يعتبر الزواج من الظواهر الاجتماعية التي تنتشر في المجتمعات الإنسانية كافة, ومعظم الرجال والنساء يرتبطون بالزواج باعتباره سكنًا نفسيًّا وأساسًا سليمًا لتكوين الأسرة وإنجاب الأطفال وتنشئتهم. لذا أجريت الكثير من الدراسات التي تناولت ظاهرة الزواج والتغيرات التي صاحبت الزواج و العمليات المرتبطة به ومن بينها الاهتمام بدراسة عوامل تأخر الزواج وخاصة في الوقت الحاضر, و الآثار المترتبة على هذا التأخير وغيرها من الدراسات التي تعنى بهذا الموضوع الحيوي في المجتمع .
1- دراسات ركزت على أهمية الزواج بين الجنسين:-
أكدت دراسة " انجليس وجرونجلاس "(Inglis, Greenglass ,1989) (16) على أهمية الزواج بالنسبة للرجل والمرأة، وتوصلا إلى أن الزواج مهم بالنسبة للطرفين، ولكن أهميته تكون أكبر للمرأة؛ لبحثها عن مشاعر الحب، والعشرة الحسنة، ولرغبتها بالرجل الذي يشاركها العلاقة الجنسية والإنجاب والأمن العاطفي وتوفير الاحتياجات الاقتصادية وأخيرًا الحماية الاجتماعية .
وفي دراسة الخطيب (17) (Al-khatteb, 1998)أشارت الباحثة في دراساتها إلى أن الزواج يعد مهمًّا جدًّا في المجتمع السعودي , كما أن الرجال والنساء غالبًا ما يبحثون عن شريك الحياة لتكوين أسرة. ويعد الزواج أكثر أهميةً بالنسبة للفتاة من الرجل، وذلك أن المرأة تعتمد على الرجل في كثير من احتياجاتها الأساسية , فالمرأة تعتبر أن الزواج يشبع فيها الغريزة الجنسية وغريزة الأمومة, كما يحقق الزواج للفتاة مكانة اجتماعية أفضل داخل المجتمع.
وتتفق نتائج دراسة قام بها عدنان باحارث, (2000) (18) مع الدرستين السابقتين على أن الزواج مهم للجنسين بشكل عام لكن أهميته تكون أكبر لدى الإناث حيث إن الزواج يحقق إشباع الحاجة النفسية للجنس الآخر والاستمتاع بالراحة النفسية والصحة الجسمية وإشباع الغريزة الجنسية. وأوصت الدراسة إلى أهمية إدراك كل طرف لأهمية الزواج والقيام بواجباته تجاه الطرف الآخر للوصول بالحياة الزوجية إلى حياة مشبعة بالرحمة والشفقة.
كما أكد كلاً من حصة المالك و ربيع نوفل (2006) (19) في كتابهما عن العلاقات الأسرية إلى أن دوافع الجنسين إلى الزواج تكمن في الرغبة في تبادل الحب مع شخص أخر, والبحث عن الأمن الاقتصادي والاجتماعي والعاطفي و الاستجابة لرغبات الوالدين و الرغبة في إنجاب الأطفال.
في حين تناولت دراسة قامت بها (رغدة شريم, 2003) (20) الاتجاهات الاجتماعية نحو المرأة غير المتزوجة , وأشارت في دراستها إلى أن الزواج عرف في المجتمعات كافة، وأن الرجال والنساء غالبًا ما يتزوجون في فترة ما من حياتهم . كما توصلت إلى أن تأخر الفتاة عن الزواج يجعل المجتمع ينظر إليها نظرة سلبية تتصف بالشفقة، ويتم التقليل من قيمتها ومكانتها الاجتماعية بغض النظر عما حققته المرأة من تقدم في المستوى التعليمي والوظيفي. من ناحية أخرى أكدت الدراسة أن تأخر زواج الفتاة غالبًا ما يكون لأسباب متعددة منها بسبب أن الفتاة أمضت جزءًا كبيرًا من حياتها في التعليم والعمل مقارنة بقريناتها, أن تحمل بعض الفتيات أعباء أسرية أو اقتصادية نحو عائلتهن تجعلهن يتأخرن في قبول الزواج مما يفوت عليهن الفرصة, وأن تقدم العمر لدى المرأة يقلل من احتمال زواجها.
