا شعور والتي أطلق عليها الهو. وفي بداية الأمر أدرك فرويد أن العدوان يكون موجه إلى جد كبر للخارج ثم أدرك بعد ذلك أن العدوان يكون موجهاً على نحو متزايد للداخل منتهياً عند أقصى مدى إلى الموت. (الحمدي، 1424 ﻫ، ص38)
2ـ2ـ4ـ النظرية البيولوجية:
«تهتم هذه النظرية بالعوامل البولوجية في الكائن الحي كالصبغيات والجينات الجنسية والهرمونات والجهاز العصبي المركزي واللا مركزي والغدد الصماء والتأثيرات البيوكيميائية والأنشطة الكهربائية في المخ التي تساهم على ظهور السلوك العدواني، فقد أشارت دراسات مارك (1970) ومساير (1977) إلى أن هناك مناطق في أنظمة المخ هي الفص الجبهي والجهاز الطرفي مسؤولة عن ظهور السلوك العدواني لدى الإنسان ولقد أمكن بناءاً على ذلك إجراء جراحات استئصال بعض التوصيلات العصبية في هذه المنطقة من المخ لتحويل الإنسان من حالة العنف إلى الهدوء أما عن العلاقة بين الهرمونات والعدوانية فقد اتضح أن عدوانية الذكور لها مكان بيولوجي مرتبط بهرمون جنس الذكورة ومن ثم أشار جاكلين (1971) إلى أن الذكور بوجه عام أكثر عدوانية في الإناث وذلك للدور الذي يلعبه هرمون الذكورة في علاقته بالعدوان كما توصل أيضاً إلى حقيقة هامة مؤداها أن الإناث تستطيع أن تكون أكثر عدواناً من الذكور بواسطة تعديل هرمون الذكري لديهم في فترة البلوغ».
(عواض، 2003، ص59-60)
2ـ2ـ5ـ نظرية العدوان الانفعالي:
هي من النظريات المعرفية وترى أن العدوان يمكن أن يكون ممتعاً حيث أن هناك بعض الأشخاص يجدون استمتاعاً في إيذاء الآخرين، بالإضافة إلى منافع أخرى، فهم يستطيعون إثبات رجولتهم ويوضحوا أنهم أقوياء وذو أهمية وأنهم يكتسبون المكانة الاجتماعية، ولذلك فهم يرون أن العدوان يكون مجزياً مرضياً ومع استمرار مكافأتهم على عدوانهم يجدون في العدوان متعة لهم،فهم يؤذون الآخرين حتى إذا لم تتم إثارتهم انفعالياً، فإذا أصابهم ضجر وكانوا غير سعداء فمن الممكن أن يخرجوا في مرح عدواني إن هذا العنف يعززه عدد من الدوافع والأسباب وأحد هذه الدوافع أن هؤلاء العدوانيين يريدون أن يبينوا للعالم وربما لأنفسهم أنهم أقوياء ,ولابّد أن يحظوا بالأهمية والانتباه, فقد أكدت الدراسات التي أجريت على العصابات العنيفة من الجانحين المراهقين بأن هؤلاء يمكن أن يواجهوا الآخرين غالباً لا لأي سبب بل من أجل المتعة التي يحصلون عليها من إنزال الألم بالآخرين بالإضافة إلى تحقيق الإحساس بالقوة والضبط والسيطرة وطبقاً لهذا النموذج في تفسير العدوان الانفعالي فمعظم أعمال العدوان الانفعالي تظهر بدون تفكير فالتركيز في هذه النظرية على العدوان غير المتسم نسبياً بالتفكير ويعني هذا خط الأساس التي ترتكز عليها هذه النظرية ومن المؤكد أن الأفكار لها تأثير كبير على السلوك الانفعالي فالأشخاص الثائرين يتأثرون بما يعتبرونه سبب إثارتهم وأيضاً بكيفية تفسيرهم لحالتهم الانفعالية. (عدنان, 2006, ص 21)
2ـ2ـ6ـ نظرية الإحباط:
يقدم «دولار وميلر» تفسيراً للسلوك العدواني من خلال نظريتهما التي قامت على فرض الإحباط – العدوان, وتفترض هذه النظرية أن السلوك العدواني هو دائماً نتيجة للإحباط, وان الإحباط دائماً يؤدي إلى شكل من أشكال العدوان أي أن العدوان نتيجة طبيعية وحتمية للإحباط وفي أي وقت يحدث عمل عدواني يفترض أن يكون الإحباط هو الذي حرض عليه.
كما تؤكد هذه النظرية على أن العدوان دافع غريزي داخلي لكن لا يتحرك بواسطة الغريزة كما بينت نظرية الغرائز،بل نتيجة تأثير عوامل خارجية ويؤكد «دولارد» رائد هذه النظرية أن السلوك العدواني نتيجة طبيعية للإحباط ولقد بيّن «ميلر» أن الإنسان يستجيب للإحباط باستجابات كثيرة منها العدوان، وقد لا يتسببه بحسب الظروف التي يتم فيها الإحباط كما أن العدوان غالباً يحدث بدون إحباط مسبق،لذا فإن من الواضح أن الإحباط قد لا يؤدي بالضرورة إلى العدوان وهذا يتوقف على طبيعة الإحباط،فقد يؤدي إلى قمع السلوك العدواني خاصة إذا نظر الطفل للإحباط على أنه عقاب للعدوان.
وقد حددت هذه النظرية أربعة عوامل تتحكم في العلقة بين الإحباط والعدوان وهي:
أ ـ قوة استثارة العدوان:
تتأثر قوة الاستثارة العدوانية بعدد الخبرات الباعثة على الإحباط فالعلاقة بين هذه الخبرات والعدوان علاقة طردية، وهذه العلاقة تتأثر بمتغيرات ثلاثة متداخلة هي: قوة المثير الباعث على الإحباط ، درجة إعاقة الاستجابة وتكرار الاستجابة المحبطة.
ب ـ كف الأفعال العدوانية:
في بعض الظروف تتحول الاستجابة العدوانية المعلنة إلى استجابة عدوانية غير معلنة ووفقاً لنظرية دولار فإن توقع العقاب في المتغيرات الأكثر فعالية في تحويل الاستجابة العدوانية المعلنة إلى استجابة عدوانية غير معلنة، أي حالة من الشعور بالعداء أو الكراهية وبالتالي كلما زاد احتمال توقع العقاب زاد تبعاً لذلك مقدار الكف لهذا الفعل.
ﺠ ـ إزاحة العدوان:
توضح النظرية أن المرء يلجأ إلى توجيه عدوانه إلى جهة أخرى غير الجهة المسؤولة عن الإحباط ولذلك إذا ما توقع من الجهة الأولى العقاب فالطفل يعتدي على لعبته بكسرها ويفكر بفكها لأن والديه قاما بعقابه وهو غاضب منهما وغير قادر على العدوان عليهما لذلك كان الاعتداء على لعبته إزالة للعدوان الموجه لوالديه أساساً.
د ـ التنفيس العدواني:
التنفيس يعني إفراغ الشحنة الانفعالية الآتية من الإحباط، لذلك وفقاً لهذه النظرية فإن كف العدوان أو منعه يؤدي إلى الإحباط وبما أن الإحباط يؤدي للعدوان فإن كف العدوان يحدث استثارة عدوانية من جديد، وتصبح النتيجة عكسية في حالة إفراغ العدوان، ذلك أن إفراغ العدوان يمنع الإحباط الأمر الذي يقود إلى خفض الاستثارة العدوانية».
(الحميدي، 1424 ﻫ، ص 40+41+42)