أسباب التبرير فعل الجريمة
تمهيد:
يرتكب الإنسان في بعض الظروف والأحوال فعلاً يظهر في صورة جريمة، إلا أن هذا الفعل لا يشكل قانوناً جريمة،  لأن الشخص الذي يتعرض لاعتداء مثلاً، ويرد هذا الاعتداء بضرب المعتدي أو جرحه أو قتله، إنما يقوم بأفعالٍ مبررة. وعلة هذا التبرير أن المعتدى عليه لا يعتدي على حياة المعتدي أو سلامته الجسدية، بل يقاوم عدواناً واقعاً عليه ليوقف خطر هذا العدوان. وهذا التصرف طبيعي وغريزي، يحافظ الإنسان به على بقائه، ويدفع عدوانا يهدده ويهدد المجتمع معاً. وكذلك الأمر بالنسبة للطبيب الذي يجري لمريض عملية جراحية، فهو لا يعتدي على جسد المريض، بل يؤدي عملا إنسانياً لازماً لإنقاذ حياته، أو لتخليصه من آلامه. وشبيه بذلك عدد من الحالات الأخرى، التي تؤدي وظيفة اجتماعية بارزة، نذكر منها: توقيف قاضي التحقيق للمدعى عليه لضرورات التحقيق، وتنفيذ السجان عقوبة السجن بالمحكوم عليه، وتأديب الوالد ولده، وإصابة اللاعب أحد اللاعبين أثناء اللعب برضٍٍّ أو كسرٍ أو جرحٍ... إلخ.
وقد أيد المشرع هذه الحالات، دفعاً لكل التباس، بنصوص صريحة، ووصفها وقنن قواعدها وسماها «أسباب التبرير»، وردها إلى خمسة أسباب وهي:
1ـ ممارسة الحق.
2ـ والدفاع الشرعي.
3ـ وأداء الواجب.
4ـ وإجازة القانون.
5ـ ورضاء المجني عليه.
هناك  أسباب تقتضي تبرير (أو إباحة) أفعال تظهر في صورة جريمة. وعلة التبرير راجعة إلى أن هذه الأسباب تؤدي وظيفة اجتماعية معينة. فالقاضي الذي يوقف المدعى عليه بارتكاب جريمة لضرورات التحقيق يؤدي وظيفة اجتماعية. والطبيب الذي يجري عملية جراحية لمريض يؤدي وظيفة اجتماعية. والشخص الذي يدافع عن نفسه أو عن غيره ضد المعتدي على النفس يؤدي وظيفة اجتماعية. وعضو مجلس الشعب الذي ينتقد أحد الموظفين بهدف مكافحة الفساد وإصلاح الإدارة يؤدي وظيفة اجتماعية...
2ـ تلتقي أسباب التبرير مع الشريعة الإسلامية في نقطتين رئيستين هما:
آ) المحافظة على مصالح الفرد والمجتمع الخمس، وهي: ما فيه حفظ الدين، وحفظ النفس، وحفظ العقل، وحفظ النسل، وحفظ المال.
ب) العمل بمبدأ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ـ أحد ركائز المجتمع الإسلامي ـ مطلوب من أي فرد من أفراد المجتمع. فالاعتداء على النفس أو المال في الإسلام يفرض على المعتدى عليه، وعلى الكافة، واجب رد هذا الاعتداء، ويعطي في التشريعات الوضعية لهؤلاء حق وقف المعتدي عن الاستمرار  في اعتدائه بجميع الوسائل المتاحة لديهم، ومهما كانت جسامة النتيجة، شريطة ألا يتعسف باستعمال الحق.
ومبدأ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في الشريعة الإسلامية، وكذلك المبادئ الدستورية والقانونية في التشريعات الوضعية، تعطي لكل مواطن حق نقد الموظفين، ولأعضاء المجالس التشريعية والإدارية والمحلية حق مراقبتهم ونقدهم وكشف أخطائهم؛ وهذا يستتبع عدم مسؤوليتهم عن أي نقد يشكل جريمة بموجب أحكام القوانين النافذة.
وتدريس طالب الحقوق القواعد التي وضعها المشرع لأسباب التبرير تُبصّره بالسياسات التشريعية في التجريم والعقاب، وتطلعه على حالات الإعفاء من التجريم حيثما يجد المشرع محلاً لتبرير القول أو الفعل.
3ـ اقتضت السياسة التشريعية تبرير أفعال معينة والنص عليها صراحة في التشريعات العقابية، ولكن هذا التبرير مرهون بشروط معينة لا بد من توافرها في القول أو الفعل. ومن أهداف دراسة أسباب التبرير تعريف طالب الحقوق بشروط كل سبب حتى يكون على بينة من أمره عند تطبيق هذه الأسباب أثناء ممارسة عمله القانوني أمام المحاكم الجزائية. وتطبيق شروط أسباب التبرير مهمة قانونية وموضوعية يحتاج إنجازها على الوجه الصحيح معرفة دقيقة وتامة بهذه الشروط، ومهارة قانونية عالية الجودة.
4ـ تتطلب معرفة طالب الحقوق بأسباب التبرير معرفته أيضاً بموانع المسؤولية الجزائية، وأوجه الاختلاف بينها. فأسباب التبرير موضوعية، وتؤدي وظيفة اجتماعية، أما موانع المسؤولية الجزائية فهي شخصية، أي ترتبط بشخص من توافرت فيه. وطالب الحقوق في حاجة لمعرفة الفارق بين شروط وآثار حالات معينة من أسباب التبرير يمكن أن تختلط بموانع المسؤولية الجزائية، كما هو الحال في اختلاط حالة الدفاع الشرعي بحالة الضرورة، أو اختلاط التطبيب الذي يستند على إجازة القانون بالتطبيب الذي يستند على أداء الواجب، أو بالتطبيب الذي تفرضه حالة الضرورة...

Previous Post Next Post