2- دراسات أشارت إلى دوافع الزواج لدى الجنسين:-
أكدت دراسة "ارجيلو Argyle" (1987) (21) أن هناك ثلاثة عوامل تحقق السعادة والرضا لدى المرأة والرجل، وكان الزواج في مقدمة هذه العوامل، ويلي ذلك الأصدقاء والأقرباء، و أخيرًا الجيران وزملاء العمل. كما توصلت الدراسة إلى أن الأشخاص المتزوجين أكثر سعادة من الأشخاص غير المتزوجين مما يعكس بأن الزواج أساس للشعور بالرضا والسعادة لدى أفراد المجتمع.
وحدد القائمي (1994) (22) دوافع الزواج بين الجنسين يساهم في تحقيق ما يلي: اولاً الحصول على الاستقرار النفسي و البدني والفكري والأخلاقي من خلال شريك الحياة , ثانياً: تحقيق التكامل , ثالثاُ: الحفاظ على الدين وذلك من خلال إشباع الغرائز بالطريق السليم, رابعاً: إشباع الغريزة الوالدية من حيث رغبة الوالدين في الحصول على الأبناء.
وقام براجور (Prager ,1996) (23) بعمل دراسة عن الدوافع للزواج لدى الرجال والنساء, وتوصل إلى أن الزواج مهم ومطلوب للطرفين كليهما، وأنهما يبحثان عنه ويحاولان تحقيقه؛ وذلك بهدف الحصول على تلبية الحاجات الأساسية, والرغبة في خدمة الطرف الآخر, وتطبيق ثقافة المجتمع والتعاون الاقتصادي.
3- دراسات ركزت على الصعوبات التي تواجه الجنسين في عملية الزواج :-
ففي دراسة قامت بها دينا الجودي ( 1992) (24) حول عوامل تأخر سن زواج الفتيات السعوديات العاملات في مدينة الرياض, وقد شملت عينة الدراسة (784) فتاة عاملة في القطاع الحكومي. وقد توصلت نتائج الدراسة إلى ان المستوى التعليمي ونوعية المهنة للفتاة كان لها دور كبير في تأخر سن زواج الفتيات, كما كشف الدراسة الى ان كلما ابتعدت الأسرة عن موطنها الأصلي ارتفعت أعمار بناتهن وتأخرت فرص زواجهن. كذلك توصلت الدراسة الى انه كلما ارتفع الدخل الشهري, ارتفع متوسط أعمار الفتيات.
ومن خلال دراسة كلاً من العبيدي و الخليفة (1992) (25) والتي حاولت الكشف عن أهمية مجموعة من الخصائص الأسرية و الاجتماعية المرتبطة بتأخر سن الزواج, و توصلت الدراسة إلى الأسر التي تعاني من تأخر زواج الفتيات تتصف بما يلي: اولاً: ارتفاع متوسط سنوات التعليم لدى الفتيات ثانياً: خروج المرأة للعمل ثالثا: ترتفع فيها نسبة العاملين في المهن الإدارية والفنية و يرتفع فيها متوسط الدخل الشهري و تقطن الأحياء الراقية, وبناء على ذلك أكدت الدراسة تأثر ظاهرة تأخر زواج الفتيات باختلاف خصائصها الاجتماعية والاقتصادية.
ففي دراسة قام بها قسم الاجتماع في جامعة قطر (1993) حول الخارطة الاجتماعية لمدينة الدوحة, توصلت الدراسة إلى أن المغالاة في مطالب الزواج من مهر وهدايا وتكاليف الاحتفالات كانت من أكثر العوامل المسببة في تأخير سن الزواج لدى الشباب, كما توصلت الدراسة إلى أن من عوامل العنوسة هو اختلاف الذكور والإناث في المرحلة العمرية المفضل الزواج عندها, حيث يميل الذكور إلى الزواج من الفتاة التي تكون اقل من 20 سنة في حين تفضل الإناث الزواج عندما يصبحن في المرحلة العمرية من 20-25 سنة أي بعد إكمال تعلميهن الجامعي.
و من خلال دراسة قام بها عبد الخالق الختاتنه (2000) (26) و قد هدفت الدراسة إلى محاولة التعرف على الإبعاد المتعددة لظاهرة تأخر سن الزواج. وقد طبقت الدراسة على القاطنين في مدينة الحصن في الأردن وتألفت عينة الدراسة من 324 شخصا من الذكور غير المتزوجين. و توصلت الدراسة إلى أن ظاهرة تأخر سن الزواج ظهرت نتيجة عدة عوامل منها: تدني الدخل الشهري, وعدم توفير المسكن, والضغوط الاجتماعية المتمثلة في متطلبات أهل الزوجة والمجتمع, واستمرار التعليم وشيوع عناصر الحياة الحديثة التي عوضت على العزاب ما يحققه الزواج, واستنتجت الدراسة إلى أن تأخر سن الزواج هو عبارة عن عزوبة إجبارية وليست بمحض الاختيار, وتتفق تلك النتيجة مع دراسة الجوير (1996) (27) عن تأخر سن الزواج, حيث وجد ان مواصلة التعليم, وتكاليف الزواج و غلاء المعيشة وقلة دخل الأسرة عوامل أساسية في تأخر زواج الشباب.
وقام عبد الناصر جبل (2001) (28) بدراسة هدفت إلى التعرف إلى أسباب العنوسة لدى الفتاة القطرية. وأشار في دراسته إلى أسباب العنوسة متعددة ومنها: أولا: تعدد رفض الفتاة لمجموعة من المتقدمين تساهم في إحجام الشباب في التقدم أليها. ثانياً: رغبة الفتاة في استكمال تعليمها الجامعي أو ما بعد الجامعي قبل الزواج, ثالثاً: رفض الأنثى الزواج ممن هو اقل منها تعليماً, رابعاً: رغبة الآسرة تزويج الفتيات حسب ترتيبهن العمري, خامساً: تفرد بعض الآباء بقرار الرفض للمتقدمين للزواج بدعوى عدم الصلاحية دون التشاور مع الفتاة. سادساً: عدم الإعداد الجيد للجنسين من قبل الأسرة ساهم في نقص ثقافة الأسرة لدى الشباب.
وفي دراسة ابراهيم عبد الحميد (2002) (29) حيث اهتمت الدراسة بالكشف عن أهم مشكلات المستقبل الزواجي لدى طلاب وطالبات جامعة الإمارات, وذلك على عينة مكونة من (2515) طالباً وطالبة و توصلت الدراسة إلى أن من أهم مشكلات المستقبل ألزواجي للفتيات هو الخوف من تأخر سن الزواج وعدم وجود معلومات ومهارات لتكوين أسرة مستقرة, بينما الطلاب أكثر معاناة من الطالبات في مشكلة الخوف من عدم توفر المال الذي يؤمن المستقبل وصعوبة توفير المسكن وارتفاع تكاليف الزواج.
ومن خلال دراسة عبد العزيز الغريب (2005) (30) حول التدابير المجتمعية لمواجهة بعض المشكلات المجتمعية للشباب و منها تأخر سن الزواج للشباب, وقد توصلت الدراسة إلى تدني أعداد الشباب المستفيدين من بعض مؤسسات الزواج مقارنة بإعداد الشباب المؤهلين لسن الزواج في المجتمع, كما أكدت الدراسة إلى أن هناك تحسن في التدابير الاجتماعية فيما يتعلق بالدعم المادي و الجانب التوعوي مما ساهم في حدوث تغير ايجابي في مجال تقديم المساعدات لراغبي الزواج, و قد أوصت الدراسة بأهمية تشكيل هيئة حكومية لتقديم المساعدات لراغبين الزواج حتى تكون رافد للجهات الخيرية و تساهم في تقديم مساعدات تعين الشباب بشكل حقيقي على الزواج.
تعقيب على الدراسات السابقة :-
من خلال عرضنا للدراسات السابقة التي ترتبط بالزواج و أهميته, نلاحظ ان هذه الدراسات اتفقت على أهمية الزواج للجنسين وانه يساهم في تحقيق العديد من الوظائف للزوجين ومنها: السعادة الزوجية والإحساس بالأمان والاستقرار وتحقيق الذات والاستقرار الاجتماعي. و عليه فأن المشكلات المرتبطة بالزواج في الآونة الأخيرة من تأخر سن الزواج والعنوسة والتي يعاني منها الشباب تساهم في زيادة المشكلات الاجتماعية داخل المجتمع من شعور بالسخط الاجتماعي و الإحساس بالاغتراب و العزلة الاجتماعية. ونستخلص من ذلك أهمية دراسة الأسباب المؤدية للعنوسة حتى يسهل الوقوف عليها و معالجتها حتى لا تتفاقم هذه المشكلة.